تعيين قضاة

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

تعيين قضاة

 

1- عودة إلى الوراء

أحبّائي، نتابع قراءة سفر الخروج. نحن ما زلنا في المسيرة، في البرّيّة. في بداية الخروج، كانت الضربات حتّى الفصل 12 مع الفصح والخروج من مصر. في الفصل 14، كان العبور في المستنقعات والبحيرات المرّة. والفصلُ 15 كان نشيد الخلاص الذي أنشدته مريم وأنشده موسى. وصار الشعب في البرّيّة. جاع فاطعمه الربّ المنّ وأعطاه اللحم، لحم السلوى. عطش فأعطاه الماء أكثر من مرّة، أعطاه إيّاه من الصخر أو علّم موسى كيف يحلّي المياه فتصبح سهلة للشرب. وبعد هذه المسيرة خصوصًا، نجّاهم من الأعداء، من بني عماليق الذين انتصر عليهم الشعب، لا بقوّة السلاح ولكن بصلاة موسى. يرفع موسى يديه فينتصر شعبه. ويُنزل يديه فينهزم الشعب. وهكذا أفهمنا الكاتب أهمّيّة الصلاة في مسيرة الشعب، بل في مسيرة كلّ واحد منّا.

في الحلقة الأخيرة، كان اللقاء بين موسى ويثرون. وفهمنا من هذا اللقاء أنّه كانت قطيعة في البداية بين يثرون وموسى. ترك يثرون عنده امرأة موسى وابنيها اللذين هما ابنا موسى. ولكن في النهاية نُحسّ كأنّنا أمام عودةٍ إلى موسى، الذي أخبر يثرون بما فعله الربّ له ولشعبه. فكأنّي بهذا الكاهن الوثنيّ يهتدي إلى الربّ، يشكر الربّ: تبارك الربّ. ويقدّم ذبيحة في النهاية، يشارك فيها موسى وهارون وجميع شيوخ بني إسرائيل. كلّهم أكلوا من الذبيحة الواحدة، أمام المذبح الواحد، في حضرة ا؟ الواحد. وهكذا استطاعوا أن يكوّنوا الجماعة الواحدة.

وهنا في 18: 13 ي سنسمع نصيحة يعطيها يثرون إلى موسى. تعيين قضاة. يعني يثرون سيطلب من موسى أن يعيّن قضاة في الشعب. وهكذا نقرأ 18: 13-27: »وجلس موسى في اليوم الثاني ليقضي للشعب. فوقف الشعب أمامه من الصباح إلى المساء. فلمّا رأى يثرون كلّ ما كان على موسى أن يفعله للشعب، قال له: »ما هذا؟ وما بالك جالسًا وحدك لتقضي لجميع الشعب وهم واقفون أمامك من الصباح إلى المساء«؟ فأجابه موسى: »يجيء إليَّ الشعبُ ليَعلموا إرادة الله...«. فقال يثرون لموسى: »اختر من الشعب كلّه رجالاً أتقياء يخافون الله، وأمناء يكرهون الرشوة، وولِّهم على الشعب...«. ثمّ ودّع يثرون موسى ورجع إلى أرضه«.

2 - تنبّه يثرون

»وجلس موسى في اليوم الثاني ليقضي الشعب«. اليوم الأوّل إذًا كان يوم صلاة، اليوم الأوّل كان يوم الذبيحة، اليوم الاوّل كان يوم الخبر عن الله وعمّا عمله الله من أجل موسى ومن أجله شعبه حين خلّصه من يد المصريّين. واليوم الثاني يُعطى للشعب. فبعد الوصايا تجاه الله، هناك الوصايا تجاه الشعب. نبدأ دائمًا مع الله. ننطلق من الله. محبّة القريب تبقى قريبة المدى، لا تذهب إلى البعيد إن لم تخرج من محبّة الله، إن لم تخرج من ينبوع محبّة الله، وموسى بدأ يهتمّ بشعبه، ويعمل عمل القاضي والحاكم.

في اليوم الثاني، أي بعد ذلك اليوم الذي فيه قضى موسى وقته ويومه في الصلاة ومباركة الله وتقدمة الذبيحة. ويصوّر الكاتب الواقع: وقف الشعب أمامه من الصباح إلى المساء. يعني كان هناك عدد كبير من الناس يحتاجون إلى من يقضي لهم، إلى من يحكم لهم أو ربّما عليهم، وهذا حسب الدعوى. هو انتظار طويل بالنسبة إلى الشعب، وخصوصًا عمل مضنٍ بالنسبة إلى موسى، من الصباح إلى المساء، يوم كامل من العمل.

ونلاحظ هنا ردّة الفعل عند يثرون (آية 14): فلمّا رأى يثرون كلّ ما كان على موسى أن يفعله للشعب قال له: ما هذا؟ إذًا طرح يثرون السؤال. تقولون لماذا لم ينتبه أحد من بني إسرائيل، من الشعب، إلى هذا الأمر؟ وحده يثرون الآتي من الخارج، الآتي من مديان، لاحظ أنّ هذا ليس بالأمر الطبيعيّ وأنّ هذا لا يمكن أن يمتدّ إلى البعيد. فالشعب المنتظر ساعة بعد ساعة، قد يتمرّد، قد يثور، قد يرفض أن ينتظر موسى ويتدبّر أمره بأمره. وإذا كان هناك من انتقام، ينتقم ولا ينتظر حكم القاضي. كلاّ. لا أحد من الشعب انتبه إلى هذا الأمر.

وحده يثرون قال لموسى حين رأى ما رأى: ما هذا؟ سؤال تعجّب. والجواب: هذا لا يمكن أن يتواصل على هذا المنوال. يجب أن تتبدّل الأحوال، أن تتبدّل الأمور. وقال له: ما بالك جالسًا وحدك لتقضي لجميع الشعب؟ نلاحظ هنا المقابلة بين وحدك وجميع الشعب. لا يمكن لك وحدك أن تحلّ جميع مشاكل الشعب. هو جالس وهم واقفون أمامه من الصباح إلى المساء. هو جالس هناك بعض الراحة. وهم واقفون من الصباح حتّى المساء، فيعني أنّ الراحة معدمة. وكما قلت: يمكن أن يتذمّروا، يرفضوا، وأن يذهب كلّ واحد إلى بيته ويقضي لنفسه بنفسه.

3 - قضاة يخافون الله

سأل يثرون، فأجابه موسى في الآية 15: يجيء إليّ الشعب ليعلموا إرادة الله. هو لم يقل: ليسمعوا الحكم. كلاّ. أو ليجدوا العدالة. كلاّ. هم آتون ليعلموا إرادة الله. في محاكمنا، هناك مرّات عديدة يوجد البغض، يحلّ الحقد، بينما الخلاف بسيط على مستوى الأرض، على مستوى عقار من العقارات، على مستوى بيت، أو دعوى من الدعاوى. لماذا لا ننتظر حكم القاضي فنعرف إرادة الله؟

هذا يعني، أحبّائي، أنّ القاضي ليس من الذين يرتشون. أنا القاضي صاحب ضمير، أنا القاضي لا أحكم بسرعة وبتسرّع وبدون رويّة وبدون صلاة سابقة. القاضي التقيّ يطلب الإلهام من الربّ بعد أن يدرس ويفتّش ويبحث ويسأل، لكي يصل كلّ صاحب حقّ إلى حقّه. أجل، يكون القاضي ممّن يخاف الربّ وممّن يكون أمينًا للشعب. في الواقع عندما نسمع حكم القاضي ننتظر إرادة الله. إنّما لا سمح الله ليست أبدًا إرادة الله. سيقول فيهم بولس الرسول: آلهتهم بطنهم، مدحتهم خزيهم، همّهم في أمور الأرض. واتّهمهم سفر المزامير بأنّهم يجعلون نفوسهم في مصافّ الآلهة. ولكنّهم بشر مائتون ودينونتهم ستكون قاسية!

أجابه موسى: يجيء إليّ الشعب ليعلموا إرادة الله. لا شكّ في أنّ موسى الذي تكلّم مع الربّ، الذي كان له أكثر من لقاء مع الربّ، يستطيع أن يعلّم الشعب، أن يدلّه على إرادة الله. ونحن بقدر ما نكون قريبين من الله، سامعين لصوت الله، متمسّكين بتعاليمه وشرائعه وفرائضه في حياتنا، يمكننا أن ندلّ الآخرين على إرادة الله. وتابع موسى: إذا كانت لهم دعوى فيجيئون وأقضي بين الفريقين.

في الآية 15 تكلّم: هذه هي إرادة الله وفي الآية 16: هذا يعني أنّ ما يقضيه موسى بين الفريقين هو عمليٌّا إرادة الله، هو يحاول أن يكتشف إرادة الله. وفي النهاية يقول: أعرّفهم فرائض الله وشرائعه. يعني ينطلق موسى من فرائض الله، من شرائع الله، حتّى يقضي بينهم، وحتّى يدعوهم إلى الحياة بحسب الشريعة، بحسب الله. ظنّ موسى بأنّه وجد الجواب. كلاّ. فيثرون لم يرضَ: لا خير فيما تفعل. أنت تخطئ بما تفعل، تُتـعب نفسك وتتـعب هـذا الشعب. أوّلَ شيء تُتعب نفسك، لأنّ هذا الحمل أثقل من أن تحمله وحدك. وتُتعب هذا الشعب لأنّه ينتظر وينتظر طويلاً.

4 - نصيحة يثرون

آ 19: »والآن اسمع نصيحتي فيكون الله معك«. يعني عندما نسمع نصيحة من هو حولنا، من يمكن أن يساعدنا، أن يوجّهنا، فكأنّنا نسمع صوت الله. وما قال يثرون رائع: كن أنت وسيطًا للشعب عند الله. ترفع إليه دعاويهم، وتعلن لهم الفرائض والشرائع، وتعرّفهم الطريق الذي يسلكونه والنهج الذي ينهجونه.

نحن هنا قريبون جدٌّا من الفصل 7 من أعمال الرسل. نتذكّر أنّ 12 رسولاً ما كانوا يتمكّنون من الاهتمام بالأرامل وبالفقراء في كنيسة أورشليم. فقال بطرس: لا يحسن أن نترك الصلاة، نترك حَمل الكلمة، ونعمل في الأمور المادّيّة. يجب أن نتفرّغ للصلاة وعمل البشارة.

وهنا يثرون، كأنّي به يطلب من موسى أن يتفرّغ، يتفرّغ لعمل الوساطة، لعمل الصلاة، يتفرّغ لإعلان الفرائض والشرائع، يتفرّغ لأن يعرّف الناس إلى طريق الربّ ونهجه. إذًا يتفرّغ موسى للعمل الأهمّ، ويترك الأمور البسيطة إلى قضاة يختارهم.

آ 21: »واختَـرْ من الشعب كلّه رجالاً أكفّاء«. يعني يقدرون، يكونون كفوئين. يخافون ا؟ من جهة، ويكونون أمناء للشريعة، ويكرهون الرشوة. شرطان أساسيّان لكلّ من يريد أن يقضي في الشعب، لكلّ من يريد أن يحكم في الشعب، لكلّ من يريد أن يكون حاضرًا بين فئة وفئة، بين شخص وشخص. مخافة الله. ثمّ الأمانة التي تبعد الإنسان عن كلّ رشوة، لأنّ الرشوة تعمي العينين، وهكذا لا يستطيع القاضي أن يفهم شيئًا، أن يرى شيئًا، ولا أن يسمع شيئًا.

وبعد الاختيار تأتي الوظيفة: »ولِّهمْ على الشعب، رؤوساء ألوف ومئات وخمسين وعشرة«، إذًا 1000 و100 و50 و10. هكذا كانت تقسم الجماعة، وهكذا قسّمت الجماعة حين كسر يسوع الأرغفة وأطعم 5000 رجل، الجماعة الكاملة. يقضون للشعب في كلّ وقت. بما أنّه أصبح لدى موسى قضاة كفاية، كفوئين، هم يستطيعون أن يقضوا للشعب. يتركون الأمور الخطيرة لموسى، ويحكمون في كلّ أمر صغير، فيحملون الحمل معك ويخفّفون عنك.

5 - إسمع، يا موسى

نلاحظ في آية 19: ويقول له: والآن اسمع نصيحتي فيكون الله معك. في آية 22 يقول: هؤلاء القضاة يحملون الحمل معك، وهكذا يخفّفون عنك. كأنّي به يقول: حين يكون الناس معنا، إنّما يدلّون على أنّ الله معنا. فالربّ هو الذي يرسل من يساعدنا، من يعيننا، من يشفينا، من يرافقنا. يحملون الحمل معك ويخفّفون عنك. أجل هكذا يكون الله مع موسى. إن كان وحده، لن يستطيع أن يرتاح. سوف يتعب ويُتعب الناس. فالإنسان وحده إنسان حزين، إنسان بائس. مع الآخرين يصبح عيلة. يقول سفر الجامعة: إن كان وحده، فإن سقط فمن يسنده، إن كانا اثنين، إن سقط واحد أسنده الثاني.

آية 23: »وأنهى يثرون كلامه وقال: إن أنت عملت هكذا وأمرك الله به، أمكنك الثبات، وجميع هؤلاء الشعب ينصرفون إلى بيوتهم بسلام«. أوّلاً: إن أنت عملت هكذا: تلك نصيحة إنسان، هو يثرون. وأمرك الله به. يعني على موسى أن يعود إلى نفسه، أن يعود إلى الصلاة لكي يكتشف صوت الله وأمر الله وإرادة الله من خلال ما سمعه من حميه. هكذا يفهم في النهاية أنّه وإن كان يثرون هو الذي أعطى النصيحة، فالربّ في النهاية هو الذي يأمر بها.

والنتيجة. من جهة موسى لن يتعب، خفَّفوا عنه، استطاع أن يحتمل بعد أن توزّع العمل. ومن جهة ثانية، الشعب لن يتعب. ينصرفون إلى بيوتهم بسلام، يعني بدون تعب، بدون كدر، بدون انتظار طويل. يعني انحلّت أمورهم، تنظّمت أمورهم، ترتّبت بدون أن ينتظروا الوقت الطويل. صار موسى مع قضاة يعملون معه كأنّهم قاضٍ واحد. صار القضاءُ امتدادًا لكلام موسى، امتدادًا لحكم موسى. لا شكّ في خطّ الفرائض والشرائع التي أعطاها الله لشعبه. إذًا يثرون أعطى النصيحة، وموسى اكتشف في هذه النصيحة أمر الربّ، لا شكّ، من خلال الصلاة، وكانت النتيجة راحة لموسى وراحة للشعب.

6 - فسمع موسى

آية 24: »فسمع موسى من يثرون حميه وعمل بكلّ ما قاله له«. كم نحن نحتاج مرّات عديدة إلى نصيحة، نصيحة بشريّة، لا شكّ. وفي النهاية، كأنّي بالربّ يرسل إلينا نصيحة، يرسل إلينا أمرًا لأنّ الربّ يريد راحتنا، يريد سعادتنا، لا أن يُتعبنا ويُتعب الناس الذين معنا. سمع موسى من يثرون حميه، وعمل بكلّ ما قاله له. فاختار رجالاً أكفّاء من جميع بني إسرائيل، وولاّهم على الشعب، رؤساء ألف ومئة وخمسين وعشرة.

في نهاية سفر الخروج، سوف نرى أكثر من مرّة، كيف أنّ الربّ يأمر موسى. وبعد فصول عديدة يقول الكتاب: ونفّذ موسى ما أمره به الربّ. وهنا يثرون نصح، أعطى نصيحة لصهره. وهذا الصهر سمع، سمع بمعنى أطاع، بمعنى خضع، بمعنى اقتنع أنّه يجب أن يعمل هكذا ولا شيء آخر. لهذا يقول عمل بكلّ ما قال له.

إختار رجالاً أكفّاء فكانوا يقضون للشعب في كلّ وقت، وكلّ دعوى صعبة يرفعونها إلى موسى، وكلّ دعوى بسيطة يحكمون هم بها. وهكذا وقفوا قضاة للشعب وقسّموا الدعاوى بين صعبة لموسى وبين بسيطة هم يحكمون فيها. توزّع العمل، فلم يعد موسى وحده بل صار مع أشخاص اختارهم: يخافون الله ويكرهون الرشوة ويعيشون الأمانة للوصايا، فكانت النتيجة راحة لموسى وراحة للشعب.

وينتهي النصّ: ودّع يثرون موسى ورجع إلى أرضه، رجع بسلام. إنتهت مهمّة يثرون. فكأنّي به جاء إلى موسى فاهتدى إلى الربّ، وقام بمهمّة فحمل رسالة إلى موسى. نسأل مرّات عديدة من أين أتى هذا الشخص الذي أعطانا نصيحة وأراد أن يعلّمنا؟ نحن نسمع كلّ صوت حولنا ونعود إلى الربّ، نكتشف إرادته، نكتشف ما يطلبه منّا. وفي النهاية تصبح نصائحُ البشر أوامرَ من عند الله. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM