الفصل العاشر:إرسال الاثني عشر.

 

الفصل العاشر

فحواه إعطاء يسوع رسله موهبة الإشفاء. وإرسالهم للإنذار بالإنجيل على اليهود. وإرشاده الرسل وتأييدهم بتنبيهات حسنة.

إرسال الاثني عشر

آ1. ثمَّة دعا يسوع تلاميذَه الاثني عشر، أي رسله. فقد انتخب يسوع من جمهور تلامذته هؤلاء الرسل الاثني عشر لا حينئذٍ، بل قبل خطبته في الجبل، كما ذكر لو 6: 13. ولذا ما تضمَّنه هذا الفصل يقتضي نظام التاريخ القويم وضْعه بالقرب من انتخاب الرسل وخطبته في الجبل، يعني أنَّ محلَّه في ف 8 بعد آ13 منه. وأن يوضع بعده إبراء عبد قائد المئة. قال كتاب الشروح: إنَّ ما تقدَّم من إبراء حماة بطرس حتّى الآن قد حدث قبل الخطبة في الجبل. وأراد المخلِّص أن يكون عدد رسله اثني عشر مقابلة للاثني عشر أولاد يعقوب إسرائيل. فكما كان هؤلاء آباء لجميع اليهود، هكذا كان الرسل آباء لجميع المسيحيّين. وأعطاهم سلطانًا على الأرواحِ النجسةِ لكي يُخرجوها ويَشفوا كلَّ مرضٍ ووجعن إثباتًا وتأييدًا لإنذارهم وتعليمهم.

آ2. وهذه أسماءُ الرسلِ الاثني عشر: الأوَّل سمعان المدعوّ الصفا. فهو الأوَّل لا دعوة ولا سنًّا (لأنَّ أندراوس كان أقدم منه دعوة وأكبر منه سنًّا كما شهد يوحنّا في 1: 40، وإبيفانيوس في أرطقة 51) بل مرتبة وسموًّا، كما سوف نوضح في محلاّت عديدة. وفي كلِّ محلٍّ من الكتاب المقدَّس وردت أسماء الرسل قد ذُكر بطرس أوَّلاً ويهوَّذا أخيرًا، مع اختلاف في وضع أسماء الباقين كما يظهر من بشارة مر 3: 16 ولو 6: 14 وأع 1: 13. ومن قوله "الأوَّل" أي المتقدِّم والمترامي. قد أخذ إيرونيموس* وفم الذهب* اسم رئاسة بطرس وتقدُّمه على باقي الرسل، لأنَّ المخلِّص أقام بطرس بعد ذلك رئيسًا وراعيًا للرسل أيضًا، وقد كان المسيح سمّاه بالسريانيَّة كيفا أي صخرة وصفا، وسيجيء البرهان في رئاسته. وأندراوس أخوه، أي أخو بطرس. ويعقوبُ بن زبدى وهذا يسمّى يعقوب الكبير، لأنَّه كان أقدم دعوة من يعقوب الآخر. ويوحنّا أخوه، أي أخو يعقوب، وقد صار بعد ذلك إنجيليًّا، وهذان يدعيان نسيبَي المسيح أو إخوته لما سيجيء. وقدَّم مرقس يعقوب ويوحنّا على أندراوس، وكذا فعل لوقا في أع 1: 13. ولكن قدَّم أندراوسَ عليهما في الإنجيل 6: 14. وأندراوس لفظ يونانيّ تأويله القويّ والشجاع. فإنَّ العبرانيّين بعد ولاية اليونان عليهم استعملوا بعض أسماء يونانيَّة. وفيلبُّوس. هو اسم يونانيّ أيضًا وتأويله محبُّ الخيل أو الحرب كما ذكر بانينيوس*، وإن قال إيرونيموس* إنَّه عبرانيّ ومعناه فم المصباح. وبرتلماوس. ارتأى إيرونيموس أنَّ هذا الاسم عبرانيّ تأويله ابن موقف الماء، أي من "بر"، ابن و"تلى" رفع ووقف، و"ماييم" الماء، والأصحّ أنَّه عبرانيّ معناه ابن تلماوس.

آ3. وتوما، أي التوأم. ومتّى العشّار. ومتّى لفظ عبرانيّ معناه موهوب أو هبة الله، ولاتِّضاعه وصف نفسه بالعشّار وأخّر ذكر نفسِه عن توما، مع أنَّ مرقس ولوقا قدَّماه عليه. ويعقوبُ بنُ حلفى. وحلفى معناه بالعبرانيَّة المعلِّم، وحلفى هذا غير حلفى أبي متّى الذي ذكره مر 2: 14، لأنَّ هذا كان زوج مريم كلاوبا التي تسمّى أخت مريم العذراء، ولذا ارتأى بعضهم أنَّ حلفى هو نفس كلاوبا وإن أنكر بارونيوس* ذلك، فحلفى ولد يعقوب ويهوذا من مريم المذكورة. ويعقوب هذا يسمّى الصغير، إمّا لصغر سنِّه، كما ارتأى بعضهم، أو لتقدُّم يعقوب الكبير أخي يوحنّا عليه دعوةً. ويسمّى أخا الربِّ لأنَّه من أقارب المسيح. وهو مؤلِّف الرسالة الشهيرة باسمه وأوَّل أسقف على أورشليم. ولابي الملقَّب بتادي، ويسمّى يهوذا أيضًا، وهو أخو يعقوب الصغير. وتادي عبرانيَّة معناها ذو الثدي. وقرأت اللاتينيَّة تادّاوس فقط، وباليونانيَّة لباوس أي لابى، ومعناه القلب الصغير، لأنَّه كان محبوبًا وعزيزًا لدى الجميع، كما قال مار إيرونيموس*. أو معناه (كما قال غيره) شبل الليث لشجاعته، ولأنَّه يشار به إلى يهوذا بن يعقوب الذي دعاه أبوه ليثًا كما جاء في تك 49: 9. وأمّا من أين كان فيلبُّس وبرتلماوس وتوما؟ فذلك غير مؤكَّد، إلاَّ أنَّهم دُعُوا مع غيرهم جليليّين في أع 1: 7.

آ4. وسمعان. وهذا يدعى القانويّ، لأنَّ منشأه قانا الجليل، كما قال مار إيرونيموس*. وقانا تأويلها الغيرة، ولذا دعاه مار لوقا* الغيور لغيرته. وارتأى نيكوفوروس* في ك8 رأس 30 وبارونيوس* أنَّ سمعان هذا كان العريس في عرس قانا. ويهوذا الإسخريوطيّ. ودُعي كذلك نسبة إلى قرية اسمها إسخريوط في سبط أفرام، وليست بعيدة من السامرة، كما قال إيرونيموس* وزعم بعضهم أنَّه دُعي إسخريوطيّ كأنَّه*** من سبط يسّاكر. الذي سلَّمه. ولِمَ اختار المسيح رسولاً مَن كان عالمًا بأنَّه سوف يسلِّمه؟ أجيب: أوَّلاً، ليضمَّه إليه بهذا الإحسان العظيم أشدّ انضمام. ثانيًا، ليكون له سبيل إلى تسليمه بوقته، إذ أراد أن يحتمل خيانته. ثالثًا، ليوضح أنَّ الأشرار يختلطون دائمًا في الكنيسة مع الأبرار إلى أن يُنقّى الأندر وُيفصل القمح من الزؤان. رابعًا، ليبيِّن أنَّ الأسرار لا تبطل لشرِّ خدّامها. وأخيرًا، ليعلِّمنا أنَّ نحسن لا إلى الأخيار وعارِفي الجميل فقط ،بل إلى الأشرار وغامطي النعمى أيضًا. وقد أرسل المسيح رسله اثنين اثنين كما روى لو 10: 1 ومر 6: 7، فجعل أندراوس رفيقًا لبطرس، ويوحنّا ليعقوب الكبير، وبرتلماوس لفيلبُّوس، وتوما لمتّى ويهوذا ليعقوب الصغي،ر والإسخريوطيّ لسمعان القانويّ.

آ5. فهؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع ليُنذروا بالإنجيل ويبتدئوا بتكميل الوظيفة التي دُعوا إليها، والتي أكملوها بعد موت المخلِّص وصعوده، إذ رسمهم كهنة وأساقفة وتأيَّدوا بالروح القدس. ولكي يسهِّل سبيلهم في بدايتهم بالإنذار، منعهم من أن يتجاوزوا تخوم اليهوديَّة، أو يبلغوا إلى الأمم، كما ذكر الإنجيليّ بقوله: وأمرَهم قائلاً: لا تسلكوا طريقَ الأمم. والسبب الحقيقيّ في ذلك، هو أنَّ المسيح كان يريد أن يُنذر اليهود أوَّلاً بمجيئه وإنجيله، لأنَّهم أبناء الملكوت الموعوّون خاصَّة بالماسيّا، وإلاّ لأمكن اليهود أن يعترضوا قائلين: لستَ المسيح إذ تُنذر الأمم والسمرة ( أهل السامرة)، مع أنَّ الأنبياء وَعدوا اليهود وحدهم بالمسيح. وهذه الوصيَّة كانت موقَّتة، إذ بعد آلامه وموته، أرسل تلاميذه ليُنذروا المسكونة كلَّها بالإنجيل، كما ذكر مت 28: 19 ومر 16: 15. ولا تدخلوا مدينة السمراء. قد ميَّز السمراء من اليهود والأمم، لأنَّهم لم يكونوا يهودًا حقيقة ولا من الأمم بالكلِّيَّة، وكانوا يُشركون عبادة اليهود مع كهانة الأمم. وأصلهم هو أنَّ ملك أثور أرسل نِحَلاً من الكلدانيّين فأقامت في محلِّ الأسباط العشرة التي سباها إلى بابل، فسكنوا تلك الأرض، فصالت عليهم الأسود. فأمر الملك أن يُرسَل إليهم كاهنٌ عبرانيّ يعلِّمهم عبادة الله على موجب طقس العبرانيّين فتخسي عنهم الأسود، فتمَّ ذلك. فكانوا يعبدون الأوثان كعادة وطنهم الذي ظُعنوا منه، ويعبدون إله إسرائيل خشيةً من الأسود كما ورد في 2 مل 17: 24 و27. ولذا لم يكونوا يهودًا ولا أممًا حقيقة، وكانوا يحبّون الانتساب إلى إسباط إسرائيل كما يظهر من قول السامريَّة للمسيح: هل أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا هذا البئر؟ (يو 4: 12).

آ6. انطلِقوا خاصَّة إلى الخرافِ التي ضلَّتْ من بيتِ إسرائيل. دعا اليهود خرافًا، لأنَّهم شعب الله الخاصّ وبمنزلة قطيع كان يرعاه بنفسه وبالملوك والأنبياء. وبقوله "ضلَّت" يشير إلى قول أش 53: 6: وجميعنا ضللنا كالغنم.

آ7. وإذا ذهبتُم اكرِزوا قائلين: قد قرُبَ ملكوتُ السماء. كأنَّه يقول: سأفتح السماء عن قرب بموتي، بعد أن كانت موصدة منذ ألوف من السنين لخطيئة آدم. فادعوهم ليدخلوا بهذا الطريق، فيبلغوا إلى الملكوت السماويّ واطئين ملذّات الأرض وأموالها.

آ8. اشفوا المرضى، طهِّروا البُرصَ، أقيموا الموتى، أخرجوا الشياطين. يأمرهم هنا أن يباشروا السلطان الذي منحهموه قبلاً على اجتراح العجائب، مثبتين بالآيات أنَّ إنذارهم إلهيّ لا بشريّ، عالمًا المسيح كما قال إيرونيموس* إنَّ الأناس السذَّج تحملهم العجائب إلى الإيمان أكثر من الكلام. مجّانًا أخذتم. يزيل عنهم السيِّد هنا سبب المجد الباطل، كما قال فم الذهب*، مبيِّنًا أنَّ هذا السلطان أعطاهموه الله مجّانًا خلوًّا من استحقاقهم. مجّانًا أعطوا. وهنا يحرِّم البخل والسيمونيَّة، على أنَّ السبب لإعطاء الرسل مجّانًا ليس أخذهم مجّانًا فقط (فمن حصل على علم أو صناعة طبيعيَّة مفاضة من الله كبسلائيل صانع قبَّة العهد [خر31: 2] وسليمان يمكنه بيع أعماله)، بل لأنَّ ما هو روحيّ أو فائق الطبيعة كاجتراح العجائب، لا يمكن تحصيله إلاّ بالمنح من الله، ولذا لا يجوز بيعه بثمن، كما يظهر من قول بطرس الرسول لسيمون الساحر. ومن ثمَّ يبان أنَّ السيمونيَّة مُنهًى عنها لا بالناموس الوضعيّ فقط، بل بالطبيعيّ أيضًا.

آ9. لا تقتنوا ذهبًا ولا فضَّة ولا نحاسًا في أكياسِكم. وفي اللاتينيَّة: في مناطقكم، لأنّ الأكياس كانت قديمًا تعلَّق بالمنطقة أي الزنّار، أو تكون الأكياس ضمن المناطق. فالمخلِّص كأنَّه يقول لهم: لا تهتمُّوا بمال العالم، حتّى إذا انعتقتم من كلِّ اهتمام تلقون اتِّكالكم بكلِّيَّته على العناية الإلهيَّة، وتتفرَّغون للإنذار بالإنجيل، وتجذبون الجميع إلى المسيح بمثال احتقاركم الأرضيّات. وارتأى يانسانيوس* وملدوناتوس* أنَّه لم يحرّم عليهم حمل اللازم من المال للسفر فقط، بل كلّ قنية للمال أيضًا. وسيجيء كلام في ذلك.

آ10. ولا هميانًا، أي خرجًا، فتحملوا به المأكل وغيرَه ممّا يلزم. في الطريق ولا ثوبين. لا ينهاهم من لبس ثوبين معًا وقاية من البرد ومضرَّة التأثيرات الفلكيَّة، بل من اقتناء أثواب تتبدَّل ليستعملوا بعضها في السفر وبعضها حيث يقيمون. ويظهر من بشارة يو 19: 23 أنَّ المسيح كان يلبس ثوبين، وكذا يجب فهم قول مر 6: 9: ولا يلبسوا ثوبين. كذا فسَّر إيرونيموس* ويانسانيوس* وملدوناتوس*، وارتأى اللبري* وتوليتوس* وغيرهما، أنَّه أمر هنا بثوب واحد، وهو يكفي في اليهوديَّة لأنَّها بلد حارّ. ولا أحذية. يعني زوجَي أحذية كالثوبين، على ما قال مار توما* وغايطانوس* وأشار إليه مار أغوسطينوس* في ك2 في توفيق الأناجيل رأس 30. والأظهر أنَّه يحرِّم هنا الأحذية التي لا تستر موطئ القدمين فقط، بل أعلاهما أيضًا كالجزمات وغيرها. إذ قد سمح لهم كما روى مر 6: 9 أن يحتذوا النعال، وهي أحذية لا وجه لها كالتي يستعملها في عصرنا هذا الرهبان الكبّوشيَّة. وكذا كانت أخفاف أشعيا وإرميا وحزقيال، وكذا كان خفُّ مريم العذراء كما يظهر من بعض صور قديمة. ولا عصا. ويريد بها العصا ذات الرأس من حديد التي تستعمل لحماية الإنسان أو الانتقام، وتسمّى بالعبرانيَّة شفط ويحرِّم عليهم بالمجاز حمل كلِّ سلاح في الطريق. ولكن روى مر 6: 8: إلاّ عصا فقط. فيسمح بالعصا التي يتوكّأ عليها المسافرون، المدعوَّة بالعبرانيَّة ميشخن، لأنَّ الفاعلَ يستحقُّ طعامَه. يورد سببًا لنهيه لهم عن حمل الذهب والفضَّة إلخ، كأنَّه يقول: إنَّ اليهود الذين تُنذرونهم يُعيلونكم، فالمنذِر يستحقُّ الطعام للقيام بأوَده. واعلم أنَّ بين المفسِّرين جدالاً: هل وصيَّة المسيح هذه بعدم اقتناء الذهب والأحذية إلخ، كانت وصيَّة دائمة على الرسل أو موقَّتة فقط؟ ذهب القدّيسون إيلاريوس* وأمبروسيوس* وأغوسطينوس* في ك2 في توفيق الأناجيل رأس 30 وغيرهم، ونقل عنهم ملدوناتوس*، أنَّها كانت وصيَّة دائمة تُلزم الرسل كلَّ حياتهم. وذهب غيرهم كثيرون أنَّها كانت موقَّتة ألزمت الرسل مدَّة إنذارهم اليهود في حياة المسيح. والصحيح أنَّها بالحقيقة والحصر كانت موقَّتة كما تقدَّم. ويبان ذلك من بشارة لو 22: 25 حيث قال: حين أرسلتُكم بغير كيس وبغير مزود وحذاء هل عازكم شيء؟ أجابوه: ولا شيء. قال لهم: فمن الآن من له كيس فليأخذه. فقوله: حين أرسلتكم، يدلُّ على وصيَّة ماضية. وقوله: فمن الآن، يدلُّ على أمر يخالف السابق. ثمَّ إنَّ الرسل بسفرهم إلى الأمم كانوا يمضون إلى أعداء لا يضيفونهم قبل أن يؤمنوا بعجائبهم، ولذا كانوا يحتاجون نفقة. ومن البيِّن أنَّ المسيح والرسل لم يحفظوا ذلك غير وقت بحروفه. فقد كان لهم محلاّت، وأصبحوا نساء أخوات يخدمنهم كما جاء في 2تيم 4: 13، وفي لو 8: 3 وفي أع 4 و5، حيث ورد أنَّ المسيحيّين كانوا يقدِّمون مقتناهم للرسل، فينفقونه عليهم وعلى غيرهم. وقد علَّم بهذا الرأي فم الذهب* في ميمر 9 في رسالة فيلبسيوس( فيلبّي ) ومار توما* وأنسلموس* وتوليتوس* وغيرهم. إلاَّ أنَّ هذه الوصيَّة نظرًا إلى جوهرها وغايتها التي هي الابتعاد عن البخل والطمع، ثمَّ احتقار الأرضيَّات والرغبة في السماويّات، وعدم وضع مانع للإنذار بالإيمان والارتداد إليه، هي بلا شكّ وصيَّة دائمة.

آ11. وأيَّةَ مدينةٍ أو قريةٍ دخلتموها ابحثوا فيها عمَّن يستحقُّ أن يضيف منذري الإنجيل، ويكون أهلاً لذلك، بالنظر إلى تقواه وحسن خصاله ورغبته في الخلاص وقبوله الإنذار، وبالنظر إلى تمكُّنه من قبول الرسل بالضيافة. وكونوا هناك حتّى تخرجوا. والداعي لهذه الوصيَّة هو أن لا يظهروا قليلي الثبات، كثيري التقلُّب، على ما فسَّر فم الذهب*، ولئلاّ يُبان أنَّهم يحبّون الراحة والتنعُّم بتبديل المسكن، ويبان أنَّهم غير مرتضين بالعيشة في المسكن الأوَّل، فيغتاظ مضيفهم كأنَّه غير مستحقّ أن يضيفوه، على ما فسَّر تاوادوريطوس* وأمبروسيوس* وغيرهم، إلاّ إذا أطالوا المكوث في محلٍّ، فيجب أن ينتقلوا لئلاّ يثقِّلوا على مضيفهم، وهذا ملخَّص من غاية وصيَّة المسيح.

آ12. وإذا دخلتُمُ البيتَ فسلِّموا عليه، أي على أهله. وزادت اللاتينيَّة: قائلين السلام لهذا البيت، ولا وجود لهذه العبارة في اليونانيَّة. والسلام لك أو السلام معك كان تحيَّة اليهود المعتادة، لكنَّهم كانوا يعنون به السلام الزمنيّ، والمسيح يريد به السلام الروحيّ أي النعمة والمجد والسعادة الراهنة.

آ13. فإن كان البيتُ مُستحقًّا، ما تطلبونه له بقولكم: السلام، فسلامُكم يحلُّ عليه. وإن كان غيرَ مستحِقٍّ، فسلامُكم يرجعُ إليكم، أي يعطي لكم ما طلبتموه له. وتحرير المعنى على الأصحّ كما ذكر ملدوناتوس*، هو أنَّ ما التمستموه له من الخير لا يحلُّ عليه ولا يناله.

آ14. ومَن لا يقبلُكم ولا يسمعُ كلامَك،م فإذا خرجتُم من ذلك البيت أو من تلك القريةِ، فانفُضوا الغبارَ عن أرجلِكم. وزاد مرقس ولوقا: "للشهادة عليهم"، وبذلك تبيِّنون أنَّ قدومكم إليهم لم يكن لربح أرضيّ، ولا تريدون الاشتراك معهم بشيء ولو كان عامًّا كالتراب والماء. وكذا صنع بولس وبرنابا كما ورد في أع 13، وذلك دليل على الحرم واللعنة والهلاك، ويشير إلى أنَّ ذلك الغبار سيشهد يوم الدين على من لم يقبلهم. كذا فسَّر أوريجانوس* وإيرونيموس* وفم الذهب* وغيرهم.

آ15. الحقَّ أقول لكم: إنَّ لأرضِ صادومَ وعمورا راحةً يومَ الدين أكثرَ من تلك المدينة، لأنَّه وإن ارتكب أهل صادوم وعامورا إثمًا ثقيلاً جدًّا بنوع الشبق ضدَّ الطبيعة، فمع ذلك كان إثمهم أخفَّ من خطايا الكفر والعناد والعصاوة على الله، التي يرتكبها من يأبى قبول الرسل وتعليمهم، ومن إثمهم ضدَّ الروح القدس ونعمته الممنوحة لهم بوضوح وسخاء. هذا عظم مقدارهما، والمثبتة بالعجائب، مع أنَّ أهل صادوم لم يحصلوا على شيء من ذلك. كذا فسَّر إيلاريوس* وإيرونيموس* وبيدا* وغيرهم. وينتج من هذه الآية عقيدتان الأولى ذكرها إيرونيموس*، وهي أنَّ عذابات الهالكين غير متساوية. والثانية ذكرها أثناسيوس*، وهي أنَّ البعض يعاقَبون على خطاياهم في هذه الحياة وفي الأخرى أيضًا، فأهل صادوم عوقبوا في هذه الحياة بحريق بلدهم. ويشير المسيح هنا إلى أنَّهم سيعاقَبون بعد الدينونة أيضًا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM