الفصل التاسع والثلاثون: سمعان الكاهن الأعظم.

 

الفصل التاسع والثلاثون

سمعان الكاهن الأعظم (50: 1 - 29)

1- المقدّمة

إنطلق ابن سيراخ من الماضي السحيق، فوصل إلى الحاضر الذي يعيش فيه. تحدّث عن سمعان الثاني ابن أونيّا الثاني الذي توفّي سنة 195 تقريبًا. كان عظيمُ الكهنة، في ذلك الوقت، الرئيسَ الدينيّ والسياسيّ في الجماعة. من هذا القبيل هو يواصل عمل حزقيّا (48:17) وزربّابل ويشوع ونحميا (49: 11 - 13). كان سمعان آخر عظيم كهنة من سلالة صادوق (يوسيفوس، العاديّات 12/4: 10). إنّ إعجاب ابن سيراخ به، ووصْفه له، يجعلنا نفكّر أنّه رآه يمارس وظيفته الكهنوتيّة في الهيكل، فانطبع هذا المشهد في عينيه وفي قلبه، وتأسّف بعد أن انتقل الكهنوت إلى الحشمونيّين. في هذا الخطّ نجد الأسيانيّين (مغاور بحر الميت) الذين رفضوا هذه السلالة الكهنوتيّة الجديدة، وانتظروا زوالها لكي يعودوا إلى الهيكل ويقدّموا ذبائحهم.

2 - نظرة إلى النصّ

50: 1. أونيّا. في العبريّة: يوحنان. نقرأ في العبريّة: الأكبر بين إخوته، ومجد شعبه. سمعان رمَّم الهيكل بعد حملة المصريّين التي فشلت أمام السلوقيّين سنة 198 في بانيون. كان الترميم قد تمّ بأمر أنطيوخس الثالث.

آ 2. العبريّ: في أيّامه بُنيَ السور، زوايا المسكن (أو: الملجأ) في هيكل (أو معبد) الملك. هل تضاعف علوّ السور؟ ربّما.

آ 3. بحر النحاس الذي وُضع في الهيكل (1 مل 7: 23 - 26)، هذا في اليونانيّ. قد يعني العبريّ أنّ هذا الحوض وسعه وسع البحر.

آ 5 - 21. نقرأ هنا وصفًا مدهوشًا لليتورجيّة يوم التكفير العظيم (لا 16). يرتدي عظيم الكهنة ثيابه الحبريّة (45 :7 - 11)، ويقدّم المحرقة تكفيرًا عن خطاياه وعن خطايا الشعب. وبعد أن يَخرج من قدس الأقداس، يتقدّم إلى جمهور المؤمنين ويباركهم.

آ 5. خروجه. ليدور حول المعبد. أو حسب المخطوطات: يحيط به شعبه. العبريّ: حين ينظر من الخيمة. وراء الحاجب. أي قدس الأقداس (خر 26: 31 - 37) الذي لا يدخله عظيمُ الكهنة سوى مرّة في السنة، يوم كيبور، يوم الغفران العظيم.

آ 6 - 10. يُصوَّر بهاءُ ظهور رئيس الكهنة في أحد عشر تشبيهًا أخذت من السماء والنبات والحجارة الكريمة.

آ 6. يحتفلون بالفصح في بدر نيزان (أذار - نيسان). رج خر 12: 6؛ لا 23: 5؛ حز 45: 21. ويرتبط عيد المظال ببدر الخريف (لا 23: 34).

آ 15. غابت الآية هذه من العبريّ. ولكن وُجَدت في السريانيّ. سكائب سفر اللاويّين هي سكائب دم (لا 1:1ي؛ 3: 1ي؛ 4: 1ي؛ 7: 1ي؛ 8: 1ي). ويرافق سكيبُ النبيذ المحرقةَ الدائمة (خر 29: 40؛ عد 28: 7)، والمحرقةَ وتقدمةَ الحزمة الأولى (لا 23: 13)، وتقدماتٍ مختلفة (عد 1:1 - 12).

آ 17. الإله العليّ. هي شموليّة عالم الإسكندريّة. والنطاق ضيّق في العبريّ. قال: لعبادة العليّ، قدّوس إسرائيل.

آ 20. ويرفع يديه ليبارك الشعب (لا 9: 22) قبل أن ينزل عن المذبح. رج عد 6: 23 - 27 حيث نقرأ عبارة البركة. إسمه. يوم الغفران هو اليوم الوحيد الذي فيه يستطيع عظيم الكهنة أن يلفظ الاسم المجيد. إسم يهوه (المشناة، يوما 3: 8؛ 6: 2). ذاك كان له امتيازٌ فريدٌ.

آ 22. إله الكون. في العبريّ، الربّ، إله إسرائيل. رج آ 17.

آ 24. العبريّ: »لتثبت رحمتُك مع سمعان، وليحفظ (الله) له عهد فنحاس، لئلاّ تُنقَض له ولا لنسله، كلّ أيّام السماء«. قد يكون دوّن هذا النصّ في أيّام سمعان. ولكن أعاد المترجم تدوينه، لأنّه في ذلك الوقت، وُضع حد$ لسلالة سمعان الكهنوتيّة بعد مقتل أونيّا الثالث، حفيد أونيّا الثاني (2 مك 4:34).

آ 26. سعير (عبريّ، لاتينيّ). السامرة (يونانيّ)، ولكنّ الكلام هو عن سعير الأدوميّين الذين يشكلّون الشعب الغبيّ في شكيم.

آ 27. ابن سيراخ بن ألعازار (يونانيّ، سريانيّ). في العبريّ: سمعان بن يشوع بن ألعازار بن سيراخ.

آ 29. أضافت بعض المخطوطات: والأنقياء يمنحهم الحكمة، مبارك الربّ إلى الأبد. آمين. آمين. في العبريّ: مخافة الله هي الحياة.

3 - شرح الآيات (50: 1 - 29)

أ - سمعان عظيم الكهنة (50: 1 - 21)

أكمل ابن سيراخ (آ 1 - 10) تقريظه لأشخاص مشهورين بامتداح عظيم الكهنة، الذي عرفه شخصيٌّا، والذي مات منذ زمن قصير. في آ 1 - 4، نفهم أنّ عظيم الكهنة الذي هو رئيس »جاروسيا« أو السنهدرين (= المجلس الأعلى)، هو الرئيس الحقيقيّ للأمّة اليهوديّة، على المستوى الدينيّ وعلى المستوى السياسيّ. وينعم باستقلاليّة أدبيّة لا يزاحمه فيها أحد. واصل سمعان عمل نحميا (49: 13)، فأصلح بيت الله (الهيكل) وأحاطه بسور. قال العبريّ في آ 2: في أيّامه بُنيَ سور مع أبراج دفاعيّة. وعاد فصنع حوض النحاس (آ 3) مثل بحر ملآن (العبريّ)، الذي دمّره البابليّون (1 مل 7: 23ي)، وأخيرًا، عمل مثل حزقيّا (48: 17)، فهيّأ المدينة لمقاومة الغزاة وهجمات العدوّ: هجمات السامريّين واجتياحات السلوقيّين.

كان سمعان بنَّاءً كبيرًا، كما كان عظيمًا في ممارسة الوظائف الحبريّة. عاد ابن سيراخ إلى ليتورجيّة يوم التكفير، وقدَّم التشابيه: مثل كوكب يشعّ في وسط السحاب، مثل البدر في يوم العيد، أي الفصح (نيزان، سريانيّ)، مثل الشمس المشعّة على قصر الملك. مثل قوس قزح التي تظهر في السحاب. مثل الزهور على الأغصان في يوم العيد، في الربيع، مثل البنفسج على شاطئ المياه.

وبدأ سمعان خدمته (آ 11 - 15). إرتدى ثيابه الجميلة، وصعد »هيكل البهاء«، فأنار دار الهيكل حيث المذبح. حين يتسلّم حصص لحم الذبائح، من يد إخوته، كان يساعده، وهو قربَ المذبح، كهنةٌ أقاموا حوله بشكل إكليل.

في ذلك الوقت (آ 16 - 21)، يهتف الكهنة أبناء هارون، وينفخون بالأبواق المقدّسة (عد 10: 2؛ 2 أخ 7: 6؛ 29 - 27) ذكرانة أمام الله (عد 10:10). عندئذٍ يسجد الشعب المؤمن لله الملك. وكانت الجوقة تنشد الأناشيد (آ 18). وتتواصل الصلاة إلى أن يُكمِل عظيمُ الكهنة الاحتفال على المذبح (آ 19). وحين ينزل عن المذبح يبارك. وكانت ركعة ثانية (آ 21) لقبول غفران ا؟ الذي ينالونه بتضرّع عظيم الكهنة.

ب - الخاتمة (50: 25 - 29)

وينتهي الكتاب بهجوم على ثلاثة أمم مكروهة (آ 25 - 26) وبتوقيع ابن سيراخ الشخصيّ. إنّ آ 25 - 26 غريبتان عن السياق ولكنّهما موجودتان في جميع المخطوطات وهمّهما إظهار التعارض بين جهالة الأشرار وحكمة شعب الله

الشعوب التي لا يحبّها إسرائيل (آ 25 - 26): سكّان سعير (العبريّ) أي الأدوميّون والفلسطيّون والسامريّون (عاصمتهم شكيم). هي شعوب ثلاثة قريبة من أورشليم. كان الأدوميّون شعبًا معاديٌّا منذ العودة من السبي (عو 1 - 11؛ مز 52؛ 137: 5؛ ملا 1: 2 - 5). إحتلوا منطقة حبرون (1 مك 5: 65؛ يوسيفوس، العاديّات 2/8: 6؛ الحرب 4/9: 7). والبغض مع الفلسطيّين أمرٌ تقليديّ. ولكن في تلك الحقبة، صاروا رمز الوثنيّة ورأس الحربة في الهلنستيّة الهاجمة: ففي مدن الساحل نجحت الحضارة اليونانيّة أكثر ما نجحت (نح 13: 23ي؛ 1 مك 10: 83ي). دعاهم 1 أخن 89: 46، 47؛ 90: 4: الكلاب. أمّا السامريّون الذين تحالفوا مع السلوقيّين على يهودا (1 مك 3: 10: يوسيفوس، العاديّات 11/8:341 ي؛ 12/1: 10)، فشكّلوا جيرانًا خطرين. وصاروا بعد العودة من السبي الشعب البليد (تث 32: 21؛ وص لاوي 7: 2)، الأمّة الجاحدة، الخائنة. أنهوا بناء هيكل على جبل جرزيم، وكوّنوا جماعة مهرطقة (2 مل 17: 24) خرجت عن طاعة عظيم الكهنة في أورشليم. ثمّ إنّ هذه المجموعة من المهاجرين من أيّ لون، ما عادوا يكوّنون شعبًا واحدًا. كانت السامرة مركز الحاكم السلوقيّ (يوسيفوس، العاديّات 12/258) ومستوطنة يونانيّة. صار اسمهم في ذلك الوقت: الصيدونيّين في شكيم. الكنعانيّين. بعد دمار المدينة اليونانيّة على يد يوحنّا هرقانوس، أخذ لفظ »السامريّ« المعنى الذي نعرف.

سمعان بن يشوع بن ألعازار بن سيراخ (العبريّ: رج 51: 30). حفر (رسم، صوّر) في هذا الكتاب تعاليم الحكمة الخارجة من القلب كالموج. أنهى كتابَه بتمنٍّ إلى القارئ: طوبى لمن يتأمّل هذا التعليم ويحفظه: يجعله في قلبه (ل ب)، في عقله وفكره (نح 2: 12؛ 7: 5). وفكّر فيه، ومارسه. فهو يبلغ إلى الحكمة وينتصر على كلّ شيء، لأنّ نور الله ينير طرقًا يسير فيها. فالله دالول أمين. وفي النهاية، كما قال العبريّ: »مخافة الله هي الحياة«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM