من السبت إلى الأحد »

من السبت إلى الأحد

»اذكر يوم السبت وكرِّسه لي. في ستّة أيّام تعمل وتنجز جميع أعمالك. واليوم السابع سبت للربّ إلهك. لا تقم فيه بعمل ما، أنت وابنك وابنتك وعبدك وجاريتك وبهيمتك ونزيلك الذي في داخل أبوابك. لأنّ الربّ في ستّة أيّام خلق السماوات والأرض والبحر وجميع ما فيها، وفي اليوم السابع استراح. ولذلك بارك الربّ يوم السبت وكرَّسه له« (خر 20: 8 - 11).

1 - يوم الراحة عند اليهوديّ

سبق لنا وتحدّثنا عن يوم الربّ، يوم الراحة. واليوم نتوقّف بشكلٍ خاصّ عند موضوع في هذه الوصيّة. من السبت إلى الأحد. لأنّه يجب أن لا ننسى أنّ ما كان يكرّسه الشعب اليهوديّ كيومٍ في الأسبوع، يوم السبت، نحن المسيحيّين نكرِّسه يوم الأحد. واليوم تقريبًا في تسعين أو ربّما ثمانين بالمئة من العالم يومُ الأحد هو يوم الراحة.

ليس فقط عند المسيحيّين بكلّ فئاتهم ولكن حتّى عند البوذييّن والهندوسيّين خصوصًا في آسيا الجنوبيّة الشرقيّة، الشرق الأقصى.

إذًا كلامنا اليوم من السبت إلى الأحد. كما قلتُ، اعتاد الشعب اليهوديّ أن يقدّس السبت، أن يكرِّس هذا اليوم للراحة والصلاة. فلا يعمل أحد في البيت، لا العبد ولا الجارية، لا الابن ولا الابنة، لا البهيمة، لا النزيل ولا الغريب ولا أيّ شخص أو أيّ حيوان يتحرّك.

في هذا اليوم، يوم السبت، يجتمعون اجتماع العيد. هناك دعوة مقدّسة كما يقول سفر اللاويّين، ونداء إلى الصلاة المشتركة في المجمع. هاك دعوة إلى قراءة الأسفار كعلامة لتجديد الشعب. نلاحظ، أحبّائي، هذه الدعوة كأن الربّ ينادي كلّ واحدٍ من المؤمنين للاجتماع، وهذه الدعوة تتضمّن الصلاة. فيوم الراحة هو يوم الصلاة. يوم نتفرّغ فيه من الركض وراء أشغالنا وأعمالنا لنكون بكلّيّتنا لله.

وهو نداء إلى قراءة الأسفار أيضًا كعلامة لتجديد الشعب، هذا يعني أنّ يوم الراحة هو مناسبة لأن تجتمع العائلة وتقرأ الكتب المقدّسة. ونفهم أنّ الأمانة للسبت قويّة جدٌّا. كانت قويّة إلى حدّ أنّ جماعة الأتقياء تركوا الناس يقتلونهم ولم يرفعوا سلاحًا لئلاّ ينجّسوا السبت. هذا ما قرأناه في سفر المكّابييّن الأوّل (2: 32 - 39). يبدو أنّ السلوقيّين الذين من أنطاكية هجموا على المؤمنين يوم السبت. وبما انّ يوم السبت هو يوم الراحة، رفض المؤمنون أن يحملوا السلاح، وفضّلوا أن يموتوا ولا ينجّسوا السبت.

2 - وعند يسوع

حين كان يسوع في حياته العلنيّة، مارس السبت، مارس شريعة السبت، شأنه شأن كلّ المؤمنين في ذلك اليوم. فهو في ذلك اليوم يذهب إلى المجمع ويستفيد من المناسبة لكي يعلن الإنجيل. يروي القدّيس لوقا ما حدث ليسوع في الناصرة يوم السبت. دخل المجمع على عادته وقام ليقرأ. وبعد أن أغلق الكتاب قال: »اليوم تمّت هذه الكلمات«. إذًا نرى يسوع في بلدته في الناصرة يشارك المؤمنين في الاحتفال بيوم السبت.

يشارك في الصلاة، في قراءة الأسفار المقدّسة، في التأمّل في هذه الأسفار بل هو يقدّم شرحًا لسفر إشعيا الذي قال: روح الربّ عليَّ، أرسلني لأبشّر المساكين... وأعلن يسوع أنّ ما قيل في سفر إشعيا تمّ فيه. فهو ذاك الذي حلَّ عليه الروح، وجاء يحرِّرنا لا من أمراض الجسد وحسب بل من أمراض النفس.

وما اكتفى يسوع بأن يشارك المؤمنين في صلاة يوم السبت وقراءة الكتب المقدّسة. بل شفى أناسًا يوم السبت. يوم السبت هو يوم الفرح، يوم السبت هو يوم الخير، هو يوم البركة، لهذا أراد يسوع أن يشفي أناسًا يوم السبت. لا شكّ. لم يرضَ اليهود عنه وخصوصًا الكتبة والفرّيسيّين. يوم السبت لا يُشفى إنسان، يوم السبت لا يعمل طبيبٌ في عمله لشفاء الناس. ينتظر يوم الأحد، يوم الإثنين وسائر أيّام الأسبوع. كأنّي بيسوع طبيب من الأطبّاء. كلاَّ. يسوع وإن كان طبيبًا فهو طبيب من نوعٍ آخر. هذا اليوم يوم السبت خُلق لتمجيد الله. لهذا استفاد يسوع منه ليمجّد أباه. وأي تمجيد أعظم من عمل الشفاء، من تحرير الإنسان من المرض، من الألم، من المصائب، من الحياة المضيّقة عليه.

3 - أشفية يوم السبت

شفى الأعمى منذ مولده يوم السبت. والمخلّع الذي أمضى في فراشه 38 سنة شفاه يوم السبت. صاحب اليد اليابسة شفاه يوم السبت. كأنّي بيسوع أعاد إلى يوم السبت، إلى يوم الراحة، عظمته وبركته. وكما قلتُ: لم يرضَ اليهود عن ذلك الموقف، لهذا بيَّن يسوع للفرّيسيّين المتشدّدين أنّ السبت ليس غاية بل هدف. السبت هو للإنسان لا الإنسان للسبت. وواجب الرحمة والمحبّة يتفوّق على ممارسة السبت بصورة حرفيّة ومادّيّة. السبت هو للإنسان لا الإنسان للسبت. لأنّ كلّ شيء هو للإنسان. كما قال بولس الرسول: كلُّ شيء لكم، وأنتم للمسيح والمسيح لله.

وهنا نفهم أنّ الممارسة الحرفيّة والمادّيّة لا يمكن أن تجاري واجبَ الرحمة والمحبّة. وسوف يقول يسوع: »أريد رحمة لا ذبيحة«. ونتذكّر أيضًا عندما شفى يسوع المرأة المحدودبة. نتذكّر هذه المرأة كما تحدّث عنها القدّيس لوقا: كانت ملتصقة بالأرض، تكاد تقبّل الأرض مثل الحيوان. لمسها يسوع فانتصبت. قامت، أخذت تمجّد الله.

فغضب رئيس المجمع لأنّ السبت يهمّه أكثر من هذه المرأة. فغضب بسبب قساوة قلبه: لو كانت أختك تلك المريضة هل كان غضبك مثل هذا الغضب؟ غضب وقال للحاضرين: »عندكم ستّة أيّام يجب العمل فيها«. في الواقع هو يكلِّم الحاضرين كأنّي به يريد أن يبعدهم عن تأثير يسوع المسيح الذي ينجّس السبت فيشفي المرضى فيه. هو ما تجاسر أن يكلّم يسوع مواجهة، فكلّم الناس علَّ يسوع يسمع. ولكنّ يسوع سمع: عندكم ستّة أيّام يجب العمل فيها فتعالوا واستشفوا لا في يوم السبت. مسكين هذا الرجل: أراد أن يحدّد عمل ا؟. ولكن يسوع قال: »كلّ واحد منكم يحلُّ رباط ثوره وحماره من المعلف ويأخذه ليسقيه«.

نُلاحظ هنا، أحبّائي، أنّ هذه المرأة التي كان رأسها يلامس الأرض لأنّها كانت حدباء، شُبّهت بثور أو حمار لا تستطيع أن ترفع رأسها. وأرادها رئيس المجمع أن تكون أقلَّ من ثورٍ أو حمارٍ، أو أن تبقى على هذا المستوى. فهي ملتصقة بالأرض ويجب أن تبقى ملتصقة بالأرض. ومع ذلك قال يسوع ببرهانٍ قاطع: تفكّ ثورك، تفكّ حمارك من المعلف، وتأخذه لتسقيه، ولا تنتظر يوم الأحد. فلماذا تريد لهذه المرأة أن تنتظر؟

4 - من الآب إلى الابن

هذه امرأة من بنات إبراهيم. هذه امرأة آمنت. أما كان يجب أن تُحَلّ من رباطها يوم السبت؟ بلى، وهي حُلَّت من رباطها، لم ينتظر يسوع أوامر من أحد، لم ينتظر ملاحظة رئيس المجمع، شفاها، لمسها، فانتصبت حالاً. اعتبر يسوع أنّه عندما يعمل الخير يوم السبت، فهو يقتدي بالآب السماويّ.

نتذكّر هنا سفر التكوين (ف 2) أن الربّ استراح يوم السبت، بعد أن عمل ستّة أيّام. دخل الآبُ في راحته بعد أن أنهى عمل الخلق. ولكن الله ما زال يوجِّه الكون ويدبّره ويمنح البشر الحياة. لا لم ينتهِ عملُ الله. فالله ما خلق ثمّ ارتاح، كلاّ. هو يخلق كلّ يوم. عمل خلق الله هو عمل حاضر. هو اليوم يخلق، هذا اليوم يمنح البشر الحياة، وهكذا يفعل يسوع أيضًا. قال أبي يعمل في كلّ حين وأنا أعمل مثله. وعملُ الربّ لا يتوقّف أبدًا. هكذا فعل يسوع حين راعى السبت. ولكنّه أعطاه قيمته الكبيرة. وسار تلاميذه على خطى معلِّمهم. فحافظوا على السبت، تحاشوا الذهاب إلى قبر يسوع قبل طلوع فجر الأحد.

5 - وتلاميذ يسوع

نتذكّر أنّ المسيح مات يوم الجمعة مساءً. وكان بإمكان التلاميذ والرسل، بإمكان النسوة أن يذهبن إلى القبر يوم السبت فلم يفعلن. انتظرن صباح الأحد. وهكذا راعى التلاميذ يوم السبت كما فعل معلِّمهم. وكما فعل معلّمهم أيضًا، استفادوا من اجتماعات السبت ليعلنوا البشارة. ففي هذا الوقت يجتمع الناس للصلاة وقراءة الأسفار المقدّسة، فلماذا لا نحمل إليهم سفرًا جديدًا هو الإنجيل أو الأناجيل، بل نحمل إليهم العهد الجديد. هذا ما فعله بولس مع رفيقه في أنطاكية بيسيدية.

دخلا المجمع يوم السبت وجلسا. وطلب إليهما رئيس المجمع أن يتكلّما. فقال بولس: يا بني إسرائيل. وبدأ خطبته فحمل إلى الشعب اليهوديّ البشارة الحلوة إنجيل يسوع المسيح. ولكنّ هؤلاء الرسل لم يتعلّقوا بالسبت إلى أبعد ممّا يجب. فلم يمض وقت طويل إلاّ وأصبح يوم العبادة المسيحيّة اليوم الأوّل من الأسبوع، لا اليوم السابع. يوم الربّ لدى المسيحيّين صار الأحد لا السبت، لأنّه يوم القيامة.

يخبرنا مثلاً سفر الأعمال (20: 7) أنّ بولس اجتمع مع أهل ترواس مساء السبت، يعني عند اليوم الذي يطلّ على الأحد، ولم يجتمع مساء الجمعة كما كان يفعل اليهود. وفي اليوم الأوّل من الأسبوع يخبرنا القدّيس لوقا في سفر الأعمال، اجتمعوا لكسر الخبر. ويحدّثنا عنه يوحنّا في رؤياه: هو يوم الربّ أو اليوم الربّانيّ. يوم الربّ يسوع المسيح. وما كان اليهود يعملونه يوم السبت نقله المسيحيّون إلى يوم الأحد.

6 - بولس ويوحنّا

يعني كانوا يصلّون، يشاركون في الصلاة ويستمعون إلى الأسفار المقدّسة. بالإضافة إلى ذلك، صار يومُ الأحد يومَ عمل الخير. ففي اليوم الأوّل من الأسبوع أي يوم الأحد تُجمع الصدقات للمحتاجين، هذا ما يقوله القدّيس بولس لجماعة كورنتوس وغيرها من الجماعات. قال: يوم الأحد تضعون جانبًا ما تقدّمونه للكنائس الفقيرة، للفقراء هنا وهناك. إذًا اليوم الأوّل من الأسبوع يوم الأحد تُجمَع الصدقات للمحتاجين. ويوم الأحد تتمّ الليتورجيّا الإلهيّة.

هنا لا ننسى أنّ لقاء الربّ بتلميذَي عمّاوس كان يوم الأحد. حدّثهما في الطريق ثمّ كسر معهما الخبز أي احتفلا بسرّ الإفخارستيّا. نتذكّر هذين التلميذين اللذين تركا الرفاق وتركا أورشليم ومضيا إلى قرية تبعد بضع ساعات عن أورشليم. وما فعل يسوع معهما هو احتفال بالليتورجيّا. عند المساء قالوا له: »أبقَ معنا يا ربّ فالمساء يميل«. بقي معهما، أخذ خبزًا وبارك فعرفاه عند كسر الخبز.

وما قلناه عن تلميذَي عمّاوس نقوله عن اجتماعات الربّ في إنجيل يوحنّا. أوّل لقاء للربّ مع التلاميذ تمَّ في أحدٍ أوّل. ويقول يوحنّا: لمّا اجتمع يسوع بهم لم يكن توما معهم. ولمّا جاء توما أخبروه: لقد رأينا الربّ. وتوما طلب أن يضع يديه في أثر المسامير، ويده في جنب يسوع المسيح الذي طُعن بالحربة. والربّ لم يأت يوم الإثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء بل انتظر يوم الأحد المقبل، الأحد التالي، أي ثمانية أيّام بعد القيامة، ليظهر للتلاميذ وتوما معهم. ليُظهر جراحاته لتوما.

7 - بين السبت والأحد

اليوم الأوّل من الأسبوع هو يوم اجتماع الربّ مع تلاميذه. يوم اجتماع الكنيسة. ففي اليوم الأوّل من الأسبوع ظهر القائم من الموت، وفي اليوم الأوّل من الأسبوع حلَّ الروح القدس على التلاميذ في عيد العنصرة. هكذا نفهم أنّ هذا اليوم تقدّس بالقيامة كما تقدّس بحلول الروح القدس في الكنيسة. وإذا أردنا أن نقابل مع العهد القديم، نفهم أنّ اليوم السابع كان نهاية الخلق ويوم الراحة. أمّا في العهد الجديد فاليوم الأوّل يوم الراحة هو يوم الانطلاق في الرسالة. ففي اليوم الأوّل طلب يسوع من النسوة أن يذهبن ويقلن للتلاميذ أن يسبقوه إلى الجليل ومن هناك يُرسلهم. ويوم العنصرة، يوم كان الرسل والتلاميذ مجتمعين معًا في العليّة، حلَّ الروح القدس ليُطلق التلاميذ.

يوم السبت كان النهاية، يوم الأحد هو البداية. ومن أحد إلى أحد تعيش الكنيسة ظهورات المسيح، حضور المسيح، تعيش الكنيسة سرّ الإفخارستيّا. تكسر الخبز مع المؤمنين وتشرب الخمر مع المؤمنين. تتذكّر موت الربّ، تتذكّر قيامة الربّ وتنتظر مجيء الربّ.

هذا، أحبّائي، هو معنى كلامنا اليوم: الانتقال من السبت إلى الأحد. لا شكّ في أنّ الكنيسة انطلقت أوّل ما انطلقت من الشعب اليهوديّ. فيسوع عاش في الشعب اليهوديّ، أمّه كانت يهوديّة، التلاميذ خرجوا من العالم اليهوديّ، الرسل أيضًا والمسيحيّون الأوّلون كانوا من العالم اليهوديّ. بدأوا فمارسوا يوم السبت يوم الصلاة، يوم قراءة الأسفار المقدّسة، الذي يصبح يوم الأحد.

وما كرَّس يومَ الأحد هو قيامةُ يسوع من بين الأموات، وخصوصًا حضور الروح القدس على التلاميذ. يا ليت هذا اليوم يقول لنا: في اليوم الأوّل نفهم الوصيّة الثالثة: قدِّس يوم الربّ. هذا اليوم لا يخصّنا بل يخصّ الربّ، ونحن نقدّم فيه حياتنا، نقدّم فيه أعمالنا من أجل انطلاق في أسبوع آخر تكون ذروته اليوم الثامن كما كانت ذروة ظهور المسيح للتلاميذ اليوم الثامن وتوما معهم. فهتف أمام الربّ يسوع: ربّي وإلهي.

أنعودُ إلى السبت بعد الأحد؟

نستلهم الروح القدس، الذي يوجِّه حياتنا، يوجّه كلامنا، يوجّه فهمنا للكتب المقدّسة. ونحن في سفر الخروج نتوقّف عند الوصايا، الوصايا العشر أو الكلمات العشر التي كتبها الله بإصبعه ليدل على ما تحمل من تقديس في حياتنا. حتّى الآن كان كلامٌ عن يوم السبت الذي صار يوم الأحد. يعني يوم الأحد في حياة المسيحيّين. ونقرأ الوصيّة الثالثة: اذكر يوم السبت وكرّسه لي. في ستّة أيّام تعمل وتنجزُ جميع أعمالك. واليوم السابع سبت للربّ إلهك. لا تقم فيه بعمل ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وجاريتك وبهيمتك، ونزيلك الذي بداخل أبوابك، لأنّ الربّ في ستّة أيّام خلق السماوات والأرض والبحر وجميع ما فيها. وفي اليوم السابع استراح، لذلك بارك الله يوم السبت وكرَّسه له. إذًا قرأنا الخروج 20: 8 - 11.

1 - السبت ظلّ وصورة

في حديث سابق تحدّثنا عن مركز السبت في حياة المؤمن، مركز السبت في حياة يسوع، ومركز السبت في حياة التلاميذ الأوَّلين الذين جاؤوا من العالم اليهوديّ.

ولكن يسوع بدأ فحلّ السبت. لم يعد السبت ذلك اليوم المقدَّس، كأنّي به فتح الطريق أمام التلاميذ ليتركوا السبت كيومٍ مقدّس ويأخذوا بيوم الأحد.

وقيامته يوم الأحد جعلت التلاميذ يفهمون أهمّيّة هذا اليوم وعظمتَهُ في العهد الجديد. في العهد القديم كان السبت، في العهد الجديد هو الأحد، تقدَّس بظهور المسيح بعد قيامته، تقدّس بحلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة.

وشيئًا فشيئًا أخذ الأحد يحلّ محلّ السبت في ممارسة الكنيسة. نشير هنا، أحبّائي، بشكل عابر، أنّه كانت جماعات ما زالت ترتبط بالعالم اليهوديّ، جماعات ظلّت تحافظ على السبت. بل اليوم في بعض أجزاء العالم. هناك يهود يعترفون بأنّ يسوع هو المسيح، هذا يعني أنّهم في خطٍّ مسيحيّ، ومع ذلك ما زالوا يراعون السبت بدل الأحد. كما أنّ هناك جماعات من بعض الكنائس تشدّد على السبت ولا تصل إلى الأحد. لكن إجمالاً في الكنيسة، السبت حلَّ محلّه الأحد، في ممارسة الكنيسة. وهكذا صار السبت رمزًا وصورة إلى يوم الأحد. يحدِّثنا مثلاً بولس في رسائله أو في الرسالة إلى العبرانيّين حيث أمور عديدة من العهد القديم هي ظل$ وصورة، وبالنسبة إلى يوم السبت، هو ظل$ وصورة، هو رمز إلى يوم الأحد.

2 - الأحد والفصح

والتشبيه واضح مع الفصح. كما أنّ الفصح اليهوديّ ترك المكان فحلّ محلّه الفصح المسيحيّ. وكما أنّ عيد العنصرة المسيحيّ حلَّ محلّ عيد الحصاد والأسابيع السبعة، هكذا حلَّ يوم الأحد محلّ يوم السبت.

نتذكّر أنّ الفصح اليهوديّ كان يعبّر عن خلاص الشعب من عبوديّة مصر، خروج الشعب الأوّل من مصر إلى سيناء. من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد، من عبوديّة للفراعنة إلى تحرّر مع الربّ في برّيّة سيناء. أمّا الفصح المسيحيّ فهو تحرّر من نوع آخر. تحرّر من الخطيئة، عبور مع المسيح عبر الموت إلىالقيامة.

وما قلناه عن الفصح اليهوديّ الذي صار الفصحَ المسيحيّ ونسمّيه العيد الكبير، عيد قيامة يسوع المسيح التي بدأت يوم الجمعة، يوم الآلام والموت، نقوله أيضًا عن عيد العنصرة، المسيحيّ. العنصرة هي التجمّع، وكلّ تجمّع هو عيد. كان الشعب اليهوديّ يجتمع في عيد الحصاد. عيد الحصاد تقريبًا في أوائل الشهر السادس. شهر حزيران، أو الأسابيع السبعة، يعني بعد سبعة أسابيع على عيد الفصح.

ولكن هذا العيد، عيد الحصاد، عيد الأسابيع السبعة، صار عيد العنصرة، صار عيد الخمسين، يعني 50 يومًا بعد الفصح. ولمّا حلّ الفصحُ المسيحيّ محلّ الفصح اليهوديّ، وحلّت العنصرة المسيحيّة محلّ العنصرة اليهوديّة، حلّ يوم الأحد محلّ يوم السبت. كان البشر يرتاحون فيدلّون على راحة الربّ في اليوم السابع، هكذا كان في العهد الأوّل، وهكذا تعلَّم المؤمنون أن يرتاحوا في ذلك اليوم. أن لا يعملوا عملاً.

ولكن في العهد الجديد نتحدّث عن يسوع الذي دخل في هذه الراحة الإلهيّة بقيامته. ووعدنا بالدخول معه إلى راحته. هذا ما يجعلنا في قلب الرسالة إلى العبرانيّين. المسيح عاش على هذه الأرض، تألّم، مات، قُبر. متى بدأت راحته؟ يوم القيامة. ونحن أيضًا ندخل في الراحة عندما نموت مع المسيح، لنقوم مع المسيح.

حينئذٍ، يكون الأحدُ السبتَ الحقيقيّ، الراحة الحقيقيّة. لا سبت إلاّ بالقيامة، لا سبت ولا راحة إلاّ مع المسيح. عندئذٍ تكون الراحة الحقيقيّة التي فيها يرتاح الناس من تعبهم على مثال ا؟ الذي ارتاح من أعماله.

وهنا نتذكّر هذه الكلمات: نتشبّه بالله كالأبناء الأحبّاء. عندئذ نبدو وكأنّنا نعيش زمنًا طويلاً، راحة طويلة، ستجد كمالها في الأحد الأخير.

نعم نحن الذين متنا مع المسيح وقمنا مع المسيح نعيش هذا السبت، هذه الراحة مع المسيح، وننتظر الأحد الأخير، يوم الربّ الأخير ساعة تنادي الكنيسة عريسها: »تعال أيّها الربّ يسوع، »تعال...«. تكون ساعتئذٍ انتهت الكنيسة من عملها.

3 - الأحد أوّل الأسبوع

المسيحيّون الذين انتقلوا من السبت إلى الأحد، سمّوا ذلك اليوم في البداية أوّل الأسبوع. ليلة السبت. إذًا هناك ممارسة متواصلة جعلت المسيحيّين يجتمعون ليلة السبت، لأنّهم كانوا يجتمعون بين السبت والأحد.

يقضون الليل في الصلاة وقراءة الكتب المقدّسة، وإنشاد المزامير. وفي الليل أو عند الصباح كانوا يحتفلون بالإفخارستيّا، بالذبيحة الإلهيّة. كانوا يشاركون في العشاء الربّانيّ. سُمّي هذا اليوم أوّل الأسبوع، لأنّ حياتنا تبدأ يوم الأحد. واسمه هو معه. وسُمّي أيضًا يوم الربّ، اليوم المكرَّس للربّ. في الجيل الثاني سينتشر الاسم الذي قرأناه في سفر الرؤيا (1: 10). يوحنّا اختطف في يوم الربّ أو اليوم الربّانيّ.

هذا اليوم هو يوم مخصّص، يوم مقدّس، هو يوم الربّ، الربّ يسوع القائم من الموت أوّل الأسبوع، ليلة السبت، يوم الربّ. كلّ هذه تسميات ليوم الأحد. وشدَّد الشرق على أنّ هذا اليوم يسمّى يوم الشمس. المسيح هو شمس البرّ، هو شمس العالم. وعندما نقول يوم الشمس كأنّنا نقول يوم الربّ. هنا نتذكّر أنّ عيد الميلاد الذي نحتفل به في 25 كانون الأوّل كان في الأساس عيد الشمس. وقال المسيحيّيون نعطي هذا اليوم اسم الشمس لسبب غير سببكم. ففي اليوم الذي يسمّى يوم الشمس يجتمعون كلّهم من المدن والقرى في مكان واحد.

هذا الكلام قاله يوستينوس ابن نابلس في فلسطين، تحدّثنا عن يوم الشمس فابتعدنا أوّلاً عن الوثنيّين ثمّ عن اليهود.

4 - نظام أصيل، مستقلّ...

وفي النهاية سيسمّى هذا اليوم أيضًا يوم القيامة. وهكذا بدأ يوم الأحد كنظام مسيحيّ أصيل ومستقلّ. أوّلاً نظام، تنظيم. أصبحت الكنائس موزَّعة في كنيسة، في جماعة. هذه الكنيسة لها نظام. وهي لا ترتبط بالماضي ولا تقف عند العهد القديم، بل ترتبط بالمسيح. وإن هي أخذت عناصر من يوم السبت، فلكي تجعلها في إطار مسيحيّ، كنظام مسيحيّ أصيل، لأنّ يوم القيامة هو البداية. وإذا أردنا أن نتكلّم عن نهاية العالم نقول: بدأت نهاية العالم مع موت يسوع المسيح وقيامته.

وهذا النظام هو نظام مستقلّ. الكنيسة لم ترتبط بأحد من قبلها، بل ارتبطت بالربّ يسوع المسيح. فالربّ قام من بين الأموات في ذلك اليوم، وظهر لتلاميذه المجتمعين. كانوا كلّهم في العلّيّة والمسيح كان معهم في ذلك اليوم، يوم الأحد. لهذا صار يوم الأحد، يوم الجماعة. فمن لا يعرف أن يرتاح ويكون مع الجماعة يوم الأحد، يكون كمن خسر شيئًا هامٌّا في حياته. وسوف تندِّد الرسالة إلى العبرانيّين بأولئك اللذين يتكاسلون، يتراخون، ولا يأتون إلى اجتماع الجماعة يوم الأحد. يوم الأحد يأتي الإخوة المسيحيّون من كلّ مكان. يجتمعون في مكانٍ واحد، يتقاسمون خيراتهم، الخيرات المادّيّة والخيرات الروحيّة.

يعيشون عيش الإخوة، في بداية الكنيسة كانوا يأتون بمالهم ويجعلونه عند أقدام التلاميذ فيكون لكلِّ واحد ما يحتاج إليه من خير لكي يعيش خلال أسبوع كامل. ومنذ ذلك الوقت صارت أموال الكنيسة لخدمة المذبح، لإعالة الكهنة وسائر الخدّام في الكنيسة. وأخيرًا لإعالة الفقراء. فالفقراء هم حصّة الله، هم حصّة الكنيسة.

وفي سفر الرؤيا نعيش ليتورجيّا سماويّة هي تجلّي الليتورجيّا. احتفل بها المؤمنون الذين يقاسون الاضطهاد.

اختُطف يوحنّا يوم الأحد فكانت له الرؤيا، رؤية المسيح. والمسيحيّون كانوا يقضون السبت طوال الليل والأحد. يعيشون الصلاة ليذهبوا إلى الموت وهم ينشدون الأناشيد للمسيح ربّهم. وتتواصل هذه العادة عادة الأحد. مثلاً تعليم الرسل الديداكيه. طلب هذا الكتاب من المسيحيّين أن يكرّسوا الخبز ويقدّموا ذبيحة الشكر في يوم الربّ.

ويحدّثنا يوستينوس في دفاعه عمّا كان يُفعل في ذلك اليوم. يقول: يقرأون الأناجيل وكتب الأنبياء، يعني من العهد الجديد ومن العهد القديم، كان الشعب اليهوديّ يقرأ قطعة من الأسفار الخمسة، قطعة من الأنبياء ثمّ من سائر الكتب، أمّا الكنيسة فتركت أسفار الشريعة وأخذت خصوصًا كتب الأنبياء، وفيها ما فيها ما يشير إلى يسوع المسيح.

قال يوستينوس يقرأون الأناجيل وكتب الأنبياء. كتب الأنبياء يجب أن تصبّ في الأناجيل. وسفر الرؤيا واضح: أسفار العهد القديم لا يفهمها، لا يفضّ ختمها إلاّ يسوع المسيح. والمؤمن يقرأها على ضوء الإنجيل وسائر أسفار العهد الجديد.

ويتابع يوستينوس: وبعد القراءة تُتلى عظة لتنبيه المؤمنين وتحريضهم على العمل بهذه التعاليم الجميلة. فالعظة تجعل كلام الربّ حاضرًا الآن في حياة المؤمنين. كأنّه يتوجّه إليهم اليوم. قلنا هذا الكلام لأنّ البعض ظنَّ أنّ يوم الأحد وُلِدَ من صراع بين العالم اليهوديّ والعالم المسيحيّ. لا أحبّائي، كما قلت، يوم الأحد هو نظام مسيحيّ أصيل ومستقلّ. لا شكّ في بداية المسيحيّة وفي القرون الأولى، كانت هناك مزاحمة بين الرسالة اليهوديّة والرسالة المسيحيّة. حتّى إنّ مملكة حدياب مثلاً على شاطئ الفرات صارت كلّها يهوديّة، وفي عالم غلاطية كان صراع: هؤلاء الذين هداهم بولس هل يعودون إلى اليهوديّة؟

في الرسالة إلى العبرانيّين حتّى بَعضُ اليهود الذين صاروا مسيحيّين، أرادوا أن يعودوا إلى العالم اليهوديّ. وكان كلام الرسالة قاسية لمثل هؤلاء: يصلبون ربّهم مرّةً ثانية. لكن على مستوى ممارسة الأحد، لم يكن هناك صراع. كانت كلّ جماعة تحتفل كما تشاء، اليهود يوم السبت، والمسيحيّون يوم الأحد. والأحد لم يكن نتيجة تنظيم الجماعة المسيحيّة، على غرار الجماعة اليهوديّة التي لها سبتُها. والأحد ليس امتدادًا للسبت الذي بدأ يوم الجمعة مساءً. هو يومٌ أصيل. هو يوم الربّ.

وإذا كان شعب العهد القديم يعيِّد يوم الربّ من خلال انتصارات مؤقّتة، هي شبيهة بخلاص تمَّ في سفر خروج، فيوم الربّ لنا هو يوم الانتصار الأعظم والوحيد، يوم القيامة. وهذا اليوم هو يوم الأحد. منذ بداية القرن الثاني، بدأت الكنيسة في أنطاكية تعيِّده، تخلّت عن يوم السبت باسم أبناء الله. ولكن يوم السبت ظلَّ حاضرًا حتّى القرن الخامس. أمّا الأمبراطور قسطنطين، فجعل يوم العطلة الأسبوعيّة يوم الأحد. ولهذا منع مجمع اللاذقيّة المؤمنين من حفظ يوم السبت في القرن الخامس.

5 - ... رغم التردّدات الأولى

هنا أُخذ تدبير كنسيّ، أخذ تنظيم هامّ جدٌّا. في أيّام كتابة إنجيل متّى تقريبًا سنة 85، كان المؤمنون يذهبون إمّا إلى المجمع يوم السبت، وإمّا إلى البيوت يوم الأحد ليكونوا مع إخوتهم المسيحيّين. فكان متّى قاسيًا. تختارون بين الذهاب إلى المجمع والذهاب إلى الكنيسة. وفي الرسالة إلى العبرانيّين نجد شيئًا مماثلاً. وظلّت الحالة مترجرجة بين يوم السبت ويوم الأحد، بين ذهاب إلى المجمع وذهاب إلى الكنيسة. عند الرومان لم يكن هناك يوم للراحة. فقط عند اليهود، وكان يوم السبت. لكن الأمبراطور قسطنطين جعل يوم العطلة الأسبوعيّة يوم الأحد في مملكته. ويأتي يوم يُلغى يوم السبت بالنسبة إلى المسيحيّين، ويصبح لهم اليوم المقدّس للربّ، يوم الأحد.

وهكذا، أحبّائي، كما حلَّ العهد الجديد محلّ العهد القديم، كمّله، أعطاه معنىً جديدًا، ألقى عليه بضوء جديد. وكما حلَّ الخلاص النهائيّ محلّ الخلاص المؤقّت، خلاص بموت يسوع وقيامته لا بذبائح، لا تعتِّم أن تعيدنا إلى ما كنّا عليه، لا بذبائح لا تستطيع أن تخلّصنا من خطايانا. كما حلَّ العهد الجديد محلّ العهد القديم والخلاص المؤقّت، حلَّ الأحد محلّ السبت. لأنّ قيامة يسوع التي نحتفل بها يوم الأحد، تجعلنا ننتظر مجيئه الثاني.

هذا هو معنى الأحد. الأحد هو إذا أردنا نهاية العهد القديم. الأحد هو بداية انتظار، انتظار مجيء الربّ. فنحن في قمّة القدَّاسِ نقول: نتذكّر موتك يا ربّ، نعترف بقيامتك وننتظر مجيئك. نتمنّى على نفوسنا أن يكون هذا الأحد حقٌّا يوم الاجتماع، يوم اجتماع الجماعة لنصلّي معًا، يوم اجتماع الجماعة لنقرأ الإنجيل، ونقرأ سائر الكتب، ونسمع العظة التي تجعل كلام الله حاضرًا اليوم في حياتنا. يوم الأحد هو حقٌّا يوم الربّ. فيا ليته أيضًا يومنا نحتفل به مع الربّ فيكون كلّ أحد عيدًا من الأعياد بانتظار الأحد الكبير عيد القيامة، وبانتظار الأحد الأخير حيث تجتمع الكنيسة كلّها مع ربّها في عيد لا ينتهي. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM