الخاتمة.

 

الخاتمة

تلكَ كانت مسيرتنا برفقة هذا الحكيم الذي اسمه يشوع بن سيراخ. كتابه آخر كتاب حكميّ دوّن في اللغة العبريّة. عاد إلى سفر الأمثال فتوسّع فيه وعمّق معانيه، فما ترك وجهة التفاؤل التي عرفها أوّل الأسفار الحكميّة في الكتاب المقدّس. يبدو أنّ ابن سيراخ عاش في حقبة عرفت بعض الهدوء والسلام. فما طرح الأسئلة التي »تنغِّص« عيش الإنسان. ما سار في خطّ أيّوب ومسألة الشرّ الذي يرافق البارّ والخاطئ على السواء. أهذه هي عدالة الله على الأرض؟ فابن سيراخ في صيغته العبريّة، لبث يربط بركلة الله ببرارة الإنسان، وعقابه بالخطيئة. ولكن سيكون تبدّل كبير في الترجمة اليونانيّة، بعد أن عرف شعبُ الله المجازاة في الحياة الأخرى، كما في سفر دانيال.

وما سار ابن سيراخ في خطّ التشاؤم الذي قدّمه سفر الجامعة: باطل الأباطيل وكلُّ شيء باطل. لا نفعَ في شيء يعملُه الإنسان على هذه الأرض. وكلّ المشاريع التي نقوم بها تنتهي في الفراغ. فالموت هو النهاية. فالحكيم يموت والجاهل، الغنيّ والفقير. فماذا يبقى لنا؟ نرضى بحياتنا اليوميّة وبما تحمل من فرح نتمتّع به. نعيش يومنا ولا نتطلّع إلى غدنا. فمن أراد أن يحسب حساب الغد، وما يحصل بعد موته، يحاول أن يقبض بيده على الريح. ولو لم تأتِ خاتمةٌ تتحدّث عن مخافة الله، لما دخل سفرُ الجامعة في لائحة (قانون) الأسفار المقدّسة: كيف يمكن لهذا الكتاب أن يكون قاعدة الإيمان وهو الذي يجعل الإنسان والحيوان يموتان ويُدفَنُ الواحد مثل الآخر، وكأنّ التراب هو النهاية؟ وأيّة حياة خلقيّة هذه التي تدعو الإنسان أن لا يهتمّ بشيء في هذه الدنيا لئلاّ يضيع وقته؟

بدا ابن سيراخ وكأنّه ما عرف قوّة التساؤل في هذين السفرين، وما توقّف كثيرًا عند المجازاة الفرديّة، حيث الإنسان مسؤول عن أعماله، فلا تضرس أسنانُه إن أكل حصرمًا تركه له الآباء. الخاطئ يعاقَب بخطيئته، لا بخطيئة أجداده. والبارّ أيضًا. وهكذا لبث ابن سيراخ في خطّ الحكمة التقليديّة التي اغتنت بعض الشيء دون أن تصل إلى عمق الإيمان الذي يقودنا إلى العهد الجديد.

ذاك هو سفر يشوع بن سيراخ. دوّن في العبريّة، فانتقل إلى السريانيّة انتقالاً أمينًا، فما أضاف ولا حوّل سوى القليل. ونُقل إلى اليونانيّة في أكثر من نسخة. ولكن تحوّل المعنى في أكثر من مناسبة، كما هو الأمر في الترجمة السبعينيّة: أعطت مدلولاً جديدًا للألفاظ والعبارات. ووصل هذا الكتاب إلى اللاتينيّة حيث شدّد الناقلون على الوجهة الأخلاقيّة. لهذا، كانت الكنيسة تقرأه للمؤمنين ولا سيّما في زمن الصوم المقدّس، لهذا سمّي »كتاب الكنيسة« (إكليزياستيكوس).

حاولنا أن ندخل في »متاهاته«، فكانت المداخل على مستوى النصوص والدراسة الأدبيّة والفكرة الأخلاقيّة. ثمّ قرأنا النصّ قراءة متواصلة مع العودة إلى اللغة الأصليّة ولغات النقل. وأخيرًا، قدّمنا عشرة تأمّلات تساعد المؤمن وحامل الكلمة أن يوصلها بشكل صلاة إلى ذاته وإلى الآخرين. كنا نودّ أن يتواصل الكتاب في دراسات خاصّة. ولكن طال الكتاب. فتركنا هذه الدراسات إلى كتاب آخر، إن شاء الله.

عالم الحكمة علم واسع في الكتاب المقدّس. وهو يخرجنا، عادة، من إطار شعب يهوذا وإسرائيل الضيّق. لهذا توسّعنا فيه، فاختلف ما كتبناه في هذا المجال عمّا كتبناه في شرحنا »للتاريخ«. ظهر سفر الأمثال، ونشيد الأناشيد، وباروك. وبعد سفر الحكمة الذي أفردنا له كتابًا خاصٌّا، نقدّم الآن ابن سيراخ. ونرجو بعونه أن نتوقّف عند سفر الجامعة، ثمّ عند سفر أيّوب. والربّ هو الذي يسدّد خطانا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM