يسوع المسيح الملك الحقيقيّ

 

 

يسوع المسيح الملك الحقيقيّ

المزمزر الخامس والأربعون

 

أحبّائي، نتابع قراءة المزمور 45. عنوان كلامنا اليوم يسوع المسيح هو ذاك الملك. يسوع المسيح هو الملك الذي ينشده المرتّل. ونقرأ القسم الأوّل من المزمور 45 آية 2.

قلبي يفيض بكلام طيّب... وفي قصور العاج تطربك الأوتار.

أحبّائي، في مرّة سابقة تكلّمنا عن هذا الملك. في المعنى الأرضيّ، في المعنى البشريّ. هذا الملك الذي اختاره الله، جعله يحلّ محلّه، أجلسَه على عرشه، زيّنه بالجلال والبهاء، علّمه الحقّ.

1 - يسوع هو الملك

ولكن، ما من ملك وصل إلى ما يقول المزمور هنا. ما من ملك بشريّ ينطبق عليه هذا الكلام الذي قرأناه في المزمور 45. في أيّ حال، ما يقال في العهد القديم لا يجد كماله إلاّ في العهد الجديد، في يسوع المسيح. ولهذا السبب تحدّث الآباء عن ملك أرضيّ ولو كان عظيمًا مثل داود، أو حكيمًا مثل سليمان. فيسوع هو ملك من نوع آخر، وسوف يقول أمام بيلاطس في إنجيل يوحنّا فصل 19: مملكتي ليست من هذا العالم، وأنا ملك لا كملوك هذا العالم. ولكن ما حيلتنا والبشر يطلبون ملوكًا من هذه الأرض. ملوكًا لا يرفعونهم بل يستعبدونهم.

يطلبون الملك الذي يسيطر عليهم. الذي يريدهم أن يموتوا لكي تكون حياته في سلام. يريد الأمان لنفسه ولو كان لأبناء مملكته الخطر والحرب والموت. وهنا أودّ أن أقرأ ما كتب القدّيس أوغسطينس عن هذا الملك، عن هذا العريس الذي هو يسوع المسيح. يقول: ها هو العريس نفسه يأتي إلينا فلنحبّه. هو أحبّنا أوّلاً ولبس حالنا بحيث استطعنا أن نقول: رأيناه بلا نعمة ولا جمال. هذا ما يقوله أشعيا 53.

2 - المسيح المتجسّد

المسيح الذي هو صورة الله، صار عبدًا حتّى الموت والموت على الصليب. إذًا، خارجيٌّا هو بلا نعمة، بلا جمال، ولكن إذا تطلّعنا إلى الرحمة التي جعلته يتجسّد، نقول: إنّه جميل، إنّه بهيّ. فهذا العريس يبدو لنا نحن المؤمنين جميلاً. وفي كلّ مكان هو جميلٌ بصفته من الله لأنّه كلمة الله هو جميل في حشى العذراء حيث أخذ بشريّتنا دون أن يخسر اللاهوت.

وجميل هو الكلمة الذي وُلد طفلاً حين رَضع الثدي وحُمل على اليدين. السماوات تكلّمت، والملائكة أنشدت، ونجمة قادت المجوس، وعُبد في مذود وفي معلف الحيوانات المجترّة. هو جميل في السماء، وجميل على الأرض، جميل في حشى أمّه وجميل في أيدي والديه وجميل في عجائبه، وجميل تحت السياط وإكليل الشوك والصلب، وجميل حين يدعو إلى الحياة، وجميل حين يحتقر الموت. هو جميل حين يضع نفسه فتصل به الأمور إلى الموت. وجميل حين يسترجع هذه النفس في القيامة. وجميل على الصليب، وجميل في القبر، وجميل في السماوات.

ويواصل القدّيس أوغسطينس فيقول: أيّها المؤمنون، افهموا حسنًا النشيد الذي تسمعون، فلا يميل ثقل الجسد بعيونكم عن بهاء جماله. فالجمال السامي والصحيح هو البرّ. لا تستطيع أنت أيّها المؤمن أن تكتشف جماله حين تسلّم ذاتك للظلم. فإذا كان دومًا بارٌّا فهو جميل دومًا.

هكذا، أحبّائي، قدّم لنا القدّيس أوغسطينس، هذا الأب من آباء الكنيسة الذي توفّي سنة 430 بشمال إفريقيا، صورةً عن الملك، عن العريس الذي ينشده المزمور 45، وتطلّع فقط إلى يسوع المسيح. نسيَ ما يُقال عن أي ملك أرضيّ. ولم يكن هذا القدّيس وحده على مستوى آباء الكنيسة.

من نظر إلى عظمة هذا المزمور وما يحمله من نشيد بالنسبة إلى يسوع؟ آباء أنطاكية، آباؤنا بشكل خاصّ، ميّزوا بين قراءة يهوديّة لهذا المزمور وقراءة مسيحيّة. القراءة اليهوديّة تعتبر هذا العريس، هذا الملك، سليمان. أمّا القراءة المسيحيّة فترى فيه يسوع المسيح. ولماذا الله  لأنّ البرهان الأساسيّ يبيّن أنّ هناك كلمات لا يمكن أن تليق إلاّ الله. لا يمكن أن يقال ما قيل هنا عن إنسان، مهما عظم قدره.

3 - جلال الله وبهاؤه

في آية 4 يقول: أيّها الجبّار في جلالك وبهائك. الجلال والبهاء هما صفتان إلهيّتان لا يمكن أن نجدهما إلاّ في الله وحده أو في يسوع المسيح ابن الله الذي صار إنسانًا. ثمّ في آية 7: عرشك يا الله هذا لا يمكن أن يقال لأيّ إنسان. فإن قلناه لأيّ إنسان من الناس، نكون وكأنّنا نجدّف. قيل في يسوع الذي هو إنسان ولكنّه في الوقت عينه إله.

وتتابع آية 7: عرشك الإلهيّ يبقى إلى الأبد. من هو الملك، أحبّائي، الذي يستطيع أن يقول إنّ عرشه يدوم إلى الأبد؟ هذا مستحيل. وحده عرش الله يبقى إلى الأبد. والتطبيق الرائع على المسيح نجده في آية 9.

هنا نتذكّر المجوس الذين حملوا إلى يسوع الذهب والمرّ واللبان. نقرأ في آية 9: عبير المرّ واللبان في ثيابك. وقد بيّن آباء الكنيسة بأن المرّ يدلّ على أنّ يسوع هو إنسان وسوف يموت ويحنَّط كما كلّ إنسان. واللبان يدلّ على أنّه الله. فالبخور لا يقدّم إلاّ الله. وأخيرًا إذا كان هذا الملك يعيش في قصور عاج، وتطربه الأوتار، فهو من يستحقّ الذهب الذي يقدّمه إليه شعبه.

هنا نتذكّر في خطّ الآباء، ديودور الذي كان المعلّم الأوّل في أنطاكية. قال: يبدو أنّ هذا المزمور، مزمور 45، موجّه إلى الربّ يسوع لا إلى سليمان كما يقول اليهود. ويتابع ديودور: وإن نقلوا بقوّة على سليمان أشياء كثيرة لأنّها قيلت بشبه بشريّ، فالآية عرشك يا الله مسكن أبديّ وصولجان ملكك صولجان استقامة، هذه الآية تُجبرهم على الصمت.

فسليمان لم يُدعَ الله، ولم يملك إلى الأبد، فالمسيح وحده بما أنّه إله، نال الميزات البشريّة بسببنا، واحتفظ بميزاته الخاصّة بطبيعته، بأنّه الله وملك إلى الأبد.

4 - ملك هو إله وإنسان

وإذا كان المرتّل أبرز وجهه البشريّ، فلا عجب في ذلك لأنّه صار إنسانًا وقَبِل أن يُمدح كإنسان. وإن قيل إنّه يتألّم كإنسان فقد قيل بالحريّ إنّه يمُدح كإنسان دون أن تمُسّ طبيعته بشيء. هنا ينتهي كلام ديودور. فالتأرجح بين الملامح البشريّة والملامح الإلهيّة التي نراها في صورة الملك، يفسَّر في أنّ الربّ الذي صار إنسانًا يمكن أن ننظر إليه كأنّه إله وكأنّه إنسان. والقدّيس تيودور تلميذ ديودور سيقول الشيء عينه.

5 - يسوع الملك الممسوح

هذا المزمور استعمل استعمالاً ثالوثيٌّا، فحدّد أنّ هذا الملك هو الله، لا الله الآب لأنّه قيل فيه أيضًا: الله مسحك. بما أنّه الله، نقول له: عرشك يا ألله، وبما أنّه مُسح فهو إنسان. وهكذا ظهرت الطبيعتان في شخص يسوع المسيح. أمّا الملكة فهي الكنيسة التي خطبها يسوع عروسًا له، كما يقول القدّيس بولس في الرسالة إلى أفسس فصل 5.

يقول له: أنت أبهى من بني البشر. يعني أنت أرفع من بني البشر. وقوّتك في الكلمة، هذه الكلمة تقول نعمة انسكبت على شفتيك. لا يحتاج يسوع بأن يقوم بمجهود كبير ليحمل الكلمة، هو الكلمة. يكفي أن يكون هنا حتّى تظهر كلمة الله في عينيه، في شفتيه، في كلّ حياته، في كلّ أعماله.

وتأتي صورة حربيّة: تقلّدْ سيفك على فخذك، هذا السيف هو الكلمة. يقول صاحب الرسالة إلى العبرانيّين: كلمة الله سيف ذو حدّين. إذًا، الربّ يسوع لا يَغلب بالعنف، لا يَغلب بالقتل، إنّما يغلب بالكلمة. وهو بذلك ينتصر. فالمعركة الحقيقيّة لا تكون معركة بالخارج بسلاح بشريّ، لا تكون بالسيف، لا تكون بالسهم، بل تكون بالكلمة.

6 - سلاحه كلمة فاعلة

يقول في آية 6: تخترق قلوب أعدائك، السهام تخترق قلوب أعدائك. والرسالة إلى العبرانيّين تقول: هذا السيف يدخل إلى مفرق النفس والجسد. كلمة الله تدخل إلى أعماقنا، تحرّكنا من الداخل. هي لا تقتلنا بالمعنى البشريّ، بل تجعلنا نسقط أرضًا أمام ىلله.

أما هذا الذي حدث لشاول أو بولس على طريق دمشق، فسقط إلى الأرض كشخص قهره الله غلبه الله؟ كما غُلب في الماضي يعقوب في مجازة يبوق. خلع له وركه، فكّ رجليه، فأخذ يعرج، صار ضعيفًا، وهكذا سقط بولس إلى الأرض كما يسقط إنسان قهره آخر.

أمّا هنا فالربّ هو الذي أسقط شاول، جعله يركع بانتظار أن يرفعه وأن يرفعه عاليًا وعاليًا جدٌّا. تخترق قلوب أعدائك والشعوب تحتك يسقطون. هذه هي قوّة الكلمة بشخص يسوع المسيح بالذات.

هذه الكلمة تعرف أن تميّز الخير والشرّ. هذه الكلمة تتعلّق بالحقّ لأنّ يسوع هو الحقّ. لمّا سأله تلاميذه عن الطريق التي يأخذون ليسيروا وراءه، ماذا كان جوابه؟ أنا هو الطريق والحقّ والحياة. يسوع هو الطريق الحقيقيّ الذي يوصلنا إلى الحياة. والكلمة كلمة الله تعرف أن تميّز الخير والشرّ.

هذا ما لم يعرف أن يميّزه آدم وحواء في بداية الخليقة. وما لا يعرف أن يميّزه الإنسان اليوم، حين يخلط بين إرادة الله وإرادته الخاصّة. بين المحبّة والخدمة من جهة وبين المنفعة الذاتيّة. عندئذ نجعل من الله شخصًا على مستوانا. لن يعود الله ذاك الذي نعبده بل يصبح صنمًا بين أيدينا. لا، يا يسوع المسيح: أنت هو الجمال بالذات، والكون خُلق جميلاً جدٌّا، لأنّ جماله من جمالك. والإنسان على صورة الله ومثاله لأنّها صورة عن صورتك. وعظمة الإنسان مهمّة لأنّها قبس من عظمتك.

فيا يسوع، أنت ملكنا ونحن نسير وراءك. أنت عريسنا وكلّ واحد منّا يريد أن يكون عروسًا لك، فيتّحد بك ويعرف عظمة كلمتك وجمال حضورك، أنت يا من تحيا وتملك إلى الأبد. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM