ملك باسم الله الملك

 

ملك باسم الله الملك

المزمور الخامس والأربعون

أحبّائي، نتابع قراءتنا للمزامير. واليوم نبدأ المزمور 45 وعنوانه: زواج الملك. أمّا تأمُّلنا اليوم فيتطلّع إلى ذاك الملك الذي يعرف أنّه يعمل باسم الله الملك الوحيد في شعبه وفي العالم.

في معنًى أوّل، الملك هو داود، هو سليمان وسائر الملوك. في معنًى ثانٍ، الملك الوحيد هو الله. الله هو الملك، والشعب والأمّة والرعيّة والكنيسة هي المملكة. لكبير المغنّين أو رئيس الجوقة. على ستّة أوتار. هي آلة موسيقيّة. أو على السوسن. هي الكلمات الأولى لنشيد معروف. هي قصيدة لبني قورح الذي كان رئيس جوقة من الجوقات الموجودة في الهيكل. نشيد مودّة أو نشيد حبّ أو نشيد الأحبّة. كلّ هذا، أحبّائي، هو مقدّمة. ونبدأ بقراءة المزمور 45 آية 2 الذي هو مطلع المزمور:

قلبي يفيض بكلام طيّب، ولساني كقلم كاتب ماهر حين أُنشد للملك أبياتي.

- ويبدأ النشيد للملك يقول له في آية 9:

أنت أبهى من بني البشر... وفي قصور العاج تطربك الأوتار.

- ثمّ نشيد للملكة آية 10، حيث نتابع قراءة المزمور 45 آية 10:

الملكة بنت الملوك عن يمينك، وقفَتْ في وقار بذهب وفير.

- ماذا يقول لها الكاهن؟

اسمعي يا ابنتي... هو سيّدك فاسجدي له.

- من هي هذه الملكة؟

بنت صور، أغنى مدن الأرض... ويُدخلها قصرَه الملكيّ.

- ويعود المرتل إلى الملك فيقول له مزمور 45 آية 17:

عرش آبائك يكون لبنيك... فتحمدك الشعوب مدى الدهر.

قرأنا، أحبّائي، المزمور 45 الذي هو زواج الملك. في هذا المزمور وبعد المقدّمة في آية 2، نكتشف قسمين كبيرين: المديح للعريس، ثمّ المديح للعروس، وأخيرًا الخاتمة.

ونبدأ بالقسم الأوّل وهو المديح للعريس. ماذا يقول النصّ؟

يقول النصّ عن العريس إنّه ملك، هو رجل الله المبارك، وعندنا كلمة مهمّة جدٌّا في آية 7. عرشك الإلهيّ أو عرش الله أو عرشك يا الله. هنا ينطبق الكلام على الملك بدرجة أولى وبدرجة منظورة، أو هو ينطبق على الله بدرجة غير منظورة. قالت الترجمات عرشك عرش ا؟. فالملك يجلس حيث يجب أن يجلس الله. هو قائم مقام الله، وعظمة الملك تكون إن هو عاش في التقوى، إن هو عاش في مخافة الله. حين يحسب الملك أنّه فوق الشريعة، أنّه هو الذي يقرّر الخير والشرّ على مثال آدم في سفر التكوين فصل 3، لن يعود ذاك الذي يقوم مكان الله. لذلك يرذله الله.

1 - شاول وداود

هذا ما حدث في الواقع بالنسبة إلى شاول. بدلاً من أن يسمع صوت الله، من أن يسمع كلام الله، سمع صوت الشعب، خاف على نفسه من الشعب.

سمع صوت الجند وسوف يقول الربّ لصموئيل: لقد رذلتُ شاول. وداود نفسه تعدّى الوصايا: قتل أوريّا أحد قوّاد جيشه وأخذ له امرأته بعد أن زنى بها. يعني تعدّى على الوصايا الثلاث الأساسيّة: لا تقتل. هو قتل أوريّا. جعله في موضع خطر، قال للقائد الأعلى: اجعله في مكان خطر واتركه يموت، وهكذا كان. نلاحظ كيف أنّ داود استقبل خبر أوريّا ببرودة أعصاب. هذا يموت هنا وذاك يموت هناك، وكأنّه أراد أن يَسمع صوت منفعته وشهوته لا صوت الله

زنى ببتشابع امرأة أوريّا وهي زوجة أحد قوّاده الذي دلّ وهو الغريب، دلّ على احترام عميق لجيشه. قال للملك داود: حاشى لي أن أنام في فراشي وجيشي ينام في العراء، يفترش الأرض ويلتحف السماء. ولأنّه كان كبيرًا كلّفه كبرُه حياتَه. فلو رقد في فراشه مع امرأته لاستطاع داود أن يخفي زناه. وإذ لم يستطع الملك أن يخفي زناه، أضاف إلى الزنى القتل. ثمّ السرقة لأنّ المرأة تعتبر مُلك الرجل. وحين أخذ داود امرأة أوريّا فكأنّه سلبه. والشرح واضح في سفر صموئيل الثاني فصل 12.

2 - النبيّ تجاه الملك

جاء ناثان النبيّ إلى الملك داود الذي خطئ ثلاث خطايا، وكلّها خطايا كبيرة: القتل، السرقة، الزنى. جاءه وقال له وأعطاه مثلاً: رجل غنيّ عنده مئة خروف وجاره إنسان فقير عنده فقط نعجة يحبّها، يدلّلها وكأنّها ابنته. ولمّا جاء إلى هذا الغنيّ ضيفٌ من الخارج ما ذبح خروفًا من خرافه المئة، بل أخذ نعجة الفقير وذبحها إكرامًا لضيفه. وحين سمع داود من ناتان النبيّ هذا الخبر قال: الرجل الذي فعل هذا يجب أن يموت. هو يستحقّ أن يموت ويعوّض على ذاك الفقير. هذا في 2 صم 12. حينئذ قال له ناتان. من هو ناتان؟ هو النبيّ. النبيّ يحمل كلمة الله وكلمة الله لا تتراجع. كلمة الله كما يقول المزمور 45 تدافع عن الحقّ وعن العدل، ولو كلّفت الإنسان حياته.

في أيّ حال أحد الأنبياء ميخا بن يملة، حين قال الحقّ ضُرب على وجهه. ويوحنّا المعمدان، حين قال الحقّ قُطع رأسه الذي جُعل على طبق إكرامًا لفتاة راقصة. لكنّ النبيّ لا يخاف، وناتان ما خاف من داود. قال له: أنت الرجل، أنت من يستحقّ القتل. قتلتَ ويجب أن تموت أو أقلّه يموت أولادك. زنيت وسوف ترى الزنى في بيتك وخاصّة عندما يزني ابنك أمنون مع ابنتك تامار وإن لم تكن أمّ الواحد هي أمّ الثانية. كان بالإمكان لداود أن يرفض كلام النبيّ، عندئذ كان الله رذله كما رذل شاول.

ولكنّ داود فهم كلام الله، فهم أنّه تجاوز شريعة الله، فندم وقال: ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، نجّني من الدماء يا الله، يا إله خلاصي. ندم داود وارتبط به المزمور 51 أو في كتب الصلاة المزمور 50: ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وككثرة رأفتك، امح مآثمي. إذًا، الملك، عرشه هو عرش الله. يقوم مقام الله أو عرشه كعرش الله هذا يعني أنّ عليه أن يتشبّه بالله، بتصرّفاته، بأعماله، ويكون الأوّل في ممارسة الشريعة، في عبادة الله، في الابتعاد عن السرقة والنهب، عن القتل والانتقام، عن الزنى وما يتبعه من شرور. الملك يمثّل الله على الأرض. هذا الملك هو رجل الله المبارك، يعني الله باركه.

3 - الملك يعمل باسم الله

ويقول لنا المزمور 2. يقول الربّ: يوم يجلس على العرش، يوضع على رأسه التاج، يمسك بالصولجان. يقول له الكاهن باسم الربّ: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك. يمُسح بالزيت، هو زيت المسحة مسحة الملوك، يوضع عليه المرّ واللبان، لماذا؟ بالمرّ يتذكّر أنّه إنسان مائت. هو يموت كما يموت جميع الناس. والمرّ يُستعمل لتحنيط الأجساد. وهو من ينال اللبان أو البخور الذي يُجعل لإكرام الإله. فالبخور لا يقدَّم إلاّ الله هنا، نتذكّر في بداية الكنيسة، حين رفض المسيحيّون أن يقدّموا البخور أمام تمثال رومة أو أمام تمثال الأمبراطور. فلو قدّموا لصاروا مثل الوثنيّين الذين كانوا الأكثريّة في ذلك الوقت، في ذلك الزمان. ولكنّ المسيحيّ لا يسير مع الأكثريّة المسيطرة. هو يعرف ماذا يطلب منه الربّ، ماذا يطلب منه يسوع المسيح.

الملك هنا يقال له في آية 9 مزمور 45: عبير المرّ. هو مائت. وعبير اللبّان. عرشه يشبه عرش الله. ولكن على الملك أن يعرف دومًا أنّه إن عمل فباسم الله، أنّه إن تكلّم فباسم الله. عملُه يكون قويٌّا بقدر ما يكون في إطار شريعة الله. وكلامه يكون قويٌّا مثل السيف، مثل السهم، بقدر ما يكون امتدادًا وتوضيحًا لكلام الله هذا الملك هو مبارك. بما أنّه مبارك يجب أن يكون جميلاً. يقول له في آية 3: أنت أبهى من بني البشر. جمال الوجه يدلّ على جمال آخر. والنعمة، هذه النعمة انسكبت على شفتيك. لا نكتفي بجمال خارجيّ، بل هنا جمال على مستوى الشفتين والكلام الحلو.

إن تكلّم الملك فكأنّ الله يتكلّم. وإن هو تكلّم فشفتاه تُخرجان الحقّ والعدل. وهكذا يحقّق ما ينتظره منه الشعب. أنت أبهى من بني البشر (آية 3) والنعمة انسكبت على شفتيك، فباركك الله إلى الأبد. مثل هذا الملك ينتصر في كلّ وقت، ولا حاجة به أن يستعمل السلاح. السيف على فخذه، الجواد ينتظره، السهام في يده، وهو ينتصر، ولكن أيّ انتصار؟ هل هو انتصار الحرب؟ كلاّ. فهو لا يمضي إلى الحرب إذ لا عدوّ نجده هنا.

هو ينطلق إلى حرب أخرى، إلى حرب على الوثنيّة. يقول المزمور: هذا الرجل هو الأساس والمرأة التي تمثّل الشعب هي امرأة من صور، هي امرأة وثنيّة. فهي لا تجلب الملك إليها بل هو يجلبها إليه. هذا الملك، أوّل حرب يجب أن يقوم بها هي الحرب على الكفر، الحرب على الشرّ.

يقول في الآية 8: تكره الشرّ وتحبّ الحقّ. والشرّ هنا ليس فقط على مستوى الوثنيّة التي نحاربها، بل على مستوى العدل والإنصاف داخل المملكة. لهذا ينشد المزمور هذا الملك. هذا الملك الذي تخاف منه الشعوب، الذي يسجد له الأعداء. الملك الذي يؤمّن السلام على الحدود والعدالة داخل البلاد. هذا الملك يحكم للجميع بالاستقامة وخصوصًا هذا الملك في آية 4 يقول له: أيّها الجبّار في جلالك وبهائك. الجلال والبهاء هما صفتان من صفات الله هذا يعني أنّ الملك ارتفع إلى مستوى الله. ولكن لا ننسَ. فالملك في الكتاب المقدّس لا يمكن أبدًا أن يكون صورة الله على الأرض، كما في الحضارات المصريّة أو بلاد الرافدين. الملك يبقى إنسانًا من الناس. ولهذا السبب سوف يشدّد سفر الملوك على هؤلاء الملوك الذين لم يَسيروا بحسب شريعة الله، فرذلهم الله.

الملك كما قلت هو قائم مقام الله، هو يعمل بحسب ما يمليه عليه الله. هو ذاك الذي ينفّذ أوامر الله. عندئذ يكون ذاك الملك الناجح الذي يقال فيه ما قيل في داود: كان بحسب قلب الله. هذا الملك يمثّل شعبًا كبيرًا. ويطلب من الشعب أن يقتدي به شرط أن يكون هو ذاك العامل بما يقول الله، ذاك الذي يستحقّ فعلاً أن يجلس على عرش الله، ذاك الذي يكون في الجلال والبهاء كما هو الله.

نعم الملك يُنشَد، يُنشَد بأبيات شعريّة، ولكنّ المرتّل ينظر إلى الله، الذي هو الملك الحقيقيّ لا إلى شعب من الشعوب، لا إلى فئة من الفئات، بل إلى كلّ الشعوب، بل إلى كلّ واحد منّا. ففي النهاية، يسوع هو الملك الوحيد الذي جاء على الأرض لينشر ملكوت السماوات. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM