الخاتمة

الخاتمة

تلك كانت مسيرتنا في قراءة سفر الحكمة الذي هو آخر كتاب دُوِّن في العهد القديم. قيل سنة 50 ق.م. أو 30، وربَّما في زمن الامبراطور أوغسطس قيصر (31 ق.م. - 14 ب.م.) هذا الكتاب الذي بدا في الأصل وكأنه يحدِّث ملوكَ الأرض وحكّامها، فيدعوهم إلى التقوى وطلب الحكمة، هو في الواقع تأمّل. يقرأه اليهود العائشون في الشتات، ولا سيّما في الاسكندريّة حيث انتشروا انتشارًا واسعًا. هم يُضطَهدون، لأن طريقة حياتهم تختلف عن طريقة حياة الوثنيين. ولكنهم أبرار في نظر الله، وينتظرهم ثواب سعيد، لأن نفوسهم في يد الله. هذا ما حدث لآبائهم حين كانوا في مصر، حيث استعان الله بالخليقة من أجل خيرهم هم، ومن أجل شرّ مضطهديهم.

يقرأ سفرَ الحكمة الأبرارُ الذين يطلبون الحكمة التي تقابل شريعة ا: من عمل بهذا يحيا. ويقرأه الأشرار الذين انغمسوا في مدينة وثنيّة شاسعة تقدّم الملذات، وتروي الشباب بالخمور، وتعطّرهم بالطيوب، وتكلّلهم بالورود. توهمّوا أنهم بذلك يجدون السعادة، فإذا هم يَخدعون أنفسهم لأن الشرّ أعمى أبصارهم.

ويقرأ سفرَ الحكمة الوثنيّون الذين يرون في هذا الكتاب خطبة تشبه خطبهم شبهًا بعيدًا. إنه أكثر من نصّ يقرأونه كما يقرأون عددًا من الاخبار. فسفرُ الحكمة يحمل طرحًا يبيّن أن حكمة التوراة لا تقلّ عن حكمة الفلاسفة اليونان. وسفرُ الحكمة يقدّم طريقة حياة للناس الذين يطلبون الخلود وعدم الفساد، سواء كانوا من العالم اليهوديّ أو العالم الوثنيّ. كل إنسان يُدان بحسب أعماله. وا الذي يدين البشر، لم يعرفه فقط الشعبُ اليهودي من خلال وحي وصل إليه في الكتاب. بل يمكن أن يعرفه كلُّ انسان. يكفي أن ننظر إلى الروائع التي صنعها، لكي نفهم أن صانعها أعظم منها. فمن لم يعرف الله هو أحمق من طبعه، لأنه لم يقدر أن يميّز بين الكائن وبين الكائنات مهما كانت عظيمة. دُهش هؤلاء من قوة الله، ولكنهم لم يعرفوا أن يسجدوا له، ففضّلوا السجود لأصنام تبدو بشكل حيوان حقير. أما بنو اسرائيل فعرفوا الربّ الذي يدبِّر كل شيء بالرحمة.

ذاك هو سفر الحكمة. كان عتبة نقلتنا من العهد القديم إلى العهد الجديد. شأنه شأن الترجمة اليونانيّة السبعينيّة التي تمّت هي أيضًا في الاسكندريّة. هذه البيبليا اليونانيّة ستكون في استعمال  الجماعات المسيحيّة الأولى، من أجل قراءة حياة يسوع وموته وقيامته، وقراءة حياة الكنيسة. أما آخر الاسفار ففتح عيوننا وقلوبنا على الخلود والقيامة، وهكذا هيّأنا لأن نسير مع ذاك الذي هو القيامة والحياة، مع ذاك الذي هو الطريق والحق، يسوع المسيح.،

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM