الفصل الحادي والعشرون: دخول يسوع إلى أورشليم

 

الفصل الحادي والعشرون

فحواه دخول يسوع إلى أورشليم باحتفال حافل راكبًا أتانًا. وإخراجه البائعين والمبتاعين من الهيكل. وسدُّه أفواه الفرّيسيّين المغضبين. ولعنه التين. وتعليمه بفاعليَّة الإيمان. وردّه مسألة رؤساء الكهنة بأيِّ سلطان يفعل الآيات عليهم بمسألة أخرى في معموديَّة يوحنّا. وإنذاره بمثلي الكرم أنَّ ملكوت الله يُنزع من اليهود وينتقل إلى الأمم.

دخول يسوع إلى أورشليم

آ1. ولمّا قرُبَ من أورشليم وجاء إلى بيتَ فاجي على جانبِ طُورِ الزيتون. وروى مر 11: 1: ولمّا قرب من أرشليم وبيت عنيا. ولو 19: 29: ولمّا قرب من بيت فاجي وبيت عنيا. فلا خلاف جوهريّ في ذلك، وسبب الفرق في الروايات قُرب هذه الأماكن من بعضها. وبيت فاجي تأويلها قرية في فوهة الوادي. فإنَّ موقع هذه القريبة عند ذيل جبل الزيتون في منفرج وادي يوشافاط. ويقرب للتصديق ما قاله ينسانيوس* وأدريكوميوس* أنَّها كانت قرية الكهنة، وكانوا يسمّنون هناك الحملان الفصحيَّة وغيرها من الذبائح ويأتون بها من هناك، فأشار المسيح بمجيئه منها باحتفال، إلى أنَّه الحمل الرافع خطايا العالم. واجتاز بوادي يوشافاط مزفوفًا بعلامات الانتصار، إشارة إلى أنَّه سوف يدين في ذلك الوادي القبائل يوم الدينونة. أرسلَ يسوعُ اثنين من تلاميذِه. ارتأى إيلاريوس* وبيدا* وغيرهما أنَّ هذين الاثنين كانا بطرس وفيلبُّوس. والأحقّ ما ارتآه ينسانيوس* أنَّهما كانا بطرس ويوحنّ،ا لأنَّهما أُرسلا بعد ذلك لإعداد خروف الفصح.

آ2. وقال لهما: امضيا إلى هذه القريةِ التي أمامَكما. وهي قرية كانت تجاه بيت فاجي، على الرأي الأصحّ، لا أورشليم، كما زعم الليريّ*، ولا بيت فاجي، كما زعم ينسانيوس*. تجدا أتانًا مربوطة، أي برذونة مروَّضة وجحشًا معها غير مروَّض. فقد نظر المخلِّص هنا الغائب كحاضر بقوَّة لاهوته. فحُلاّهما واتياني بهما. وذكر مرقس ولوقا العفو، أي الحجش وحده، لأنَّ المسيح ركب العفو وحده بموجب روايتهما. وأمّا متّى فذكر الأتان والجحش تفصيلاً لكلِّ ما حدث، وتبيانًا لتمام نبوءة زكريّا الآتي إيرادها، والتي يظهر أنَّ الكلام فيها على العفو والأتان.

آ3. وإن قالَ لكما أحدٌ شيئًا قولا له: إنَّ سيِّدَنا يحتاجُهما فهو يُرسلُهما للوقت. لم يشأ المخلِّص أخذهما جبرًا على صاحبهما وإن حُقَّ له ذلك، لأنَّ عنايته تفعل بقوَّة وعذوبة، وقد عطف قلب صاحبهما لتسليمهما دون توقُّف. وكأنَّه يقول: إنّي أحتاجهما إذ أريد أن أدخل مدينة أورشليم باحتفال، لأتمِّم نبوءة زكريّا عليّ ولأشهر أنّي الماسيّا الذي تنبَّأ عليه. ولتُطابِقَ الحقيقة المثال، لأنَّه في اليوم العاشر من الشهر الأوَّل كان يجب أن يؤتى بالحملان الفصحيَّة، كما رُسم في سفر الخروج، ففي هذا اليوم العاشر نفسه، أريد أنا أيضًا أن أدخل أورشليم. وبعد خمسة أيّام أُذبَح على الصليب، أنا الحمل الحقيقيّ الرافع خطايا العالم. كذا فسَّر فم الذهب* وتوما روبرتوس* وغيرهما.

آ4. فكان هذا كلُّه ليتمَّ ما قيل في النبيّ (زك 9: 9) القائل:

آ5. قولوا لابنةِ صهيون. هذه الألفاظ لا وجود لها في نبوءة زكريّا. فقال البعض إنَّها مستعارة من نبوءة أشعيا، والصحيح أنَّ المسيح ذكر معنى كلام زكريّا لا ألفاظه. وابنة صهيون أورشليم والمقصود سكّانها. ها هوذا ملكُكِ يأتيكِ مُتواضعًا، لا بمركبة مذهَّبة بهيَّة بالأرجوان والبرفير، ولا متكبِّرًا فوق فرس مبتختر، بل راكبًا أتانًا مُحبَّةً الهدوء والسلامة، وكثيرة التجلُّد على الحمل والتعب. وجحشًا ابنَ أتان. فلا ترين حوله التشريفات اللامعة ولا المرهفيّات القاطعة، بل أغصان الزيتون الدالَّة على التقوى والسلامة.

آ6. فانطلق التلميذان وصنعا كما أمرَهما يسوع. فامتثل صاحب الأتان، وقد كان المسيح أنذر بذلك كما تقدَّم وكما صرَّح به مر 11: 4.

آ7. وجاءا بالأتان والعفو ووضعوا ثيابَهم على العفوِ وركبَه يسوع. وقرأت اللاتينيَّة: ووضعوا عليهما الثياب وأجلسوه من فوق. وقد ارتأى كثيرون أنَّ يسوع ركب العفو وحده، كما يظهر من رواية مرقس ولوقا، وكما يظهر من النسخة السريانيَّة هنا. والأصحّ أنَّه ركب الأتان والعفو، أحدهما بعد الآخر، الأتان أوَّلاً ثمَّ العفو. وذلك ليكون الأتان كناية عن الشعب اليهوديّ المروَّض بشريعة موسى، والعفو كناية عن الأمم الغير المروَّضين. وقد صنع الرسل والشعب هذا الاحتفال للمسيح بإلهام الروح القدس أو لاهوت المسيح. وقد أراده المخلِّص لأسباب، منها أن يعطي مثلاً ودليلاً على قدرته وعزَّته الملوكيَّة. وأن يبيِّن للكتبة والفرّيسيّين أنَّه الماسيّا إذ تمَّت به بذلك نبوءة زكريّا. وأن يطابق مثال حمَل الفصح، الذي كان يُؤتى به باحتفال في اليوم العاشر من الشهر الأوَّل، ويُذبح في الرابع عشر منه، كما صار بالمسيح.

آ8. وكثيرٌ من الجموع كانوا يفرشون ثيابَهم في الطريق وآخرون كانوا يقطعون أغصانَ الأشجار ويطرحونَها في الطريق. هذه الأغصان كانت من النخل والزيتون وغيرهما من الأشجار المثمرة الكثيرة في جبل الزيتون. وكانت الغاية أن يفرشوا الطريق للملوك بالطنافس وأغصان الأشجار تكريمًا لهم. وإذ لم يكن لهذه الجموع طنافس، ففرشوا أثوابهم للمسيح، وهذا دليل أكبر على احترامهم له.

آ9. والجموعُ التي كانت تتقدَّمُه وتتبعُه كانوا يصرخون قائلين: أوشعْنا. وتفسيرها "أوصانا"، وهي لفظة عبرانيَّة، في تأويلها وأصلها أقوال، أصحُّها أنَّ معناها أَسأل الخلاص أَسأل التوفيق لابنِ داود، أي الماسيّا. كذا فسَّر إيرونيموس* وتاوافيلكتوس*، وقد كان ذلك قولاً يُستعمَل في المسرّات والتهاني، كما يقال: يعيش رأس الملك. مباركٌ الآتي باسمِ الربّ، أي المرسل بسلطان الله ونيابة عنه. أوصانا في الأعالي. يعني: فليأتِ كلُّ خلاص وتوفيق من الله للماسيّا ومُلكه. وكما قال لوقا: السلام من السماء والمجد من العلاء، أي ينحدر ذلك على الماسيّا وشعبه. كذا فسَّر ملدوناتوس*.

آ10. ولمّا دخلَ أورشليمَ ارتجَّتِ المدينةُ كلُّها وكانوا يقولون: من هو هذا؟ يعني من هو الآتي إلى هذه المدينة الملوكيَّة بهذا الاحتفال الحافل، وبهذا الإكرام والهتاف العظيم، وينادي الجميعُ باسمه أنَّه ملك إسرائيل.

آ11. وكانتِ الجموعُ تقولُ: هذا يسوعُ النبيّ الذي من ناصرةِ الجليل. فإنَّ يسوع، وإن وُلد في بيت لحم، فقد تربّى في الناصرة. إنَّ هذا الاحتفال الذي صار للمسيح نتج منه مضرَّة له، فإنَّه زاد تهيُّجُ حسد الكتبة وبغضهم فصلبوه بعد أربعة أيّام. فإنَّ الله بكلِّ شيء عليم، وقد دبَّر كلَّ ذلك بعضه وضعًا، وبعضه سماحًا، ليصدر منه خير أعظم، وهو فداء العالم بموت المسيح.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM