الطريقان.

 

الطريقان

آ13. أدخلوا من البابِ الضيِّق فإنَّ البابَ عريضٌ والطريقَ المؤدّي إلى الهلاك رحبٌ والداخلون فيه كثيرون. يقول: إنَّ الباب الذي يُدخل به إلى السعادة السماويَّة ضيِّق. ويريد بهذا الباب على ما قال أغوسطينوس* شريعة الله التي تقمع شهواتنا ثمَّ الطاعة والإمساك والأمانة. وأمّا الباب المؤدِّي إلى الهلاك وجهنَّم فواسع، وهو الشهوة والحرِّيَّة الغير المرتَّبة والحنجرة والمال إلخ. فكأنَّه يقول: يظهر لكم أنّي ضيَّقت بوصاياي السابقة طريق الخلاص، فاعلموا أنَّه ضيِّق بذاته، لأنَّ طريق السماء هو الطهارة والبرارة الصعب الحصولُ عليهما في حال الطبيعة الساقطة. قد كان بيتاغوروس** الفيلسوف يقول: إنَّ طريق الفضيلة ضيِّق في مدخله ثمَّ يتَّسع تدريجًا، وطريق الرذيلة واسع في مدخله ثمَّ يضيق تدريجًا.

آ14. ما أضيقَ البابَ وأكربَ الطريقَ المؤدّي إلى الحياة، وقليلون الذين يستطيعون إليه سبيلاً. يكرِّر معنى الآية السابقة لزيادة تقويته وترسيخه في عقولنا. ويظهر أنَّ طريق الخلاص ضيِّق من أنَّ الذين يخلصون قلائل. فلوط نجا مع ابنتيه من حريق صادوم؛ ونوح نجا بسبعة أنفس من غرق الطوفان؛ ويشوع بن نون وكالب بن يوفينا وحدهما دخلا أرض الميعاد من ألوف الإسرائيليّين الكثيرة. وكلُّ من بادوا في صادوم وبالطوفان وفي البرِّيَّة من مصر إلى أرض الميعاد، بادوا من جرّاء الآثام، بل المخلِّص نفسه قال: إنَّ المدعوّين كثيرون والمنتخبين قلائل (مت 20). فهذا الرأي صحيح نظرًا إلى مجموع الناس كلِّهم، لأنَّ أكثرهم غير مؤمنين وأراطقة. وارتأى البعض باحتمال أنَّ أكثر المؤمنين يخلصون، لأنَّ أكثرهم يموت مسلَّحًا بالأسرار المقدَّسة التي تبرِّر الخطأة. وهذا يظهر صحيحًا نظرًا إلى من لم يعيشوا بتواصل في الخطيئة كأصحاب العوائد السيِّئة والمرابين ومن أشبههم، فهؤلاء يموتون غالبًا بالخطيئة انتقامًا منهم. فيسأل فم الذهب* وأوتيميوس*: كيف يقول هنا إنَّ طريق وصاياه ضيِّق مع أنَّه قال في 11: 30 إنَّ نيره طيِّب وحمله خفيف؟ فالكلفينيّون* كانوا يحلُّون ذلك بتفسيرهم الطيِّب والخفيف بمعنى الغير الممكن، إذ يدّعون أنَّ وصايا الله غير ممكنة الحفظ. ولكن يجيب فم الذهب* وأوتيميوس* أنَّ نير الربِّ قاسٍ على أصحاب الشهوات وطالبي الأرضيّات، وهو طيِّب وخفيف على الروحيّين والناظرين إلى العتيدات

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM