سفر التكوين خلق المرأة 2/18

سفر التكوين خلق المرأة 2/18

تكلّمنا عن خلق الإنسان وعن خلق جنّة عدن وكيف أن الله جعل الإنسان معه لكيّ يفلح الأرض ويحرسها.

خلق المرأة:

قبل شرح النصّ بالتفصيل نقول إن كلّ نصّ من الكتاب المقدّس له هدف دينيّ. له هدف تعليمي. هناك سبب لأجله هذا النصّ أو غيره.

لماذا كتب هذا النصّ؟

أوّلاً: على مستوى الرجل حتّى يقول له الله أنّه سيّد الخليقة كلّها. حتّى يقول له أنتَ لست على مستوى الحيوان حتّى تتصرّف مثل الحيوان. أنت لست على مستوى الحيوان حتّى تكون لك حياة إجتماعيّة وجماعيّة مع الحيوان. أنتَ أرفع من الحيوان... الرجل ليس ما يقابله إلاّ المرأة، والمرأة ليس لها ما يقابها إلاّ الرجل وكلّ الخلائق وكلّ ما وجد على الأرض. إنّما هو في خدمة المرأة وفي خدمة الرجل...

ثانيًا: ما قيمة المرأة في مخطّط الله؟ هل هي خادمة للرجل، تقف عند قدميه كالخادمة أو كالعبدة يشتريها ويسيقها كما يشتري حمارًا أو ثورًا أو كما يشتري متاعًا من هذا العالم.

والزواج كيف يكون الزواج؟! هل تترك المرأة بيت أبيها حيث كانت قاصرة لتذهب إلى بيت حميها، بيت عمّها حيث تكون قاصرة كلاّ. سيقول الكاتب إنّ الرجل سوف يترك أباه وأمّه ويتّحد بإمرأته ويلتصق بامرأته فيكون الإثنان جسدًا واحدًا وهكذا سنفهم من هذا النصّ أنّ العيلة هي قبل الفرد، أنّ رباطات الزواج هي أهمّ من كلّ الرباطات الأخرى. في البدء كانت العيلة يدخل فيها الرجل وتدخل فيها المرأة. ومن خرج من العيلة كان هو الخاسر الأكبر. إذًا هو الهدف الدينيّ الذي لأجله كتب هذا النصّ. الإنسان عظيم جدٌّا هو كرجل عظيم أرفع من الحيوانات وهو كامرأة عظيمة أرفع من الحيوانات ونقرأ النصّ بالتفصيل. وقال الربّ الإله: هنا ننتبه إلى كلمة وقال الربّ الإله الربّ ليس له فم كأفواهنا وليس له شفاه وليس له لسان ليتكلّم كما نتكلّم، نحن لكنّه يتكلّم في أعماق قلوبنا يتكلّم من خلال الوحيّ الذي يوصله إلينا فالإنسان يستنير بنور الله. ينال الوحي من عند الله وهذا الوحي هو نور سماويّ لكن هذا الإنسان الذي تسلّم هذا الوحيّ سواء كان موسى أو غيره، هذا الإنسان عليه أن يعبّر عن هذا النور الإلهيّ، عن هذا النور السماويّ يلفّه البشر وعندما يكتب ما يكتب أو يقول ما يقول بفضل نور الله بفضل إلهام الله يستطيع أن يقول: قال الربّ الإله: هذا من جهّة. ومن جهّة ثانية نفهم تواضع الله قبل أن يتكلّم الإنسان بإسمه. الإنسان بكلامه الضعيف، بكلامه المحدود، بكلامه بما فيه من صور تستطيع أن تكون حاجز بين الله والإنسان قبل الربّ أن تصل الكلمة الإلهيّة إلى البشر ويعتبر الله أنّ هذه الكلمة هي فيه لذلك قال الربّ الإله: قبل الربّ أن يتكلّم بإسمه هذا الإنسان الذي وصل إليه النور السماويّ ونحن عندما نسمع هذه الكلمة نعرف أنّها مع ضعفها ومع محدوديّتها هي كلمة الله. لهذا نستمعها خاضعين، خاشعين، ساجدين ونحاول أن نكتشف الفن الذي فيها.

آية 18 وقال - لا يحسن أن يكون الإنسان وحده.

أوّلاً إذا كان الإنسان وحده فهو يعيش في الأنانيّة. إذا كان الإنسان وحده لا يستطيع أن يعيش. يقول الكتاب إذا كانوا اثنين، إذا سقط واحد يسنده الآخر. يخبرنا أحد الشعراء يقول: »تخيّلت أنّني وحدي الخيّاط يقول أنا لا أخيط لك ثيابًا، والطحّان قال لا أطحن لك قمحك والسكّاف والنجّار وجميع الذين يعملون فخاف وحسّ أنّه يموت جوعًا، إنّه عريان، إنّه حافي القدمين، إنّه متروك وحده كحيوان في البريّة. الإنسان لا يمكن أن يكون وحده لا يحسن، ونتذكّر بالفصل الأوّل »ورأى الله ذلك بأنّه حسن جدٌّا...«. ولكن أن لا يكون الإنسان وحده حسن يعني هو أقلّ من الخلائق الجامدة، أقلّ من القمر والشمس، أقل من الحيوان وإذا كان للإنسان عيلة، إذا لم يكن وحده ورأى الله أن ذلك حسن جدٌّا.

إذًا الربّ منذ البداية رفض حياة الوحدة، حياة التفرّد لأنّها لا يمكن أن تحمل أيّ غنى للإنسان. الإنسان يتّصل بالعالم كلّه، الإنسان يسمّيه أرسطو (حيوان اجتماعيّ) ويُمكن أن يبقى حيوان عندما يرفض المجتمع. ولكن عندما يعيش في المجتمع يصبح إنسانًا كاملاً يقول الربّ بما أنّه لا يحسن أن يكون الإنسان وحده. فأنا أصنع له مثيلاً يعينه:

أوّلاً مثيلاً: يعني شبيهًا به.

مثلما قلنا ما في خليقة على الأرض تشبه الإنسان أبدًا. الإنسان وحده يشبه الإنسان والإنسان الرجل إذا إتّحد بالإنسان المرأة يشبهان الله. فإذًا هنا الله أراد أن يخلق إنسانًا تجاه الإنسان أن يخلق إنسانة تجاه الإنسان لهذا السبب يقول الرجل: هذه إمرأة أخذت من امرءٍ يعني الإمرأ هو المذكّر والإمرأة هي المؤنّث. أصنع له مثيلاً يعينه، يساعده يعني أن أستند إلى أخي وأخي يستند إليّ. أنا الزوج أستند إلى إمرأتي وإمرأتي تستند إليّ. هناك عون متبادل وننبّه لا يحسن أن يكون الإنسان وحده. إذًا الرجل لا يحسن أن يكون وحده والمرأة لا يحسن أن تكون وحدها، الواحد يعاون الآخر. وحاول الربّ أن يجد من يعين الإنسان ما صنع.

آية 19: جبل... حيوانات البرّيّة. جبلوا كل الحيوان وقال له هؤلاء يساعدوك، لا شكّ يساعده البقر، يساعده الجاموس حتّى يفلح الأرض الحمار يساعده حتّى ينقل. الدجاجة تساعده عندما تعطي البيض. الهرّة تساعده والكلب تساعده، كلّ الحيوانات تستطيع أن تساعد الإنسان وهي كلّها في خدمة الإنسان وهنا ننتبه »جبل الربّ الإله من الأرض آية 2/7 وجبل الربّ الإله آدم أيضًا ترابًا من الأرض. هذا يعني في المظهر الخارجيّ الإنسان يشبه الحيوان. عنده أعضاء يدين، رجلين، رأس، عينين، أذنين، خارجيٌّا الحيوان يشبه الإنسان، بأداة التنفّس بالطعام، بالشراب، من هنا نقول الإنسان عنده نفس »يعني يَستطيع أن يتنفّس مثل الإنسان، الإنسان عنده شيء ليس عنده إيّاه الحيوان، وهي الرّوح. إذا أخذنا الإنسان على المستويات الثلاثة هو مادّة مثل كلّ المادّة الحجر وغيرها. هو حياة، هو نفس مثل الأشجار ومثل الحيوان ولكنّه روح يعني صار على مستوى الله. صار على مستوى روح الله. صار إبن الله ولكن خارجيٌّا الإنسان هو كالحيوان هنا نفهم ما قاله سفر الجامعة »يموت الإنسان فيوضع تحت التراب ويموت الحيوان فيوضع تحت التراب. إذًا من الخارج، على مستوى الجسم، على مستوى الحياة الماديّة والتنفسيّة والطعم والشراب. الإنسان هو مثل الحيوان لكن يقول سفر الجامعة الجسد أو هل العنصر الماديّ أو بالأحرى هذا اللّباس الماديّ يبقى على الأرض أمّا الرّوح فتصعد إلى الباري أي إلى الله... يعني أنا كإنسان في أعماقي أعود إلى الربّ. وهذا اللّباس الخارجيّ الذي نسمّيه الجسد يبقى في التراب شأنه شأن الحيوان. الإنسان يموت ويفنى. أمّا الإنسان يموت ولكن موته هو خطوة إلى حياة ثانية إلى حياة جديدة يتبدّل فيه ولكنّه لا يموت. فالإنسان خالد مثل الله. والربّ كالسيّد كالإله جاء بالحيوان إلى آدم يعني أعطاه الحيوان كلّه (أولئك بخدمتك) كيف عبّر عن ذلك، فكيف يسمّيها. بالفصل الأوّل ربّنا هو الذي سمّى اليبس أرضًا، سمّى مجمّع المياه بحارًا. ربّنا سمّى النهار نهارًا والليل ليلاً. هنا تنازل وسلّم هذه المهمّة إلى آدم أنت يا آدم تعطيها أسماء، أنت يا آدم تسمّيها لأنّك سيّدها. السيّد هو الذي يعطي الأسماء إلى كلّ الأشياء التي بخدمته أو في طاعته كما إنّ الأب والأم يعطيان الإسم لأبنائهم لأنّ هذا الإبن في الطاعة وهنا كذلك ربّنا طلب من آدم، من الإنسان أن يعطي إسمًا للحيوان حتّى يبيّن أنّه هو سيّد الحيوان. فيتحمّل كلّ منها الإسم الذي يسمّيها. هذا يعني أنّ الحيوان خاضع للإنسان. هو لا يستطيع أن يرفض الإسم الذي يعطيه إيّاه الله.

آية 20: فسمّى آدم جميع البهائم ويطيور السماء وجميع وحوش البرّ بأسماء. ملاحظة حتّى وحوش البرّ من الأسد حتّى النمر حتّى الذئب حتّى الدبّ حتّى الضبع. كذلك أعطاها الإنسان إسمًا هي سيّد عليها وحاول الإنسان أن يتعامل مع الحيوان على المستوى ذاته، على مستوى الطعام، على مستوى الشراب، على مستوى الحياة البيتيّة. كلاّ لا يستطيع. لهذا السبب كان الكلب خارج البيت، لا يكون داخل البيت الحيوانات من حمار وثور كانوا بفرقة ثانية. لا يستطيع الإنسان أن يعيش مع الحيوان أبدًا. هناك فصل تام بين الإثنين يقول الكاتب ما قاله بآية 18: أصنع له مثيلاً يعينه وتتطلّع الإنسان في الحيوان ولكنّه لم يجد بينها مثيلاً له يعينه. ليس فقط الله قرّر هذه الأمور ولكن الإنسان اكتشف إنّه غير الحيوان، إنّه أرفع من الحيوان وهنا نعود إلى زواتنا، الحيوان يعيش وحده في أنانيّة، أمّا الإنسان فيعيش من أجل الحبّ نأخذ مثلاً دجاجة نعطيها شيئًا تأكله أو هرّ، شيء لتأكله، ماذا تفعل، تأخذه وتبتعد عن رفيقاتها حتّى تأكله وحدها. غير الإنسان، الإنسان لا يأكل وحده أبدًا. إذا أكل وحده يحسّ بأنّ الأكل لم يدخل على بطنه. هو يأكل في جماعة. يعيش مع الجماعة، يتصرّف مع الجماعة، يعمل مع الجماعة، الإنسان يفترق كلّ الإفتراق عن الحيوان وهذا في أعماق قلبه، في أعماق حياته. لا شكّ كما قلنا الإنسان كالحيوان، يتنفّس، يأكل، يهضم الأكل، يسمع يرى إلى آخره. لكن هناك أعمق بكثير وهذا هو الرّوح الذي جُعل في الإنسان لذلك لمّا يتكلّموا عن التقمّص أن يعود الإنسان إلى جسم حيوان، نرى كم هو بعيد كلّ البعد عن التوراة.

لا شكّ الإنسان على هذه الأرض يمكن أن يصبح كالحيوان في تصرّفاته يقول المزمور »لا تكن مثل البغل الذي يرفس ويرفض« صحيح لكن الإنسان لا يمكن أن يعود كالحيوان أبدًا. الإنسان خلقه الله على صورته ومثاله يرفعه ليس فقط على مستوى الملائكة، أعظم من الملائكة، لماذا لأنّ الإنسان الأوّل هو يسوع المسيح وعندما ينحطّ الإنسان، ينحطّ يسوع المسيح وعندما يرتفع الإنسان يرتفع يسوع المسيح. أجل لا شيء في هذا العالم يشبه الإنسان. الإنسان فوق كلّ شيء وخصوصًا الإنسان عنده في قلبه شوق وحنين في قلب الإنسان، إلى الله وهنا القدّيس أغسطينس يعطينا هذه الصورة الرائعة »وخلقتنا لك يا ربّ وسيظلّ قلبنا مضطربًا حتّى يستريح منك. الإنسان خلق مشدودًا إلى الله خمسين مليون حبل يشدّون إلى الله. لا يمكن أن يبقى على الأرض. انظروا إلى الحيوان يمشي على أربعة ويكون ينظر برأسه إلى الأرض. الإنسان على إثنين، رأسه مرفوع، عيناه مرفوعتان، يديه مرفوعتان حتّى يصل إلى الله، فكيف نجعله على مستوى الحيوان، كلاّ ثمّ كلاّ هذا هو الإنسان، الإنسان خارجيٌّا يشبه الحيوان لكنّه في الأساس، في العمق، في الرّوح هو أعظم من الحيوان، هو على مستوى الله لأنّه أجمل صورة عن إبن الله، يسوع المسيح، الكلمة الذي صار بشرًا، الذي لبس جسدًا وحلّ فينا. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM