طلب أمّ يعقوب ويوحنّا.

 

طلب أمّ يعقوب ويوحنّا

آ20. حينئذٍ جاءت إليه أمُّ ابنَي زبدى مع ابنَيها وسجدَتْ له وطلبَتْ منه شيئًا. حينئذٍ أي حين إذ سمعوا بذكر آلام المسيح وقيامته. ودعا مرقس في 15: 40 أمَّ ابني زبدى "صالومة" وهي امرأة زبدى، ووَلَدَت منه يعقوب ويوحنّا اللذين جعلهما المسيح من رسله.  وقوله "طلبت منه شيئًا" معناه طلبت حاجة دون أن تصرِّح بها أوَّلاً، كما روى مر 10: 35 أنَّها قالت: يا معلِّم نريد أن تصنع لنا كلَّ ما نسألك به. فخافت أن تُظهر حالاً رغبة ابنيها في التقدُّم لئلاّ يرفضها المسيح.

آ21. فقال لها: ماذا تريدين؟ فأجابَتْه: قل، أي مرْ وارسم أنْ يجلسَ ابناي الاثنان أحدُهما عن يمينِك، والآخرُ من عن يسارِك في ملكوتك. بما أنَّهما من أنسبائك، فالمرأة تطلب باسم ابنيها مرتبة رفيعة لهما لظنِّها أنَّ ملك المسيح أرضيّ، مشيرة بقولها هذا إلى وعد المسيح قبلاً للرسل بأن يجلسوا على اثني عشر كرسيًّا ليدينوا العالم. وروى مرقس أنَّ ابني زبدى طلبا هذا الأمر. وتوفيقه بأنَّ أمَّهما طلبته نيابة عنهما، فذكر متّى من طلب بالنيابة، ومرقس من طلب له بالنيابة عنه، إذ خجل ابنا زبدى أن يطلبا ذلك لنفسهما.

آ22. فأجابَ يسوعُ قائلاً: لا تَدريان ما تَطلبان. إنَّ المخلِّص يجيب ابني زبدى المطلوب لهما لأنَّه علم أنَّهما طلبا بواسطة أمِّهما قائلاً: إنَّ طلبتكما مشوبة بغلطات عديدة: أوَّلاً لظنِّكما أنَّ ملكي العتيد عالميّ ويُكتسب بالفخفخة. ثانيًا، لاعتباركما أنَّكما أهل لهذا المقام في ملكي وأنتما تطلبان جزاء الظفر قبل الظفر. ثالثًا، لتوهُّمكما أنَّ هذا الملكوت يكون التقدُّم فيه بحقِّ القرابة أو بطريق التوسُّلات، مع أنَّ التقدُّم فيه يُكتسب بالأحرى بإراقة الدم، كما سوف تعرفان بمَثَلي. فليتعلَّم الأساقفة والولاة بمَثَل المسيح أن يجيبوا أقرباءهم وأصدقاءهم، كما أجاب المسيح، إذا طلبوا منهم وظائف ومراتب لمن ليسوا أهلاً لها. أتستطيعان أن تشربا الكأسَ التي أنا عتيدٌ أن أشربَها؟ كأنَّه يقول: إنَّ أبي أعدَّ لي احتمال الآلام، فهل تقدران أنتما على احتمالها، وهل تعزمان على ذلك منذ الآن؟ وتصطبغا الصبغةَ التي أصطبغُها؟ بدمي الذي سوف يراق لأجل جميع الناس. ولا وجود لهذه العبارة الأخيرة هنا في اللاتينيَّة الدارجة وهي موجودة في اللاتينيَّة في مر 10: 38. فأجاباه: نستطيع. يعني نعزم على ذلك، وها نحن مستعدُّون له ولو مهما كان عسرًا، مع أنَّ البعض يحتسبون جوابهما جسارة كطلبهما، إذ لم يكونا يستطيعان حينئذٍ شرب هذه الكأس، وإن استطاعاه بعد ذلك فبواسطة النعمة التي قبلاها يوم العنصرة.

آ23. فقال لهما: إنَّ كأسي تشربانِها والصبغةَ التي أصطبغُها تصطبغانها. وأهنّيكما بذلك إذ تكونان من الأوَّلين التابعين لي في المعركة والكفاح. وأمّا جلوسُكما من عن يميني وشمالي، كما تطلبان أنتما دون تعب ودون جهاد ودم، فليس لي أن أعطيه. وزادت النسخ الرومانيَّة واللاتينيَّة: "لكما"، يعني لا يليق بي أن أمنحكما إيّاه بالتفضيل على غيركما، بل للذين أُعدَّ لهم من أبي. بالنوع الذي ذكرته سابقًا فيلزم أن أعطيه أوَّلاً المجاهدين والتعبين لأجلي والظافرين. كذا فسَّر أوريجانوس* وفم الذهب* وأوتيميوس* وغيرهم. قد اعترض الأريوسيّون* بهذه الآية زاعمين أنَّ الابن ليس بمساوٍ للآب جوهرًا، إذ قال إنَّه لا يخصُّه أن يعطي ابنَي زبدى التقدُّم في ملكوته. لكنَّهم ضلُّوا بزعمهم، فإنَّ المقابلة هنا ليست بين الآب والابن كما توهَّموا، بل بين ابنَي زبدى والمُعَدِّ لهم ذلك من الآب. فكأنَّه يقول: ليس لي أن أعطيه لكما أنتما، بل لي أن أعطيه للمُعَدِّ لهم ذلك من أبي، وبالتالي منّي. أو: ليس لي أن أعطيكماه كما تطلبانه بحقِّ القرابة وبالنسبة إليّ بما أنّي إنسان، مع أنَّ الله أعدَّه لآخرين يستحقُّونه.

آ24. فلمّا سمعتِ العشرةُ اغتاظوا على ذينك الأخوين. ولكن من أين عرف باقي الرسل ذلك؟ فالجواب: ذهب البعض أنَّهم كانوا حاضرين وقت الطلب فعرفوا. وذهب غيرهم إلى أنَّ واحدًا سمع فأخبرهم. والأقرب للتصديق، على ما فسَّر فرنسيس لوقا، أنَّ أمَّ ابنَي زبدى خاطبت المسيح بذلك سرًّا. أمّا يسوع فأجاب بنوع أن يسمع باقي التلاميذ ما يقوله ويفهموا طلب الأخوين وجوابه لهما.

آ25. فدعاهم يسوع وقال لهم: إنَّكم تعرفون أنَّ رؤساءَ الأمم هم ساداتُهم وعظماؤهم مسلَّطون عليهم. كأنَّه يقول: إنَّ رؤساء هذا العالم المحبّي الافتخار يطلبون التولّي ومباشرة التسلُّط على المسودين بحسب مرغوباتهم، لا لنفع المسودين بل لجرِّ الإكرام والنفع لأنفسهم. فالرغبة التي يميل بها كلٌّ منكم إلى التقدُّم والرئاسة، هي أشبه برغبات الأمم وعجرفتهم.

آ26. لكن لا يكن هكذا بينكم بل مَنْ أرادَ أن يكونَ فيكم عظيمًا فليكُنْ لكم خادمًا.

آ27. ومَنْ أرادَ أن يكونَ فيكم أوَّلاً فليكُنْ لكم عبدًا. أي من أراد (كما أرى جميعكم تريدون) أن يكون عظيمًا ومتقدِّمًا على غيره، فليرغب لا في أن يستحوذ على غيره، بل في أن يخدم غيره. ويسهر اقتداءً بي لا على منافعه ومصالحه، بل على مصالح غيره، مهتمًّا بذلك حتّى مع خطر حياته إن لزم الأمر. فإن اقتفيتم آثاري على هذا الأسلوب، فحينئذٍ يمكنكم أن ترجوا التقدُّم لديّ في المُلك السماويّ.

آ28. كما أنَّ ابنَ الإنسان ما جاء ليُخدَمَ بل ليَخدُمَ ويبذُلَ نفسَه خلاصًا عن الكثيرين. كأنَّه يقول: اتَّخذوني قدوة في الرئاسة على الكنيسة، فأنا ما أمرت بشيء إلاّ وصنعته أوَّلاً، وبمجيئي إلى العالم تعاطيت كأنّي لا أريد أن يخدمني أحد، بل أن أخدم غيري كأنّي أدنى الجميع. وقد بذلت أتعابي، بل جزمت أن أبذل حياتي ودمي أيضًا لأجل الجميع، لأنجّيهم من الخطيئة والشيطان والموت وجهنَّم. فليقتدِ بذلك الأحبارُ والرعاة. وقال "عن الكثيرين"، لا "عن الجميع"، لا كأنَّه مات لأجل المنتخَبين فقط، كما وهم كلفينوس* وبعض الأراطقة*، لأنَّ المخلِّص تألَّم ومات لأجل الجميع. وما أوضح قول الرسول بهذا الشأن في 2 كو 5: 14: "الذي بذل نفسه عن جميع الناس. وإذا كان واحد مات عن الجميع فالجميع إذًا قد ماتوا ومات المسيح عن الجميع". وقوله "الكثيرين" يُفهَم به "الجميع"، وقد وردت لفظة الكثيرين بمعنى الجميع في هذا الفصل (آ16) وفي مت 26: 28 وفي روم 5: 19 وفي محلاّت أخرى. أو أنَّ قوله هنا "عن الكثيرين" يُراد به لمنفعة الكثيرين، لأنَّ المسيح وإن مات عن الجميع، فنَفْعُ موته والخلاص التامّ لا يحوزه إلاّ الذين يثبتون بالبرِّ إلى النفس الأخير. كذا فسَّر إيرونيموس* وينسانيوس* وملدوناتوس* وغيرهم.

آ29. ولمّا خرجَ يسوعُ من أريحا تبعَه جمعٌ كثير. إنَّ يسوع مضى من أفرام إلى أورشليم مجتازًا بأريحا لأنَّها في الطريق.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM