الفصل 34: وجه سليمان في حك

وجه سليمان في حك 7 - 9

لا يتضمّن سفر الحكمة (أو حكمة سليمان) أي اسم علم. إلاّ أنه من الواضح أن حك 7 - 9 يجعل أمام عيوننا شخص سليمان. والبراهين عديدة التي تُثبت هذا الشعور. فعنوان الكتاب في الأصل اليونانيّ وفي اللاتينيّة العتيقة والشعبية (الفولغاتا) والسريانيّة البسيطة هو: حكمة سليمان. ثم إن الكاتب يتحدّث في صيغة المتكلم المفرد (أوجّه أنا كلامي) منذ 6:9، 11 اللتين تفتحان الطريق، مع 6:22 - 25، أمام ف 7 - 9 (لا نجد خارج هذه المقاطع صيغة المتكلّم المفرد). فإن قدّم الكاتبُ نفسه، في ف 6، على أنه معلّم الحكمة الذي يلقّن الملوك، فهناك مقاطع من ف 7 - 9 لا يمكن أن تُفهم إن لم تُلمِّحْ إلى سليمان. نستطيع أن نورد عددًا من النصوص، ولكننا نكتفي بواحدٍ فقط:

ومع ذلك اخترتَني لشعبك ملكًا،

ولبنيك ولبناتك قاضيًا.

وأمرتَني أن أبني لك هيكلاً على جبلك المقدس،

ومذبحًا في مدينة سكناك،

على مثال المسكن المقدس الذي هيّأتَه منذ البدء (9:7 - 8).

لا يمكن أن يكون الحديث هنا إلاّ عن الملك سليمان، باني هيكل أورشليم. واثباتًا بأننا أمام ابن داود، نقرأ في 9:12 النصّ الموازي:

فتكون أعمالي مقبولة لديك،

وأقضي لشعبك بالعدل،

وأصبح أهلاً لعرش أبي.

وهناك ميزة أخرى تلفت انتباهنا: إن كان الملك سليمان يتوجّه إلى القارئ (في الحقبة القديمة، اعتاد الكاتب أن يستعير اسم شخص عظيم سبقه)، يجب أن نتساءل عن الوجهة التي منها يتكلّم. ساعة كتب تحدّث في صيغة المضارع:

والآن أخبركم ما الحكمة

وكيف نشأتْ (6:22)

أو في صيغة الحاضر:

الآن أرجو الله أن يمنحني القدرة

على التعبير عمّا تعلّمتُه (7:15).

وفي صيغة الحاضر يقدّم نفسه دون أن يحدّد:

ما أنا إلاّ إنسان مائت،

شبيه بجميع الآخرين (7:1).

إذا وضعنا بين قوسين 7:22 - 8:1 حيث تُصوَّر الحكمة، ففي ما تبقّى من ف 7 - 9، حيث يبدو سليمان متكلّمًا عن نفسه، الوجهةُ هي وجهة الماضي. بعد أن كبر سليمان ونضج، ذكر ماضيه وما اكتفى بطفولته:

تكوّنتُ جسدًا في رحم أمي...

ولما وُلدتُ تنفّستُ الهواء العادي...

وربيتُ في القمط... (7:1، 3، 4).

وذكر بشكل خاص الحقبة التي فيها طلب الحكمة فنالها. كان سليمان في ذلك الوقت ملكًا شابًا لم يفعل بعدُ شيئًا. ولكنه عرف فقط المهمّة التي أُلقِيت على عاتقه:

اخترتني لشعبك ملكًا،

ولبنيك ولبناتك قاضيًا،

وأمرتني أن أبني لك هيكلاً على جبلك المقدّس (9:7 - 8).

وأشار سليمان أنه إن وُهبت له الحكمة:

حينئذٍ تكون أعمالي مقبولة لديك (9:12).

في نظر سليمان الذي يتكلّم، كل هذا هو من الماضي. ومن الماضي أيضًا ذاك اليوم الميمون الذي فيه طلب الحكمة.

صلّيتُ... ودعوت الله (7:7).

صلّيتُ إلى الرب من كل قلبي (8:21).

حين بدأ الملك يُطلق صلاته، كان شابًا (نايوس، 8:10)، كان فتى (بايس، 8:19). هذا اللفظ لا يدلّ حصرًا على الولد. بل على المراهق والشاب. ذاك كان وضع سليمان حين خلف أباه داود. كان عمره عشرين سنة وربّما ثماني عشرة سنة.

إذا جعلنا 8:9 - 16 جانبًا (سنعود إليه بعد قليل)، فجميع الأفعال التي تعالج ما فعله سليمان أو ما رغب في أن يفعله في وقت صلاته لينال الحكمة، هي في صيغة الماضي الناقص. هذه الصيغة هي المستعملة في الأخبار التاريخيّة. إنها تصوّر فقط أحداثًا من الماضي: صلّيتُ... فضّلت... أحببتُ... اخترت (7:7 - 10). ثم »أحببتها وطلبتها منذ صباي (نيوتيس، بالنسبة إلى النضج، أكمي، والشيخوخة، غيراس)، وتمنيتُ أن تكون لي عروسًا لكثرة ما أغرمتُ بجمالها« (8:2). وأيضًا: »عزمتُ أن أجتذبها إليّ لكي تسكن معي« (8:9). ثم: »رحتُ أبحث عن طريقة للحصول عليها« (8:18).

ولكن في ذلك الوقت من الماضي، تطلّع سليمان أيضًا إلى المستقبل، فاعتُبر أنه وعى مهمّته. ورأى مسبقًا الخير إن هو نال الحكمة. عندئذٍ صارت الأفعال في صيغة المضارع:

تكون لي مشيرة...

يكون لي بفضلها ما يرفع شأني...

سيجدون أني سريع البديهة...

بها أنال الخلود،

وأترك للذين بعدي ذكرًا باقيًا مدى الدهر...

أدير شؤون الناس...

أشتهر كملك صالح... وكبطل...

وإذا عدتُ إلى بيتي وجدتُ الراحة معها (8:9 - 16).

غير أن هذا كلّه كان مشروعًا يرافقه الأمل، يوم عزم سليمان على طلب الحكمة.

فكرتُ في ذلك وتأمّلته في قلبي (8:17).

مقابل هذا، هناك أمور من الماضي بالنسبة إلى الوقت الذي فيه يتكلّم سليمان. ولكنها جاءت بعد أن طلب سليمان الحكمة ونالها. في هذه الحالة، استعمل اليونانيّ صيغة الماضي الناقص.

معها جاءني كلُّ خير...

فرحتُ بهذا كلّه

وبعد أن نال ما نال، قال:

تعلّمتُ... (7:11 - 13).

وقال أيضًا:

وهو الذي وهبني علمًا يقينًا بكل شيء...

تعلّمتُ الظاهر منها والخفيّ،

لأن الحكمة التي كوّنَتْ كلّ شيء علَّمَتني (7:17 - 21).

هذا يعني أن مجد سليمان وغناه وعلمه الكبير، جاءت بعد أن وُهبت له الحكمة. ولكنها سبقت الوقت الذي فيه تحدّث سليمان إلى القارئ. في ذلك الوقت، كان في كلّ مجده وفي كل شهرته. إذن، ليس هو بعدُ ذاك الملك الخاطئ الذي تحدّث عنه 1 مل 11:4 فقال: »وفي زمن شيخوخته مالت زوجاته بقلبه إلى آلهة غريبة، فلم يكن قلبه مخلصًا للرب كما كان قلبُ أبيه داود«.

1 - التقاليد الأساسيّة (1 مل 3؛ 2 أخ 1)

أن يكون سليمان دعا ملوكَ الأرض لكي يستمعوا إلى تعليمه (6:9، 11، 15)، نفهمه على ضوء 1 مل 10:24، بحسب السبعينيّة: »وكان كلُّ ملوك الأرض يطلبون مواجهة سليمان ليسمعوا فهمه (فرونيسيس. في العبري: حكمته) الذي وهبه الربّ لقلبه«. تحدث النصّ الماسوري عن »كل الأرض«، فقالت السبعينيّة: »كل ملوك الأرض«.

والأهمّ من ذلك هو المكان الذي يجعله ف 7 - 9 لصلاة سليمان من أجل نوال الحكمة. بل نستطيع القول إن هذا هو الحدث الأهم في تقليد 1 مل و 2 أخ، الذي يحتفظ به صراحة ف 7 - 9. إذا جعلنا جانبًا علمَه الواسع، فنحن لا نجد عن بناء هيكل أورشليم وتدشينه سوى آية واحدة ذكرناها: »أمرتَني أن أبني هيكلاً...« (9:8). وعن قضاء سليمان المشهور، لا نجد تلميحًا واحدًا دقيقًا. اكتفى 8:11 و9:7، 12 بأن يشير إلى صفاته كملكٍ يقضي في الناس. وأغفل حك حدث مجيء ملكة سبأ. كما أغفل أيضًا، في خط 2 أخ، عبادة الأوثان التي تلَت زواجاتِ سليمان حين شاخ. ولمّح 8:14 تلميحًا بسيطًا إلى تسلّط سليمان على جيرانه (1 مل 5:1، 4؛ 2 أخ 9:26): »أحكم الشعوبَ فتخضع لي الأمم«. ويبقى حدث جبعون مع الصلاة لنوال الحكمة، المفتاحَ لقراءة ف 7 - 9.

في خبر 1 مل 3، وبعد أن طلب سليمان من الله »عقلاً مدركًا لأحكم شعبَكَ وأميّز الخير من الشرّ« (آ 9)، قال له الربّ: »لأنك طلبتَ هذا ولم تطلب لك طول العمر والغنى، ولا موتَ أعدائك، بل القدرة على تمييز ما هو حقّ، فأنا ألبّي طلبك، فأعطيك عقلاً حكيمًا راجحًا لم يكن مثله لأحد قبلك ولا يكون مثله لأحد بعدك، وأعطيك أيضًا ما لم تطلبه: الغنى والمجد، فلا يكون لك مثيلٌ في الملوك كل أيامك، وأطيل عمرك، إذا سلكت في طريقي، حافظًا فرائضي ووصاياي كما سلك داود أبوك« (1 مل 3:11 - 14). ترك النصّ الموازي في 2 أخ 1:11 - 12 كلَّ تلميح إلى حياة طويلة ترتبط بالأمانة. في الواقع، لم يصل عمرُ سليمان إلى عمر أبيه. وكذلك تناسى حك 7 - 9 كلَّ إشارة إلى حياة طويلة.

استلهم 7:7 - 12 هذا الجزء من خبر جبعون الذي أوردناه. طلب سليمانُ، فنال الفهم (فرونيسيس) وروح الحكمة (بنفما سوفياس، 7:7). تكلَّم 1 مل 3:12 عن »قلب فهيم وحكيم« و1 أخ 1:11 عن الحكمة والمعرفة (اسيناسيس). أما النصّ الموازي في 1 مل 5:9، فتحدّث عن الفهم والحكمة. ولماذا نال سليمان هذه الموهبة؟ لأنه فضّل الحكمة على عدد من الخيرات: الصولجان والعرش، الغنى والحجارة الكريمة، الذهب والفضة، الصحة وجمال الجسم، والنور (7:8 - 10). نكتشف في هذه اللائحة موضوعًا بيبليًا حكميٌّا حول سموّ الحكمة على الغنى (أم 3:14 - 15؛ 8:10 - 11؛ 19؛ 16:16؛ أي 28؛ 15 - 19). ولكن يبقى أن الفكرة القائلة بأن جميع الخيرات تترافق مع الحكمة، أن الرب يعطيها زيادة، توافقُ كلَّ الموافقة جوابَ الربّ في حدث جبعون.

وحين رغب سليمان أن يأخذ الحكمة عروسًا له (8:2ي)، تطلّع إلى وقت فيه تصير مشيرةً له فتجعله قاضيًا موقّرًا وملكًا عظيمًا (8:9 - 15). إن هذه التمنّيات توافق في خطوطها الكبرى، ما قاله سليمان عن مهمّته في خبر جبعون: »هبْ لعبدك قلبًا فهيمًا ليحكم شعبك، ليميّز بين الخير والشرّ« (1 مل 3:9). فاعتباراتُ سليمان حول العون الذي تحمله إليه الحكمة، دفَعته إلى أن يطلبها في الصلاة (8:21): فهو يعرف أنه شاب (بايس في 8:9)، فتى صغير (بايداريون مكرون) حسب 1 مل 3:7 بحسب السبعينيّة. أو »ن ع ر« (كاتون) حسب 1 مل 3:7 بحسب النصّ الماسوري (هذا ما أغفله 2 أخ 1).

بانت التقابلات واضحة حتّى الآن. ولكن هناك بعض اختلافات أساسيّة: حسب 1 مل 3، حدثُ جبعون يشير إلى ليلة رقد فيها المؤمن في المعبد. جاء الملكُ الشابُ يسأل الربّ، فحدّثه الربّ في المعبد، في حُلم الليل. غابت كلُّ هذه التفاصيل من حك، الذي لا يذكر المكان ولا الزمان ولا ظهور الربّ، ولا الحلم بشكل خاص. سبق 2 أخ 1 فألغى فكرة الحلم ليحتفظ فقط بظهور في الليل. أما الموهبة الاساسيّة التي طلبها الملك ونالها، فهي روح الحكمة بحسب حك 7:7 (رج تث 34:9 والكلام عن يشوع الذي يخلف موسى. هي موهبة خاصة بالقائد). حسب حك 8:2، 9، 16، رغب الملكُ بالحكمة كعروس: كل هذه التفاصيل التي ليست ثانوية في نظر حك، غابت من 1 مل 3 و2 أخ 1 اللذين لم يتحدّثا عن تشخيص الحكمة كما هو الأمر في حك 8. وأغفل حك 7 - 9 أيضًا الكلام عن ذبيحة قدّمها سليمان، وعن وليمة، بعد عودته إلى أورشليم (1 مل 3:15. هو أمر لا يذكره 2 أخ 1).

وننتقل إلى الصلاة بحصر المعنى كما نقرأها في ف 9. هي بُنية أدبيّة مثاليّة ومتداورة، وهذا ما يميّزها عن 1 مل 3:6 - 9 و2 أخ 1:8 - 10. ومع ذلك احتفظ حك 9 ببعض استشهادات من 1 مل 3:6 - 9. حين امتدح سليمانُ أباه داود، ذكر كما في 1 مل 3:6، أن داود سلك أمام الرب »في الحقّ والبرِّ واستقامة القلب« (حسب السبعينيّة). وفي حك 9:3، صوَّرت عبارةُ: »في قداسة (قيلت عن داود في 1 مل 9:4 بحسب السبعينيّة) وبرّ واستقامة نفس«، الدعوةَ التي نالها كلُّ انسان من الخالق. وفي 1 مل 3:9، طلب سليمان قلبًا »ليقضي للشعب بعدالة«. وفي حك 9:12، أقرّ أنه إن نال الحكمة، »أهتمّ بشعبك بعدالة«. والبرهان الأساسيّ في 1 مل 3 نجده في حك 9: إن سليمان، عبدِ الربّ، إنسان ضعيف (1 مل 3:7؛ حك 9:5). وأمامه مهمّة خطيرة (1 مل 3:8؛ حك 9:7). فحين يمنحه الله ما طلب من موهبة (1 مل 3:9؛ حك 9:10)، يقوم بخدمته خير قيام (1 مل 3:9؛ حك 9:12)، وإن أحسّ بنفسه ضعيفًا (1 مل 3:9؛ حك 9:13). ومع ذلك، هناك اختلافات في المضمون بين 1 مل 3:6 - 9 وحك 9. في حك 9، لا نجد تلميحًا صريحًا إلى داود. إلاّ أن حك يذكر الهيكل الذي يبنيه، وهذا أمر لا يقول عنه شيئًا 1 مل 3 و2 أخ 1. والتلميح إلى دور الحكمة بجانب الخالق في حك 9:9، لا يرتبط بما في 1 مل و2 أخ، بل بما في أم 8. وأخيرًا، في حك 9، طلب سليمان من الله حكمته (9:4؛ 17:حكمته توازي روحه القدوس). وهذا لا يظهر في 1 مل 3 ولا في 2 أخ 1.

وهكذا، ما لفت انتباه حك 7 - 9 في أخبار سليمان، هو صلاته لنوال الحكمة. ولفت انتباه حك، علمُ سليمان الواسع كما في 1 مل 5:13: »وتكلّم في الشجر، من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفى التي تنبتُ في الحائط، وتكلّم في البهائم والطير والزحافات والسمك« (لا نقرأ هذا النصّ في 2 أخ 1). كيف نفسِّر هذا النصّ؟ البعض رأى في هذه اللائحة أسماء الشجر والحيوان كما في مصر وبلاد الرافدين. هو أول مجهود علميّ لتعداد ما في الكون. والبعض الآخر رأى أمثالاً وقصصًا تعود إلى عالم النبات وعالم الحيوان. مهما يكن من أمر، يعود حك 7:17ب، 20 إلى 1 مل 5:13:

عرَّفني بُنيةَ العالم

وخصائص العناصر...

طبيعةَ الحيوان وغرائز الوحوش.

ثورة الأرواح وتفكير الإنسان.

وأنواعَ النبات وقدرةَ جذوره (7:17ب، 20).

قد يلمّح هذا النصّ إلى أمثال نقرأها في أم 1:17؛ 6:5 - 8؛ 7:22؛ 26:2؛ 27:8؛ 28:1، 15؛ 30:15، 24 - 31. وقد يُلمّح إلى شيء آخر سنعود إليه.

2 - التقليد السليمانيّ في العهد القديم

أ - أمثال سليمان

ما قيل في حك 7:17ب، 20 يقودنا إلى الكلام عن سفر الأمثال. نُسب هذا الكتاب، بعنوانه، إلى »سليمان بن داود، ملك اسرائيل« (أم 1:1). يبقى علينا أن نعرف إلى أي حدّ استعمل حك 7:9 هذا الكتاب، ولا سيّما لكي يرسم قسَمات وجه سليمان.

هناك خير يراه حك حين يتّخذ الملكُ الحكمة له عروسًا:

تفهم فنون الكلام،

وتفسِّر الغامض من معانيه (8:8ج).

هذا ما يعود بنا إلى أم 1:3، 6. ونحن نقرأ كما في السبعينيّة:

أمثال سليمان...

لفهم فنون الكلام...

وأقوال الحكماء وأحاجيهم.

ثم إن الحكمة في نظر حك، تلعب دورًا ناشطًا مع الله حين يخلق العالم: هي أمّ جميع الخيرات (7:12). هي تصنع كل شيء (7:21؛ 8:6). تفعل كل شيء (8:3). »تدرّجت في علم الله، واختارها فنفّذت أعماله« (8:4). كانت حاضرة حين صنع الله الكون (9:9ب). رج أم 8:27: »حين أعدّ السماء كنتُ قربَه«.

إن حك 9:9ب وحده لا يتجاوز ما قاله أم 8:27. ولكن حين نسب حك إلى الحكمة دورًا ناشطًا في فعل الخلق، نتساءل: أما يتجاوز أم 8:30 بمعناه؟ فإن كان هناك من تجاوز، هل وعى حك هذا التجاوز؟ وهل أراد أن يمضي أبعد من أم 8:30؛ وهل فكّر في أم 8؟ كلها أسئلة تبقى مفتوحة.

ما يهمّ موضوعنا هو أن نعرف إذا كان حبّ سليمان للحكمة، حسب حك 8، هو موضوع مأخوذ من أم.

صرتُ محبَّ (إراستيس) جمالها (8:2ج).

وفي أم 4:6ب (حسب السبعينيّة) نال التلميذ هذا النصح:

أحبِبْها (إراستيتي) وهي تحفظك.

هذان الاستعمالان هما الوحيدان في السبعينيّة كلّها، حول علاقة الإنسان بالحكمة.

وتبقى علاقة ممكنة بين حك 8 وأم 31:10 - 31: صورة المرأة القديرة وربّة البيت الكاملة. رأى بعضُ الشرّاح في هذه »المرأة القديرة« صورة عن الحكمة. فمديحُ المرأة الفاضلة كان موضوعَ تفسير استعاريّ. فأعمال العروس وأتعابها تدلّ على أتعاب الفضيلة التي تُلهمها الحكمةُ نفسُها. فلا يبقى سوى أن نجد في الزواج المنعَم عليه (أم 31:11، 12، 23، 28)، صورةً تقليديّة عن سليمان الشاب: هذا ما يقوم به حك 8، مستعينًا بتذكّرات عامة من نشيد الأناشيد، ومفسّرًا تفسيرًا رمزيًا بحْثَ سليمان المغرَم عن الحكمة، وكيف جذبته إليها.

نترك الآن ما يرتبط بنشيد الأناشيد. وتتوقّف عند أم 31 مع سليمان الزوج السعيد والعروس المثاليّة، الناشطة، في حك 8:7ب، 18ب:

تحمل له الخير دون الشرّ،

طول أيام حياتها (أم 31:12).

لا مرارة في حديثها ولا حزن في الحياة معها،

بل السرور والفرح (حك 8:16).

زوجُها معروف على باب المدينة

يجلس مع مشايخ البلد (أم 31:23).

في القضاء يجدونني سريع البديهة،

فيُعجب العظماء حين يرونني (حك 8:11).

هذه التقاربات لها معناها، ولكننا لا نستطيع أن نؤكّد متانتها، دون الرجوع إلى نشيد الأناشيد. ففي حك 8 وأم 31 العروسُ الحكمة تُلهم زوجَها: نشاطُها يُتيح لزوجها أن ينمو في مسؤوليّاته خارج بيته. فالعروس الحكمة تطمئِنُ قلبَ زوجها.

ب - نشيد الأناشيد لسليمان

لا نتوقّف عند نسبة نش إلى سليمان، بل إلى صورة العريس الذي يُشبه سليمان. يبدو أن حك 8 وجد في العريس المطمئنّ في أم 31، وجه الشاب سليمان، مستعينًا بتذكّرات من نش. فسفر النشيد دفع حك لكي يُبرز، بالنسبة إلى أم 1 - 9، السمات الانثويّة في الحكمة والحبّ المغرم لها (8:21). أجل، حين نقرأ حك 8 نفكّر حالاً بسفر النشيد. ولكن يبقى اختلاف جوهريّ في غياب استشهاد صريح.

فقراءة نش تتيح لنا أن نرى في وجه العريس، سمات سليمان. هي معطية تقليديّة. وعلى المستوى الاستعاريّ، رأى بعضُ الشرّاح في عريس وعروس نشيد الأناشيد، سليمان والحكمة. نشير هنا إلى أن التفسير الاستعاري رأى في العريس الله أو المسيح. وفي العروس شعب اسرائيل أو الكنيسة أو النفس المؤمنة. هذا يعني أن العريس هو فوق، والعروس تقف على المستوى البشريّ.

أما في حك فالعلاقات تحوّلت. فسليمان (أو الحكيم) هو كائنٌ بشريّ وعى ضعفه، فطلب الحكمة التي هي رفيقة له. لهذا يبدو أن لا علاقة مباشرة بين نش وحك 8:2. وهكذا يكون التعبير عن علاقة الإنسان با، في العهد القديم، في مثَل العرس.

ج - سفر الجامعة

هناك تقارب بين حك 7:16

في يده نحن، نحن وأقوالنا.

وبين جا 9:1

فهمتُ أن الأبرار والحكماء وأعمالهم هم في يد الله.

ولا نجد شيئًا بعد ذلك  يقرّب حك 7 - 9 من سفر الجامعة. غير أن المقابلة بين هذين النصَّين تبدو مفيدة. فالجامعة أخذ سمات سليمان، سليمان الشيخ، الذي يُصدِر حكمًا على حياته وعمله، على ملذّاته وفشله. قال عنه التقليد اليهوديّ: »حين صار شيخًا تكلّم عن الباطل في الأشياء« (نش ربا 1:10). أشار جا 1:13، 16 - 17 إلى بحث عن الحكمة قام به سليمان، ولكنه لم يطلب من الله الحكمة. وما رأى امكانيّة محبتها كما يحبّ العريس عروسه. بل حين نقرأ جا 2:1 - 3، 10، نشعر أن الكاتب نظر إلى إفراط سليمان في ما أحبّ من نساء، وإن لم يُقَل شيء عن زوجاته الغريبات أو عن عبادته للأصنام. وإن يكن جا 2:4 - 11 امتدح الغنى وما حقّقه ذاك الذي ملكَ على اسرائيل، في أورشليم، فبزخُه وأعماله ليست إضافة نالها من الله فوق حكمة طلبها من الله. ونقول أيضًا: لا  شيء من كل هذا هو عطيّة الله، لأن كل ما حقّقه الملك (لا يقال شيء عن بناء الهيكل)، وكل ما تعب فيه، هو ثمرة حكمته الخاصة. وهكذا غاب البعدُ الدينيّ الخاص بحكمة سليمان، حسب 1 مل 3؛ 2 أخ 1؛ حك 7 - 9.

د - ابن سيراخ

رسم ابن سيراخ في لوحته التاريخيّة الواسعة، صورة سليمان (سي 47:12 - 22). ذكر سي 47:13 بناء الهيكل، الأمرَ الأهمّ في نظر الكاتب الورع. وتوجّه قلبُ الرسمة بشكل مباشر، إلى الملك في شكل رثاء جنائزيّ (سي 47:14 - 20؛ رج 48:4 - 11؛ 2 صم 1:25 - 26؛ 3:34). فعارض حكمة الملك الشاب ونجاحَه، مع ظلال نهاية ملكه. وهذه الظلال هي في جوهرها ضلال الملك في حبّه للنساء، ساعة لم يُقَل شيء عن أصل حكمته وعن صلاة جبعون (رج نح 13:26).

ومع ذلك، فموضوعُ الصلاة لنوال الحكمة، وهو موضوع يأتي من 1 مل 3 قبل أن يأتي من أم 2:2 - 6، قد عرفه ابن سيراخ دون أن يربطه بشخص سليمان. فقد قال في وصفه للحكيم:

منذ الصباح الباكر، وبكل قلبه،

يتوجّه إلى الربّ خالقه.

يرفع نفسه نحو العليّ،

ويفتح فمه للصلاة،

ويتوسّل عن خطاياه الخاصة.

إن كانت تلك مشيئة الربّ العظيم،

يمتلئ من روح الفهم،

ويفيض أقوال الحكمة،

وفي الصلاة يحمد الربّ (سي 39:5 - 6).

ونجد في سي 51:13 - 14 موضوع الصلاة لنوال الحكمة، في عودة جديدة إلى سليمان:

في أيام شبابي، قبل أن أضلّ،

طلبتُ الحكمة عاليًا في صلاتي.

أمام الهيكل تضرّعتُ لأجلها،

وإلى آخر أيامي التمستُها.

أشار الكاتب إلى الصلاة إشارات واضحة وربطها بالهيكل، ولكن غاب كلُّ تلميح إلى سليمان وإلى معبد جبعون. ومع ذلك، فنصّ السبعينيّة يماهي الحكمة مع امرأة نحبّها ونرغب فيها، مُبعِدًا الصور العنيفة التي نجدها في النصّ العبريّ الذي وُجد في قمران. وهكذا، قبل حك 7 - 9، انضمّت الصلاة لنوال الحكمة إلى حبٍّ مغرم بالحكمة في نصّ واحد.

3 - التقليد السليمانيّ في العالم اليهوديّ

أ - قمران

هل نجد تلميحًا إلى سليمان في نصوص قمران؟ هناك شذرات في نصّ يبدو وكأنه صلاة ضد الشياطين. في الواقع، تستند هذه الفرضيّة إلى لفظ »ش ل و م ه«، مع العلم أن الملك العظيم لعب دورًا هامًا في العالم اليهوديّ لطرد الشياطين وللتسلّط على تأثيرها السيِّئ. وهكذا يكون هذا النصّ الفريد في قمران، أقدمَ شهادة عن سلطة سليمان في طرد الأرواح النجسة.

ب - العاديات البيبليّة

دوّنت قبل سنة 70 ب.م.، فروت كيف أن داود قسّم على شاول فأنشد نشيدًا ضد الروح النجس الذي يبلبل الملك. وهذه آخر عبارة فيه (60:3): »أما العائلةُ الجديدة التي وُلدتُ منها، فهي تقنعك بضلالك منذ يوم يُولدُ، بعد زمن، من صُلبي، ذاك الذي يتسلّط عليك«. لسنا هنا أمام المسيح، بل أمام سليمان الذي امتلك، على ما يبدو، موهبة السيطرة على الشياطين.

ج - فلافيوس يوسيفوس

العاديات اليهوديّة كتاب دوَّنه يوسيفوس سنة 94 ب.م.، وقد تضمّن في الكتاب الثامن (1 - 211) خبرًا عن سليمان ارتكز في أساسه على 1 مل و2 أخ، ولجأ أيضًا إلى مراجع أخرى.

في جبعون، نال سليمان ظهورًا من الله، ولكن لا في الحلم. سأله الربّ ما يرغب فيه كأجر لورعه (8:22). فطلب الملك حُكمًا صائبًا وحِسٌّا مستقيمًا. فوهبه الله الفهم والحكمة، والغنى والمجد... فوق ذلك (8:24). وبعد أن ذكر يوسيفوس علِمَ سليمان الكبير، فسَّر 1 مل 5:13 كما يلي: »على كل نوع من الشجر صنع مثلاً، من الزوفى إلى الأرز، وعلى الدواب وعلى كل حيوان على الأرض، في الماء وفي الهواء. ما جهِلَ شيئًا من تاريخ طبعها، وما ترك شيئًا دون استقصاء. أعملَ العقلَ فيها جميعًا، ودلّ على علم كامل لخصائصها. ومنحه الله أيضًا فنّ مقاتلة الشياطين لفائدة البشر وشفائهم« (8:44 - 45). وواصل يوسيفوس كلامه فقال: »بما أنه ألَّف أناشيد ليحارب الأمراض، ترك عبارات تقسيم لتقييد الشياطين وطردها، بحيث لا تعود بعدُ. وهذه المعالجة ما زالت سارية إلى أيامنا« (8:45 - 46). وأورد يوسيفوس حدث شفاء جرى في حضور وسباسيانس. وختم كلامه فقال: »هذا ما حصل، وهكذا بان فهمُ سليمان وحكمته. وبسببها، ابتعدنا عن الموضوع« (8:49).

إن شهادة يوسيفوس هامة، لأنها تتحدّث عن ممارسة سابقة له: سليمان هو مقسّم، مخرِج الشياطين. ذاك ما قالته نصوص قمران والعاديات البيبليّة ويوسيفوس. وستسير تقاليدُ لاحقة في الخطّ عينه. تحدّث اوريجانس، حوالي سنة 245، في معرض تفسير مت 26:63، عن اليهود الذين يطردون الشياطين بوسائل تقسيم كتبها سليمان. وحملت »وصيّة سليمان« شهادة رائعة: في نهاية حياته، روى سليمان كيف استعمل مختلف الشياطين لبناء الهيكل. وفي نهاية الخبر، شرح سليمان أنه خسر هذا السلطان على الأبالسة حين عبد الأصنام بتأثير من زوجته الوثنيّة. ووُجد اسمُ سليمان على برديات تحمل النصوص السحريّة، وعلى التعاويذ في العالم الرومانيّ.

3 - التقليد السليمانيّ في العهد الجديد

قابل مت 6:29 ولو 12:27 زنبق الحقول مع سليمان في كل مجده. وذكر أع 7:47 أن سليمان بنى الهيكل. غير أن هذه النصوص لا تتجاوز الإشارة إلى الملك، ولا تقدّم لنا الكثيرَ لكي نرسم صورة الملك، لإلقاء الضوء على حك 7 - 9.

أما مت 12:42 ولو11:31 فيذكران ملكة سبأ. قال يسوع: »جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وها هنا أعظم من سليمان«. في مت 12:42، جاء قول يسوع عن سليمان في قطعة طويلة تبدأ مع شفاء ممسوس أعمى وأصمّ (مت 12:22)، وينتهي بإعلان يسوع حول أسرته الحقيقيّة (مت 12:50). الشفاء الذي أجراه يسوع حرّك سؤالاً لدى الجمع الحاضر: »أما هذا ابن داود« (مت 12:23)؟ وكانت ردّة فعل أولى من قبل الفريسيين وحدهم: »هو يطرد الشياطين ببعل زبول« (مت 12:24). وردّة فعل ثانية من قِبَلِ بعض الكتبة والفريسيين: »يا معلّم، نريد منك أن ترينا آية« (مت 12:28). قارب لوقا بين ردة الفعل الأولى والثانية، فبيّن ارتباط الواحدة بالأخرى. أجاب يسوع عن ردّة الفعل الأولى فتحدّث، في ما تحدّث، عن تلاميذ الفريسيين الذين يطردون هم أيضًا الشياطين: بماذا يطردونهم (مت 12:27)؟ في أي حال، أفهمهم يسوع أنه يطردهم بروح الله (مت 12:28). لا يمكن التكلّم عن الروح القدس (مت 12:31 - 32). أما هذا الذي يفعله أولئك الذين يهاجمون يسوع؟ إذن، يجب عليهم أن ينتبهوا إلى ما يقولون، لأن البشر يُدانون على كلمات تصدر من قلوبهم (مت 12:33- 37). وردّة الفعل الثانية، التي تطلب آية (مت 12:38)، نالت هي أيضًا جوابًا من يسوع الذي واجه نقّاده بهذه العبارة: »الجيل الشرير« (مت 12:39) سيُحكم عليه (مت 12:41)، وتكون حالته أكثر شرًا (مت 12:45). ففي الدينونة، يقوم الوثنيّون عليهم ويحكمون عليهم: أهل نينوى الذين تقبّلوا كرازة يونان. وملكة التيمن التي جاءت تسمع حكمة سليمان (مت 12:41 - 42). هذا يعني أن الذين جاؤوا يطرحون سؤالاً على يسوع، لا يسمعون له مع أنه أعظم من سليمان (مت 12:42)، مع أنه يعمل بروح الله (مت 12:28). إن أسرة يسوع الحقيقيّة تتألّف من الذين يصنعون مشيئة الله.

نستطيع أن نفهم مجمل النصّ المتاويّ كما يلي: إن الابن، ابن داود، الذي يتحدّث عنه الجمع بعد شفاء الممسوس، هو أعظم من سليمان بن داود الذي عُرف بسلطته على الشياطين، والذي بقدرته يقوم تلاميذُ الفريسيين بطرد الشياطين. ولكن إن كان يسوع هو أيضًا يطرد الشياطين، فهو لا يفعل بحكمة سليمان (في وصية سليمان، ارتبط سلطان الملك على الشياطين بحكمته. رج العاديات 8:49)، بل بروح الله.

هذا يفترض أن موهبة التقسيم لدى سليمان كانت معروفة آنذاك، وهذا ما لا يتعارض مع ما قلناه عن قمران وفيلون المزعوم ويوسيفوس. أنكون أمام شهادة أخرى في حك 7 - 9؟ ربّما.

4 - سليمان المقسِّم حسب حك 7 - 9

نقرأ في حك 7:20:

ا عرّفني

طبيعة الحيوان وغرائز الوحوش،

ثورةَ الأرواح وتفكيرَ الإنسان،

وأنواع النبات وقدرة جذوره.

هناك من تحدّث عن ثورة الرياح العاتية. والذين تكلّموا عن »ثورة الأرواح« عادوا إلى سلطة الأرواح النجسة كما قال فيلون المزعوم. يؤكد حك معرفة سليمان لعنف هذه الأرواح البشريّة واللابشريّة. وهذه المعرفةُ جاءته من الله بواسطة الحكمة التي تعمل كلَّ شيء (7:17 - 20). ولكن لا كلام عن تسلّط سليمان على هذه الأرواح. وإن تحدّث حك 2:24 عن وجود إبليس، فهو يقول إن المعجزة، بما فيها معجزة الشفاء، هي عمل الله وحده (حك 16:7، 12). ثم إن حك 17:7 - 8 يرفض السحر، كما ويلغي كلَّ تلميح إلى حلم جبعون كحلم. وهكذا يصعب القولُ إن حك 7:20 يشير إلى سلطة سليمان السحرية، كما نجدها في نصوص أخرى.

5 - سليمان نموذج الحكيم

لم يقدّم لنا العالم اليهوديّ ولا العهد الجديد ما يضيء على وجه سليمان في حك 7 - 9. بل هو تأثّر بالكتابات اليهوديّة السابقة. وكان بالامكان أن نبحث في التأثير الهلنستي، ولكن هذا يتجاوز حدود موضوعنا.

وتبقى لمسةٌ أخيرة على هذا الوجه. ما عمل حك عمل مؤرّخ، بل هو ما توخّى أن يمتدح سليمان. ما أراد أن يفعل، هو أن يقدّم هذا الملك على أنه نموذج كلّ الحكماء. هكذا نفهم لماذا يُدعى الملوك للاستماع له (6:9 - 11، 15). ولكن كلامه لا ينحصر في الملوك، لأن الحكمة توجد لدى جميع طالبيها، بل هي تستبقهم فتدعوهم (6:12 - 16). وفي كثرة الحكماء خلاص العالم (6:24).

إن تحدّث حك عن ولادة سليمان التي لا تختلف عن ولادة سائر البشر، جعل تعليمه في متناول الجميع: يكفي أن نفضّل الحكمة على جميع الخيرات، وأن نحبّها كما يحبُّ العريسُ عروسَه.

فهي للناس كنز لا يجفّ،

والذين يكسبونها يصيرون أحبّاء الله (7:14).

من جيل إلى جيل تحلّ في نفوس القديسين،

وتجعلهم أحبّاء الله وأنبياء،

لأن الله لا يحب إلاّ الذي يلازم الحكمة (7:27 - 28).

وهكذا قُدِّمت للجميع خبرةُ سليمان الحكميّة. ونتساءل: أما نجد وراء 7:14، 27، 28، تلميحًا إلى اسم سليمان؟ يديده (ارتباط بالودّ والحبّ، رج 2 صم 12:25). نُقل إلى اليونانيّة فصار »أديدي«. وقد ترجم سيماك اللفظ بـ »أغابيتون« المحبوب. في مز 127:2 نقرأ في النصّ الماسوري: »أعطى حبيبه (ليديدو)، وهو نائم«. وهكذا نفهم لماذا نُسب هذا المزمور إلى سليمان. هذه القراءة المرتبطة بحلم جبعون، تتوسّع في السبعينيّة مع صيغة الجمع: »يعطي أحبّاءه خلال النوم«. في سي 47:16 (اليوناني. لا نجده في العبري)، يُقال عن سليمان: »وكنتَ محبوبًا في السلام«. هكذا جُمع اسما الملك: سليمان والمحبوب. أما يوسيفوس الذي لا يذكر الاسم الأول للملك (كما في 1 صم 12:25)، فقد أشار في العاديات (8:29) أن سليمان كان حبيب الله (تيوفيلس). وفي 8:190: تيوفيلاستاتوس. وفي حك 7:14، 27 - 28، لمحّ الكاتب إلى هذا الاسم. فاعتبر كلَّ حكيم محبوبًا من الله.

حين ذكر حك خيارات سليمان الملك الشاب. توجّه إلى شباب عصره. ففي كل حقبة، يبني الشبّانُ حياتَهم على خيارات أساسيّة: يجب أن لا ينسوا مثَل سليمان، ولا يُخفى عنهم ما طلبه (6:22؛ 7:13). هذا القصد يفسّر لماذا لم يورد حك اسم سليمان، ولم يُشر حصرًا إلى ما جعل الملك العظيم مشهورًا. وما تبقّى من تلميح إلى سليمان في حك  7 - 9 يجب أن يعاد تفسيره، لا في معنى حرفيّ، بل في خطّ يُغني معاصري الكاتب. ما هو المُلك؟ ما تعني الدعوة لبناء الهيكل؟ في هذا الطريق، لم يعد الحكيم الذي قدّمه ف 7 - 9 فقط سليمان الذي عرفه التاريخ، بل الحكيم على مدى التاريخ

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM