قائد المئة في كفرناحوم.

قائد المئة في كفرناحوم

آ5. ولمّا دخل يسوعُ كفرناحومَ، دنا منه قائدُ مئة، وهو الذي كان واليًا في كفرناحوم على الرومانيّين، كما يظهر من لو 7. وقال لوشيوس دكستر*: إنَّ هذا كان كورنيلوس القائد أبا كورنيلوس القائد الذي كان حارسًا عند صليب المسيح، وإذ رأى الآيات وقتئذٍ، آمن بالمسيح، وكلاهما أنذرا بالإيمان في اليهوديَّة وإسبانيا. وقد دنا هذا من المسيح أوَّلاً، بواسطة شيوخ اليهود. ثانيًا، بواسطة محبّيه كما روى لو 7. ثالثًا، بنفسه كما يبان من آ8 هنا، إذ كان المسيح قريبًا من بيته. كذا فسَّر فم الذهب* وتاوافيلكتوس* وأوتيميوس*، وطلب إليه قائلاً:

آ6. يا ربّ، فتاي، ودعاه لوقا "عبده" لأنَّ العبيد أي الخدّام يسمِّيهم ساداتهم فتيانًا توقيرًا لهم، ملقًى في البيت مخلَّعًا وممنوًّا بعذاب شديد. وكان أشرف على الموت كما روى لوقا.

آ7. فقال له يسوعُ إنّي أجيءُ فأبرئُه.

آ8. فأجابَ قائدُ المئة قائلاً: لا يا سيِّد، فإنَّني لست مستحقًّا أن تدخلَ تحتَ سقفِ بيتي، لكن قلْ كلمةً فقط، أي مرْ بالكلام وحده، فيبرأ فتاي. لأنَّه كان يعلم أنَّ المسيح يُخضع له الله كلَّ شيء، فيستطيع أن يصنع كلَّ ما شاء. فإذًا، ما رواه لوقا من أنَّه طلب إليه أن يأتي فيبرئ فتاه، يظهر أنَّ شيوخ اليهود وحدهم قالوه، إذ أتوا إلى المسيح يسألونه من أجل القائد الذي كان طلب أنَّ المسيح يبرئ فقط فتاه. فزاد شيوخ اليهود من عندهم أن يأتي، محرِّضين المسيح إلى ذلك بقولهم: إنَّه محبُّ شعبنا وقد بنى لنا كنيسة، كما روى لوقا. وقوله: لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقف بيتي، قاله القائد للمسيح أوَّلاً بواسطة أصدقائه، إذ دنا المسيح من بيته كما روى لوقا؛ ثمَّ قاله له بنفسه عند استقباله له بالقرب من البيت. ويظهر أنَّ هذا القائد قد آمن أنَّ المسيح إله أو نبيّ سامٍ أي الماسيّا الموعود به لليهود، الذي يقدر أن يفعل كلَّ ما شاء وإن غائبًا. وقال ملدوناتوس*: إنَّ التباين برواية هذه الأعجوبة بين أقوال متّى ولوقا، جعل البعض يظنُّون كلامهما في أعجوبتين. والصحيح أنَّ الأعجوبة واحدة، وكلّ من الإنجيليَّين ذكر لها ظروفًا مع الاتِّفاق بالجوهر.

آ9. إذ أنا أيضًا رجلٌ تحت سلطان. رئيسي طيباريوس قيصر. وتحت يدي جنود، أي مئة جنديّ. وأقولُ لهذا امضِ فيمضي والآخر هلمَّ فيأتي، ولعبدي اعملْ هذا فيعمل. هذا وأنا إنسان كباقي الناس، وإذا أمرتُ أحد مرؤوسيَّ بشيء فيحصل حالاً، فكم الأولى بك أنت الذي لست تحت سلطة أحد وتسود جميع الخلائق أن تستطيع صُنْع كلَّ ما تشاء، وبالتالي أن تقول كلمة فيبرأ فتاي. كذا فسَّر فم الذهب* وأغوسطينوس*.

آ10. ولمّا سمعَ يسوعُ تعجَّب من إيمان القائد واتِّضاعه واحترامه. وتعجُّبه بمعنى أنَّه أظهر على نفسه العجب وتكلَّم كعادة المتعجِّبين. فإنَّ التعجُّب الحقيقيّ يكون من أمور غير معتادة أو غير منتظرة، وهذا لا محلَّ له في المسيح ولا نظرًا إلى الطبيعة البشريَّة أيضًا. لأنَّه فضلاً عن العلم الطوباويّ الذي حازه بالاتِّحاد الأقنوميّ مع الكلمة والمشاهدة الطوباويَّة، قد أفيضَ على نفسه العلم المفاض، وكان يعلم كلَّ شيء وإن غائبًا، ولم يكن يمكن أن يَعرض له شيء لا يعلمه أو ضدَّ انتظاره، كما قال القدِّيسان توما* وأغوسطينوس*. وقال للآتين معه: الحقَّ أقولُ لكم إنَّني ولا في إسرائيل وجدتُ مثل هذه الأمانة. يعني لم أجد في عامَّة الشعب الإسرائيليّ مثل هذه الأمانة منذ ابتدائي بالإنذار. فإنَّ مريم العذراء وإبراهيم وموسى ويوحنّا المعمدان وغيرهم كان عندهم أعظم من هذه الأمانة لا محالة. أو المعنى على ما قال فم الذهب*: إنّي لم أجد مثل هذه الأمانة بالمقابلة، لأنَّ هذا كان وثنيًّا وقائد عسكر، وباقي من تعاطى معهم كانوا إسرائيليّين ومؤمنين، ولذا يكون الإيمان فيه أعظم منه فيهم.

آ11. أقولُ لكم إنَّ كثيرين يأتون من المشرقِ والمغرب. يعني إنَّ كثيرين من الوثنيّين يتراكضون من جميع أصقاع الأرض إلى الكنيسة، فقد تنبّأ على دعوة الأمم بداعي عمل قائد المئة هذا، ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماء. يعبِّر بقوله "يتّكئون" عن ملذّات المُلك السماويّ الذي يعبَّر عنه كثيرًا في الأسفار المقدَّسة بوليمة. وذَكَر هؤلاء الثلاثة دون غيرهم من الآباء هنا وفي محلاّت أخرى، لأنَّ الله يسمّى إلههم كقوله: أنا إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، ولأنَّ هؤلاء هم آباء اليهود الأوَّلون وانتخبهم الله لذلك، ولأنَّهم قدَّموا خاصَّة نموذجات فريدة للإيمان والديانة، ولأنَّهم وُعدوا بأنَّ ذرِّيَّتهم ترث أرض كنعان التي كانت مثالاً لملكوت السماء.

آ12. وبنو الملكوت، يعني المولودين ورثة لملكوت الكنيسة والسماء، ويريد بهم اليهود المولودين من الآباء الموعودين بهذا الملكوت.، يُخرَجون إلى الظلمةِ البرّانيَّة. والصحيح في ذلك أنَّه من حيث إنَّ  الملكوت السماويّ يشبَّه متواترًا بوليمة، ومن عادة الوليمة عند القدماء أن تكون غالبًا وقت العشاء، ففي الكتاب المقدَّس قلَّ ما ورد ذكرُ الفطور للولائم. فالقدماء كانوا يؤخِّرون التنعُّم بالولائم إلى المساء للتفرُّغ من الأشغال. وبهذا المعنى قال الرسول: الذين يسكرون فبالليل يسكرون (1 تس 5: 7). وقد ذكر هذه العادة عند اليونان إكليمنضوس الإسكندريّ* في ك2 من المهذِّب رأس 2. وذكرها عند الرومانيّين بلوطرخوس*. وكانوا في الوليمة يُكثرون الأضواء بينما يكون خارج الوليمة ظلمات دامسة. فالمسيح كما يعبِّر عن الملكوت السماويّ بالوليمة يعبِّر عن نار جهنَّم هنا وفي محلاّت أخرى بالظلمة البرّانيَّة. ونار جهنَّم لا تنير الهالكين إلاّ بما يعود لزيادة عذابهم بنظرهم كما علّم باسيليوس* وغريغوريوس*. هناك يكون البكاء، أي الندب والعويل الصوتيّ بعد يوم الدين، ولكن دون دموع مادّيَّة، وإن سلّم بذلك ملدوناتوس*، لأنَّه أيَّة بحور تكفي لإذراف الدموع مدى الأبديَّة كلِّها؟ وهل النار المتاجِّجة هناك والخارقة بواطن أجسامهم لا تخفِّف وتردع تلك الدموع؟ وصريف الأسنان. وهذا الصريف يكون بعد القيامة حقيقيًّا كما علَّم مار توما* وبيدا* وغيرهما، وبعضه يصدر من شدَّة عذابات النار، وبعضه من شدَّة البرد الذي يكون هناك، كما جاء في أي 4: 19: ينتقلون من مياه الثلج إلى الحرِّ الشديد. وأنكر يانسانيوس* وغيره عذاب البرد في جهنَّم.

آ13. ثمَّ قال يسوعُ لقائدِ المئة: اذهَبْ، فليكُنْ لك حسبما آمنت، فبرئ فتاه حالاً. ويظهر من هنا أنَّ يسوع لم يدخل بيت القائد ولم يلمس فتاه أو يخاطبه، بل شفاه من المحلِّ الذي استقبله القائد فيه. وقد نتج المؤلِّفون القدماء من هذا وما أشبهه أنَّ إيمان إنسان يُفيد إنسانًا آخر، لأنَّ هذا العبد لم يؤمن أو لم يُظهر إيمانَه، فبرئ بإيمان سيِّده القائد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM