تدخّل سمعان الصفا.

 

تدخّل سمعان الصفا

آ27. حينئذٍ أجابَ الصفا وقال له: ها نحنُ قد تركْنا كلَّ شيء. أي نساء وشباكًا وسفنًا وكلَّ ما كان يمكننا أن نرجوه، وقد تركنا ذلك بالميل والحقيقة تركًا دائمًا. فتبّاعُ المسيح يتركون بمقدار ما يمكن أن يرغب فيه من لم يتبعه، كما قال القدّيس برنردوس. وتبعناك. فها إنَّ الرسل قد اعتنقوا جميع المشورات الإنجيليَّة. فما عساه يكونُ لنا من الثواب في السماء والمجد في الحياة الأبديَّة؟

آ28. فقالَ لهم يسوع: الحقَّ أقولُ لكم أنتم الذين اتَّبعتُموني، إذا جلسَ ابنُ الإنسان على كُرسيّ مجدِه في العالمِ الجديد، أي في وقت القيامة العامَّة، إذ يتجدَّد فيها الجسدُ البشريّ والعالم كلَّه، كما جاء في رو 21: 1: هاأنذا أجعل سماء جديدة، وأرضًا جديدة. وقرأت اللاتينيَّة: في الميلاد الثاني، ويُراد بذلك القيامة أيضًا على الأصحّ. تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًّا. يكوِّنها الملائكة من سُحُبٍ بهيَّة ويجلس كلٌّ منكم على كرسيّ بالقرب من المسيح. وتدينون اثني عشر سبط إسرائيل، لا كما تدين ملكة تيمن ورجال نينوى أهل هذا الجيل بمقابلة أعمال الطرفين، بل يُبرز*** الديّان السامي الحكم بمشورتكم ورضاكم لأنَّكم أخصُّ أعوانه. ومن الإنصاف أنَّ من بَذَلوا نفوسهم في الأرض بإنذار الناس وإشغال ملكوت المسيح يحكمون يوم الدين، بالثواب للمطيعين والعقاب للمخالفين كما أنذروهم قبلاً. ويراد باثني عشر سبط إسرائيل جميع اليهود ومن انضافوا إليهم مؤمنين من الأمم، كما أبان تاوافيلكتوس* وأوتيميوس*. ولا ذكر للكفرة هنا لأنَّ من لم يؤمن فقد دين ولا يحتاج إلى الفحص عن أعمالهم. واعلمْ أنَّ عدد الاثني عشر من الدائنين والمدانين يُراد به العدد الغير المحدود، فهو من باب وضع المحدود عوضًا عن الغير المحدود. فإنَّ مار بولس يلزم أن يدين أيضًا مع الرسل وكثيرًا من القرنثيّين أيضًا، كما كتب في رسالته إليهم، وهذا الشرف يخصُّ الرجال الرسوليّين أيضًا بل جميع من تركوا الخير الزمنيّ واتَّبعوا المسيح وأنذروا بملكوته وإنجيله. وجميع هؤلاء لا يدينون الاثني عشر سبطًا فقط، بل العالم كلَّه، كذا فسَّر إيرونيموس* وأغوسطينوس* وغيرهما كثيرين***.

آ29. وكلُّ مَن يَتركُ لأجل اسمي، أي لأجلي ولأجل بشارتي، كما روى مر 10: 29، وإكرامًا لي، بيوتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًّا. فمِن، أو حرف التقسيم المتوسِّط بين هذه الكلمات، ينتج أنَّ المخلِّص لم يتكلَّم عمَّن تركوا كلَّ شيء فقط واتَّبعوه، بل عمَّن تركوا بعض الأشياء أيضًا ليحفظوا تعليم الإنجيل ويُنذروا به. وإن ارتأى فم الذهب* أنَّه يعد هنا باقي المؤمنين بما وعد به الاثني عشر رسولاً من الجلوس على الكراسي لدينونة العالم. أو امرأة. لم يقصد السيِّد بذلك فصل المقترنين بالزواج أحدهم عن الآخر، بل أراد أن تُفضَّل محبَّته على محبَّة المرأة، وأن تُهجَر إن منعت بعلها عن اتِّباع المسيح. ومن المحتمل أنَّه يُفهَم بهذا القول انحلال الزواج بين الغير المؤمنين إذا آمن أحدهما ولبث الآخر على كفره ولم يشأ مساكنة قرينه المؤمن دون احتقار لاسم الله، كما كتب الرسول في 1 كور 7: 15. أو أولادًا أو حقولاً يأخذ عوض الواحد مئة ويرث حياة الأبد. وزاد مر 10: 30: "الآن في هذا الزمان بيوتًا وإخوة وأخوات وأمَّهات وبنين وقرًى مع الاضطهاد، وفي العالم العتيد الحياة الأبديَّة". فكأنَّه يقول إنَّه يأخذ مئة ضعف لا من التعزية والسرور الداخل فقط، بل مئة ضعف من البيوت والإخوة والأمَّهات. أيضًا يعني أنَّ من يترك ذلك لأجل المسيح سوف يجد مؤمنين كثيرين يقدِّمون له من المحبَّة والمساعدة والغوث، مقدار ما يمكن أن يقدِّمه له مئة من الإخوة والأخوات والآباء والأمَّهات والنساء والأولاد، وذلك مع الاضطهاد أيضًا، حتّى إنَّ اضطهادات الظلام نفسها تكون بمنزلة إحسان عظيم عوضًا عن زيادة الأجراء. ومع الاضطهاد، بمعنى في وسط الاضطهادات والشدائد، أي إنَّ الإنسان إذ يكون عادمًا كلَّ مساعدة، تجعله العناية الإلهيَّة يشعر بغزير التعزية والغوث، كما ورد في أع 4: 35 أنَّ الرسل شعروا بهذا الغوث والسلوى. وأمّا إذا أمسك الله هذه التعزيات إلى زمان لأسباب أخرى، فيعيض عنها بذاته التي تغني عن كلِّ شيء، وهي أحسن كلَّ شيء، ويُكافَأ بالملذّات والمواهب الروحيَّة. كذا علَّم أوريجانوس* وأمبروسيوس* وأغوسطينوس* وغيرهم. ولكن في كلِّ ذلك يفترض شرط وجود باقي المطلوبات.

آ30. كثيرون أوَّلون يصيرون آخِرين والآخِرون أوَّلين. أي ليس جميع المتقدِّمين في الأرض يكونون متقدِّمين في السماء ولا بالعكس. وهذا ردٌّ على مظنَّة اعتراض من الرسل بافتكارهم كيف يمكننا ونحن صيّادون أدنياء، أن نسموَ عددًا وفيرًا من المشاهير الذين كانوا في الاثني عشر سبطًا؟ فيجيب المخلِّص أنَّ مراعاة الاستحقاقات والمراتب عند الله غير مراعاتها عند البشر. وهذا بمنزلة مقدِّمة للمثل الآتي في الفصل التالي. وفسَّر كثير من الآباء والعلماء الجدليّين أنَّ المعنى كأنَّه يقول إنَّ كثيرًا من المتقدِّمين في هذا العالم، الذين حفظوا وصايا الله فقط، يصيرون في السماء آخِرين. وكثيرًا من الفقراء والمتأخِّرين في هذا العالم، وقد حفظوا الوصايا واتَّبعوا المشورات الإنجيليَّة أيضًا، يكونون أوَّلين في ملكوت السماء. وقال كثيرون: لا جميع، لأنَّ بعض الأوَّلين يكونون أوَّلين في هذا العالم وفي العالم الآخر أيضًا، وبعض الآخِرين يكونون آخِرين في الدارين العابر والغابر.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM