التمهيد للعهد

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

التمهيد للعهد

 

1- وصل الشعب

وصل الشعب إلى محجّتهم الأولى. في وقت من الأوقات، يحدّثنا الكاتب عمّا ظنّوه الهدف. حين وصلوا إلى إيليم، اعتبروا أنّهم وصلوا إلى المحجّة. كانت هناك واحة وجدوا فيها الماء الكثير، وجدوا فيها الظلّ من حرّ الشمس، ووجدوا فيها الطعام، البلح. لكن الربّ أمرهم بأن يرحلوا. أمّا الآن فقد وصلوا تجاه جبل سيناء. هناك موسى سمع صوت الربّ، وهنا سيسمع الشعب صوت الربّ. سمع موسى الصوت،سمع الكلام فحمله إلى الشعب وظلّ الشعب على الطاعة والجهوزيّة والاستعداد. قالوا: »جميع ما تكلّم به الربّ نعمل به«. فحمل موسى جواب الشعب إلى الله.

وإذا وقفنا على مستوى البشر، نفهم أنّ الربّ فرح عندما سمع مثل هذا الكلام. لكن الربّ يعرف أنّ الإنسان يعد، يعد بالكلام، ولكن مرّات عديدة لا يفي. شبّهه هوشع بالندى الذي ينزل في الليل، وما إن يأتي الصباح وتشرق الشمس، حتّى يتبخّر الندى. وشبّهه يسوع بذلك الكلام، بذلك الحبّ الذي يقع على الطريق فيأكله الطير، أو الذي ينبت في أرض فيها بعض التراب فينبت بسرعة ولكنّه ييبس بسرعة.

وهذا ما يمكن أن يكون بالنسبة إلى الشعب العبرانيّ. وعدوا الربّ بلسان موسى: جميع ما تكلّم به الربّ نعمل به. ولكن سوف نرى بأنّ الانطلاقة سوف تكون صعبة في هذه البرّيّة، قبل الوصول إلى أرض الموعد. وفي أيّ حال، تكلّم الربّ، فحمل موسى كلامه. أجاب الشعب، ففرح الربّ في أعماق قلبه. وهو يرجو أن تكون هذه النوايا حسنة، أن تكون هذه النوايا مجسّدة في حياة الإنسان، في أقواله، وفي أعماله. وهكذا نصل في سفر الخروج إلى فصل 19: 9 - 15 والعنوان التمهيد للعهد: »وقال الربّ لموسى أجيء إليك في سحابة كثيفة ليسمعني الشعب حين أخاطبك فيؤمنون بك إلى الأبد... قل لهم: طهّروا نفوسكم اليوم وغدًا، واغسلوا ثيابكم واستعدّوا لليوم الثالث، ففي اليوم الثالث، أنزِل أمامكم على جبل سيناء. فقال موسى: كونوا مستعدّين لليوم الثالث ولا تقربوا امرأة«.

2 - الربّ يأمر وموسى يطيع

قال الربّ لموسى. الربّ يأمر موسى في البداية. كما قلت، الربّ هو الذي يتكلّم. هذا في آية 9. في آية 14، فنزل موسى إلى الشعب فأمره. يعني الربّ يأمر وموسى ينفّذ. تلك هي الطاعة التامّة من قبل وسيط العهد القديم. نتذكّر هنا رجال ا؟ في العهد القديم أو في العهد الجديد. الربّ يطلب منهم، وهم يسيرون بحسب كلامه. سواء إشعيا، سواء إرميا، سواء هوشع.

فعاموس، ابن الجنوب والعامل بالجمّيزات وفي رعاية الغنم، يطلب منه الربّ، فيمضي من الجنوب إلى الشمال. ويوسف خطّيب مريم. أمره ملاك الربّ فائتمر حالاً. والرسل. قال الربّ لبطرس مثلاً: اتبعني. حالاً ترك كلّ شيء وتبعه. الطاعة للربّ أمر مهمّ جدٌّا. والطاعة هي منبع سعادة، لأنّ الربّ يعرف إلى أين يقودنا.

قال يسوع مثلاً لليهود: »أنتم لا تعرفون من أين أنا جئت، ولا تعرفون إلى أين أذهب«. لكنّ يسوع وحده يعرف من أين جاء وإلى أين يذهب. إذًا هو يعرف أن يقودنا في طريق السعادة، طريق الحياة الحقيقيّة. مهمّ جدٌّا أن ننظر إلى رجل الله الذي اعتاد أن يسمع صوت الله. مهمّ جدٌّا أن يطيع، ويفهم أنّ في السماع وفي الطاعة كلّ السعادة، كلّ الراحة.

وكما قال يسوع: »تعالوا إليّ وأنا أريحكم«. هو الذي يحمل الراحة ويحمل السعادة. هنا نفهم أن يكون القدّيسون السعداء السعداء، لأنّهم اعتادوا أن يسمعوا صوت الربّ، أن ينفّذوا ما يأمرهم به الربّ. وهكذا بدت خبرة موسى نورًا لكلّ إنسان، يريد أن يسير في خطى الربّ، أن يكون أمينًا لما يأمره ا؟...

3 - الربّ يتكلّم

19: 9: »وقال الربّ لموسى«. نلاحظ هنا دائمًا: قال الربّ لموسى. هذا لا يعني أنّ للربّ فمًا مثل أفواهنا، أنّه يتكلّم مثلنا. كلاّ. هو يتكلّم في أعماق القلب. ثانيًا نحن في المدى: أنا أقول لأخي الساعة 9، والساعة 10، و11، وأقول له غدًا أو بعد سنة. نحن في المدى، نحن في الزمن. نحتاج أن نقول يومًا بعد يوم، وكلمة بعد كلمة، ونعطي أمرًا بعد أمر.

أمّا على مستوى الربّ فكلمته حاضرة. من خبرة أولى عاشها مع موسى، هو يستطيع أن يكلّمه دائمًا. مرّة واحدة، كلّم الربّ موسى في العلّيقة الملتهبة. وهذه الكلمة ترافق موسى حتّى نهاية حياته. وفي كلّ مرّة يريد أن يسمع صوت الربّ ما عليه إلاّ أن يعود إلى ذاته.

ذاك كان أيضًا وضع إرميا. سمع صوت الربّ حين دعاه من الحشا. كذلك كان وضع بولس على طريق دمشق، سمعَ صوت الربّ، فهمَ مكانة الصليب ومكانة القيامة في حياته. وموسى كلّمه الربّ في العلّيقة الملتهبة وما زالت هذه الكلمة ترافقه مدى حياته وحتّى مماته.

إذًا حين نسمع: »وقال الربّ لموسى«، نفهم أنّ تلك الكلمة هي التي توجّه حياة موسى. يكفي أن يسمعها، أن يخضع لها، أن يطيعها. وهذا الأمر ليس ببعيد عنّا. كلّ واحد منّا يستطيع أن يسمع صوت الربّ، يكفي أن يعود إلى أعماقه.

سألوا يسوع يومًا في الإنجيل: أين هو ملكوت الله أو بالأحرى أين هو الله؟ قال لهم: ملكوت الله ليس في الشرق والغرب، هنا وهناك، الله هو في كلّ مكان. عمليٌّا هو في داخلكم، ملكوت الله في داخلكم.

4 - الله يجيء في السحاب

وقال الربّ لموسى: أجيء إليك. نلاحظ أنّ الربّ هو الذي يبدأ، الربّ هو الذي يبادر، الربّ هو الذي يجيء. لكن يجيء في سحابة كثيفة. أوّلاً السحابة أي الغيم. إذا أردنا، الغيم فيه بعض الظلمة وفيه بعض النور. من جهة الشمس هو مضيء. ومن جهة الأرض هو مظلم. ولكن النصّ قال: سحابة كثيفة. يعني ليست سحابة عابرة، ليست سحابة لا ترى، سحابة ترى بقوّة، بحيث يستطيع كلّ واحد أن يراها.

على مستوى جبل سيناء، حضور الربّ يتمّ من خلال الطبيعة. سوف نرى في الحلقات المقبلة الرعود، البروق، السحاب، صوت البوق. أمّا هنا فنرى سحابة كثيفة. كأنّي بها شخص حيّ يدلّ على الله. أجيء إليك في سحابة كثيفة ليسمعني الشعب حين أخاطبك فيؤمنوا بك إلى الأبد.

نعم، هذه السحابة الكثيفة تخلق الرعود. والرعد يُعتبر في الديانات القديمة صوتَ ا؟. وحتّى اليوم في حضارتنا اليوميّة، خصوصًا عند الكبار في السنّ، عندما يسمعون الرعد، يقول الناس: »قدّوس«. كأنّهم يقولون: قدّوس الربّ: إنّهم سمعوا صوت ا؟. السحابة الكثيفة التي عمليٌّا نراها، هي في الواقع للسلام لأنّها تحمل الرعد. وهكذا يقول النصّ: يسمعني الشعب حين أخاطبك.

سيقول الكتابّ لإيليّا في سفر الملوك الأوّل: إنّ الربّ لم يكن في الصاعقة، ولا في الرعد، ولا في البرق. لكنّه كان في نسيم خفيف، في الصمت. هنا نلاحظ هذا التشديد على السحابة الكثيفة التي تُرى، وعلى الرعود التي تُسمع. لكن في النهاية، مهما كان الصوت الخارجيّ قويٌّا، فالربّ يكلّمنا في أعماق قلوبنا. لكنّ هذا الصوت، صوت الرعد، أراده الربّ علامة يسمعها الناس، يراها الناس فيؤمنون بموسى.

5 - الربّ يدعو

وهذا الإيمان مؤقّت لأنّ السحابة عادة موقّتة. السحابة لا تقف في مكان واحد، بل تمضي. ومع أنّ هذا اللقاء هو موقّت، إلاّ أنّ الإيمان أو الاستناد إلى موسى، سيمتدّ طويلاً »فيؤمنوا بك إلى الأبد«. لماذا يؤمنون به إلى الأبد؟ لأنّه يستند إلى الله. لا يستطيع إنسان أن يؤمن بإنسان،لا يستطيع إنسان أن يستند إلى إنسان. كما يقول المزمور، الاعتصام بالله خير من الاعتصام بالبشر. الاعتصام بالعظماء لا يفعل شيئًا، كما الاعتصام بالبشر. يقول إشعيا: البشر هم مثل القشّ، مثل الهشيم. ييبسون ويحترقون بالنار. وحده الاعتصام بالربّ، الاحتماء به، الإيمان به، الثقة والاتّكال. هذا ما يجعلنا نقول: أستند إلى الربّ إلى الأبد.

ولمّا نقل موسى إلى الربّ جواب الشعب، قال له الربّ: اذهب إلى الشعب وقل له. إذًا خطوة خطوة. في أوّل خطوة، كلّم موسى الربّ، فحمل موسى الكلام إلى الشعب. فقالوا: جميع ما تكلّم به الربّ نعمل به. الخطوة الثانية بما أنّ الشعب قال: نحن مستعدّون أن نعمل، نحن نستطيع أن نطيع، أعطاهم موسى الأمر الثاني.

ما هو؟ طهّروا نفوسكم اليوم وغدًا. يعني ابتعدوا عن كلّ نجاسة. مثلاً: لا تلمسوا جثّة ميت، مثلاً لا تقتربوا من شخص أبرص. كان هناك قوانين تجعل الإنسان نجسًا، تجعله غير طاهر. وإذا كان الإنسان نجسًا وغير طاهر، فهو لا يستطيع أن يقترب من الربّ. وعلى مستوى الكهنة، لا يستطيعون أن يقرّبوا الذبيحة. التطهير إذًا على مستوى الشريعة. وأخيرًا تطهير ونظافة على مستوى الثياب واللباس.

6 - في اليوم الثالث

واغسلوا ثيابكم (آية 11)، واستعدّوا لليوم الثالث. اليوم الثالث يوم مهمّ جدٌّا. تحدّثنا عنه مع إبراهيم، مع موسى. وفي النهاية نتحدّث عنه مع يسوع المسيح. اليوم الثالث هو يوم اللقاء بالربّ. نستعدّ لليوم الأوّل واليوم الثاني. واليوم الثالث هو يوم اللقاء. وإذا تكلّمنا أيضًا عن قيامة يسوع المسيح، يوم القيامة أو يوم الأحد هو اليوم الثالث، اليوم هو الجمعة وغدًا هو السبت والأحد هو اليوم الثالث. هو يوم اللقاء، التقى الربّ بالرسل، التقى بتوما، التقى بتلميذَي عمّاوس.

ففي اليوم الثالث أنزلُ أمامكم على جبل سيناء. إذًا في اليوم الثالث ينزل الربّ، والشعب هو منتظر. وهكذا يكون اللقاء بين الشعب وبين الربّ. أتذكّر في الحلقة السابقة كيف أنّ الربّ جاء إلى لقاء موسى. وهنا الربّ لم يأتِ فقط إلى لقاء موسى، بل إلى لقاء الشعب كلّه. سيصبح جبل سيناء معبدًا كبيرًا، هيكلاً كبيرًا، يلتفّ الشعب حوله من أجل اللقاء بالربّ.

آية 12: »فارسم للشعب حدٌّا حول الجبل، وقل لهم: إيّاكم أن تصعدوا الجبل أو تمسّوا أرضه. وكلّ من مسّ الجبل يُقتل قتلاً«. إذًا هناك مكان مكرّس للربّ. هناك معبد. نتذكّر أحبّائي المعابد في الماضي: ما كانت مسقوفة. كانت مسقوفة فقط حيث يقيم الكهنة والملك والباقي كان في الهواء الطلق. وهنا على الجبل الهواء الطلق. جعل موسى حدٌّا لا يتجاوزه أحد. وهكذا يبقى الجبل مقدّسًا، لأنّ الإنسان خاطئ، فإن صعد الجبل بدون أمر الربّ، ينجّس الجبل. وكانت الأمور صارمة قاسية. من صعد الجبل يُقتل قتلاً. وكيف يُقتل؟ إمّا يُرجم، وإمّا يُرمى بالسهام. والأمر عامّ جدٌّا: الإنسان أو البهيمة، كلّ من صعد إلى الجبل يُقتل قتلاً. لا يُسمح له أن يبقى على قيد الحياة. كلام قاسٍ في شعب قاسٍ.

لكنّ الكتاب المقدّس سوف يرفعنا شيئًا فشيئًا. سوف يفهمنا بالنهاية أنّ الربّ أراد أن يكون قريبًا منّا. صار طفلاً بين أطفالنا، صار ولدًا بين أولادنا، وشابٌّا بين شبابنا. لم يعد يُمنَع أيّ إنسان من الاقتراب من الله، من ابن الله يسوع المسيح.

الربّ يعطي أوامره. يقول في النهاية: أمّا عند صوت البوق، فيجوز للبعض أن يصعدوا. وهذا ما سيتمّ في الفصل 24: سيصعد موسى وبعض الناس إلى الجبل ليسمعوا صوت الله.

آية 14: »فنزل موسى إلى الشعب وأمرهم أن يطهّروا نفوسهم ويغسلوا ثيابهم«. أمره الربّ فنفّذ الأمر. قال الربّ لموسى، فقال موسى للشعب وهكذا لا يبقى للشعب سوى أن يستعدّ للقاء الربّ.

آية 15: »كونوا مستعدّين لليوم الثالث ولا تقربوا من امرأة«، لأنّ العلاقات الجنسيّة كانت تعتبر نجاسة. لهذا كونوا مستعدّين لليوم الثالث حتّى في حياتكم الحميمة. هناك قال: طهّروا نفوسكم، اغسلوا ثيابكم. وهنا، في حياتكم الحميمة، حافظوا على الطهارة وكونوا مستعدّين لليوم الثالث. وهكذا كانت مسيرة الشعب خلال البرّيّة لهذا اليوم الثالث.

اليوم الثالث رآه إبراهيم من بعيد، وفهم أنّه سيكون له لقاء بالربّ. وفهمه موسى. وهنا الشعب يستعدّ إلى هذا اللقاء في اليوم الثالث. تعطى له الوصايا، ويعرف أنّ الربّ الذي يكلّمه، الذي أخرجه من أرض المصريّين، يبقى قدّوسًا، فلا يكون للمؤمن إله إلاّ ذاك الإله. آمين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM