الخاتمة.

 

الخاتمة

ما الذي قدَّمنا في هذا الكتاب؟ مقالات من هنا وهناك. ما توخَّينا صياغة سيرة يوحنّا الذهبيّ الفم. فالكتب عديدة في هذا المضمار، في عدد من اللغات. ولو توقَّفنا عند أثر من آثاره على حساب أثر آخر، بل حاولنا أن ندخل إلى تلك الحديقة ونقطف منها أطيب الأثمار.

فالذهبيّ الفم هو قبل كلِّ شيء ذلك الراعي، الذي يدافع عن قطيعه في وجه الذئاب الخاطفة. لهذا قرأنا حربه على الأريوسيّين الذين ينكرون لاهوت الابن وعلى الأنوميّين الذي يعتبرون أنَّ الابن لا يشبه الآب. قال يوحنّا: الله لا يدرك بالعقل، بل نحن ندخل في سرِّه. ذاك هو لاهوت أنطاكية منذ القديم، الذي يتلاقى مع ما تركه الآباء السريان، ولا سيَّما القدّيس أفرام شمّاس نصيبين والرها.

والذهبيّ الفم هو ذلك الواعظ الذي يوصل كلام الله إلى المؤمنين. فقرأنا عظاته في المعموديَّة، التي لبثت بالنسبة إلينا صورة عمّا كانت تصنعه كنيسة أنطاكية في القرن الرابع حين تمارس الأسرار.

وشرح يوحنّا الأسفار المقدَّسة في شروحات واسعة. في العهد القديم، قدَّم لنا 67 مقالاً في سفر التكوين، فقرأ هذا السفر آية آية من بدايته إلى نهايته. ووصل إلينا من سفر المزامير شرح ثمانية وخمسين مزمورًا، برزت فيها طريقته في اكتشاف المعنى الحرفيّ أو التاريخيّ، حيث العهد القديم يكون القاعدة التي ينطلق منها الشارح ليصل إلى المعنى الروحيّ وبعد ذلك إلى المعنى المسيحاويّ: فالعهد القديم يجب أن يصل بنا إلى العهد الجديد وإلى شخص المسيح. أمّا شرح نبوءة أشعيا فوصل ناقصًا في اليونانيَّة، ولكن جاء كاملاً في الأرمنيَّة. نشير هنا إلى أنَّ ما تركه الذهبيّ من آثار، لم يبقَ محصورًا في اليونانيَّة، بل انتقل إلى السريانيَّة والعربيَّة واللاتينيَّة والأرمنيَّة والسلافونيَّة... كان نورًا ينير الآتين من البعيد.

لا مجال لذكر ما احتفظت لنا السلسلات من مقاطع كريسوستوميَّة حول إرميا ودانيال والأمثال وأيّوب. بل نتعرَّف إلى شروح العهد الجديد. أوَّلها، العظات حول إنجيل القدّيس متّى، تسعون عظة، وهي أقدم تفسير كامل تركه لنا الآباء حول الإنجيل الأوَّل. ثانيها، العظات حول إنجيل القدّيس يوحنّا. ما نلاحظ هنا خطَّ الدفاع الذي يأخذ به الواعظ، فيردُّ على الهرطقات التي ما زالت حيَّة في المحيط الأنطاكيّ.

والعمل الكبير المتكامل هو عظات حول سفر الأعمال، ثمَّ حول الرسائل البولسيَّة، اثنتان وثلاثون عظة حول الرسالة إلى رومة. أربع وسبعون عظة حول الرسالتين إلى كورنتوس ثمَّ الرسائل إلى أهل غلاطية (شرح أكثر منه عظة)، وإلى أفسس (24 عظة)، وإلى فيلبّي (15 عظة)، وإلى كولوسّي (12 عظة) وإلى تسالونيكي (15عظة). ونال فيلمون ثلاث عظات والرسائل الرعائيَّة الثلاث أربعًا وثلاثين عظة. وما نسي الوعظة للرسالة إلى العبرانيّين، التي ربطها التقليد الأنطاكيّ دومًا ببولس، شأنها شأن سائر الرسائل. هذه نالت أربعًا وثلاثين عظة ونُشرت بعد موته.

عمل جبّار جاء في اثني عشر جزءًا من القطع الكبير. ونُشر بالطبع منذ القرن السابع عشر مع الترجمات إلى اللاتينيَّة وغيرها من اللغات. بحر واسع حاولنا أن نغوص فيه، فذُقنا بعض طعمه. وهو يطلب منّا المزيد، كما يدعو أهل أنطاكية إلى نقل هذا التراث إلى لغتهم فنتعرَّف إلى هذا الغنى الكبير.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM