هذاإسمي إلى الأبد

هذا اسمي إلى الأبد

أحبّائي، الربّ يكون معنا ويرافقنا كما يرافق كلّ إنسان في حياته اليوميّة، كما يرافق كلّ جماعة من جماعاتنا، شرط أن تنفتح على ندائه، أن تقبل أن تسير معه. ونحن إذ نقرأ سفر الخروج، خروج الشعب العبراني من مصر، من أرض العبوديّة، إلى سيناء، إلى أرض التعبّد ؟، نرافق أيضًا شخص موسى.

»وقال الله لموسى ثانية: قل لبني إسرائيل: أنا الربّ إله آبائكم... بل تطلب المرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أواني من فضّة وذهب وثيابًا تجعلونها على بنيكم وبناتكم، فتسلبون المصريّين« (3: 15 ي).

نلاحظ أحبّائي أنّنا في الفصل الثالث من سفر الخروج. هذا يعني أنّ الكتاب المقدّس، حتّى في عهده القديم، هو كتاب عميق جدٌّا إذا أردنا أن نستقرئ نصوصه. وهكذا نتوقّف عند كلّ كلمة من كلماته.

1 - قال الله ثانية

آية 15: »وقال الله لموسى ثانية«. هنا يوجد معنيان في »ثانية«. المعنى الأوّل هناك تقليد آخرُ يُضَمّ إلى تقليد أوّل. كان في سفر الخروج تقاليد عديدة، وبعد ذلك جاء من جمعها. فتقليد الشمال شدّد على مخافة الله في خطّ الأنبياء. وتقليد آخر في الجنوب شدّد على بركة الله. قام به الحكماء خصوصًا في مملكة يهوذا في أيّام سليمان وداود وبعدهما. إذًا في تقليد أوّل، قال موسى؟: »إله آبائكم«. وفي تقليد ثانٍ، »قال الله لموسى«.

ولكن في معنى روحي نتوقّف عند عبارة: »قال الله لموسى ثانية«. ما معنى هذا؟ معناه أنّ الربّ لا يكلّمنا مرّة ويتركنا فتتقاذفنا الأمواج. أرسلنا في الماضي لندبّر نفسنا بنفسنا، كلاّ. الربّ هو الذي يرسلنا ويرافقنا في الرسالة حتّى النهاية. هو يعمل معنا، يده بيدنا وهذا مهمّ جدٌّا. إذًا لا نحسب أبدًا أنّ الربّ يقدّم لنا مهمّة ويتركنا وحدنا. هو يحملنا معه، يحملنا في مشروعه. أذكّركم مثلاً بالعذراء مريم عندما بشّرها الملاك والربّ كلّمها بأنّها ستكون أمّ المخلّص يسوع المسيح، لم تكن النعمة معها فقط يوم قالت »نعم«. نعمة الربّ، رفقة الربّ، كلام الربّ، كلّ هذا يرافق مريم حتّى الصليب، بل حتّى العنصرة ساعة كانت مع الرسل في العليّة وكان الجميع ينتظرون حلول الروح القدس.

2 - إله شخصيّ

وقال الله لموسى ثانية: »قل لبني إسرائيل، أنا الربّ إله آبائكم، إله إبراهيم، إله إسحق ويعقوب، أرسلتك إليهم«. هنا ننتبه إلى ما يقول الربّ: هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري مدى الأجيال. ماذا فعل الكاتب؟ ربط اسم يهوه: »أنا هو الذي هو«. »أنا الكائن«. باسم آخر، يهوه هو إذًا إله الآباء، إبراهيم وإسحق ويعقوب. أرسلتك إليهم.

يذكر موسى هذا الإله الشخصيّ. عادة في عالم الحضر، الإله يرتبط بمدينة من المدن. مثلاً: »إيل« بيت إيل، بعل مثلاً كان يرتبط بإحدى المدن: بعل صور اسمه ملقارت مثلاً. كان يوجد بعل جبيل. لكن هنا الإله يرتبط بشخص كأنّي بالكاتب يقول كما أنّ الله كان رفيق إبراهيم فهو رفيق كلّ واحد منّا. لذلك يقول له: هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري مدى الأجيال.

إسمي لا يتبدّل، ذكري لا يتبدّل، لماذا لا يتبدّل؟ لإنّه ليس لديكم الوقت لتنسوا. لو أنّ الربّ فعل مرّة واحدة، يمكن أن ننسى، والإنسان مفطور على النسيان، ولكن لأنّ الربّ يفعل دومًا، ليس لدينا الوقت لكي ننسى، وإذا اقتربنا من النسيان يكون حاضرًا من جديد، فاعلاً من جديد. هو يفعل دائمًا، ولكنّه يفعل بطريقة غير منظورة حتّى لا يفرض نفسه علينا. لا يريد لنا أن نتشتّت، أن نضيع لئلاّ يخسر عمله فينا قوّة التماسك والثبات.

هو ذلك الذي يلاحقنا، كشخص يلاحق شخصًا آخر حتّى ينتصر عليه. والربّ يريد أن ينتصر علينا باسم المحبّة. وعندما ينتصر علينا، عند ذاك نكون نحن انتصرنا. هذا ما حدث ليعقوب (تك 32)، لمّا رجع من أرض حاران: تصارع مع الربّ صراعًا روحيٌّا. لا شكّ في أنّ الله انتصر، ولكن أعطي ليعقوب اسم يدلّ على قوّة الله في قلب هذا الإنسان.

هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري مدى الأجيال. يعني أنّ الكتاب يطلب منّا أن نذكر اسم ا؟ يومًا بعد يوم. إنّها الصلاة الجميلة: »باسم الآب والابن والروح القدس«. نحن نذكر الله، ونذكره في المسيحيّة، ليس فقط إلهًا واحدًا، نذكره في ثلاثة أقانيم، في ثلاثة أشخاص، نذكره في عيلة، نبدأ كلّ حياتنا، نبدأ كلّ أعمالنا بذكر اسم الله. هذا اسمي إلى الأبد. ما أجملها حياة تبدأ يومًا بعد يوم باسم الله

وهذا ذكري مدى الأجيال. يعني الاسم هو في بداية أعمالنا، في بداية حياتنا، ولا سيّما الروحيّة: لا تنسوا. عمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. الاسم هو البداية دائمًا. على مستوى الروح، عمّدوهم باسم الآب. وحتّى على مستوى الجسد نعطي الولد اسمًا. هي بداية. دائمًا الاسم يدلّ على البداية. وهذا ذكري مدى الأجيال. الذكر هو في النهاية مهمّ جدٌّا. نحن نذكر الله في النهاية، نتذكّر كلّ أعماله من أجلنا. وهنا في بعض القدّاسات نقول: »نتذكّر موتك يا ربّ ونعترف بقيامتك وننتظر مجيئك«. نتذكّر نحن يسوع المسيح، حياتَه من أجلنا، منذ الولادة حتّى الموت والقيامة والصعود. ونتذكّر أيضًا حياتنا. حين نتحدّث عن اسم الله، نقف أمام الله. وحين نتكلّم عن الذكرى، نتطلّع إلى الله.

3 - عمل فريق

بعد هذا آية 16: »اذهب واجمع شيوخ بني إسرائيل وقل لهم: الربّ إله آبائكم، إله إبراهيم وإسحق ويعقوب«. هنا لا يريد موسى أن يعمل وحده. هو يعمل مع الجماعة. هناك فريق معه. نتذكّر مثلاً بولس الرسول الذي التقى المسيح. أترى عمل وحده وكأنّ الناس الذين معه برغش وذباب؟ كلاّ. هناك فريق رسولي، تُذكر بعض الأسماء لكنّ هناك أسماء عديدة لم تذكر. نعرف مثلاً برنابا، سيلا، تيموتاوس، سلوانس. وأخيرًا أبفراس الذي لا نعرف عنه إلاّ أنّه بشّر في كولوسي ويمكن في لاوديكية.

أجل، لا يستطيع موسى القيام بالعمل وحده. هو بحاجة إلىفريق عمل، وفريق العمل هم شيوخ بني إسرائيل. ولكن الانطلاقة هي من موسى. فالربّ ما تراءى للجميع. هو يقول: تراءى لي، لي أنا. هذه الترائيات على عشرة آلاف شخص فيها علامات استفهام. عادة الربّ يتراءى لشخص واحد ويرسله، وهذا الشخص يختار من يعاونه لحمل الرسالة التي يطلب الربّ منه أن يحملها.

إذًا جمع موسى شيوخ بني إسرائيل وقال: تراءى لي. وقال بفم الربّ: »تفقّدتكم ورأيتُ ما فعل المصريّون بكم«. هنا كلمة جديدة. كنّا قد رأينا من قبل: نظرتُ، سمعتُ، علمتُ، نزلتُ. والآن نقرأ كلمتين: تفقّدت ورأيت. تفقّد يعني إذا كان الشخص بعيدًا يأتي صديقه ويتفقّده وخصوصًا يتفقّد المريض الذي يحتاج إلى من يتفقّده، إلى من يزوره. تفقّدت. وبعد ذلك رأيتُ، لاحظتُ الحالة التي وصلتم إليها.

الآية 17: »فأنا أعدكم«. الربّ هو الذي يعد. عادة نعرف أنّ الإنسان هو الذي يعد ا؟. ينذر له نذرًا: إذا يا ربّ خلّصتني. مثلاً يعقوب في تك 28، عندما ذهب في الطريق وتراءى له الربّ بشكل سُلّم، نذر له نذرًا: إذا عدتُ سالمًا يكون هذا الموضع لك. أمّا هنا فالربّ يتنازل ويتنازل حتّى يعدنا. أنا أعدكم. أنا أعد أن أُخرجكم من مصر حيث تعانون الذلّ وآتي بكم إلى أرض الكنعانيّين والحثّيّين والأموريّين والفرزّيّين والحوّيّين واليبوسيّين. لا ننسى هذه الجملة التي قرأناها في الفصل نفسه آية 8: تعود الشعوب نفسها التي ستقيم معها الجماعة العبرانيّة، إلى أرض تدرّ لبنًا وعسلاً. لماذا هذا التكرار؟ قلت في المعنى الحرفي والمعنى الأدبيّ: هناك أكثر من تقليد. لكن في المعنى الروحي: هو الربّ يكرّر ما يقوله، لأننّا لا نفهم من المرّة الأولى. وإذا فهمنا، لا نقتنع من المرّة الأولى. نتذكّر هنا مثلاً في الإنجيل. كيف أنّ الإنجيل يقول مرارًا: التلاميذ لم يفهموا ما قال لهم يسوع. مرّة أولى حدّثهم عن آلامه وقيامته، لم يفهموا. مرّة ثانية لم يتجاسروا أن يسألوا. دائمًا الربّ يكرّر لأنّنا نحتاج نحن. نحن في الزمن، هو في الأزل وفي الأبد. نحن في الزمن، نحتاج أن يقول الربّ لنا مرّة أولى ومرّة ثانية ومرّة عاشرة. لكن الربّ هو صبور، هو طويل الأناة. لا يريد موت الخاطئ بل عودته إليه. لهذا السبب تتكرّر الأمور أكثر من مرّة، لأنّ الربّ يريد في النهاية أن يقنعنا. كما تكرّر الأمّ الأشياء على ابنها، أو تطلب من ابنها مرّة بعد مرّة، كذلك يفعل الله لأنّه لا يريد أن يكسر إرادتنا، لا يريد أن يُكرهنا. يريد أن يُقنعنا وإقناعه بالكلمة، باللمسة الخفيّة في أعماق قلوبنا، في أعماق حياتنا.

4 - مسيرة حجّ وصلاة

آية 18:»فيسمعون لك«. إذًا هي أوّل خطوة جميلة. هؤلاء الشيوخ سيسمعون لك. يعني يفهمون منك، يعني يقبلون بمشروعك. يسمعون لك يعني يطيعونك. يقولون لك: كما تشاء، وتدخل أنت معهم، لا وحدك، تدخل مع شيوخ إسرائيل على ملك مصر وتقولون له: الربّ إله العبرانيّين قابلنا، فدَعْنا الآن نسير مسيرة ثلاثة أيّام في البريّة ونقدّم ذبيحة للربّ إلهنا. إذا انتبهنا هنا، عندنا يهوه، بعد ذلك الربّ، بعدها إله الآباء (إبراهيم وإسحق ويعقوب) والآن إله العبرانيّين. يقولون: الربّ إله العبرانيّين قابلنا. وهل قابل الربّ العبرانيّين كلّهم؟ كلاّ. تراءى فقط لموسى. ولكن هذا النبي يحمل رؤية الربّ.

يقول هنا في آية 16: تراءى لي. إعتبر العبرانيّون كلّهم أنّ الربّ تراءى لهم في شخص موسى. إذا كان موسى هو الذي تراءى له الربّ وأرسله، فكأنّ الربّ بنفسه جاء إلى العبرانيّين. ودائمًا نفهم نحن بأنّ الربّ يكلّمنا بواسطة البشر. ويتابعون: »دعنا الآن نسير مسيرة ثلاثة أيّام في البريّة ونقدّم ذبيحة للربّ إلهنا«. إذًا هنا ننتبه بأنّ الشعب يبدو وكأنّه لا يطلب الآن الخروج النهائي فقط، ولكن ثلاثة أيّام من الحجّ ومن الصلاة. ربّما كانت عادة للناس هناك أن يذهبوا إلى الحجّ على جبل سيناء.

كان حجّ سنويّ. عيد سنويّ. مدّته ثلاثة أيّام، ونقدّم ذبيحة للربّ إلهنا. كانت مسيرة ثلاثة أيّام. هي رمز يدلّ على بداية الخلاص النهائي، الخروج النهائي. دائمًا كلمة ثلاثة أيّام لها المعنى الحرفي لا شكّ. ولكن هناك معنًى آخر: بعد ثلاثة أيّام تحيينا وفي الثالث تقيمنا.

5 - حياة جديدة

كأنّي بهذا الشعب، من خلال الثلاثة أيّام، ينظر إلى قيامة جديدة، إلى حياة جديدة، برفقة الربّ خارج أرض العبوديّة كما سمّاها الكتاب، أرض الأتّون، أتّون النار والحديد. ولكنّ الربّ سيُفهم موسى شيئين. أوّلاً: ملك مصر لن يسمح، إذًا هناك الصعوبات. إستعدّ، انتظر الصعوبات. ولكن من جهة ثانية، سيبيّن الربّ أنّ موسى ليس وحده في هذه الحرب، فالحرب بينه وبين فرعون وموسى هي أبعد من ذلك. هي حرب بين الآلهة الوثنيّة وبين الإله الواحد. من سينتصر؟ خارجيٌّا الفرعون أقوى من موسى. ولكن عمليٌّا قوّة الله لا تضاهيها قوّة. وماذا يقول؟ هذه القوّة أصنام لا تتحرّك، أصنام لا تفعل ولا ترى ولا تسمع. أمّا الربّ فيفعل. وإذ نقرأ آ 20، نفهم أنّ الكاتب ينظر إلى الوراء: أمدُّ يدي وأضرب مصر.

تطلب كلّ امرأة من جارتها... آية 22. هنا الكاتب يعود إلى الوراء ويقرأ التاريخ على ضوء كلام الله. إستطاع الشعب العبراني أن يخرج من مصر، وموسى ضعيف جدٌّا تجاه فرعون، والشعب ضعيف لا يُحسب له حساب، مسخَّر، في العبوديّة. إذًا ليس عنده أيّة إمكانيّة، لا إمكانيّة ماديّة ولا إمكانيّة حربيّة ولا أيّ شيء. إستطاع أن يخرج، وهو الآن قد خرج، ومرّ في سيناء وصار في الأرض المقدّسة. هذا يعني أنّ الربّ هو الذي تدخّل. يقول في الآية 19: هذا لا يتمّ إلاّ إذا أجبرته يدٌ قويّة. وما من يد قويّة سوى يد الله.

ويقول بعد ذلك: أضرب مصر كما الأب يضرب أولاده. يعاقبهم، هكذا الربّ ضرب مصر. بما أنّ الفرعون يسخّر العبيد، بما أنّه يظلم الناس، إذًا الربّ يعاقب، يُخرج المظلوم من يد الظالم. وسوف نرى مرّات عديدة كيف يساعد الله اليتيم والأرملة والغريب والفقير. الربّ يهتمّ بشعبٍ مظلوم حتّى يُخرجه أيًا كان هذا المظلوم. وسوف نقرأ في أشعيا فصل 19 أنّه إن صرخ المصريّون إلى الربّ، فالربّ سيسمع صراخهم. وهذا كان عندما دخل الآشوريّون إلى أرض مصر في القرن الثامن ق. م.

هذا، أحبّائي، هو معنى كلام كلّ فصل 3: لقاء الربّ مع موسى. هذا اللقاء وصل بنا إلى الطريق التي سار فيها موسى، وسيعرف منذ البداية أنّ الصعوبات تنتظره، لكنّه يعرف منذ الآن أنّ الربّ معه وأنّه في النهاية سيصل إلى هذا الجبل حيث يعبد الشعبُ الله. كم نحن بحاجة إلى هذه الثقة، إلى هذا الاتّكال. إذا كان الربّ معنا فمن يستطيع علينا، لا الموت ولا الحياة يستطيعان أن يفصلانا عن الربّ، عن يسوع المسيح. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM