الفصل 4: ترجمة الأسفار المقدّسة إلى العربيّة

ترجمة الأسفار المقدّسة إلى العربيّة

في مقال سابق تحدّثنا عن »الكتاب المقدّس في اللغة السريانيّة«. وذلك في قراءة لمقدّمة كتاب المطران يوسف الدبس تحفة الجيل في تفسير الأناجيل. وها نحن نعالج الآن التقليد الشرقيّ الآخر بعد التقليد السريانيّ، عنيتُ به التقليد العربيّ. وهكذا راح المطران الدبس يتعرّف إلى العرب وتنصّرهم، ثمّ إلى ترجمات الكتب المقدّسة إلى لغتهم، التي امتدّت امتدادًا واسعًا في تاريخ الشرق وعرفت ازدهارًا كبيرًا بشكل خاصّ في النهضة العربيّة التي بدأت في القرن الثامن عشر وتواصلت في التاسع عشر. وما زالت تتوسّع فاتحة ذراعيها للعلوم الجديدة التي دخلت إلى حضارتنا.

وهكذا، بعد توسُّع في اللغة السريانيَّة وأصلها مبنيٌّا على ما قيل من قبل من أنَّها أقدم اللغات، كان كلام عن ترجمة الأسفار المقدَّسة إلى لغة امتدَّت مع الطوائف الكلدانيَّة والأشوريَّة والسريانيَّة والمارونيَّة، بل الملكيَّة الأنطاكيَّة في فترة من تاريخها. وبدأت طبعات الكتاب المقدَّس في عواصم أوروبّا، قبل أن تصل إلى الشرق، وأوَّلها مطبعة دير مار أنطونيوس قزحيّا من أجل الحرف الكرشونيّ، ومطبعة عبد ا؟ الزاخر من أجل الحرف العربيّ. وها هو الدبس ينتقل إلى الترجمات العربيَّة، في طريقة تشبه ما قاله عن السريانيَّة: من هم العرب؟ هل وُجدت عندهم ترجمات للكتاب المقدَّس؟ ونواصل إيرادنا لنصوص المقدّمة التي جعلها المطران الدبس في بداية تفسيره للأناجيل.

1 - عودة إلى التاريخ

أ - العرب وتنصُّرهم

»فلنأتِ الآن إلى الكلام في الترجمة العربيّة. سبيلنا أن نقدِّم بعض تعاريف تكبيرًا للإفادة وتسهيلاً لفهم ما سيجي، ارتاى بعضُهم أنَّ اسم العرب من العربة1 التي تاويلها بالعبرانيّة والسريانيّة والعربيّة برِّيَّة، أو محلّ منفرد للمرعى. وقال بعضهم: إنَّ اسمهم من عرب2 السريانيّة، بمعنى خلط ومزج أي أنَّ العرب دُعوا كذلك لاختلاطهم من سكّان أمصار مختلفة على ما روى إبراهيم الحاقلانيّ (في تاريخ العرب رأس 2)، لا من الاختلاط بالزواج بأن تكون امرأة واحدة لجميع الأقربا الدمويّين، إن صحَّ ما كتبه استرابون في ك16 بهذا الشان عن العرب سكّان العربيّة السعيدة، كم وهَمَ بعضهم هو فمن منهم في قاموسه تحت كلمة عرب. وارتأى آخرون أنَّهم دُعوا عربًا من يعرب أو عرب بن قحطان، وهذا ما يقوله علماء العرب بالعموم. وقال المونسنيور السمعانيّ في مجلد 4 رأس 10 فصل 1 من المكتبة الشرقيّة المأخوذ عنه أكثر كلامي هنا: إنَّ هذا لا يبان بعيدًا عن الصواب خاصّة: »لأنّ هذا الاختلاط (كما يقول الحاقلانيّ المذكور) بين الشعوب هو متأخّر، ولأنَّه لو صحَّ البرهان من هذه التسمية لأطلق اسم عرب على كثيرين وخاصّة على المصريّين بأولى حجَّة، لأنَّهم على ما يُروى مجموع من كلِّ قبايل المسكونة«.

ب - الأرض

»إنَّ البلاد التي سكنها هؤلاء العرب سُمِّيت منهم العربيّة ويحدُّها من الجنوب الأوقيانوس العربيّ ومن الشمال فلسطين وسورية والفرات، من الشرق خليج فارس ومن الغرب الخليج العربيّ المسمّى البحر الأحمر والفاصل بينهم وبين مصر والحبشة. ويسمُّونها جزيرة العرب وهي بالحقيقة شبه جزيرة، فإنّ الأبحار تحيطها من المغرب والمشرق والجنوب وتتَّصل إلى الشمال باليابسة. وتقسم العربيّة إلى ثلاثة أقسام: خاصّة العربيّة الحجريّة من قرية قديمة اسمها حجر، وهذه تتاخم فلسطين ومصر، وأخصّ إقليم منها الحجاز حيث المدينة ومكّة والطايف. والقسم الثاني برِّيَّة العرب، وهذه تمتدّ من برِّيَّة تدمر تحت الفرات حتّى بلاد الكلدان، وتنتهي غربًا بالعربيّة الحجريّة، وجنوبًا بجبال العربيّة السعيدة3 وسكّانها يسمّيهم العرب بدويّة وباليونانيّة شانتي4 أي رحّلاً. والقسم الثالث هو العربيّة السعيدة وهي إلى الجنوب من البرِّيَّة والحجريّة، يكتنفها البحر الأحمر من المغرب، والخليج الفارسيّ من المشرق، ويسمّيها العرب اليمن«.

ج - أصل العرب

»إنّ أصل سكّان اليمن من يقطن أو قحطان وأولاده المذكورين في التكوين ص 10. وكان قحطان أخا فالغ (بل: فالج) بن عابر بن شالح بن سام بن نوح. ووَلد ثلاثة عشر ولدًا تشتَّتوا باليمن أي العربيّة السعيدة، وهم أجداد العرب الذين يسمّون العرب العاربة. وللعرب الوطنيّين أصل آخر من كوش بن حام بن نوح وأولاده ومن سبا ودادان ابني رغما (رعمة) بن كوش (تك ص 10 عد 10). ومن هؤلاء صدرت قبايل الكوشيّين والسبويّين الذين هم عرب أصلاً، وكانوا يسكنون على خليج البحر الفارسيّ والبحر الأحمر، لا ما فهم بعضهم بالكوشيّين الحبش، سكّان أبيسينيا5، لأنَّه من المؤكد أنّ الكوشيّين كانوا قديمًا في بلاد العرب، ثمّ عبروا الخليج العربيّ ودخلوا إثيوبيا الحقيقيّة أي أبيسينيا، حتّى إنّ المفهوم بالكتاب المقدَّس باسم الكوشيّين هو قبيلة من العرب لا الحبش بالحصر6. وهذا وإن كان مخالفًا لرأي بعضهم، فقد أثبته والتن بإسهاب وبرهانات ساطعة في مقدِّماته المذكورة. وقال به السمعانيّ في المحلّ المذكور مستشهدًا بوكرت في ك4 رأس 2 مسمِّيًا برهاناته كلِّيَّة التوكيد.

»وللعرب أصل آخر ثالث، من الأولاد الذين ولدتهم هاجر وقيطورا لإبراهيم أي من اسماعيل وذرِّيَّته. ثمّ من مواب وعمّون ابني لوط من بنتَيْه (تكوين ص 19) ومن عيسو بن إسحق (تكوين ص 36). فمن هؤلاء صدرت قبايل العرب الشهيرة أي الإسماعيليّون والمدينيّون والمؤآبيّون والعمّونيّون والأدوميّون. وهؤلاء يسمّون عربًا مستعربة أي دخلاء على العرب، لأنَّهم حلُّوا بين العرب الأوَّلين وعقدوا معهم عهدات وزيجات. والمؤلّفون العرب يقسمون قبيلتهم إلى عرب بائدة وعاربة ومستعربة. فالبائدة سمُّوا كذلك، لأنَّهم بادوا ومُحيَ اسمُهم إلاّ خمس فصايل هي عاد وثمود وطسم وجديث وجرهم. وأمّا العرب العاربة فهم ذرّيّة قحطان كما قدَّمنا، إلاّ أنَّ بعض علماء الإسلام يجعلون قحطان ابن حميسا بن نبايوط بن إسماعيل لا ابن عابر بن شالح بن سام كما ذكرنا. وقال السمعانيّ: إنّه لا يضادّ الإسلام بهذا الراي. وأمّا العرب المستعربة، فقد مرّ تعريفهم«.

د - تنصُّر العرب

»فاذ تقرَّر ذلك أقول، زعم ريناودوسيوس في مقالته في ترجمات الكتاب المقدَّس عند الشرقيِّين، وغيرُه من العلما الأوروبّاويّين المتاخّرين، أنَّه لم يوجد ترجمة عربيَّة للأسفار المقدَّسة إلاّ بعد ظهور الإسلام. وسند ريناودوسيوس زعمَه هذا إلي (إلى) مجرَّد مبدا كاذب، وهو أنَّ العرب لم يتنصَّروا إلاّ متاخّرًا أو تنصَّر منهم قليلون في مبادي (مبادئ) الكنيسة، فخنق شوكُ مذاهب اليهود والمانيّين (المانويّين) والوثنيّة وغيرهم بذار الإيمان المقدَّس، وأنَّه لم يكن لهم كنايس ولا أساقفة قبل ماوية ملكة السراكسة7 التي كانت في أيّام والس الذي رقِّي سدّة الملك سنة 364 وأنَّ الايمان مع ذلك لم يتمكَّن حينيذ عند العرب.

»إلاّ أنَّ زعم ريناودوسيوس هذا باطل، ومبدأه الموسّس (المؤسَّس) عليه كاذب، ونكتفي لإثبات ذلك بإيراد خلاصة ما كتبه بهذا الشان العلاَّمة السمعانيّ في المجلد 4 من المكتبة الشرقيَّة رأس 10 فصل 3 فيقول هناك: قد أحكم بارونيوس بملاحظته أنَّ انتشار الدين المسيحيّ في العربيَّة كان أوَّلاً بواسطة المجوس الذين هم أوَّل من سجد للمسيح بعد مولده، كما تنبّا (تنبّأ) عليهم أشعيا بقوله8: إنَّ وفود مدين وافا الجميع ياتون من سبا ويقدِّمون الذهب والبخور، ومن المعلوم أنَّ المدينيّين والسبويّين من أخصِّ قبايل العرب. ولذا كان المجوس من العرب، كما أثبت يوستينوس الشهيد في خطابه مع تريفون، وترتوليانوس في كتابه ضدّ اليهود، وإبيفانيوس في مختصر التعليم، بناء على ما ورد في المزمور 71 (= 72): »ملوك العرب وسبا يقدِّمون الهدايا«. والخصيّ الحبشيّ وكيل قنداق ملكة الحبش الذي عمَّده فيلبّوس الرسول (إبركسيس ص 8 عد 27) كان من بلاد سبا المسمَّاة الحبشة كما قدَّمنا، وأنذر بالإيمان أهل وطنه الأعراب.

»وكان اليهود كثيرين في العربيَّة الحجريَّة والسعيدة. فاليهود الذين أتوا من العربيّة إلى أورشليم يوم البنديكستيّ9 وسمعوا الرسل يتكلَّمون بلغات مختلفة اعتنقوا الدين المسيحيّ وعلَّموه لمعاشريهم. وقد جعل فم الذهب (في ميمر 4 من الإبركسيس)10 بطرس أوَّل رسول إلى العرب إذ قال: »إنَّ بطرس كان فم الجميع... وأوَّل من جمع الكنيسة، لا من الأورشليميّين واليهود المجاورين لهم فقط، بل من... العرب والدخلاء الرومانيّين أيضًا«. ومَن علَّمهم بطرس في أورشليم، هذَّبهم بولس في بلاد العربيَّة. فإنَّه بعد أن آمن بالمسيح في دمشق، مضي (مضى) إلى العربيَّة قبل أن ينطلق إلى أورشليم، إلى الرسل الذين كانوا قبله، كما شهد عن نفسه في غلاطية ص 1 عد 15.

»ويُضاف إلى بولس الرسول رسل العرب، وأوَّلهم تادي الذي أثبت نيكوفوروس وفرتوناتوس وبيدا وغيرهم، أنَّه علَّم شعوب العربيَّة وسورية وبين النهرين. ونسب عبديشوع التبشير في العربيَّة لتادي الآخر أحد التلاميذ. وتلميذُه ماري أنذر العرب الرحَّل واليمانية. ثمَّ إنَّ الحبش والهنود الذين بشَّرهم متَّى الرسول (كما روى سقراط ك1 رأس 19) وبرتلماوس (كما ذكر أوريجانوس في التكوين ك 3 وأوسابيوس ك 5 رأس 10) وماتيّا (كما روى نيكوفوروس ك2 رأس 40)، يلزم أن يُفهم بهم الحميريّون شعوب العربيَّة السعيدة لا الحبش سكّان إبيسينيا الذين لم يستنيروا بالإيمان قبل فرومنسيوس الصوريّ الذي رسمه القدّيس أثناسيوس الإسكندريّ أسقفًا سنة 327. ويثبِّت ما قلناه خاصَّة عن متّى وبرتلماوس الرسولين، فيلوسترجيوسُ وسقراط. قال الأوّل منهما في ك2 عد 6: »إنَّ سكان الهند الأقصى رجعوا إلى المسيح بإنذار برتلماوس الرسول، وهؤلاء الهنود سُمُّوا أوَّلاً سبويّين من مدينة سبا التي هي عاصمة القبيلة كلِّها. والآن يسمَّون حميريّين«. ومن ينكر أنَّ الحميريّين من العرب. وقال سقراط في المحلّ المذكور آنفًا نقلاً عن روفينوس: »إنَّ متّى أصابته قرعة الرسالة في بلاد الحبش، وبرتلماوس في الهند المجاورة لها. وأمّا الهند الداخلة التي تسكنها قبايل عديدة مستعمِلة لغات مختلفة (يريد بذلك بلاد الحبش بالحصر التي كانت تسمّى هندًا أيضًا)، فلم تستنر بالإيمان قبل أزمنة قسطنطين«، أي بواسطة فرومنسيوس كما قدَّمنا«11.

هـ - أساقفة ومجامع

»ومنذ مبادي الكنيسة، قد أقيمت في العربيّة كراسي أسقفيَّات عديدة، وكانت متريبوليّطيتها منذ البداية مدينة البصرة تحت ولاية البطريرك الأنطاكيّ، كما يظهر من إمضاوات المجامع والرسايل السنودسيّة، وعدَّد السمعانيُّ في المحلّ المذكور، أسماء الأساقفة العرب والمجامع التي أمضوها من المجمع النيقاويّ فصاعدًا، وقال: إنَّه كان تحت ولاية متريبوليط البصرة جميع أساقفة كنايس العرب إلاّ كنايس دوما ونباطية وإيطوريا وحوران وبلاد الشقيف، وإنَّه عُقدت عدّة مجامع في العربيّة، وأوَّلها سنة 229 للمسيح شجب به باريلوس أسقف فيلادلفيا12 (ذكره أوسابيوس في ك 6 رأس 26 وسقراط ك 3 رأس 7). الثاني سنة 247 (ذكره نيكوفوروس في ك6 رأس 30) ضدّ العرب الذين وهموا أنَّ نفوس الناس تموت مع أجسادهم وتقوم معها. وأمَّا العرب الذين يُسمَّون الإسماعيليّة وهم الرحَّل، فقيل إنَّهم رجعوا إلى الايمان وأقيم لهم أساقفة وكهنة سنة 373 في أيَّام والس الملك، إذ لم تشا ماوية ملكتهم أن تجدِّد الهدنة بين الرومانيّين والسراكسة قبل أن يُرسَم أسقف على أمَّتها. فرُسم راهب اسمه موسى كان في البرِّيَّة القريبة من هناك. وقد أسهب بشرح ذلك تاوادوريطوس13 في ك4 رأس 23 وزوزومانوس ك 6 رأس 3814. ثمّ يورد السمعانيّ أسماء أساقفة السراكسة بعد موسى المذكور ويقول: إنَّ القدّيس سمعان العموديّ قد أزاد عدد شعب السراكسة المؤمن بالمسيح كثيرًا إذ روى عند تاوادوريطوس: »أنَّ الإسماعيليّين كانوا يتقاطرون إليه أجواقًا ويجحدون ضلال آبائهم بصوت جهير«، إلى أن يقول: إنَّ هذا يلاحظ السراكسة والرحَّل الذين كانوا يسكنون بالقرب إلى الخليج العربيّ وفلسطين وفونيقي لبنان. وأمّا من جاوروا منهم بين النهرين وبلاد الكلدان وفارس فقد تنصَّروا قبل سنة 320. ويورد السمعانيّ لذلك شواهد ساطعة، إلى أن يذكر تنصُّر المنذر ملك السراكسة في الحيرة الذي جعله ريناودوسيوس من أوَّل من تنصَّروا من العرب بنوع ما«.

2 - ترجمة الكتاب المقدّس

أ - الإثبات بالبرهان

»فبعد أن أوردنا هذه الشروح المسهبة نقلاً عن العلاّمة السمعانيّ الذي أيَّدها بشواهد راهنة بهذا المقدار، فمَن لا يرى بطلان مبدا ريناودوسيوس ومن وافقَه، بأنَّ العرب لم يتنصَّروا ولم تكن لهم كنايس وأساقفة في الأجيال الأولى. المبدأ الذي سند إليه وحده زعمه عن رسامة موسى أسقف السراكسة المنوَّه عنه وتنصَّر شعبه، يُطلَق على العرب الرحَّل فقط وليس على جميعهم، بل على من سكنوا منهم بالقرب من الخليج العربيّ وفلسطين وفينيقي لبنان لا غير. ولنأخذ برهان ريناودوسيوس نفسه للتوصُّل إلى النتيجة المقصودة فإنَّه يقول في مقالته المذكورة: إنَّ النصارى في المشرق كان عندهم منذ البداية الأسفار المقدَّسة بلغة الشعب، وكانوا يتلون الفروض الإلهيَّة ويرتِّلون ميامر ومزمورات ويتمِّمون الليتورجيّات. وليس من يجهل أنَّ قراءة الكتاب المقدَّس كانت أخصّ جزء من هذه الفروض. ولذا يلزم أن تكون عند العرب الأسفار المقدَّسة بلغة وطنهم. ثمَّ يستتلي قايلاً: »حيث لم تقم عند العرب كنايس ثابتة ولا تخلّف أساقفة متواصل، فلا ذكر لترجمات العهد العتيق أو الجديد عندهم قبل زمان محمَّد«. والحال أنَّنا قد برهنّا ضدَّه أنَّه كان عند العرب كنايس ثابتة وتخلّف أساقفة متواصل. فإذًا كان عندهم ترجمة الكتاب المقدَّس قبل الزمان الذي ذكره. إنَّنا نستخدم أيضًا لإثبات مقصدنا برهانًا آخر ذكره ريناودوسيوس نفسه. فقد قال هناك: »إنَّ الذين ترجموا إلى العربيَّة بتعب جسيم كتاب أرسطو وسقراط وغالانوس وديوسكريد وأوقليدوس15 وغيرهم كثيرين من الفلاسفة والأطبّاء والمهندسين، لم يتقاعدوا عن ترجمة الأسفار المقدَّسة... إذ يظهر أنَّه توجد تأليفات عديدة للآباء القدّيسين مترجمة إلى العربيَّة، وكثير منها يتضمَّن ميامرهم على الكتاب المقدَّس«. فهذا وإن قاله ريناودوسيوس ليبرهن أنَّه كان عند العرب ترجمة الأسفار المقدَّسة قبل الترجمة السعديَّة الآتي ذكرها بزمان مديد، فمع ذلك هو حجَّة لنا عليه في إثبات مقصدنا.

»ولنا شواهد أيضًا في إثبات مقصدنا. قال تاوادوريطوس في ك5: »إنّ الأسفار العبرانيَّة لم تترجم إلى لغة واحدة بل إلى الرومانيَّة والفارسيَّة والهنديَّة والشيتيّة، وبالاختصار إلى جميع اللغات«. فالمفهوم بالهنديَّة لا لغة سكّان الهند الداخل، بل لغة سكّان العربيَّة السعيدة التي كانت تسمّى قديمًا الهند الخارج وسكّانها هم العرب الحميريّون كما قدَّمنا. وعلى الأقلّ لا أعلم لماذا يلزم استثناء لغة العرب وحدهم من قول تاوادوريطوس إلى جميع اللغات. مع أنَّه كان قريبًا من العرب إذ ولد في أنطاكية وصار أسقفًا على قورش في سورية وذكَر القدّيس يوحنّا فم الذهب فقال: نسخ الكتاب المقدَّس في ميمر 1 ص 1 في يوحنّا فقال نسخ »السريان والمصريّين (المصريّون) والفرس والحبش وغيرهم من الطوايف البربريَّة«. وقدّمنا أنّه كان يراد بالحبش لا سكّان أبيسينيا، بل سكّان العربيَّة السعيدة. وقال مار إيرونيموس في مقدِّمات الأناجيل لداماسوس البابا: »الكتاب المقدَّس ترجم إلى لغات الأمم العديدة«. وقال مار أغوسطينوس في ك3 في التعليم المسيحيّ رأس 5: »إنَّ الكتب المقدَّسة انتشرت طولاً وعرضًا بلغات المترجمين المختلفة«. فلا ينبغي استثناء العرب من هذه الأقوال العامَّة. وقال مولِّف المقدِّمة على البوليكلوتا البريسيَّة: »وتستحقّ مديحًا عظيمًا تلك الترجمة العربيَّة التي وجدها البعض في عصر إيرونيموس من الكتب المقدَّسة المكتوبة بهذه اللغة، وبمساعدة هؤلاء ردّ إلى سفر أيّوب نحو سبعماية أو ثمانماية آية كما يتَّضح من المقدِّمة المعلَّقة على كتاب إيرونيموس«. وإذ ناقش والتن على هذه الشهادة بعض المناقشة قال في المقدِّمات المذكورة مرارًا: »ولا إذا سلَّمنا أنَّ إيرونيموس يتكلَّم عن الترجمة العربيَّة التي كانت في عصره (إذ لا ننكر بل برهنّا سابقًا أنَّ الكتب المقدَّسة في تلك الأزمنة كانت ترجمت إلى العربيَّة وغيرها)، ينتج أنَّ النسخة المطبوعة في البوليكلوتا البريسيَّة هي قديمة بهذا المقدار«. فمن ذلك جميعه يتَّضح أنَّه كان عند العرب منذ أجيال الكنيسة الأولى ترجمة للأسفار المقدَّسة بلغتهم، وإن لم تدَعْها صروفُ الزمان ونكبات المشرق أن تبلغ إلينا«16.

ب - أقدم الترجمات

»إنَّ أوَّل ترجمة عربيَّة نجد العلماء ذكروها بعد ظهور الإسلام، هي ترجمة الأناجيل التي ذكرها السمعانيّ في المكتبة الشرقيَّة في السريان النساطرة وجه 599 بقوله »إنَّ عمرًا ملك العرب أمر يوحنّا بطريرك اليعاقبة نحو سنة 640 ليترجم الأناجيل الأربعة من السريانيَّة إلى اللغة العربيَّة. كما شهد ابن العبريّ في قسم 3 من تاريخه السريانيّ ويسمّيه ابن سعد«. وذكر هذه الترجمة في مجلَّد 2 من تأليفه المذكور رأس 42 وجه 335 قايلاً: »يوحنّا المسمّى سدراو من دير أوسابانا تلميذ أثناسيوس رسمه إبراهيم أسقف نصيبين سنة 942 يونانيَّة (توافق سنة 631 مسيحيَّة) فهذا بأمر عمرو بن سعد ملك العرب، ترجم الإنجيل من السريانيَّة إلى العربيَّة، وجلس ثماني عشرة سنة ومات سنة 960 يونانيَّة (توافق سنة 649 مسيحيَّة) ودُفن في آمد«17.

قد ذكروا أيضًا ترجمة عربيَّة للأسفار المقدَّسة صنعها يوحنّا أسقف ساويليا18 في إسبانيا سنة 717 أو سنة 719 وقد تكلَّم عليها فاسكوس في تواريخ إسبانيا ويوحنّا ماريانا في تاريخ إسبانيا أيضًا ك 7 رأس 3. وقدَّر يوحنّا أنَّ سعيد بن البطريق استخدم هذه الترجمة، في تاريخه الكنايسيّ. ومن بعد عصر هذه الترجمة لمّا كانت اللغة العربيَّة أضحت لغة عامَّة في سورية وفلسطين ومصر وغيرها بواسطة تملُّك العرب الإسلام فيها، كثُرت الترجمات إلى العربيَّة، بعضها عن الترجمة السريانيَّة، وبعضها عن اليونانيَّة، وبعضها لكامل أسفار الكتاب المقدَّس وبعضها لجزء منها فقط. وبعضها لترجمة النصارى، وبعضها ترجمة اليهود كما ذكر والتن في المقدِّمات، وريناودوسيوس في مقالته المذكورة، وكما يظهر من الكتب العديدة التي ذكر المؤلّفان المذكوران وغيرهما أنّها توجد في مكاتب أوروبّا. إلاّ إنَّه يصعب كثيرًا البحث عن أصل تلك الترجمات ومترجميها وتاريخها. والمشهور منها ترجمة الرابّي سعديا اليهوديّ صنعها نحو سنة 900 للمخلِّص، وذكرها ابن عزرا في محلاّت عديدة، وقال إنَّه ترجم الشريعة إلى اللغة العربيَّة بأحرف عربيَّة. وكذا ذكر جدليا الشرعيَّة (الشريعة) وحدها وقد طبع اليهود ترجمة التوراة وحدها لسعديا في القسطنطينيَّة سنة 1551 بأحرف عبرانيَّة. إلاّ أنَّ أربانيوس في مقدِّمته على العهد الجديد السريانيّ وبوكوكيوس وغيره، يثبتون أنَّه ترجم كلَّ العهد العتيق إلى اللغة العربيَّة. ووعد أربانيوس أنَّه سيطبع كلَّ هذه الترجمة، لكن عاجله الموت قبل إنجاز وعده. وترجمة سعديا في التوراة هي تفسير أحرى من أن تكون ترجمة مدقَّقة. وعند اليهود ترجمة أخرى للتوراة إلى العربيَّة بحرف عبرانيّ. صُنعت في بلاد المغرب وطبعها أربانيوس بحرف عربيّ سنة 1622 وفضَّلها على السعديَّة لأنَّها تطابق غالبًا الألفاظ العبرانيَّة بأكثر تدقيق«.

ج - عند النصارى

»والمشهور عند النصارى من الترجمات العربيَّة اثنتان، إحداهما تسمّى إسكندريَّة لأنَّها صُنعت في مصر. والأخرى تُسمّى أنطاكيّة لأنَّها صُنعت في سورية. وسمّاهما أغوسطينوس بوستنياني، أسقف نابيوفي كورسيكا في مقدِّمة طبعه الزبور العربيّ في جانوا سنة 1516، سوريّة ومصريَّة، من البلاد التي استعملتا فيها. قال والتن: يوجد في المكتبة الواتيكانيَّة في رومة، وفي المكتبة الماديشيَّة في فلورنسا نسختان لهاتين الترجمتين، كما شهد كورنيلوس الحجريّ في المقدِّمة على تفسير نبوّات الأنبيا الصغار، وسمّى إحداهما أنطاكيَّة والأخرى إسكندريَّة، وكلتاهما قديمتان، وقد ترجمهما إلى اللاتينيَّة المطران سركيس الرزّيّ المارونيّ، رئيس أساقفة دمشق، وسلَّم ترجماته للحجريّ ليطبعها، وقد استشهدهما في تفسيره نبوّات الأنبيا الكبار والصغار. وقد راجعتُ تفاسير الحجريّ في المقدِّمة المذكورة، وحقَّقت على ما رواه والتن، فوجدته مدقِّقًا، إلاّ أنّي لا أعلم أنَّ الحجريّ طبع تلك الترجمات. والمعلوم والذي يحقِّقه كثيرون أنَّ الترجمة الأنطاكيَّة عن السريانيَّة، والإسكندريَّة عن اليونانيَّة، وها هوذا قول والتن بهذا الشان: »وأمّا باقي كتب العهد الجديد فلها ترجمتان، وهما مطبوعتان أي الإربانيَّة التي أشهرها إربانيوس مع الأناجيل، ونسخة الصهيونيّ في البوليكلوتا البريسيَّة. ومن الواضح أنَّ الترجمة فيهما مختلفة، لأنَّ نسخة الصهيونيّ إسكندريَّة أي مصريَّة، كما يظهر من كلام الصهيونيّ في مقدِّمته على الزبور السريانيّ. ولعلَّ الأخرى هي السريانيَّة أي الأنطاكيَّة المستعملة في البطريركيَّة الأنطاكيَّة، وهذا محتمل جدٌّا، إذ يظهر أنَّها ليست مترجمة من اليونانيَّة دون واسطة، بل عن السريانيَّة إذ تطابق الترجمة السريانيَّة في آيات كثيرة«. ثمَّ ذكر رسايل مار يوحنّا بالعربيَّة التي طبعها مع ترجمتها اللاتينيَّة بادفلوس سنة 1612. ورسالة طيطوس التي طبعها أنتونيد تلك السنة وقال: »وجميعها تتَّفق مع طبعة أربانيوس، ومن ثمَّ هي على موجب الترجمة الأنطاكيَّة، وقد أشار إلى ذلك بادفلوس إذ كتب أنَّ هذا العربيّ لم يترجم اليونانيّ بل السريانيّ كما يظهر في مجال عديدة لمن يقابل. ولذا ما ترجمه السريانيّ حسنًا، فيترجمه العربيّ حرفًا بحرف، وحيث انخدع المترجم السريانيّ، فهناك شذَّ المترجم العربيّ كثيرًا عن غايته«. وقال برجر في قاموسه اللاهوتيّ: »وكذا ترجمة السريان العربيَّة مأخوذة عن السريانيَّة، بعد أن لم يعد الشعب يفهم هذه اللغة«. وأورد ريناودوسيوس برهانات عديدة على ذلك في مقالته المذكورة. وأرى أنَّ ذلك لا يحتاج الإسهاب بالبرهان. فإنَّ النسخة الأنطاكيَّة كان يستعملها سكّان سورية السريان أصلاً إذ اضطرّوا إلى الترجمة العربيَّة لتغلُّب لغة العرب بينهم. فالبيّن أنَّ علماءهم ترجموا لهم الأسفار المقدَّسة عن ترجمتهم السريانيَّة لا عن اليونانيَّة، خاصَّة لأنَّ القليلين جدٌّا من العلماء كانوا يعرفون اليونانيَّة في سورية بعد اجتياح الإسلام.

»ويوجد في أديرة طايفتنا المارونيَّة كتبُ خطّ عديدة عربيَّة بالحرف الكرشونيّ للعهد الجديد، كُتبت قبل طبْع هذه الأسفار، وهي ترجمات عن السريانيَّة أيضًا، وكثير منها مضاف إليه بعض عبارات تفسير للنصّ المقدَّس، كما يظهر من الكتب الموجودة في دير مار شليطّا مقبس، وفي مدرستي عين ورقة ومار عبدا هرهريّا. وعند الملكيَّة في سورية ومصر ترجمة عربيَّة عن اليونانيَّة في أسفار العهد الجديد، خاصَّة يستعملونها في القدّاس أو غيرها، وكم هي قدميَّتها فلا أستطيع تحقيق ذلك الآن«.

3 - طبع الأسفار المقدَّسة

أ - من بداية القرن السادس عشر

»أمٌّا نظرًا إلى طبع الأسفار المقدَّسة العربيَّة فأذكر ما اشتهر منها وقدّم، فأغوسطينوس يوستنياني المارّ ذكره كان أوَّل من طبع الزبور العربيّ مع النصّ العبرانيّ وترجمته الكلدانيَّة واليونانيَّة وترجمتهما إلى اللاتينيَّة سنة 1516 في جانوا. ثمَّ طبع جبرائيل الصهيونيّ ومنصور شلق العاقوريّ المارونيّان الزبور مرَّة أخرى في رومة سنة 1619. وطبع اليهود في القسطنطينيَّة سنة 1551 ترجمة سعديا المنوَّه عنها للتوراة، وقيل لنبوَّة أشعيا أيضًا، ونسخُ هذه الطبعة نادرة جدٌّا. وطُبع كتاب الزبور في العربيَّة في دير قزحيّا في جبل لبنان سنة 158519. وقال في ذلك المطران إسطفانوس عوّاد السمعانيّ، في كتابه فهرست الكتب الشرقيَّة المخطوطة في المكتبة الماديشيَّة وجه 72: »إنَّ ترجمة الزبور هذه الكرشونيَّة طبعت مع السريانيَّة في مطبعة دير القدّيس أنطونيوس الأنبا في قزحيّا في جبل لبنان سنة 1585، باهتمام سركيس الرزّيّ، بطريرك الموارنة الرابع والأربعين، ويوسف خاطر من عيلة السماعنة حاكم جبل لبنان«. وقال الأب سمعان السمعانيّ، معلِّم اللغات الشرقيَّة في مدرسة بادوا، في كتابه فهرست الكتب الشرقيَّة المخطوطة في المكتبة النانيَّة قسم 1 وجه 8: »الزبور بالسريانيَّة مع الترجمة العربيَّة طُبع المرَّة الأولى بأحرف كرشونيَّة، في جبل لبنان في دير القدّيس أنطونيوس الأنبا في قزحيّا سنة 1585، باهتمام سركيس الرزّيّ، بطريرك الموارنة الرابع والأربعين والشيخ يوسف خاطر (السمعانيّ)، ولم يكن الرجلان الشهيران توما أربانيوس وجبرائيل الصهيونيّ يدريان بهذه الطبعة«.

»وفي سنة 1591، طُبعت في رومة ترجمة عربيَّة للأناجيل الأربعة مع ترجمتها إلى اللاتينيَّة، وقد رأيتها في رومة، وقابلت منها بعض قطع على الترجمة العربيَّة المطبوعة في البوليكلوتا اللندنيَّة، فوجدت بينهما اختلافات في أماكن عديدة، ربَّما لأنَّ الترجمة المطبوعة في رومة (جاءت) عن السريانيَّة والمطبوعة في لندن (جاءت) عن اليونانيَّة. وذكر والتن طبعة أخرى عربيَّة في رومة للأناجيل دون ترجمتها اللاتينيَّة، فهذه لم أرها ولم يذكر والتن تاريخ طبعها. وأمّا الطبعة العربيَّة لكامل الأسفار المقدَّسة في رومة سنة 1671 فهذه كان أخذها المطران سركيس الرزّيّ مطران دمشق المارونيّ عن نسخ عربيَّة، جُمعت من المشرق، وقابلها وهذّبها على اللاتينيَّة الدارجة وغيرها، برفقة غيره من العلما كما يظهر من مقدِّمته عليها. ومع هذا لم يحسن لدى المجمع المقدَّس طبعها وحدها، بل طبعت مع اللاتينيَّة الدارجة وتوجد منها نسخ عديدة في وطننا«.

»وقد طبع توما أربانيوس الأناجيل وساير أسفار العهد الجديد بالعربيَّة في لايدن (هولنده) سنة 1616 عن نسخة قديمة لا يُعرَف مترجمها بتوكيد، ويظهر قدمها من وضع أعمال الرسل فيها بعد الرسايل كما في النسخ اليونانيَّة القديمة جدٌّا ومن أنَّ أربانيوس روى أنَّ تاريخ نسخها سنة 1174، وقال كاتبُها إنَّه نقل عن نسخة مهذَّبة كتبها يوحنّا الأسقف القبطيّ وقال يوحنّا المذكور إنَّه نسخ عن كتاب مهذَّب كتبَه نامنيولامان السلحفاتيّ الذي لا نعلم في أيِّ عصر كان. وقال والتن عن هذه النسخة: »إنَّها تتَّفق مع الطبعة الرومانيَّة غالبًا، حتّى ظنَّ بعضهم أنَّهما ترجمة واحدة، لكنَّها تختلف عنها في محالَّ عديدة كما يظهر لمن يقابل«. وطبع أربانيوس أيضًا ترجمة عربيَّة لأسفار التوراة الخمسة سنة 1622، وفضَّلها على السعديَّة كما قدَّمنا«.

ب - البوليغلوتا الباريسيَّة

»إنَّ الطبعة الشهيرة لترجمة الأسفار المقدَّسة العربيَّة في العهدين (إلاّ أسفار أستير ويهوديت وطوبيّا والمكابيّين الثاني كما قال والتن)، هي التي طُبعت في البوليكلوتا البريسيَّة، وظهرت سنة 1645 كما مرّ. وكتب أربانيوس في مقدِّمة توراته العربيَّة عن هذه الترجمة قبل أن تُطبَع ما نصُّه: »وتوجد ترجمة أخرى عربيَّة لهذه الأسفار فصيحة وقديمة عند العرب النصارى، كان طبعها لازمًا جدٌّا. وهذه النسخة في المكتبة الغنيَّة بالكتب الشرقيَّة، مكتبة الرجل الأشرف العالم فرنسيس سافاري دي براف سفير ملك إسبانيا عند السلطان العثمانيّ. وقد فهمتُ الآن أنَّه يشتغل بترجمتها إلى اللاتينيَّة رجلان شهيران جدٌّا وخبيران بالعربيَّة ومدقِّقان وعالمان، وهما جبرائيل الصهيونيّ ويوحنّا الحصرونيّ معلِّما اللغة العربيَّة في مدرسة بريس الكلِّيَّة، وترجمانا الملك. ونتمنّى أن يشهرا علينا ترجمة عربيَّة فيمكننا أن نحصل حينئذ على أربع ترجمات شرقيَّة للعهد العتيق فصيحة ومفيدة، أعني ترجمتين كلدانيَّتين إحداهما يهوديَّة والأخرى مسيحيَّة، وكذلك ترجمتان عربيَّتان«. إلاّ أنَّ هذه الطبعة البريسيَّة برزت عرية (عارية) عن المقدِّمات، فلا نعلم من صنع الترجمة العربيَّة التي طبع على موجبها ولا في أيِّ عصر. مع أنَّه يظهر من رسايل فالريانوس دي فلافيني، معلِّم اللغة العبرانيَّة في بريس، التي أشهرها ضدَّ طبعة لاجاي هذه، أنَّ جبراييل الصهيونيّ كان أعدَّ مقالة مسهبة في الترجمة العربيَّة وحروفها وإعدادها وغيرها ولا نعلم ما منعه من إشهارها.

»وقد خلَّف لنا الصهيونيّ، ما قاله في هذه الترجمة في مقدِّمة الزبور السريانيّ الذي طبعه في بريس سنة 1635 وهو »أنَّه أضاف إلى آخر كتاب الزبور السريانيّ عنوانات عربيَّة مأخوذة عن نسخة شريفة جدٌّا لكلِّ العهد العتيق مكتوبة في مصر منذ أكثر من ثلثماية سنة«. فهذه النسخة هي التي طبع عنها بعد ذلك نسخته العربيَّة في العهد العتيق بنفقة الأب مخاييل لاجاي في البوليكلوتا المذكورة. ارتأى بوكوكيوس وغيره أنَّ ترجمة التوراة العربيَّة التي طبعها الصهيونيّ حينيذ هي الترجمة السعديَّة نفسها. وقال هوتينجاروس إنَّها تقرب كثيرًا وتفسِّرها في الآيات العسرة. ولكن قال ريناودوسيوس في مقالته المذكورة مرارًا: »إنَّ هذا مرتاب به وغير موكَّد، لأنَّ جبراييل الصهيونيّ لم تكن له مخبرة (خبرة) بالعبرانيَّة بهذا المقدار حتّى يفضِّل ترجمة سعديا كاليهود على باقي الترجمات، كما أخبرَنا علماء يعرفونه بدالَّة. وطبعة القسطنطينيَّة (لترجمة سعديا) كانت نادرة جدٌّا، كما يعلم الجميع، وهيهات إن وُجد منها نسخة أو اثنتان في بريس ولم تكن بيد الصهيونيّ«. وأمّا نظرًا إلى الأناجيل، فروى برجر في قاموسه اللاهوتيّ أنَّ الصهيونيّ طبع في نسخة الأناجيل التي كانت طبعت في رومة سنة 1591، بعد أن أدخلها بعض إصلاحات.

»على أنّي وكلّ من يكتبون نظيري في المشرق لا يمكننا في ظروف كذا إلاّ أن ننعي حالة فقرنا إلى الكتب فلا نتنعَّم من الكتب الضروريَّة في مقصد كذا، إلاّ بالصدى الذي يرد إلينا من أوروبّا. ولا نستطيع أن نحكم في مباحث كهذه، إلاّ على شهادة النقل لا على شهادة العيان، وغالبًا نرى الأَولى الإحجام عن الحكم خاصَّة وأنّي أكتب الآن بعيدًا عن المكتبة البطريركيَّة وعن كتبي الخاصَّة نفسها في الديمان مصيف البطريركيَّة، وليس أمامي إلاّ المفكِّرات التي استحضرتُ عليها قبلاً بمنزلة مادَّة لهذه المقدِّمة المضطرّ أنا إلى إشهارها قبل عودتي إلى دير بكركي.

»إنَّ طبعة الصهيونيّ العربيَّة هذه في البوليكلوتا البريسيَّة قد جدَّد طبعها والتن في البوليكلوتا اللندنيَّة كما مرَّ. وقال إنَّه أزادها ونقَّحها وصحَّحها، وإنَّه اعتمد في طبع نبوّات الأنبيا على كتاب قديم مخطوط قرأه يوحنّا السلدانيّ في مدرسة أوكسفورد، مدحه والتن جدٌّا وقابل عليه الطبعة البريسيَّة وأصلحها على موجبه وأزاد أنَّه كان عنده من العهد الجديد نسخ عربيَّة عديدة.

»إنَّ المجمع المقدَّس إجابة للتوسُّلات التي قدَّمها له البطريرك إسطفانوس بطرس الدويهيّ الإهدنيّ وبعض سلفايه بطاركة طايفتنا، أمر أن تُطبَع في رومة الأناجيل الأربعة وساير العهد الجديد بالسريانيَّة والعربيَّة، فطُبعت سنة 1703 كما مرَّ في الترجمة السريانيَّة تحت مناظرة الأب مرهج بن نمرون الباني ويوسف الباني المارونيّين. والترجمة العربيَّة التي طُبعت حينيذ مع السريانيَّة بأحرف كرشونيَّة، كان أتى بها ميخائيل المطوشيّ المارونيّ من جزيرة قبرس، وكانت أوفر تهذُّبًا وضبطًا من باقي النسخ التي كانت تحت يد ناظري المطبعة، على ما يقول مرهج في مقدِّمته على هذه الطبعة التي لا تطابق السريانيَّة المطبوعة معها كلّ المطابقة، كما لاحظتُ ذلك مرّات، ولا تختلف عنها حتّى يقال إنَّ هذه العربيَّة ترجمة عن اليونانيَّة، وتقرب في محلاّت عديدة من النسخة التي هذَّبها المطران سركيس الرزّيّ وطُبعت اللاتينيَّة الدارجة في رومة سنة 1671 وتختلف كثيرًا عن العربيَّة المطبوعة في البوليكلوتا اللندنيَّة، كما وجدت عند مقابلتي فصولاً منهما في رومة. وهذه الطبعة هي الدارج استعمالها في كنايس طايفتنا خاصَّة في الصلوات عند عدم وجود ترجمة المطران جرمانوس فرحات الآتي ذكرها«.

ج - المطران جرمانوس فرحات

»إنَّ المطران جرمانوس فرحات ترجم سنة 1739، الأناجيل الأربعة عن النسخة السريانيَّة المطبوعة في رومة سنة 1703 المذكورة كما يتّضح من التنبيه الذي علَّقه على ترجمته هذه، التي منها الفصول المقسَّمة في كتاب القدّاس على أيّام السنة والآحاد والأعياد القمريَّة والصوم، وقد طُبعت مع كتاب القدّاس في دير قزحيّا بمطبعة الرهبان اللبنانيّين بأحرف كرشونيَّة ثلث طبعات. الأولى، انتهت سنة 1816، والثانية سنة 1838، والأخيرة سنة 1855. والترجمة كلُّها طُبعت منسوقة في بيروت سنة 1865 بعناية سيادة المطران طوبيّا عون مطران بيروت المارونيّ. إلاّ أنَّ الطبعة المذكورة وقع بها بعضُ أغلاط في المطبعة ومن سهو النسّاخ في النسخة التي طُبع على موجبها. فعلى هذه الترجمة اعتمدت في متن الأناجيل الذي أشهره الآن مع تفسيره فهي المطبوعة في كتابنا هذا.

»إلاّ أنّي قد وجدتُ أنَّ المطران جرمانوس رحمه ا؟، لم يدقِّق في بعض الآيات على تطبيق العربيَّة للسريانيَّة التي ترجم عنها، بل كأنَّه اتَّبع أحيانًا الترجمة العربيَّة القديمة المطبوعة مع السريانيَّة، أو التي في بوليكلوتا بريس أو لندرة. فقد رأيت عند مقابلتي في رومة عبارات عديدة تتَّفق بها ترجمةُ المطران جرمانوس مع الترجمة التي في البوليكلوتا اللندنيَّة وتخالفان السريانيَّة، منها قول المخلِّص في مت ص 23 عد 8: وأمّا أنتم فلا تدعوا لكم معلِّمًا على الأرض. مع أنَّه في السريانيَّة: »وأنتم لا تدعوا ربّي« (رابّي). وكذا بعده: »ولا تدعوا لكم مدبِّرًا على الأرض« مع أنَّه في السريانيَّة: »ولا تدعوا نفوسكم مدبِّرين«. ومنها قوله: »ما أكثر المدعوّين وأقل المنتخبين«، مع أنَّه في السريانيَّة، »لأنَّ المدعوّين كثيرون والمنتخبون (المنتخبين) قليلون«. وكذا المطابقة بين ترجمة المطران جرمانوس واللندنيَّة في تسمية يوسف خطّيب مريم: »ومريم خطّيبته« في بعض الآيات في متّى، مع أنَّه في السريانيَّة: »زوج أو بعل وامرأة« حتّى يبان أنَّ المطران جرمانوس اتَّبع سهوًا طابعي اللندنيَّة في بشارة لوقا ص 3 عد1 حيث روى: »وهيرودس رئيس على ربع الجليل وفيلبّوس أخوه رئيس على ربع إيطوريا وكورة أنطركون ولوسانيوس رييس على ربع الأبلية«. كما قرأت العربيَّة اللندنيَّة حرفًا فحرفًا، مع أنَّ ذلك سهو لأنَّ المتبادر إلى الفهم منه أنَّ هيرودس كان رييسًا على ربع من الجليل. والحال أنَّ المقصود هو أنَّ هيرودس كان رييسًا على الجليل كلِّه الذي هو ربع الولاية في اليهوديَّة وفلسطين التي كان قسَّمها الرومانيّون مرابعة. وكذا قُلْ في فيلبّوس ولوسانيوس.

»ولهذا عند اشتغالي بجمع هذه التفاسير، اهتممت أيضًا بأن أقابل ترجمة المطران جرمانوس على أصلها السريانيّ وأزيدها مطابقة له في محلاّت عديدة لا بمنزلة مندِّد على هذا الجهبذ الفاضل، فإنّي من المقرِّين بفضله والمغترفين من فضلات علومه، بل رغبة في مزيد التدقيق والتصحيح، وسوف أعلِّق هذه الإصلاحات في آخر هذا الكتاب ليلاّ (لئلاّ) أكون أخطأت وأصاب (هو) في شي منها.

»إنَّ المطران جرمانوس لم يترجم الأناجيل فقط بل باقي أسفار العهد الجديد أيضًا من السريانيَّة إلى العربيَّة ومن ترجمته فصول رسايل مار بولس المقسَّمة على أيّام السنة والآحاد والأعياد القمريَّة والصوم لاستعمال كنايس طايفتنا، وقد طبعت في دير قزحيّا بأحرف كرشونيَّة أربع طبعات، والأخيرة منها سنة 1864. وقيل إنَّه ترجم أسفار العهد القديم أيضًا من السريانيَّة إلى العربيَّة إلاّ أنّي لم أرَ هذه الترجمة ولا حقَّق لي وجودها شاهد عيانيّ أثق به. نعم زعم بعضهم أنَّ الكتاب المسمّي (المسمّى) ريش قريان المنطوي على قرات (قراءات) من نبوات الأنبيا وأسفار العهد القديم وبعض فصول من الأبركسيس والرسايل المقدَّسة لتتلى في الفروض المقدَّسة والمطبوع في دير قزحيّا سنة 1841، هو من ترجمته وبالحقيقة إنَّه متضوِّع برايحة تعريبه. لكنَّ المعلوم عندنا أنَّ فصول الأبركسيس والرسايل والرويا فيه هي من ترجمة المطران جرمانوس. وأمّا القرات (= القراءات) التي من العهد العتيق فقد صنعت في أيّام المرحوم المطران جبرائيل حوشب20 المارونيّ مطران حلب الذي ارتقى إلى هذه الأسقفيَّة بعد وفاة المطران جرمانوس سنة 1723. وعند طبع هذا الكتاب في دير قزحيّا قد قابله غبطة بطريركنا العلاّمة إذ كان بعد كاهنًا على الترجمة السريانيَّة وغيرها. وقد رأيت بعض كراريس بخطِّ المطران جرمانوس في خزانة كرسيّ بطريركيّتنا تشتمل على تعريب نسخة الأناجيل العربيَّة المطبوعة مع السريانيَّة في رومة سنة 1703. فكأنَّه اشتغل أوَّلاً بتعريب هذه النسخة، ولا أعلم هل أكمل تعريبها أو أحجم عنه، وأخذ بالترجمة عن السريانيَّة. فالكراريس التي وجدتها في أوايل بشارة متّى. وقد أعرب أيضًا، رحمه ا؟، ترجمة العهد الجديد عن اللاتينيَّة مع إعرابه ترجمة الأب يوسف الباني الحلبيّ المارونيّ لتفسير هذه الأسفار المقدَّسة.

»إنَّ الأسفار المقدَّسة قد طبعت بالعربيَّة في هذه الأعصار الأخيرة مرّات. تارة جميعها وتارة بعض أجزايها فقط وذلك في لوندره وبريس وبيروت وغيرها. إلاّ أنَّ هذه الطبعات لمّا كانت غالبًا عمل الغير الكاثوليكيّين، فقلَّما نثق بها ولا يمكننا التعويل عليها ولا فايدة بتعدادها والشرح عن أصولها.

»فهذا ما شيت شرحه في هذه المقدِّمة رغبة في إفادة المطالعين، وقد أضفت إلى آخر هذا الكتاب فهرستًا دالاً على فصول الإنجيل بموجب تقسيمها في كتاب القدّاس في طايفتنا تسهيلاً للكهنة الذين يريدون أن يُنذروا الشعب بشيء من معاني الإنجيل التي يُتلى يومئذ. وفهرستًا آخر هجائيٌّا دالاً على الموادّ المتضمَّنة في هذا الكتاب دينيَّة كانت أو أدبيَّة أو تاريخيَّة إفادة لمن يشاون (يشاؤون) أن يخطبوا أو يؤلّفوا أو يجادلوا. فأرجو المطالعين أن يرمقوا عملي بطرف عادل لا عاذل، وأن يسبلوا ذيل المعذرة إن وجدوا فيه زللاً. فجلَّ من لا عيب فيه وعلا. فما معتمدي إلاّه، ولا معتصمي بسواه. انتهى«.

الخاتمة

قال بعضهم: لماذا الكلام عن هذه المقدِّمة إلى الأناجيل الأربعة، بعد أن تجاوزها الزمن في دراسات كتابيَّة في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين؟ أوَّلاً: من أجل التاريخ. من المفيد أن نعرف أنَّ آباءنا في هذا الشرق عملوا الكثير من أجل الكتاب المقدَّس. لا شكَّ في أنَّ الخوري (المطران) الدبس الذي قدَّم »تحفة الجيل« كان عارفًا أنَّه ليس ذلك الباحث. فعمله رعائيّ قبل كلِّ شيء، وقد أراد أن يكتب للقارئ، ولا سيَّما للكاهن، ما يساعده على الخطبة والتأليف والجدال. أمّا موضوع البحث، فأشار إليه حين بيَّن الاختلاف بين الشرق والغرب: »لا يمكن إلاَّ أن ننعي فقرنا إلى الكتب«. ويواصل: »لا نستطيع أن نحكم في مباحث كهذه إلاّ على شهادة النقل، لا على شهادة العيان«.

ومع ذلك يقول الدبس أكثر من مرَّة إنَّه قابل النصوص. قرأ في بوليغلوتة والتون كما في بوليغلوتة باريس. كما قابل النصوص السريانيَّة مع الترجمة العربيَّة. ومراجعه جاءت عديدة، من الشرق ومن الغرب. بدءًا بآباء الكنيسة. وما نلاحظه دقَّة التمييز في اختيار ما يريد من نصوص من أجل برهانه. وبما أنَّه ذاك المتقن اللاتينيَّة، لم يعرف الصعوبة التي يعرفها الباحثون العديدون في أيّامنا لقراءة النصوص اللاتينيَّة سواء في الباترولوجيا اليونانيَّة (ونصوصها منقولة إلى اللاتينيَّة) أو في الباترولوجيا اللاتينيّة.

وصل في المراجع الغربيَّة إلى آخر النظريّات في أيّامه، وكذا نقول في مراجعه الشرقيَّة حيث انطلق من ابن العبريّ فوصل إلى تلاميذ المدرسة المارونيَّة والمطران جرمانوس فرحات في ترجمته للعهد الجديد من السريانيَّة إلى العربيَّة. كما أعطى رأيه في هذه الترجمة مستندًا إلى بوليغلوتة والتون والنصّ السريانيّ. فأعطى ثلاثة أمثال. نأخذ فقط من إنجيل متّى (23: 8): »وأمّا أنتم فلا تدعوا لكم معلِّمًا في الأرض«. صحَّح الدبس »معلِّمًا« وأراد أن يجعل مكانها »رابّي«. فلفظ »رابّي« يشير إلى لقب المعلِّمين اليهود، الذي لا يليق بالتلاميذ. في هذا المجال، يقول الدبس في شرحه لهذه الآية: »وأمّا أنتم فلا تُدعَوا رابّي«21. وفي اللاتينيَّة: »وأمّا أنتم فلا تريدوا أن تُدعَوا رابّي«22 أي معلِّمين أو عظماء. فالمسيح ينهي هنا عن الفخفخة التي كان الكتبة والفرّيسيّون يريدون بها السموّ على غيرهم، وأن يُجعَلوا معلِّمين بالتفضيل على المسيح. فإذًا، لا يُحرِّم هنا التسمية باسم معلِّم، إذ عدَّ الرسول المعلِّمين بين ذوي المراتب في البيعة وقد دعا نفسه معلِّمًا للأمم (أف 2: 7)« (تحفة، ص 274).

وفي الفصل عينه من إنجيل متّى: »لا تدعوا لكم مدبِّرًا في الأرض« (مت 23: 10). تلك هي ترجمة فرحات. أمّا الدبس فاقترح: »لا تدعوا نفوسكم مدبِّرين«23. أمّا كلامه عن لو 3: 1 في هذه اللوحة التاريخيَّة التي فيها يذكر الإنجيليّ السلطات القائمة في بداية الإنجيل، فالدبس يعود إلى التاريخ فيقول: »لأنَّ المتبادر إلى الفهم منه، أنَّ هيرودس كان رئيسًا على ربع من الجليل. والحال أنَّ المقصود هو أنَّ هيرودس كان رئيسًا على الجليل كلِّه، الذي هو ربع الولاية في اليهوديَّة وفلسطين التي كان قسَّمها الرومانيّون مرابعة«. ويعود الدبس إلى هذه البداية، كما إلى بداية الفصل الثالث من إنجيل لوقا، فيأخذ مداه في الكلام عن التاريخ: »وطيباريوس، على ما يظهر من تاريخ سواتانيوس24 وسيرته، هو ابن ليفيا التي بعد أن ولدت طيباريوس تزوَّجها أغوسطوس قيصر الذي لمّا مات غايوس ولوشيوس، ابنا بنته يوليا، اتَّخذ طيباريوس ابنًا له وأورثه الملك« (تحفة، ص 511).

فالمطران يوسف الياس الدبس هو المؤرِّخ قبل كلِّ شيء. وحين يكتب يرتاح في التاريخ، ولا سيَّما إذا هو احتاجه من أجل دفاع عن قضيَّة من القضايا. ولهذا، فما قدَّمه عن السريان والترجمات السريانيَّة للكتاب المقدَّس، وعن العرب وعن الترجمات العربيَّة، هو لوحة واسعة تبيِّن مسيرة الكتاب المقدَّس في هذين العالمين العزيزين على قلبه. قدَّم آراء الباحثين، وحاول أن يعطي رأيه. وقد كان متواضعًا حين قال في كلام عن المطران جرمانوس فرحات: »لئلاّ أكون أخطأت، وأصابَ في شيء منها« وإن نحن قرأنا المقدِّمة إلى تحفة الجيل في تفسير الأناجيل فلكي نكتشف مدماكًا من المداميك التي بناها آباؤنا ليوصلوا كلمة ا؟ إلينا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM