الفصل 20: أناس ينتظرون الخلاص

أناس ينتظرون الخلاص

في جوّ الحماس هذا، مع ملكٍ تسقطُ أمامه المدنُ وتندحر الجيوش، عاد الأملُ إلى الشعب المنفيّ. وغذّى النبيّ هذا الأمل. وأفهم الجميع أن الله هو الذي اختار ملك الفرس من أجل مهمّة عظيمة. فهل يستعدّون للعودة إلى أرضهم، كما فعلوا في زمن الخروج؟ ولكن الهدف صعب، والمسافة طويلة، والملك لا يهتمّ بهذه الشعوب الصغيرة التي تساوي حبّة رملٍ في مملكته الواسعة.

من أجل هذا، أعلن النبيّ الخلاص الآتي، ولكن وجب عليه أن يقوّم الأمور، لئلاّ يضيع كلامه في الهواء. عند ذلك، لن تعود قيمة لشعب مشتّت إن لم تجمعه كلمة الله. أربع فئات في الجماعة: اليائسون، الوقحون، المشكّكون، المسحورون.

1- اليائسون

طالت مدّة التهجير. بعضهم منذ سنة 597، وآخرون منذ سنة 587. ثلاثون، أربعون سنة. أين المستقبل؟ ومن يوصلنا إلى الأرض المقدّسة، والصحراء تفصلها عنا؟ أترى سوف يسمح لنا كورش بالعودة؟ وإن أردنا العودة، ما هي امكانيّاتنا الماديّة؟

شجّع النبي هؤلاء »المؤمنين«. وحاول أن يُقنعهم، أن يُزيل الشكوك، أن يردّ على الاعتراضات، أن يحطّم المقاومة لكلمة الله. وكان فعلُ إيمانه رائعاً: »وكما ينزل المطر والثلج، ولا يرجعان ثانية إلى السماء، بل يرويان الأرض ويجعلانها تجود فتُنبتُ نبتاً وتعطي زرعاً للزارع وخبزاً للآكل، كذلك تكون كلمتي، تلك التي تخرج من فمي: لا ترجع فارغة إليّ، بل تعمل ما شئتُ أن تعمله، وتنجح في ما أرسلتها له« (55:10 - 11). وساعة لم يرَ أحدٌ الأفق مفتوحاً، هتف النبي والثقة تملأ قلبه: »بفرح تخرجون من بابل، وتُرشَدون (الله يرشدكم) في طريق السلامة. الجبال ترنّم أمامكم والتلال، وأشجار الحقول تصفّق بالأيدي« (آ 12).

ولماذا اليأس؟ أمام محنة لا مخرج منها، أمام إله يبدو بعيداً، أمام إله لا يهتمّ بشعبه، ماذا يمكن هؤلاء المنفيّون أن ينتظروا بعد؟ لا شكّ في أنه قيل لهم أكثر من مرّة كلام التعزية. ولكن ما بدا أمامهم كان سراباً بسراب. أيكون كلام النبيّ أفضل منه؟ اعتبروا أن الله لا يعرف الطريق ولا يقدر أن يطالب بالحق (40:27). هو ضعيف أمام مردوك! هو جاهل! فبماذا يختلف عن آلهة الخشب والحجر؟

الألم كبير، والصعوبة عميقة. غير أن النبي دعاهم إلى الرجاء. بيّن لهم أولاً أن الله الذي خلق العالم، لا يقف في وجهه شيء. هو كلّي القدرة وكلي الحكمة. الكون يدلّ على قوّته، والشعوب والحكّام ليسوا بشيء أمامه، وأصنامهم باطل وعدم. ثم ذكّرهم بأن الله اختار شعبه. هو إله الحبّ والأمانة. والتاريخ يُظهر عنايتَه وامكانيّة العطاء عنده، وامكانيّة المغفرة أيضاً مهما كان شعبه خاطئاً. أجل، قدرته الالهيّة تعمل في الكون وفي التاريخ. هو الخالق وهو الفادي، فلماذا نترك اليأس يسيطر على القلوب فينتزع منها قوّة الثوار، بل يجعلها تموت شيئاً فشيئاً.

»إرفعوا عيونكم وانظروا! من خلق السماوات هذه؟ من يعدُ نجومها واحدة واحدة ويدعوها جميعاً بأسماء؟ ولفائف قدرته وجبروته لا يُفقد منها أحد« (40:9). ويتابع النبي كلامه فيسأل ويقدّم الجواب: »أما عرفتَ؟ أما سمعتَ أن الربّ إله سرمدي خلق الأرض بكاملها. لا يتعب ولا يكلّ أبداً، وفهمه يعصى على الادراك« (آ 28).

ولكن قالوا: الله قدير، هذا ما لا شك فيه. ولكن ماذا يستطيع أن يفعل بواسطة أناس ضعفاء ضاعت فيهم كلّ همّة. فيقول النبي: »الربّ يمنح المتعَبَ قوّة، ويزيد فاقد القدرة احتمالاً. الفتيان يكلّون ويتعبون، والشبّان يسقطون من العياء، أما الذين يرجون الربّ، فتتجدّد قواهم على الدوام، ويرتفعون بأجنحة كالنسور. لا يتعبون إذا ركضوا، ويسيرون ولا يكلّون« (آ 29 - 31).

من يتجرّأ أن يقول مثل هذا الكلام والوضع في الحضيض؟ النبي وحده. فهو ينظر إلى الأمور بنظر الله. ويسمع في أعماقه صوت الله. ويستعدّ لكي لا يترك خفياً مخفياً، بل يعلنه على السطوح. من يعلن كلمة الرجاء ساعة تبدو جميع الأبواب مغلقة، ساعة تسيطر العتمة ولا تترك بصيصاً من نور؟ مؤمنٌ لا يتوقّف عند ما يرى، بل عند ما لا يُرى. الشعب لا يفهم، ولكن النبيّ يفهم، والله لا يفعل شيئاً دون أن يكشف سرّه للأنبياء، كما قال النبيّ عاموس.

ذاك الذي أظهر قوّته في وجه الأمم وأصنامها، كيف لا نتعرّف إلى قدرته ونستند إليها! ذاك الذي أظهر قوّته في وجه الملوك والكواكب، كيف لا نقتنع أنه يمسك الأرض والسماء بيده! ذاك الذي يمنح قدرته للمؤمنين، كيف لا نطلب منه، بل كيف لا نتجاوب مع عطائه الذي يسبق كل طلب، لأنه يعرف حاجاتنا قبل أن نوجّه إليه صلاتنا!

2 - الوقحون

الوقحون يقفون في وجه الله. يتحدّونه. أمام وجهه الحلو أظهروا وجهاً بشعاً. وقابلوا أعماله الحسنة بالقبائح. هؤلاء لا حياء عندهم. وجرأتهم ليست جرأة الدالة كما الابن حين يقف أمام أبيه، بل جرأة الخطيئة التي تجعل الله شبيهاً بالصنم. يقولون: فعلنا الكثيرَ من أجل الصنم، فماذا فعل لنا الصنم؟ وجب عليهم أن يشكروا الله وهو الذي صنع لهم ما صنع، فإذا هم يطلبون من الربّ أن يشكرهم. كم يشبهون ذاك الفريسي الذي أخبر الله بما فعل له: صام، عشَّر أمواله. اذن، ما هي واجبات الله تجاهه (لو 18:9 ي).

ذاك كان موقف »الوقحين« المقيمين في المنفى. حملوا إلى الربّ شاة من أجل المحرقة. أتوا بالذبائح والتقدمات، أحرقوا البخور. هل ظنّوا بذلك أنهم أكرموا الربّ؟ من طلب منهم أن يشتروا بالفضّة ذبيحة؟ وشحمُ المحرقات أتراه يروي جوع الربّ وعطشه؟ نتذكّر هنا مز 50 حيث يقول لشعبه له: »إن جعت لا أخبركم، لي العالم وكلّ ما فيه. لا آكل لحم الثيران، ولا أشرب دم التيوس« (آ 12 - 13). هل نسي هؤلاء أن ما يقدّمون للربّ هو تقدمة من عند الربّ. فإذا كان كلّ شيء منه، فلماذا نعجب إن عاد كلّ شيء إليه؟

قال الربّ: »أنا ما ألزمتك بتقدمة« (43:23). فأنا لا أريد مالك، بل أريدك أنت. ولو كنت تعرف لماذا أريدك؟ لأحمل إليك الخلاص. لأرفع عنك خطيئتك. لهذا تابع الرب: »بل أنت ألزمَتني بخطاياك، وأتعبتَني كثيراً بآثامك« (آ 24). في أي حال، محوتُ معاصيك. وخطاياك ما عدتُ أذكرها. نسيتُها، لا لأجلك، فأنت لا تستحق. بل لأجلي، لأجل اسمي. لأني الاله الذي يغفر. وإذا أردتَ أن نتحاكم، فتعال وذكّرني بخطاياك، لأني ما عدت أذكرها. وعاد الربّ إلى بداية البشريّة: »أبوك الأول خطئ إليّ، ورؤساؤك عصوا شرائعي، وأعيانك دنّسوا مقدّسي« (آ 27). بدأت الخطيئةُ في الشعب منذ أيام يعقوب، أي الاسباط، وتواصلت وما زالت.

ولكن الربّ لا يقف عند اللوم والعتاب. وهو لا يريد أن يُفحم الانسان مهما قال فيه الانسان. بل أن يعود إليه. فيذكّره بالماضي المجيد. وبأمانة الله التي تفعل اليوم كما فعلت في الأمس. الله أعطى في الماضي، وهو يُعطي اليوم عطاء مجانياً. »إسمع يا يعقوب عبدي، يا اسرائيل الذي اخترته. أنا الربّ الذي صنعك، ومن الرحم كان نصيرك. لا تخف يا يعقوب عبدي، اسرائيل الذي اخترته. أفيض المياه على العطشان، والسيول على الأرض القاحلة. وأسكب روحي على ذرّيتك، وبركتي على نسلك« (44:1 - 3). في يعقوب اجتمعت قبائل ارتبطت بليئة. أجل، كل الشعب الذي خرج من فلسطين ومضى إلى المنفى، هو موضوع محبّة الله وعنايته. فيا ليت الانسان يُقرّ بضعفه ويسلّم ذاته إلى الربّ القدير.

3 - المتشكّكون

في قلب هذه الوقاحة، يأتي الشكّ والارتياب. وبعد ذلك، ينتقدون عمل الله والطريقة التي بها نفّذ أعماله. يتصرّفون مع الله كأنه انسان. ويريدونه على مستواهم. حينئذ يفقدون إيمانهم ويعثرون. ذاك كان وضع الكتبة والفريسيين في زمن يسوع. كيف يستطيع أن يُخرج انسانٌ الشياطين؟ لا شكّ في أنه متواطئ معهم. وإلاَّ لمَ يسمعون له؟ كيف يقدر انسان أن يغفر الخطايا؟ هذا مبدأ لا شكّ فيه. ولكن هل يسوع انسان فقط؟ فمن يعمل عمل الله، ومن يدين البشر كما يدينهم الله، ومن يقيم الموتى كما يقيمهم الله، لا يمكن أن يكون مجرّد انسان. هو الله وابن الله. والناس لا يفهمون إن لم يجتذبهم الله إليه بالإيمان.

ووضعُ المنفيّين لم يختلف عن وضع معاصري يسوع. حسبوا الربّ صنماً من الأصنام، ونسوا ذاك الذي هو الأول والآخر، ذاك الذي هو وحده الله. فلماذا نقابله بالأصنام ثم ندهش أن يفعل ما لا يفعله الأصنام، أو ما لا يعمله البشر. فقوّة الله فوق قوّة البشر. قال: »أنا الربّ إلهك آخذُ بيمينك، وأقول: لا تخف أنا نصيرك. لا تخف من ضعفك، يا يعقوب، ومن عددك القليل، يا اسرائيل. أنا نصيرك، يقول الرب، أنا قدوس اسرائيل فاديك. سأجعل منك نورجاً جديداً، ويكون محدّداً بأسنان، فتدوس الجبال وتسحقها، وتجعل التلال كالتبن« (41:13- 15).

الربّ القدير لا يخاف من عظماء الأرض، بل يسخّرهم من أجل مقاصده. هكذا دعا كورش من أجل عمل خلاص. والويل لقويّ يحسب أنه يفعل بقوّته. فالفأس لا تقدر أن تفتخر على من يمسك بها ويقطع الخشب. والمنشار لا يتكبّر على من يحرّكه. أترى القضيب هو الذي يحرّك الانسان الذي يحمله؟ أم هو الانسان من يرفع العصا ليضرب بها (10:15)؟ اذن، لا يتشكّك المؤمنون. فالله هو الذي يفعل. الملوك آلة في يديه، يحرّكهم فيتحرّكون، يدعوهم فيُلبّون، يُزيلهم فيزولون. أما هكذا كان نبوخذ نصر؟ ومثله يكون كورش.

وتشكّك الناسُ أيضاً لأن الرب اختار كورش الملك الوثنيّ. مسحه بالزيت فصار »مسيحه«. أما وجد من نسل داود شخصاً يمسحه فيحمل الخلاص إلى الشعب؟ وبدا هؤلاء وكأنهم يرفضون تحريراً يقدّمه ملك »نجس«. هم يخاصمون الله، يسألونه، يستجوبونه وكأنه صنمٌ في خدمتهم، بعد أن قدّموا له الطعام والشراب كما اعتادوا أن يفعلوا لآلهتهم. فجاء الجواب بشكل سؤال لا ينتظر سوى الجواب بالنفي. بل هو جواب اللوم والتوبيخ: »ويل لمن يخاصم جابلَه وهو خزفة من خزف الأرض. أيقول الطين لجابله: ماذا تصنع؟ أو يقول له: عملُك تُعوزُه يدان. ويل لمن يقول لأب: ماذا تلد؟ ولامرأة: ماذا تلدين« (45:9 - 10). الله هو الذي جبل الانسان. جبله بالجمال. فكيف يتجاسر الانسان ويسأل ذاك الذي جعله سيّداً على المخلوقات. وتعمّقت الصورة: صار الله الأب والأم معاً. غمر ابنه بمحبّة. فهل يقابل الابن أباه بجفاء وتشكيك؟

في أي حال، أليس الله حراً؟ أنريده عبداً لنا يفعل ما نشاء نحن؟ وكان الجواب: »وهذا ما قال الربّ القديم، قدوس اسرائيل وجابله: أنا جبلتُكم فكيف تسألونني عن بنيّ وتشيرون عليّ في ما تعمل يداي؟ أنا صنعتُ الأرض كلها، وخلقتُ البشر عليها. يداي نشرتا السماوات، وأنا أضأت جميع نجومها« (آ 11-12). هذا ما قال الربّ القدير الذي لا تقف في وجهه قدرة. وأضاف: »أنا حملتُ كورش وأقمتُه من أجل العدل، ويسّرت له جميع طرقه. هو يبني مدينتي ويطلق أسراي« (آ 13). فافهموا أيها المشكّكون، وأصمتوا أيها الوقحون. وليملأ الرجاء قلب اليائسين. ولكن التجربة كبيرة في مدينة عظيمة مثل بابل، وأمام آلهة يفيض الغنى حولها. لهذا انسحر هذا الشعب الفقير، المهجّر. بل فضّل أن يبقى في بابل ولا يعود إلى مدينة الربّ، أورشليم.

4 - المسحورون

أجل، سُحر هؤلاء المنفيّون بما في بابل من عظمة وغنى وقوّة. إذا كان مردوك هو إله بابل. وإذا كان أهل بابل انتصروا على أورشليم، فهذا يعني أن إله بابل أقوى من الربّ الاله. وإذا كان الغنى علامة بركة من إله قدير، فمدينة بابل مباركة لأنها تعجّ بالمال يأتيها من كل جانب، وبالخيرات وبالأسرى. بل صار شعب يهوذا »مالاً« في يد البابليّين، وسلعة يستغلّونها بعد أن فقدت حرّيتها. أما مدينة أورشليم، فما زالت في الدمار، وهيكلها صار طعماً للنار. وبعد ذلك، يريد النبي من هؤلاء المهجّرين أن يعودوا. ولماذا يعودون بعد أن تحسّنت حالهم في هذه المدينة الشاسعة.

مردوك قريب من الناس. يرونه، يلمسونه، يقبّلونه، يحملونه كلعبة في أيديهم. أما الربّ الاله فهو يحيّر في تصرفاته، بحيث يمنع المؤمن أن يطرح سؤالاً. أو هو يجعله يسكت مع أن الألم يعمر في قلبه. هو الاله الخفيّ الذي يُدخلنا في سرّه، ويا ليت الشعب قبل بهذه المغامرة. بل لبث على »سطح« الأمور، وأمامه إله لا يُرى بالعين، ولا يُسمع بالأذن، ولا يُلمَس باليد. هو الاله المحجوب (45:15). وهو البعيد أيضاً عن متناول البشر. لهذا صنع له العبرانيون صورة عجل. فلماذا لا يعبد أبناؤهم صورة بال ونبو ومردوك؟

ولكن ما قيمة هذه الأصنام التي تشبهُ قصبة مزعزعة؟ لهذا، دخل الله في المحكمة. فبيّن أنه وحده يعرف المستقبل. بدأ ف 41 فدعا الجميعَ إلى القضاء (آ 1). ثم تابع: »قدّموا دعواكم يقول الربّ، وحججكم يقول ملكُ يعقوب. قدّموها وأوضحوا ما يحدث. أعلمونا ما جرى من البلاد فنتأمّله ونعرف منتهاه. أو أسمعونا الأحداث الآتية. أعلنوا لنا ما سيأتي من بعد، فنعلم أنكم آلهة. إعملوا خيراً أو شراً، فننظر جميعاً ونرى، أنكم أنتم كلا شيء. وأنَّ أعمالكم كالعدم، وملعون هو الذي يختاركم« (آ 21 - 24). الربّ الذي هو الملك دعا الأصنام وعابديها. قال: سلطانه يمتدّ إلى الكون كله، وهو يتحدّى الشعوب وآلهتها. ماذا تستطيع أن تفعل هذه الآلهة؟ لا شيء. ماذا تقدر أن تعرف؟ لا شيء. فلماذا يتعلّق المؤمنون بها؟

ويعلن الربّ من هو، ويطلب من الحاضرين أن يشهدوا: »إجتمعوا، يا كل الأمم، واحتشدوا، يا جميع الشعوب! مَن مِن آلهتهم يُخبرنا ويُسمعنا ما جرى من قبل؟ أين شهودهم (= هؤلاء الآلهة) يبرّرون دعواهم، فنسمع ونقول: هذا حقّ. أنتم شهودي، يقول الربّ، ذريّة عبدي الذي اخترته، لأنكم علمتم وآمنتم بي، وفهمتم أني أنا هو. ما كان من قبلي إله، ولن يكون من بعدي! فأنا أنا الربّ، ولا مخلّص غيري. اخبرتُ وخلّصت وأسمعت وما أنا فيكم غريب. أنتم شهودي يقول الربّ، أنا الله، ومن البدء أنا هو. لا منقذَ من يدي، ولا مردّ لما أعمل« (43:9 - 13). ويأتي اعلانان عن الخلاص. أنا فاديكم. أحطّم أبواب بابل (آ 14 - 15). أنا أفتح طريقاً في الصحراء، كما سبق وفتحتُ طريقاً في البحر (آ 16 -21).

ويهزأ الكاتب بهذه الأصنام التي لا ترى ولا تعرف. لا خير من عبادتها، فهي صُنع بشر. الحدّاد يصنع التمثال من الحديد. والنجّار من الخشب. يا ليت الانسان يفهم. »أحرقتُ نصف الخشب بالنار، وخبزتُ خبزاً على جمره، وشويتُ لحماً وأكلت. والآن، أأصنع من بقيّته وثناً؟ فكيف أسجدُ لجذع شجرة« (44:19)؟ ويذكر، مقابل هذا، الربّ المخلّص. هو لا ينسى شعبه. محا له خطاياه، افتداه (آ 21 - 22). هو قال ففعل. قال للبحر: انشف، فجفّ البحر. قال لكورش: ارعَ شعبي، ففعل. واستعدّ لأن يبني أورشليم ويضع أسس الهيكل (آ 27). فإلى أي جهل انحدر شعب الله لينسى هذا الربّ الذي يصنع معجزات، فيتعلّق بالسراب والباطل.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM