تقديم

سلسةبين عهدوعهد

8

سفر الخروج

المحطّة الخامسة

الخوري بولس الفغالي

2006

تقديم

بدأت مسيرة الخروج في مصر، ووصلت مع موسى إلى مشارف موآب. وأكمل يشوع ما بدأ به كليم الله، فدخل مع القبائل التي رافقته إلى غربيّ الأردنّ، وكان عهد روحيّ في شكيم مع اثنتي عشرة قبيلة تقيم حول المذبح، فتقدّم كلّ قبيلة خدمتها شهرًا كاملاً. وكانت ذروة تلك الحقبة بناء هيكل سليمان حيث وُضع تابوت العهد، رمز حضور الله وسط شعبه، بما يحويه من كلام الله في الوصايا، من عناية الله في جرّة المنّ، ومن كهنوت تسلّم السلطة السياسيّة والدينيّة، بعد أن زالت الملكيّة، وغابت سلالة داود في غياهب النسيان، قبل أن تظهر من جديد في يوسف ابن داود، وخطيب مريم التي منها وُلد المسيح.

ومع سقوط أورشليم ودمار الهيكل سنة 587 ق. م. تبدّدت أحلام أرض الموعد، مع سلطة سياسيّة. بملك وعاصمة وجيوش وسلاح، الملك قُتل. نخبة السكان ذهبوا إلى المنفى، فما بقي سوى صغار القوم، الفلاحين الذين دُعوا »شعب الأرض«. هم يلتصقون بالأرض. يُشرَون مع الأرض ويباعون معها. الكهنة في المنفى بعد أن توقّفت الذبيحة. واللاويّون ذهبوا مع الذاهبين. هل صارت أرضُ الموعد بلاد الرافدين؟ »إن نسيتك يا أورشليم فليلتصق لساني بحنكي...«. ما زال هؤلاء المُبعدون ينطلقون إلى الهيكل. علّمهم حزقيال كيف تكون الانطلاقة الجديدة مع يشوع آخر، يشوع بن يوصادق. وقدّم التقليد الكهنوتي تعليمات حول شعائر العبادة وممارستها. وفي الواقع، سوف يُبنى هيكل صغير، فقير، بعيد كلّ البعد عن هيكل سليمان بالذهب الذي فيه، وخشب الأرز والسرو. فالذين يستقبلون المسيح يكونون الصغار، »مساكين الربّ« ومنهم زكريّا وأليصابات، مريم ويوسف، سمعان الشيخ وحنّة النبيّة...

ولماذا كان هذا الدمار للشعب؟ نستطيع أن نتحدّث عن أسباب سياسيّة، اقتصاديّة، عسكريّة. بدأت مملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة تنازع. ثمّ ماتت سنة 722 - 721. وتبعتها مملكة يهوذا بعاصمتها أورشليم، التي عرفت ملكًا شرّيرًا مثل منسى. هي أيضًا زالت سنة 587. أمّا السبب الأساسيّ في نظر الكاتب الملهم، فهو العبادة الوثنيّة التي جعلت الشعب يترك الربّ، وبالتالي يخسر قوّته فيصبح لعبة بين أيدي الأمم المجاورة. وكلّ هذا تجسّد في العجل الذهبيّ. مع هذا العجل انطلقت المسيرة من سيناء ومعه انطلقت مملكة إسرائيل، فجعلت عجلاّ على الحدود الشماليّة، وآخر على الحدود الجنوبيّة يفصل المؤمنين عن هيكل أورشليم.

ذاك هو أساس الدمار. هل من دواء لذلك؟ هل من سبيل إلى العودة؟ هذا يفترض أن يعود الله إلى شعبه قبل أن يعود الشعبُ إلى إلهه. أخبرنا سفر الخروج أنّ عهد سيناء كاد أن يموت حين تجاوزوا الوصيّة الأولى وبالتالي سائر الوصايا. ولكن الربّ أحياه. حُطّم اللوحان. فصنع موسى لوحين آخرين. وكتب الله وصاياه من جديد. والخروج من مصر الذي انتهى في عبوديّة بابل، يستطيع أن يكون خروجًا من بابل، وعودة إلى أرض الربّ.

تلك هي الخلفيّة لقراءة سفر الخروج في فصوله الأخيرة. يبقى أن يعود المنفيّون ويمتزجوا بالسكان الذين لبثوا في فلسطين من أجل سيناء جديد مع الوصايا عينها والاحتفالات التي عُرفت في السابق. أمّا نحن المسيحيّين، فالوصايا تحقّقت مع يسوع وتلخّصت في وصيّة المحبّة. والأعياد أخذت طابعًا جديدًا فصار الخروج من مصر وعيد الفصح، خروجًا من الخطيئة إلى الخلاص في موت يسوع وقيامته. وعيد الحصاد وعطيّة الشريعة على سيناء صار عيد العنصرة. عيد التجمّع المفرح الذي فيه نال المؤمنون الروح القدس من أجل شريعة جديدة. وعيد القطاف أو المظالّ بأنواره، صار عيد استقبال المسيح الذي هو نور العالم، والذي يأتي في النهاية فيكون حول أورشليم التي تدعو جميع الأمم عليها وتفتح أبوابها ليلاً ونهارًا من جهات العالم الأربع. وكلّ هذا لأنّ مجد الله ينيرها، والحمل هو مصباحها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM