تقديم

 

تقديم

عجيب أمرٌ هذا الشرق موطن الديانات السماوية الثلاث. اليهودية أولاً التي استندت في أساسها إلى موسى وما تسلّمه من شريعة. ثم المسيحية نسبة إلى يسوع المسيح. وهو اسم نالته بشكل رسمي في أنطاكية. دُعيَت أولاً »الطريق« في خط من هو »الطريق والحق والحياة«. ولما تكاثر المؤمنون الآتون من العالم اليهودي والعالم الوثني قيل عنهم: »وفي أنطاكية تسمّى التلاميذ أول مرّة بالمسيحيين«. وأخيرًا، جاء الاسلام في القرن السابع.

وعرف الشرق حضارات وحضارات، بدءًا من الحقبة الفرعونيّة القديمة وصولاً إلى هؤلاء الملوك الذين حكموا في خطّ الاسكندر المقدوني. وبلاد الرافدين مع السومريين والبابلونيين والأشوريين والفرس. ونحن لا ننسى عالم كنعان، من مصر إلى تركيا مع من دعاهم اليونان »الفينيقيين«، ومع أهل أوغاريت، هذا عدا الآتين من بلاد اليونان، الفلسطيين، الذين أعطوا اسمهم لما نعرف اليوم بأرض فلسطين. ووصل إلينا الكثير من عالم الهند بحضاراته ودياناته الآتية قبل المسيح بمئات السنين.

وتطعّم الشرق بالغرب. كانت اتصالات سلام أو حرب بين اليونان والفينيقيين من جهة وبين اليونان والفرس من جهة أخرى. منذ القديم أقام اليونان على الشاطئ التركي التي دُعيَت أسية الصغرى. وبرز منهم هناك فلاسفة ومفكرون. ولكن مع الاسكندر الكبير امتدت الحضارة اليونانية فوصلت إلى مصر، بل إلى شواطئ ليبيا، كما حطّت رحاها في الهند، وأسّست المدن العديدة، كما حملت معها آلهتها وأبطالها وفلاسفتها. وتبعتها رومة فسيطرت سيطرة سياسيّة على كل حوض البحر الأبيض المتوسط.

كل هذا الغنى امتزج في الشرق القديم، وكان أوّل تفاعل بين العالم اليوناني والعالم الشرقي، فانتشرت الحركة الهلنستية التي حطّت رحالها في مدن كبيرة مثل الاسكندرية وأنطاكية، وأثّرت حتى في المدن الصغيرة، كما تكوّنت أفلاطونية جديدة مع أفلوطين وتلاميذه الذين وصلوا إلى صور وبيروت وعنجر وحمص وأفامية ودمشق وجرش وفيلدلفية. والغنوصية، تلك الحركة التي تعتبر »المعرفة« الحقيقيّة تلك الآتية من القلب لا من التقليد ولا من الكتب. الغنوصة، العرفة، العرفان. تيّار أراد أن يكون موازيًا للكنيسة الكبرى، فاستقلّ ودوّن كتبه، ونشر تعاليمه على مستوى الفكر كما على مستوى الحياة.

في مؤلّف سابق توقّفنا عند العالم الغنوصي. ولكنه أوسع من أن يحدّه كتاب واحد. فهناك كتبٌ أخرى تُهيّأ وفيها النصوص. وفي هذا المؤلّف قدّمنا بعض التيارات الدينيّة في الشرق القديم. من التعففيّة إلى المصلّيانيّة إلى الولنطينيّة، وما نسينا الفكر البرديصاني، مع العلم أن لنا عودة إلى مرقيون والمرقيونيّة في قراءة الكتب المقدسة ولاسيّما العهد القديم. ولنا أيضًا عودة إلى ماني والمانويّة التي هدّدت السلام فحاربتها السلطة الرومانية، كما هدّدت الكنيسة الكبرى، بعد أن كان لها كهنتها وأساقفتها.

إلى هذا البستان الفكري ندخل فنفرح بالغنى وكأننا في فردوس شبيه بالفردوس الأرضي.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM