قراءة النصوص

قراءة النصوص

اعتاد الشرّاح أن يقسموا سفر الحكمة ثلاثة أقسام:

الأول: الحكمة ومصير الإنسان أو سرّ الموت والآخرة.

الثاني: مديح الحكمة مع ذروة في الصلاة التي هي قلب الكتاب.

الثالث: حكمة الله في التاريخ، وعملها من آدم إلى موسى.

القسم الأول

الحكمة ومصير الإنسان

ف 1 - 5

نظرة شاملة

1 - القسم الأول من حك، يتطرّق إلى الحكمة كأساس كلّ مسألة المصير البشريّ، ويقدّم لنا في مقابلةٍ، الأبرارَ والأشرار.

2 - بعد مقدمة يدعونا فيها الكاتب إلى طلب البر والتقوى لنصل بهما إلى الحكمة والحياة، يعرض مسألة المصير البشري. يتحدّث عن الأشرار وضلالهم، ثم يقابل بين مصيرهم ومصير الأبرار. الأبرار يُجازون خير جزاء، والأشرار يُعاقبون إلى الأبد. فيجب على المؤمن ان لا يحكم بحسب الظواهر: فلا يعتبر صاحبُ النسل الكبير أن الربّ يجازيه في هذه الدنيا، ولا يحسب من لا نسل له، أن الله يعاقبه. كما ان قصر الحياة ليس عقابًا من الله  وطول الأيام ليس ثوابًا من لدنه. فالأشرار سيُعاقبون على أي حال، وسيقف أمام منبر الديان الأبرارُ والأشرار.

3 - هذا القسم يتوسّع في مواضيع اسكاتولوجية، في اطار جلياني، ويرفعها إلى مستوى اسمى. ثم يُلقي ضوءًا على الوضع البشري بوحي من مقاصد الله الخفية. فالخلود الذي يريده يتأكد للتقوى. وسيُحفَظ مصيرٌ مختلفٌ للأبرار وللأشرار.

4 - في هذا القسم يبقى الكاتب تحت تأثير الفن الحكمي بأسلوبه وصوره، وبتأمّلاته في الوضع البشري. إلاّ أنه يهتمّ قبل كلّ شيء بكشف سر المجازاة السامية، فيدلّ على البُعد العميق لنصوص توراتيّة سابقة. وهذا التعليم عن الخلود الذي يُلقي ضوءًا على كلّ قيم الحياة الحاضرة، يُغنيه بمقاطع اسكاتولوجية أخذها من أقوال الأنبياء عن دينونة الله الأخيرة. وموضوع الدينونة سيصبح مهمًا إلى أن ينتصب كتهديد لا مهرب منه.

5 - كيف تتسلسل الأفكار في هذا القسم؟ كل توسّع تعلنه وتُجمله كلماتٌ متماثلة أو مترادفة. 1:1 يعود في 1:15 (التقوى والبر) ثم في 5:23 (عروش الجبابرة). الله 16 تعود في 2:24 20:1 (يقولون في أنفسهم) تعود في 2:12 (يتوهمون). 2:22 تُخبرُ بثواب النفوس التي لا عيب فيها. وهذا ما سيتّضح في 3:1 حيث الأشرار (ف 2) ينتظرهم عقاب يقابل ما نقرأ في 3:10. في 3:10 - 12 يعلن الكاتب التوسيع التالي، ثم يستعيد المفاهيم في نظام معاكس ويقدّمها في عبارات متعارضة: بالنسبة إلى النسل الحقيقي، بالنسبة إلى العمر الطويل. ويشدّد أخيرًا على المجازاة بعد الموت (4:17 - 19) وعلى الدينونة (4:20). وخطبة 5:1 - 13 هي جواب إلى خطبة 2:1 - 20. والخاتمة (5:13 - 14) تستعيد 2:21 (الشرّ أعمى بصائرهم) و3:11 (يكون رجاؤهم باطلاً). وفي 5:15 - 23 حيث تبدو الدينونة بوجه يجعلها تتّسع وسعَ الكون، نجدُ موضوعَ الثواب المحفوظ للأبرار (رج 2:22) وموضوع مشاركتهم  في ملكه (رج 3:7 - 8).

6 - إلى أي محيط يتوجه هذا القسم الأول؟ إنه يضعنا أمام جماعة يهوديّة مترجرجة ومنقسمة: بعضُ أفرادها يتذمّرون ويجدّفون على الرب ويشكّون فيه ولا يؤمنون بعد بعنايته. ثم يعودُ الكاتب إلى الأشرار المعلَنين الذين يضطهدون الأبرار. إذن يصوِّر الكاتب جماعة اهتز إيمانُها واجتذبتها مغالطاتٌ مؤذية وأحزنتها جحودات فعلية. فبعضهم صار كافرًا معلنًا وانضم إلى الموت ودافع عن سلوكه الجديد. وهناك ملاحظات أخرى: اليهود المحافظون على الشريعة هم موضوع هزء واضطهاد على يد إخوتهم الذين تركوا إيمانهم. وموتُ أحد الأبرار فُسِّر على أنه تكذيب لمجازاة العناية الإلهية على الأرض. هناك عائلاتٌ مؤمنة تُحرم من الاولاد، وعائلاتٌ شريرة تتمتَّع بنسلٍ كبير

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM