الفصل الرابع والعشرون: السعادة في قلب الأسرة.

 

الفصل الرابع والعشرون

السعادة في قلب الأسرة (30: 1 - 31: 11)

1- المقدّمة

بعد أن حدّد الحكيم سلوك تلميذه في الأعمال التجاريّة، والعلاقات بين البائع والشاري، والدائن والمدين، والكافل والمكفول، عاد إلى حياة الأسرة (رج 25: 1 - 26: 7)، وبيّن أنّ السعادة تقوم في أن يكون لنا أولاد »مهذَّبون« (30: 1 - 13). أن ننعم بالصحّة مع نظرة صالحة إلى الأمور (30: 14 - 31: 2)، وننعم بمال جمعناه بالحلال (31: 3 - 11).

2 - نظرة إلى النصّ

آ 1. حول تربية الأولاد. نجد في اليونانيّ العنوان: حول الأولاد. تشديد على الضرب. (رج أم 13: 24؛ 23: 13 - 14؛ 29: 5). فيما بعد. أي في نهاية حياته. هكذا يتطلّع الحكيم إلى الهدف من كلّ عمل يقوم به.

آ 7. الجراح. إمّا جراح نالها الابن من والده. وإمّا الجراح التي ينالها من ولد عقوق حين يعيش حياة الفلتان.

آ 9. نلاحظ الطريق القويّة في علاقة الأب مع ابنه، ويتابع السريانيّ: »لا نسير معه حسب إرادته«.

آ 11. تُضيف بعض المخطوطات اليونانيّة: »لا تغمض عينيك عن أخطائه، واحنِ عنقه ما دام صغيرًا«.

آ 12. يُضيف اليونانيّ: »يسبّب لك المتاعب«.

آ 13. نقرأ في العبريّ: »أدِّب ابنك وأثقِل نيره، لئلاّ يقف في وجهك، في جهالته«. في السريانيّ: »كن قاسيًا عليه«.

آ 14. في مخطوطات نقرأ: في الطعام. أو: في الصحّة. وبعضها تضع هذا العنوان أو ذاك قبل آ 16.

آ 15ب. العبريّ: أفضِّل الصحّة على الذهب، والروح الطيّبة على اللآلئ.

آ 18. في اليونانيّ: فم مغلق لأنّه يعاف الطعام. إلى صنم. كذا في العبريّ. في اليونانيّ والسريانيّ: على قبر. نتذكّر الحجر الذي يُوضع على القبر.

آ 19. نلاحظ الهجوم على الأصنام كما في تث 4: 28؛ مز 115: 5؛ أش 44: 9؛ إر 10: 5؛ حك 15:15؛ دا 14: 1 - 22. من يصيبه اله بالمرض، يضربه (آ 14). في العبريّ: هكذا من له ثروة لا يستطيع أن يهنأ بها.

آ 20. أضاف العبريّ وعدد من المخطوطات اليونانيّة: »هكذا ما أراد أن يقيم العدالة بالقوّة«. أو: من يُكرَه على ممارسة العدالة.

آ 21. نلاحظ الفرح عند ابن سيراخ. نرمي جانبًا الهموم التي لا طائل منها (مت 6: 34) وعواطف الضغينة التي تجعلنا في مناخ يؤثّر على الصحّة. بالتأمّل. أو في مشاريعك. في العبريّة: في العناء. السريانيّ: في نصيحة نفسك.

آ 23. غنّج. أو: أحبب. أو أبعد عنها الهمّ.

آ 24. التقليد اليونانيّ المخطوط الذي يعود إلى نموذج واحد يجعل هنا 33: 16 - 36: 16، قبل 30: 25. أمّا الترتيب الأوّلانيّ فحُفظ في السريانيّ وفي اللاتينيّ، وثبّته العبريّ. إذن يبدأ ف 34 (سريانيّ لاتينيّ) تجاه 31: 2. أمّا نحن فنتبع اليونانيّ كما هو الواقع في الترجمات الحاليّة من عربيّ وفرنسيّ...

آ 25. حرفيٌّا: القلب المستنير خيرٌ للطعام. في العبريّ: نور قلب مسرور يحلّ محلّ الطعام الشهيّ.

32: 1. في السريانيّ: السهر يذيب لحم الغنيّ.

آ 2. في العبريّ: همّ الطعام يُفقد النوم، ويطيّر النوم (ن و م هـ) أكثر من مرض خطير. كذا في السريانيّ مع تبديل »ن و م ت ا« إلى »ش ن ت ا« في الشطر الثاني (النعاس).

آ 3ب. وفي راحته. أي حين لا يعود يعمل، وفي لغتنا: حين يتقاعد.

آ 5أ. يُذنب. لا يبَّرر. لا يستطيع أن يبقى في البرارة. في العبريّ: لا يُنقّى (ي ن ق هـ). في السريانيّ: ن ز ك ا.

آ 6. في العبريّ: كثيرون هم ضحايا الذهب والمتّكلون على اللآلئ. لا يقدرون أن ينجوا من الشرّ، ولا أن يخلصوا في يوم الغضب. كذا في السريانيّ مع اختلافات بسيطة.

آ 7أ. عثرة. إمّا لأنّهم صنم (من خشب أو حجر)، وإمّا لأنّهم شجرة سقطت فاعترضت الطريق.

آ 8. وراء المال. أو الذهب. في العبريّ والسريانيّ: مامون. يدلّ على الغنى بشكل عامّ. يرد اللفظ مرارًا في الترجوم والتلمود. في العهد الجديد. رج مت 6: 24؛ لو 16: 9 - 11، 13.

آ 9ب. أو: لأنّه تملَّك على رغباته.

آ 11. يشير النصّ هنا إلى عادة درجت لدى اليهود بأن يعلنوا في المجامع أسماء المحسنين أو يسجّلون أسماءهم على بلاطة في هذه المجامع.

3 - شرح الآيات (30: 1 - 31: 11)

أ - تربية الأولاد (30: 1 - 13)

الأب الذي يؤدّب أبناءه يستطيع أن يُهنِّئ نفسه (آ 1 - 6). وإن أهمل هذا الواجب سوف يندم (آ 7 - 10). فمنذ الصغر نُعوّد أبناءنا على الأدب (آ 11 - 13).

من أحبّ أولاده عاقبهم (آ 1 - 8). ربّاهم بقساوة، أصلحهم. فأولاد مهذّبون يُسرّون قلبَه في شيوخته. ويهنّئه أصدقاؤه لأنّ له مثل هؤلاء الأولاد. ويحسده أعداؤه لسعادته. ويستطيع أن يموت بسلام لأنّه ترك أولادًا يليقون به ويواصلون عمله. ويلاحقون هذا العمل في وجه الأعداء، ولا سيّما مساعدة الفقراء. قال سوفوكليس في أنظيغونيس (640ي): »السبب الوحيد الذي لأجله يرغب البشر في أن يولد في بيتهم نسل طائع، هو أن يردّوا على العدوّ بالشرّ وأن يكرموا الصديق. ومن ولد أبناء لا طائلة منهم، بيّن أنّه خلق لنفسه المتاعب ولأعدائه موضوعًا يسخرون منه«.

تجاه ذلك (آ 7). تربية رخوة تصل إلى كارثة. فبدل السوط، يُشفق الوالد على أصغر رغبة لدى ابنه. يضمّد جراحه. لا يريده أن يتألّم. أن ينزعج. ولكنّ هذا الولد الذي نرضي نزواته، سوف يُصبح عنيدًا، وقحًا، فينحدر وينحدر ولا من يُوقفه. فالولد الذي أسأنا تربيته، لا يأخذ بعين الاعتبار نصائحنا ويفعل كما يريد. هو يشبه جوادًا برّيٌّا لم يُروَّض وبالتالي لا يخضع لصاحبه.

من عامل أولاده (آ 9 - 13) مثل مرضع تغنّج وتدلّل، هيَّأ لنفسه العذاب في المستقبل. والأب الذي يلعب ويضحك مع ابنه، يخسر سلطته. يحزن، يصرف بأسنانه. ولكن فات الأوان (خر 8: 2). صار ابنه مستبدٌّا به. لهذا عاد الكاتب في آ 11 إلى ضرورة تربية حازمة (آ 1ي) وهي تقوم بأنّ لا نترك الولد يسودنا. نعلّمه الطاعة. نهيّئ له العصا لئلاّ يُسيء إلينا بسلوك وقح. فالولد المدلَّل هو الولد العقوق.

ب - الصحّة وسرور القلب (30: 14 - 31: 2)

فالصحّة والسرور الداخليّ أفضل من الغنى. فبدونهما لا ننعم بالغنى. ثمّ إنّ حبّ المال يدمِّر الصحّة. فالحكيم يحفظ نفسه من الجشع. هذا ما سبق وقاله في 26: 28 - 29: 28.

إنّ سعادة الفقير المتعافى (آ 14 - 20) تتفوّق على صحّة الغنيّ الذي »يجلده« المرض. فخير الجسد يتفوّق على الغنى الخارجيّ. ثمّ (آ 16) إنّ الصحّة تمنح السعادة، والسرور الحميم هو سعادة حقّة لا يحلّ شيء محلّها. لهذا، فالموت أفضل من حياة يرافقها المرض والضعف والعجز. هذه الفكرة عبّر عنها طو 3: 15؛ أي 3: 13، 17؛ جا 4: 2. كما عبّر عنها الأدب اليونانيّ مع أسخيليس (الفرس) وأوريبيديس (الطرواديّات 631) وتيوغنيس (181 - 182).

فالغنيّ الذي لا يقدر أن ينعم بثروته، يشبه رجلاً تُقدَّم له الحلوى وهو لا يستطيع أن يفتح فمه، أو ميتًا في قبر. هي خسارة بخسارة. هنا نتذكّر عادة وضع المأكولات على القبور والتي ما زالت حاضرة إلى اليوم في بعض الحضارات. أمّا العبريّ فتحدّث عن صنم يوضع فيه الطعام (أش 57: 6؛ دا 14: 1ي). إلاّ أنّ هذه الأصنام لا تأكل ولا تشرب. وأخيرًا الغنيّ الذي يلاحقه المرض كعقاب من الله (38: 15)، يشبه خصيٌّا لا يستطيع أن يرضي رغباته (20: 4). هذا يعني أنّ الغنيّ يزداد وجعُه وتتحرّك رغبته (جا 6: 2).

فالاهتمام المفرط (آ 2 - 25) يدمّر الصحّة. والحكيم يتجنّب الاعتبارات حول الحياة وشرورها، لأنّ نهايتها القلق وخسران هدوء النفس كما بحث عنه الرواقيّون. هذه النصيحة التي سوف نقرأها في 38: 20 كما علّمها حكماء مصر، نقرأها في جا 11: 9 - 10، وفي العهد الجديد (مت 6:34: لا تهتمّوا). مثل هذا الهدوء يطيل الحياة (آ 22؛ أم 17:22). فعافية النفس هي أساس عافية الجسد. والحزن أمات عددًا من الناس (آ 83). فلا حزن سوى الحزن على خطايانا (2 كور 7: 10). واعتبر الأقدمون أنّ الروح القدير لا يحلّ على الحزانى. فيعقوب عاد إلى الحياة حين قيل له إنّ ابنه يوسف حيّ (تك 45: 27). وأليشع لم يستطع أن يتنبّأ إلاّ بعد أنّ عاد إليه الفرح حين سمع صوت الآلات الموسيقيّة (2 مل 3: 15). فإن كان الحزن يحطّ الإنسان فيقتله، فالحسد والغضب يؤثّران أيضًا على الصحّة فيذيبانها. لهذا نترك الهموم وننعم بحياة يقدّمها الله لنا. نلاحظ اقتراب ابن سيراخ من سفر الجامعة.

وهناك نبع خاصّ بالهموم (31: 1 - 2) يصل إلى الغنيّ كما إلى الفقير، ويجعل الإنسان يخسر النوم. فهمُّ المال يشبه مرض القلب الذي يمنع الإنسان من النوم. فقال بعضهم: مريض ينام هو مريض شُفيَ. وتجاه ذلك كما قال السريانيّ والعبريّ: الاهتمام بالأكل يجعلنا نخسر النوم أكثر من مرض خطير. فالأفكار السوداء تمنع النوم. هذا ما يتوسَّع فيه المقطع التالي.

ج - سعادة الغنيّ البارّ (31: 3 - 11)

قد يكون الغنى مناسبة خطيئة، كما يمكن أن يعطي السعادة الحقّة. هذا يتعلّق بعواطف صاحبه. المال مباركٌ من لدن الله إذا اقتنيناه بصدق وعشنا حسب الشريعة في استعماله.

الغنيّ يتفوّق على الفقير (آ 3 - 7). فإن هو تعب في جمع ماله، فهو ينعم به الآن، أمّا الفقير فيعمل ليحصل على الضروريّ ولا يحقّ له أن يرتاح. ويضيف العبريّ: يتعب الفقير وتضعف قواه، وإن ارتاح فراحته ليست راحة حقيقيّة. هذا لا يعني أنّ الغنى خير في جميع الحالات، بل قد يحمل خطرًا للنفس. والجشع يقود إلى الظلم، والغنيّ الرديء لا يُنقّى. لا سيّما وإنّه يلاحق المال بكلّ الوسائل، فيضلّ ويخطأ وتكون نهايتُه وخيمة.

فالخبرة تبيّن أنّ مالاً اقتنيناه بالحرام لا يفيد أبدًا. وأنّ الجشعين والظالمين سيعرفون الدمار حين يستسلمون لهواهم. فالدمار يسبقهم كنتيجة ضروريّة لرذائلهم، أو كشجرة تقف في طريقهم فيعثرون. الجشع هو عبادة صنم، والذي يقع في هذا الفخ يدلّ على منتهى الجهالة (23: 7 - 8؛ جا 9: 12).

إذا كان الغنى مناسبة خطيئة (آ 8 - 11) فالغنيّ المستقيم ينال الأجر الكبير حين يحافظ على ضمير صادق. هو يكتفي بما لديه. ولا يجعل من المال الرغبة الوحيدة في حياته. فغنيّ بارّ وتقيّ أمر نادر، خضع لمحنة كبيرة لعبادة المال، فخرج منتصرًا. غير أنّ هذه المحنة لا تتركه، لأنّ المال يدفعنا كلّ ساعة نحو التجربة وتجاوز وصايا الله على مستوى العدالة والرحمة. فتجربة الإنسان الكبرى على الأرض هي تجربة المال. فمن عرف أن يمتلكه دون أن يتعلّق به، أو عرف أن يتخلّى عنه دون ندم، هو كامل حقٌّا وأهل للمجد الأبديّ. أنْ يكون الإنسان فقيرًا في الغنى. أن يكون مسرورًا رغم الفقر. أن يكون وسط النار دون أن يحترق. أن يقف بين الممالقين دون أن يترفّع كبرًا، أن يكون وسط التجارب دون أن يقع فيها، أن لا يقترف الشرّ مع أنّ له القدرة على ذلك. تلك هي أعظم معجزة في الكون.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM