تقديم

سلسلةبين عهدوعهد

7

سفر الخروج

المحطّة الرابعة

الخوري بولس الفغالي

2006

تقديم

سأل أحد معلّمي الشريعة يسوع ليحرجه: »يا معلّم، ما هي أعظم وصيّة في الشريعة؟« فأجابه يسوع: »أحبّ الربّ إلهك بكلّ قلبك، وبكلّ نفسك، وبكلّ عقلك. هذه هي الوصيّة الأولى والعظمى. والوصيّة الثانية مثلها: أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك. على هاتين الوصيّتين تقوم الشريعةُ كلّها وتعاليم الأنبياء« (متّى 22: 35 - 40).

أجل، الوصايا تلخّص الشريعة والأنبياء. تلخّص الكتاب المقدّس بعهديه. فأسفار موسى الخمسة استعادت أكثر من مرّة هذه الوصايا في صيغ مختلفة. والعهد الجديد ذكر هذه الوصايا. بل إنّ يسوع انطلق منها لكي يوسّع مضمونها، بحيث لا تصبح أمرًا محدودًا أو نهيًا محصورًا. غير أنّ هذه الوصايا التي عمرُها عمر الإنسان على الأرض، سواء في كتاب الموتى في مصر، أو في التشريع البابليّ منذ ألفي سنة ونيف ق.م. بقيَت هي هي في الكتاب المقدّس. ولكنّ الباعث على حفظها تبدّل.

فالوصيّة: لا تقتل، لم تتبدّل في البشريّة، بعد أن جعل سفر التكوين هذه الخطيئة في أصل البشريّة. والوصيّة التي تمنع الزنى، تفهمنا شرَّ البغاء سواء في العالم أو في ظلّ المعابد الكنعانيّة وغيرها. ولكنّ الدافع إلى حفظ الوصايا تبدّل. لم يعد فقط أمام سلسلة من المحرّمات تهدّد النظام في المجتمع، بل أمام أوامر يصدرها ا؟ بواسطة أنبيائه ومن يرسلهم إلى الناس، وأوّل وصيّة هي الأهمّ: أنا هو الربّ إلهك. بما أنّي أنا الربّ، فأنا آمرك بما تعمل وبما تمتنع عن عمله. ففي كلّ ما أخذته التوراة من الحضارات القديمة، عمل الكتَّاب الملهمون على تنقيته من كلّ ما يُشتمُّ منه رائحة الشرك. كلّه تنقّى في بوتقة الإله الواحد. كما أنّ هناك أمورًا مارستها الشعوب. ولكن الكتاب المقدّس رفضها لسبب أو لآخر.

كافل الوصايا في التوراة ليس المجتمع، بل الله. وهو يحاسب كلّ إنسان بحسب أعماله. بل هو يحاسب البهيمة. إن قتلَتْ تُقتَل. فماذا نقول عن الإنسان الذي يسفُك دم أخيه؟ أو يسرق ولدًا ويبيعه عبدًالله أو يتعدّى على امرأة جاره. لهذا قيل: إنّ الوقوع في يدي الله أمرٌ رهيب.

في جزء سابق، شدّدنا على الوصايا الذاكرة محبّة الله. هو الإله الواحد. لا نتعلّق بسواه. هو الإله اللامنظور، فلا نجعله منظورًا مثل الأصنام التي بين أيدينا. هو خالق السماء بنجومها وكواكبها. والأرض بكلّ ما عليها. فلا نحسب الشمس والقمر ولاويتان وبهيموت والبحر والنهر، آلهة تجاه من هو الإله وحده، والذي لا شبيه به.

وفي هذا الجزء الرابع، نتأمّل في اللوحة الثانية من لوحات الوصايا: محبّة القريب في شكل إيجابيّ، وفي شكل سلبيّ، نحذّر من الإساءة إليه. وما نقوله هنا يرتبط بجبل سيناء. كانت الوصايا التي حملها موسى، عشر وصايا، عشر كلمات. وشرعةُ العهد جاءت تجعل الوصايا كلامًا حيٌّا يتوجّه إلى الإنسان المعاصر، لا إلى ذاك العائش في الماضي.

وهي مناسبة لأن نشكر أيضًا رسل الكلمة الذين ينسخون هذه التأمّلات عن نصوص سُجِّلت في »صوت المحبّة«. فلولاهم لما انطلقت سلسلة »من عهد إلى عهد«. ونحن نرجو لها أن تتواصل ببركة الله ونعمته.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM