تقديم

حكمة الحكم أو سفر الحكمة

الخوري بولس الفغالي

دُكتور في اللاهُون والفَلسَفَة

دبلوم في الكِتَاب المقدّس واللّغَات الشَرقيّة

تقديم

سفرُ الحكمة كتاب نجهلُ اسم كاتبه. دُوِّن في اليونانيّة، في الإسكندريّة على ما يبدو، في الشتات اليهوديّ، في القرن الأول ق.م.

سفرُ الحكمة مقال واحد كبير يتألّف من ثلاثة أقسام، هي أقسامُ المديح في البلاغة اليونانيّة. توخّت المقدّمة أن تبيّن ما يحتويه الموضوع المختار. ما يلاقي من صعوبات، وما يطرح من أسئلة ينبغي الإجابة عنها. أما مديح الحكمة (بحصر الكلمة) التي يرغب فيها الحكيم، فنقرأه من خلال وجه سليمان الذي طلب هذه الموهبة من الله فنالها. وفي القسم الثالث يذكر الكاتب أعمال الحكمة في تاريخ آباء شعب إسرائيل، فيعيد قراءة أحداث سفر الخروج، التي كانت »ضربة« للبعض وخيرًا للبعض الآخر.

سفرُ الحكمة خطاب توجّه في الظاهر إلى شبّان ستُلقى عليهم مسؤوليّات فيما بعد. بدا أمينًا لإيمان الأجداد، ومنفتحًا على الحضارة الهلنستيّة التي حملها اليونان الآتون مع الإسكندر المقدوني وخلفائه.

سفرُ الحكمة مديح في شكل خطاب أكاديميّ يتوخّى أن يدفع القارئ أو السامع إلى ممارسة ما يقوله الخطيب. هذا يفترص اتّصالاً حقيقيٌّا بين الذي يتكلّم والذي يسمع. ما يُقال يجب أن يصل إلى عمق المؤمن لكي يتجاوب مع النداء الذي يُوجَّه إليه. يُدعى السامع لكي يطلب طرق الله، ويعرف أنّ الجدال العقيم يُبعد الإنسان عن روح الحكمة، وفي النهاية يقود إلى الموت. ولكن بما أن الله يدين الشرّير، فعلى البشر أن يبتعدوا عن هذا السعي المجنون إلى الخراب.

سفرُ الحكمة كتاب يُفهِم الإنسانَ مخططَ الله، وأنه جعل أمامه مصيرَ الخلود. فالبارّ ينعم بحضور الله بعد الموت. ذاك يكون أجره وثمرة أتعابه. فالدينونة تلي الموت، والله يضع حدٌّا للأشرار. فليتذكر كلُّ إنسان، بل ليتذكر كلُّ صاحب سلطة أنه سيُدان. فليطلب الحكمة التي تمنعُ عنه الفساد. ليطلبْ هذه الحكمة في الصلاة لكي يحقّق دعوته كإنسان، وكعامل في بيت الله. ولكن يجب أن لا ينسى ضعفه ومحدوديّته. والله يعمل في شعبه، كما يعمل في أخصّائه الذين احتقرهم الناس، فكلّلهم الربّ بالمجد.

هذا هو سفر الحكمة الذي نقدّمه في »المجموعة الكتابيّة«. جاء في أربعة تطلّعات: مقدّمة تبرز غنى الكتاب في دراسة تُعرّفنا على نصوصه. شرحٌ منهجيّ لنصّ هذا الكتاب  فصلاً فصلاً وآية آية مع مقابلة النصّ الكتابيّ بالنصوص المعاصرة. تأمّلٌ في بعض النصوص المختارة من أجل الدرس والصلاة. وأخيرًا، بعض الدراسات التي تعالج هذه الناحية أو تلك من كتاب لا يزال يحتاج إلى الكثير من الأبحاث لكي نكتشف الأسس البيبليّة التي استقى منها، والخطاب اليونانيّ كما وصل إلى الإسكندريّة. فهذا الكتاب أراد أن يقدّم فلسفة اليونان إلى الشعب اليهوديّ في الشتات، فبيّن له نظرةً لا تتوقّف عند هذا العالم، بل تحمل الخلود إلى الذين يتعلّقون بالشريعة. وبكلام آخر يطلبون الحكمة الحقيقيّة الآتية من عند الله. وأن يقدّم توراة موسى لليونان التي تُوصل الإنسانَ، كلَّ إنسان، إلى الحكمة التي هي قمّة المعرفة في الفلسفة اليونانيّة، والتي كانت بجانب الله حين خلق الله، والتي هي الآن فاعلة لدى الأفراد، لتدلّهم على حياةٍ تنتهي في الخلود وفي سعادةٍ مع الله.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM