الفصل السادس : الصدقة.

 

الفصل السادس

فحواه تعليم المسيح كيف يجب إعطاء الصدقة. وصيرورة الصلاة والصوم. ووجوب الإكناز في السماء ومجانبة البخل. وزيادة الاهتمام بالمأكل والمشرب وباقي الأمور الزمنيَّة الزائلة.

الصدقة

آ1. انظروا، فلا تصنعوا صدقتَكم قدّام الناس. كذا قرأت النسخة السريانيَّة وبعض النسخ اليونانيَّة أيضًا. وقرأت اللاتينيَّة: لا تصنعوا برَّكم، ويُفهم بالبرّ كلُّ عمل صالح. وقد قسَّم المسيح ذلك في كلامه الآتي إلى أنواعٍ، أي إلى الصدقة التي تلاحظ القريب، وإلى الصلاة التي تلاحظ الله، وإلى الصوم الذي يلاحظ نفوسنا. وعلى ما قرأت السريانيَّة يكون ابتداء هنا كلامه في الصدقة قائلاً: احذروا أن يُفسدها المجدُ الباطل بصنعكم إيّاها أمام الناس، ليروكم. أي احذروا أن تكون هذه نيَّتكم وغايتكم بعملها، وإلاّ فلا أجر لكم عند أبيكم الذي في السماء. لأنَّ أجر المجد الباطل هو المديح البشريّ لا الإلهيّ، ومن رغب في إرضاء الناس ليمجِّدوه أغاظ الله. وليلاحظ قوله: فلا أجر لكم عند أبيكم، ضدَّ المحدثين الذي يُنكرون أجر الأعمال الصالحة.

آ2. ومتى صنعتَ صدقةً فلا تَضرِبْ أمامك بالبوق، أي لا يتقدَّمك رجل يصوِّت بالبوق ليدعوا المساكين من كلِّ جهة، كما كان يصنع المراؤون، أي الكتبة والفرّيسيّون، في المجامع والأسواق، بحجَّة ألاّ يخسر المحتاجون إحسانهم مع أنّ الحقيقة هي: ليمجَّدوا من الناس، أي ليُظهروا للجمهور إحسانهم وسخاءهم وينالوا المجد الباطل. الحقَّ أقولُ لكم إنَّهم قبلوا أجرَهم، أي المجد الباطل والمديح العابر عوضًا عن الثواب الراهن والخالد الذي كان الله عتيدًا أن يمنحه جزاء صدقاتهم. قال صاحب التأليف الناقص: أيَّ شيء تنال من الله أنت الذي لم تعطِ الله شيئًا، بل تغيظه بحماقتك ومكرك ورداءتك؟ فالحماقة لأنَّك تقدِّم الأمور البشريَّة على الإلهيَّة، والمكر لأنَّك تخدع البشر بتظاهرك بالفضيلة، والرداءة لأنَّك تخصُّ بنفسك المديح الواجب لله.

آ3. أمّا أنت فإذا صنعتَ صدقةً فلا تَعلمُ شمالُك ما صنعَتْ يمينُك. هذا مثال للمبالغة والغلوّ. فكأنَّه يقول: اهرب من الافتخار بالفضيلة بهذا المقدار، حتّى لو كان ليدك الشمال عين أو أذن فلا تدعها تسمع أو تنذر ما صنعت يمينك من الخير. هكذا فسَّر فم الذهب* وتاوافيلكتوس.* وقال ملدوناتوس: قال: لا تعلم شمالك بما صنعت يمينك لا بالعكس، لأنَّ الصدقة وباقي الأعمال تُصنع غالبًا باليمين والشمال تساعدها، ولو كان لها عين لما اختفى عليها شيء ممّا تصنعه اليمين. لكي تكونَ صدقتُك خفية.

آ4. وأبوك الذي يرى الخفاء، والذي له وحده الاستطاعة على المجازاة الكاملة، يجازيك علانية. (لا وجود للفظة علانية هنا في اللاتينيَّة وهي موجودة في اليونانيَّة). وزاد لوقا في 14: 14: "في قيامة الأبرار" أي إذ يراك العالم كلُّه ويمدحك بجملته. فإذًا، لماذا تتلهَّف إلى المديح الباطل الخاوي من أناس أدنياء قلائل، ولك ملك الملوك مثبت لمدحك، وسوف يمدحك سكّان المسكونة كلِّها؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM