الكتـــاب الرابـــع

 

الكتـــاب الرابـــع

نقرأ في الكتاب الرابع نبيئة سياسيَّة في العهد الهلّينيّ دوَّنها يهوديّ في القرن الأوَّل المسيحيّ، وكيَّفها من أجل هدف دينيٍّ خاصّ هي أقدم نبيئة هلنستيَّة مبنيَّة على جزئين من التاريخ داخل عشرة أجيال وأربع ممالك (49-101). هنا نقرأ أنَّ الأشوريّين يحكمون ستَّة أجيال، والمادايّين جيلين اثنين، والفرس جيلاً واحدًا. ثمَّ يتوافق الجيل الثامن والمملكة الرابعة في المملكة المكدونيَّة. كنَّا ننتظر أنَّ هذا الجيل تتبعه المملكة النهائيَّة أو الدينونة. ولكن بدل ذلك وجدنا التاريخ يمتدُّ لكي يصل إلى رومة وسقوطها (145-148).

في مرحلة ثانية وجدت الأبيات 1-48 و102-172 وربَّما 173-193. أمّا 102-151 فمجموعة أقوال حول أحداث خاصَّة وروايات تساعد على تحديد تاريخ تدوين هذه النبيئة. إنَّ 1-48 و152-172 تقدِّم التعليم الخلقيّ الدينيّ. ويبدو أنَّ لا أثر هنا ليدٍ مسيحيَّة.

القول الأصليّ قيل بعد الإسكندر بقليل، واعتبرت المملكة المكدونيَّة أنَّها أتمَّت جيلاً واحدًا فقط، ولا أحداث بين موت الأسكندر وقيام ورومة. بما أنَّ هناك كلامًا عن الطوفان، قد ترتبط هذه النبيئة بعالم بابل وفارس. أمّا التدوين فعاد إلى دمار هيكل أورشليم (116) ورواية هرب نيرون إلى الفراتيّين وعودته من هناك (119-124)، واشتعال بركان الفاسوف Vésuve الذي اعتبره اليهود عقابًا لإيطاليا لأنَّها دمَّرت أورشليم (136). هذا يعني أنَّنا سنة 80 ب.م. تقريبًا.

السيبلَّة النبيَّة الحقيقيَّة للإله العظيم

اسمعْ يا شعب آسية المتكبِّرة وأوروبّا

جميعَ النبوءات الحقيقيَّة جدٌّا التي من قِبَل إلهنا العظيم.

سأتنبَّأ بها بفمي الرنّان والعذب!

لا أتفوَّه بالنبيئات من عند الكذّاب فيبوس الذي دعاه الناس الأشرار(1)

5 إلهًا، ونُسب إليه كذبًا المعرفة والمستقبل.

فالتي هي هنا، هي نبيئات الله العظيم ذاك الذي لم تصنعه أيدي بشر

على مثال الأصنام الصامتة المنحوتة في الحجر (3: 31).

هو لا يسكن في عمق هيكل، حجرًا مقدَّسًا(2)

كلُّه أطرش، بدون أسنان، هو دمار المائتين وحامل ألف شرّ(3)،

10 هو من لا نراه من الأرض، ولا نقيسه(4)

بعيوننا المائتة. لم تصنعه يدٌ مائتة.

بنظرة واحدة يشاهد جميع البشر ولا يشاهده أحد.

له الليل المظلم والنهار والشمس،

والنجوم والقمر والبحر بأسماكه،

15 والأرض والأنهار ومخارج الينابيع (3: 20ي)،

الخلائق المعدَّة للحياة، والأمطار جالبة الحصاد(5)،

والأشجار والكرم والزيتون.

هو الذي بسوطه ضرب فيَّ أفكاري (3: 5)

لكي أعلن بدقَّة للبشر ما حصل حتّى الآن وما سيحصل فيما بعد (3: 822)

20 منذ الجيل الأوَّل حتّى العاشر(6)،

فيؤكِّده هو بنفسه ولا يستثني شيئًا

فيحقِّقه. وأنت يا شعب، فأمِلْ أذنك لكلِّ ما تقول السيبلَّة

التي من فمها المقدَّس تُرسَل خطبةُ الحقيقة.

مديح الناس الأتقياء (أي: اليهود)

ما أسعد، على الأرض، هؤلاء البشر

25 الذين يحبُّون الإله العظيم ويباركونه(7)

قبل الطعام والشراب، الذين يثقون بطرق التقوى،

الذين يرفضون جميع الهياكل التي يرونها(8)،

27أ وصوَر الحجر والأصنام التي صنعتها يدُ البشر،

27ب والمذابح التي هي كومة حجارة جامدة، وُضعت صدفة

والأغراض التي نجَّسها دمُ المخلوقات الحيَّة، وذبحُ

30 ذوي القوائم الأربع. هم لا يهمُّهم سوى المجد العظيم للإله الوحيد.

لا يقترفون قتلاً كالوحوش، ولا يطلبون فائدة(9)

من السرقة، وهي كلُّها أعمال ممقوتة.

لا يحملون أيضًا شهوة عار على سرير القريب.

لا يحقِّرون الطبيعة بالحبِّ الذكريّ المقيت، البغيض.

الأشرار والدينونة(10)

35 السلوك، والتقوى، والأخلاق لدى سائر البشر

الذين يحبُّون الفجور، هم لا يقتدون بهم أبدًا،

بل يلاحقونهم بسخرياتهم وهزئهم(11).

في غياب الحسِّ عندهم، في جنونهم، نسبوا إليهم كذبًا(12)

كلَّ الأفعال الوحشيَّة، كلَّ الإساءات التي يقترفونها هم.

40 جميع المائتين نسل لا يعرف الصدق! وحين ساعةُ

الدينونة تأتي للعالم وللمائتين، الساعة التي يردُّها الله نفسه

فيدين في الوقت عينه الأتقياء والأشرار.

حينئذٍ يرمي الأتقياء في نار الظلمات (1 أخن 91: 7-10؛ 103: 8)،

فيقيسون مدى شرِّهم كلِّه.

45 أمّا الناس الأتقياء فيدومون على الأرض الخصبة(13)،

لأنَّ الله يعطيهم النسمة والحياة والفرح.

وكلُّ هذه الأشياء تتمُّ في الجيل العاشر.

والآن، ها أنا أعلن ما سيحصل بعد الجيل الأوَّل.

ممالك الكون

يبدأ الأشوريّون فيحكمون جميع المائتين(14).

50 خلال ستَّة أجيال يحتفظون بالسلطان على العالم،

منذ الوقت الذي فيه غضبُ إله السماء

حرَّك الطوفان، فغمر البحرُ الأرض

مع كلِّ مدنها وسكّانها جميعًا.

ثمَّ يغلبهم المادّايون ويفتخرون بالعرش(15).

55 جيلان فقط يُمنحان لهم، خلالهما تحصل هذه الأحداث:

ظلمة الليل تأتي في ملء النهار، في الظهيرة.

من السماء تختفي النجوم ودائرة القمر.

والأرض التي تزعزعها هزَّة وزلزال عظيم

تقلب المدنَ العديدة وأعمال البشر

60 ساعةَ تطفو الجزر من أعماق البحر.

وحين يفيض الفرات العظيم دمًا،

حينئذٍ يرتفع صوتُ حرب مرعب(16)

في معمعة المادّايين والفرس. يسقط المادّايون بحراب الفرس،

ويهربون إلى ما وراء مياه دجلة العظيمة.

65 قوَّةُ الفرس تكون أعظم ما في العالم كلِّه(17).

قُرِّر لهم جيل واحد من المُلك المزدهر.

حينئذٍ تنصبُّ جميع الشرور التي يحاول البشر أن يتجنَّبوها بصلواتهم:

معارك ومذابح، انقسامات ومنفى،

دمار الأبراج، خراب المدن

70 حين اليونان المتكبِّرة تسير على الدردانيل(18)

فيكون المصير قاسيًا للفريجيّين ولآسية.

ثمَّ على مصر بأثلامها العديدة، مصر الخصبة بالحنطة،

يأتي الجوع والقحطُ عشرين سنة في مسيرة دائريَّة.

حين النيلُ الذي يغذِّي السنابل

75 يُخفي في موضعٍ ما مياهه السوداء تحت الأرض (151).

من آسية يمتشق ملكٌ رمحًا كبيرة، ويأتي(19)

على سفن عديدة. طرقَ الغمر الرطبة

يَدوس برجليه، وإذ يثقب جبلاً بقمَّة متعالية، يمخر في جوانبه.

تتقبَّله آسية المرتعدة حين يهرب من مسرح الحرب.

80 تحترق صقلِّية التعيسة الحظِّ من أعماق أعماقها

بسيلٍ عظيم من النار حين يزأر الإتنا فيقذف حممه.

ومدينة كروتوني العظيمة تسقط في الأمواج العميقة.

وتقوم في اليونان خصومة. في غضبهم المتبادل(20)،

يدمِّرون المدن العديدة، ويُهلكون كثيرًا من الناس

85 في القتال. وتبقى نهايةُ الخصومة معلَّقة.

وحين يصل نسل الرجال إلى الجيل العاشر،

حينئذٍ يجعلون على الفُرس نيرَ العبوديَّة الثقيل والرعبَ.

ولكن حين يفتخر المكدونيّون بالصولجان،

تنتظر ثيبة أيضًا الشؤم فتُؤخذ(21).

90 يقيم الكاريُّون في صور، والصوريّون يهلكون(22)

ويغطّي رملُ الشواطئ ساموس عن بكرة أبيها(23).

وديلوس الباهرة لن تعود باهرة، فمن ديلوس يزول كلُّ شيء.

وبابل، نراها كبيرة ولكنَّها صغيرة في القتال(24)،

تُعلِّق على أسوارها آمالاً باطلة.

95 يقيم المكدونيّون في باكترس ساعة جميع الشعوب الخاضعة(25)

وشوش، يهربون إلى الأرض اليونانيّة.

يرى الخلفُ نهر بيراموس بإعصاراته الفضِّيَّة(26)

وهو يمدُّ شواطئه فيصل إلى الجزيرة المقدَّسة.

بريس(27) ستسقطين، وأنت أيضًا يا سيزيك في الزلازل

100 التي تهزُّ الأرض وتسقط المدن.

إلى رودس يصل آخر شروره ولكنَّه يكون الأكبر.

تاريخ العالم في الحكم الرومانيّ

لا يدوم سلطان مكدونية طويلاً، فمن الغرب(28)

تَطلعُ حربٌ إيطاليَّة كبيرة يكون تأثيرها على الكون (عظيمًا)،

فتحمل نيرَ العبوديَّة وتخدم الإيطاليّين.

105 وأنتِ، يا كورنتوس العظيمة، ستشاهد عيناك، يومًا، سقوطَك(29).

يا قرطاجة، البرج يجعلك تلوين ركبتك على الأرض.

يا لاودكيَّة التعيسة، الزلزال، يومًا، يملأ الأرض(30)

بدمارك. ولكن يُعاد بناؤك مدينةً.

يا ميرة الجميلة، في لوقية، الأرض المهتزَّة

110 لن تحفظك في صحن ثابت. تُرمَين إلى الأرض، تُطرَحين في التراب،

تتمنّين أن تهربي إلى أرض أخرى وتهاجِرين.

حين يأتي اليوم، في وسط البروق والزلازل

حيث تغمر مياهُ البحر السوداء جماعة باتارا بسبب شرورها (3: 441).

يا أرمينيا، حُفظت لك أنت أيضًا مساءة العبوديَّة(31).

115 عاصفة الحرب المشؤومة تنصبُّ من إيطاليا على سوليمة(32)

وتدمِّر هيكل الله العظيم،

ساعة يستندون إلى جهالتهم، فيرذلون

التقوى، ويقترفون قتلاً مريعًا أمام الهيكل.

فيأتي ملك عظيم من إيطالية، شبيه بعبد هارب(33)،

120 يهرب دون أن يراه أحد ممّا وراء نهرِ الفرات

وهو يحمل جرمًا بغيضًا إذ قتل أمَّه،

وأجرامًا أخرى كثيرة اقترفتها يدُه.

يتقاتل الكثيرون من أجل عرش رومة فيسقون الأرض بدمائهم(34)

بعد أن يكون ذاك الأميرُ هرب إلى وراء أرض الفراتيّين.

125 ويأتي قائدٌ رومانيّ من سورية(35). يُسلم إلى اللهيب هيكلَ سوليمة،

ويقتل عددًا كبيرًا من الرجال،

ويدمِّر منطقة اليهود الكبيرة بطُرُقِها الواسعة.

حينئذٍ يدمِّر الزلزال سلامينة وبافوس،

حين تقلب المياه السوداء جزيرة قبرص وتغمرها.

130 وحين تحيد النارُ عن أحشاء أرض إيطالية الممزَّقة(36)،

تصل إلى السماء الواسعة،

فتحرق المدن الكثيرة وتُهلك الرجال،

وتملأ وسع الأهوية بالرماد المعتِّم.

حين تسقط من السماء نقط شبيهة بالقرمز،

135 يعرفون أنَّ غضب إله السماء ينصبُّ عليهم،

لأنَّهم أهلكوا نسلاً بريئًا، نسل الناس الأتقياء.

حينئذٍ يندلع في الغرب صراع حربيّ(37)

بعد مجيء الهارب، من رومة، الذي سيرفع رمحًا كبيرة،

بعد أن يعبر الفرات ترافقه ربواتٌ عديدة.

140 يا أنطاكية التعيسة! لن يُعطَى لك بعدُ اسم مدينة

حين تُسقطك جهالتُك تحت الحراب الإيطاليَّة.

حينئذٍ يدمِّر الجوعُ حرّاق والمعمعةُ المرعبة.

ويل، ويل لك يا قبرص التعيسة الحظّ! فموج البحر الواسع

يغطِّيك بعد أن ترفعك في الهواء رياحٌ عاصفة.

145 غنى كبير يأتي إلى آسية(38)،

غنى رومة الذي في الأيّام الماضية،

سلبَتْه ووضعَتْه في مسكنها الوثير. تردُّه رومة

إلى آسية مضاعفًا. هذا سيكون ربى الحرب.

جميعُ مدن الكاريِّين، التي على شواطئ نهر مندريس (تركيّا)،

150 تَرفع أسوارَها الجميلة، ستهلك هلاكًا

بالجوع، حين يخفي مندريس مياهه السوداء تحت الأرض،

ولكن حين تكون التقوى هلكت من بين البشر(39).

وحين يكون الإيمانُ زال من العالم والعدلُ،

وحين ترتدُّ اغتيالات نجسة وتبقى،

155 يستسلم البشر إلى جميع الإغراءات فيرتكبون معاصي مريعة.

حين لن يبالي واحد من الناس الأتقياء، بل

في فقدان حسِّهم وعمق جهلهم يقتلونهم جميعًا،

ويُسرّون بأعمال العنف فتنشغل أيديهم في سفك الدماء،

فليعرفوا حينئذٍ أنَّ الله لن يكون شفوقًا(40)

160 أنَّه يصرُّ أسنانه في غضبه، فيُبيد كلَّ

نسل البشر في حريق واسع جدٌّا.

نهاية الأزمنة

أوّاه! أيُّها المائتون التعساء، بدِّلوا سلوككم. لا تدفعوا الإله العظيم(41)

لكي يُظهر غضبه كلَّه! اتركوا

السيوف والنواح والقتل والعنف!

165 طهِّروا جسدكم كلَّه في أنهار تسير سيرًا متواصلاً(42)!

ثمَّ، ارفعوا أيديكم نحو الأثير، وعن جهالاتكم السابقة

اطلبوا الغفران، وبالصلوات كفِّروا عن بغيض

شرِّكم. فالله سوف يندم

ولا يهلككم. غضبُه سيهدأ أيضًا إن غرستم كلُّكم

170 في قلبكم، التقوى الثمينة.

ولكن، إن لم تطيعوا، إن ثبتُّم في نواياكم الشرِّيرة، إن أحببتُم

جهالتكم وما أصغيتم إلى كلِّ هذه الأقوال إلاّ بآذان عاصية،

تجعل النارُ فريستَها من العالم كلِّه، بعد أن أعلنتها تنبُّؤات كبيرة(43):

في شروق الشمس، ترون السيوف وتسمعون الأبواق.

175 والعالم كلُّه يسمع رعدًا وصوتًا هائلاً(44).

النارُ تحرقُ الأرضَ كلَّها، وتدمِّر كلَّ نسل البشر،

وجميع المدن والأنهار والبحر.

فيحرق كلَّ شيء، وتحوِّل الكون إلى رماد أسود.

ولكن حين يصبح كلُّ شيء رمادًا وغبارًا(45)

180 يُرقد اللهُ النارَ المريعة كما أشعلها.

والله ذاته يصنع من جديد عظام البشر ورمادهم،

ويُعيدُ الموتى كما كانوا من قبل.

حينئذٍ تحصل دينونة يُصدر اللهُ نفسه حكمها،

فيدين العالم أيضًا. فجميع الذين، في شرِّهم،

185 خطئوا، تمتدُّ الأرض عليهم وتزيلهم أيضًا

في الجحيم الرطبة(46). يمضون في تضاعيف جهنم السفليَّة.

وجميع الذين يكونون مارسوا التقوى، يحيون أيضًا على أرض

الإله العظيم الخالد، في سعادة لامحدودة (في الأرض المقدَّسة).

يعطي الله النسمة والحياة والفرح لهؤلاء(47)

190 الأتقياء، فيرون كلُّهم نفوسهم

وقد علقت أنظارها بنور الشمس الحلو والمبهج(48).

طوبى للإنسان الذي يعيش ليرى هذا الزمن! (3: 371)

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM