القسم الثالث: حكمة الله في التاريخ

القسم الثالث

حكمة الله في التاريخ ف 10 - 19

نظرة شاملة

1 - نجا الأبرار بواسطة الحكمة. تلك هي النتيجة التي وصل إليها الكاتب الملهم في ختام القسم الثاني. بقي عليه الآن أن يبيّن كيف تمّ هذا العمل الخلاصي. هذا هو هدف القسم الثالث الذي عرفه عب 11 واستلهم أفكاره. ولكن يجب أن نلاحظ ان الدور المنسوب إلى الحكمة، يعود إلى الإيمان الذي هو شرطُ عمل الحكمة في النفس.

إن الحكمة التي تعمل هنا تبدو شخصًا فاعلاً، وعملها يمتزج بعمَل العناية. اما الكاتب فينتقل من الحكمة إلى الله نفسه.

2 - يتضمّن هذا القسمُ ثلاث نقاط: الثالثة هي امتداد للأولى، والثانية تبدو توسيعًا مستقلاً وان يكون ضروريًا لمسيرة الأفكار. النقطة الأولى: دور الحكمة منذ بداية العالم إلى الخروج من مصر (ف 10 - 12). النقطة الثانية: عبادةُ الاصنام جنون. والذين تركوا الحكمة استسلموا إلى هذه العبادة (ف 13 - 15). النقطة الثالثة: مقابلة بين مصير الاسرائيليّين والمصريّين خلال الخروج (ف 16 - 19).

3 - هدفُ الكاتب هدفٌ تعليمي قبل كل شيء. لا شك في أنه ينطلق من أخبار الأسفار التاريخية التي يفترضها معروفة، ولهذا يُغفِل أسماء الأشخاص. اختار بعض الوقائع المنفردة، فربطها برباط مصطنع: ربط قايين بالطوفان، وابراهيم ببلبلة اللغات، أو قدّم ضربات مصر في ترتيب خاص به. وكمّل هذه الأخبار، وعرضَها بطريقة شعرية. استقى من التقاليد الشعبية التي نجدها عند يوسيفوس وفيلون، فكان كلُّ هذا اطارًا وضعَ فيه العبرةَ الأدبية المفيدة لليهود والوثنيين المعاصرين له.

4 - نجد في هذا القسم التعارض بين الأبرار والأشرار، كما في القسم الاول، ولكن الأبرار هم هنا بطريقة عامة اليهود، والأشرار هم أعداؤهم. من هذا القبيل، يبدو هذا القسم مطبوعًا بالطابع اليهودي أكثر من القسمَين الأولين.

5 - وهكذا استسلم الكاتب في اطار صلاة شكر إلى إله اسرائيل، إلى تأمّل في معنى الاحداث: تطلّع إلى طرق العناية، وربطَها بصفات الله، واستنتج الوقائع، لا ليلقي ضوءًا على الماضي فحسب، بل ليقدم صورة مسبقة عن وقائع الدراما الجليانية. قدم الكاتبُ المعجزات التي صُنعت من أجل شعب اسرائيل، والضربات التي أصابت شعب مصر، فقلّد الكتَّاب اليونانيين. ولكن تجذر هذا التوسيعُ في الفكر اليهودي المستند إلى شريعة الثواب والعقاب، وإلى مصير بني اسرائيل المميّز. كلّ هذا قدّمه الكاتب في إطار المدراش الذي هو تفسير للنص الكتابي يقدمه الرابي (أو المعلّم) بشكل عظة، ويكشفُ من أجل السامعين التطبيقات العمليّة.

6 - كيف تبدو خلفيّة هذا القسم؟ هنا يضيق الأفقُ ويصبح الأسلوب دفاعيًا وهجوميًا، ولوحة التصويب هي المصريون. والرجوع إلى نصوص سفر الخروج، يفسّر هذا التبدّل في الأسلوب. غير أن للكاتب سببًا ليشدّد على خطأ المصريين الذين عُوقبوا بحقّ، وليمتدح العالم اليهودي، الذي نال الخير والأجر الطيّب، مستندًا إلى ذكريات توراتيّة. مثلاً ان اليهود هم »اصدقاء البشر« (12:19) ولا يُضمرون حقدًا لغريب (19:13). وأعلن أن المصريين (كالكنعانيين) عُوقبوا برفق وبطريقة تدريجية، وأبرز ضربة معاصرة هي عبادة الأوثان. وإذ أشار الكاتبُ إلى مضايقات المصريين لبني إسرائيل، استفاد من الظرف ليهاجم جميع المضطهِدين ويدافع عن قضية العالم اليهودي. وانتظر أن تتبدَّل الأحوال حين يأتي ملكٌ لا يُضمر حقدًا لليهود، فيعطيهم الحقوق التي لسائر المواطنين. هذا ما نقرأه في 19:16. هنا نحسّ أن الكاتب أراد أن يعزّي أبناء دينه، فاستنتج من الماضي أمورًا ثابتة تدل على طرق الله، وجعل الوثنيين يكتشفون امتيازات شعب إسرائيل، ويقرّون أن الههم هو الاله الواحد الحقيقي.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM