الصلاة .

 

الصلاة

آ5. ومتّى صلَّيت فلا تكن كالمرائين المحبّين القيام في المجمع وزوايا الأزقَّة للصلاة ليشاهَدوا من الناس. من قوله هنا: القيام، ومن قول مرقس في 11: 2: وعندما تقومون للصلاة، ومن قول لو 18: 11: أمّا الفرّيسيّ فوقف يصلّي، قد نتج يانسانيوس* أنَّ اليهود كانوا يصلُّون واقفين لا جاثين. والصحيح أنَّ الكهنة واللاويّين كانوا يقدِّمون الذبائح ويرتِّلون التسابيح لله واقفين، والشعب أيضًا كان يقف، وإلاّ فلا يمكنهم رؤية الذبائح لوجود حاجز بينهم وبين المذبح علوُّه نحو ثلاثة أذرع. وكذا كان الشعب يقف عند سماع الخطب وقبول البركة وعند الشكر لله على انتصار أو إحسان آخر. وأمّا في غير ذلك فكان اليهود يصلُّون جاثين لاسيَّما في أفعال السجود والتوبة. فقد جاء في 3 مل 8: 54 عن سليمان أنَّه جثا وصلّى في تكريس الهيكل. وقال الله في أش 45: 23: "ولي تجثو كلُّ ركبة". وأمثال ذلك عديدة. وأمّا النصارى فقد اعتادوا منذ البداية أن يصلُّوا جاثين، فالمخلِّص عند آلامه جثا، بل خرَّ على الأرض مصلِّيًا (مت 26: 39). وكذا فعل مار بطرس كما جاء في أع 4: 30. وقال الرسول: "أجثو على ركبي لأبي سيِّدنا يسوع المسيح" (أف 3: 14). فالنصارى إذًا يصلّون جاثين في كلِّ الأيّام ذكرًا لسقوط آدم وذرِّيَّته، إلاّ في أيّام الأحد وزمان الفصح فيصلُّون واقفين ذكرًا لقيامة المخلِّص كما علَّم يوستينوس* بحث 115. وقال مار إيرانياوس* في كتابه في الفصح إنَّ هذه العادة ابتدأت من زمان الرسل. وذكر ترتوليانوس* هذه العادة في كتابه في إكليل الجنديّ رأس 3. وأمّا الفرّيسيّون فكانوا يصلُّون واقفين تكبُّرًا. وقوله: في زوايا الأزقَّة، لا يراد به الخلوات، بل ملتقى الطرق في آخر الأسواق حيث تجتمع الطرق ويكثر الناس كما هو بيِّن من قرائن الحال. الحقَّ أقول لكم إنَّهم قد قبلوا أجرهم. هذا مرَّ تفسيره آنفًا.

آ6. وأمّا أنت فإذا صلَّيتَ فادخُلْ مُخدعَك وأغلِقْ بابَك وصلِّ لأبيك سرًّا. لا ينهى المسيح هنا عن الصلاة المشتهرة مع الجمهور في الكنائس، إذ جرت بها العادة الكلِّيَّة القديمة واستعملها اليهود والنصارى استعمالاً عامًّا، كما يظهر من 3مل 8: 19 ومن أع 1: 24؛ 6: 6. وقد مُدحت دائمًا في المسكونة كلِّها. ويثبِّتها البرهان بأنَّه ينبغي أن يعبد الله مشتهرًا بالصلاة المشتهرة، وبذلك يحمل الناس على الصلاة وينالون ما يلتمسون من الله بأوفر سهولة، لأنَّ التماس الناس الجمهور أكثر قبولاً، وقد أثبت ذلك ترتوليانوس* في محاماته رأس 3 وأوريجانوس* في ميمر 7 وفم الذهب* في ميمر 3 في طبع الله الغير المدرك. فإذًا، ما ينهي عنه المسيح هنا هو التباهي بالصلاة والرغبة في أنَّ الإنسان يشاهَد مصلِّيًّا ليُكسبه ذلك مجدًا باطلاً. وأبوك الذي يرى السرَّ يجازيك. وأرادت اليونانيَّة والسريانيَّة والعربيَّة القديمة، علانية. وينتج من هذه الآية ضدَّ كلفينوس* أنَّ للصلاة استحقاقًا وأجرًا.

آ7. وإذا صلَّيتم فلا تكونوا مهذارين، أي مكثري الكلام، مثلَ الوثنيّين المُظنّين أنَّهم بكثرةِ كلامِهم يُستمَع لهم، فلا تتشبَّهوا بهم. لا ينهى هنا عن الصلوات المستطيلة، فهو، جلَّ ثناؤه، قضى الليالي ساهرًا بصلاة لله وعلَّمنا أن نصلّي بتواتر كما ورد في لو 18، بل ينهى عن كثرة الكلام الباطلة التي لا طائل لها كما كان يصنع الوثنيّون الذين يؤنِّبهم على أمرين: الأوَّل، أنَّهم يظنّون أنَّ كثرة كلامهم وتمليق خطاباتهم تعطف الله إلى إجابتهم كما يعطف الفصحاء والشعراء قلوب الناس بخطبهم الفصيحة. والثاني، أنَّهم يريدون أن يُعْلموا الله كأنَّه تعالى غير عالم بحال المائتين واحتياجاتهم. فيحذِّر المسيح من هذين الأمرين ناهيًا عن أن تكون الصلاة بهذر وإن كانت مستطيلة. ويلزم أن يكون المصلّي ملتمسًا وسائلاً، لا مخبرًا، كما قال إيرونيموس* وكبريانوس* وأغوسطينوس*. فإنَّ الله قد رسم أن يمنح مواهب كثيرة لمن يصلُّون ولا يمنحها دون صلاة. ويريد أن نتَّضع أمامه إذ نصلّي ونعرف احتياجنا وذُلَّنا ونعترف بأنَّه ينبوع كلِّ خير ومانحه. وبمقدار ما تكون المثابرة والحرارة في الصلاة، بمقدار ذلك تحصل الإجابة من لدنه تعالى.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM