الفصل السابع عشر :مذاهب المنانيَّة

 

الفصل السابع عشر

مذاهب المنانيَّة

قال محمَّد بن اسحق: ماني بن فتَّق بابك بن أبي برزام، من الحسكانيَّة، واسم أمِّه ميس، ويقال أوتاخيم، ويقال مرمريم، من ولد الأشغانيَّة، وقيل إنَّ ماني كان أسقف قنى والعربان من أهل حوحى وما يلي بادرايا وباكسايا، وكان أحنف الرِّجْل، وقيل إنَّ أصل أبيه من همدان، انتقل إلى بابل، وكان ينزل المداين في الموضع الذي يسمّى طيسفون وبها بيت الأصنام. وكان فتَّق يحضر، كما يحضر سائر الناس، فلمّا كان في يوم من الأيّام هتف به من هيكل بيت الأصنام هاتف: فتَّق! لا تأكل لحمًا! ولا تشربْ خمرًا ! ولا تنكح بشرًا! تكرَّرَ ذلك عليه دفعات ثلاثة أيّام.

فلمّا رأى فتَّق ذلك لحق بقوم كانوا بنواحي دستميسان يُعرَفون بالمغتسلة، وبتيك النواحي والبطائح بقاياهم إلى وقتنا هذا، وكانوا على المذهب الذي أُمر فتَّق بالدخول فيه، وكان امرأته حاملاً بماني، فلمّا ولدته زعموا: كانت ترى له المنامات الحسنة، وكانت ترى في اليقظة كأنَّ آخذًا يأخذه فيصعد به إلى الجوّ، ثمَّ يردُّه، وربَّما أقام اليوم واليوم ثمَّ يُردّ، ثمَّ إنَّ أباه أنفذ فحمله إلى الموضع الذي كان فيه، فربيَ معه، وعلى ملَّته، وكان يتكلَّم ماني، على صغر سنِّه، بكلام الحكمة، فلمّا تمَّ له اثنتا عشرة سنة أتاه الوحي، على قوله، من ملك جنان النور، وهو الله تعالى، عمَّا يقوله، وكان الملك الذي جاءه بالوحي يسمّى التوم (= التوأم)، وهو بالنبطيَّة، ومعناه القريب، فقال له: اعتزل هذه الملَّة! فلستَ من أهلها، وعليك بالنزاهة وترك الشهوات، ولم يأنُ لك أن تظهر، لحداثة سنِّك. فلمّا تمَّ له أربع وعشرون سنة أتاه التوم فقال: قد حان لك أن تخرج فتنادي بأمرك!

الكلام الذي قاله له التوم

عليك السلام، ماني، منّي ومن الربِّ الذي أرسلني إليك، واختاركَ لرسالته، وقد أمرك أن تدعو بحقِّك، وتبشِّر ببشرى الحقِّ من قبله، وتحتمل في ذلك كلَّ جهدك! قالت المانويَّة، فخرج يوم ملك سابور بن أردشير، ووضع التاج على رأسه، وهو يوم الأحد أوَّل يوم من نيسان، والشمس في الحمل، ومعه رجلان قد تبعاه على مذهبه، أحدهما يقال له شمعون، والآخر زكوا، ومعه أبوه ينظر ما يكون من أمره.

قال محمَّد بن اسحق: ظهر ماني في السنة الثانية من ملك الغالوس الروميّ، وظهر مرقيون قبله بنحو مائة سنة في ملك ططوس أنطونيانوس في السنة الأولى من ملكه، وظهر ابن ديصان بعد مرقيون بنحو ثلاثين سنة، وإنَّما سُمّي ابن ديصان لأنَّه وُلد على نهر يقال له ديصان، وزعم ماني أنَّه الفارقليط المبشِّر به عيسى عليه السلام، واستخرج ماني مذهبه من المجوسيَّة والنصرانيَّة، وكذلك القلم الذي يكتب به كتب الديانات مُستخرَج من السريانيّ والفارسيّ، وجوَّل ماني البلاد قبل أن يلقى سابور نحو أربعين سنة، ثمَّ دعا فيروز أخا سابور بن أردشير، فأوصله فيروز إلى أخيه سابور.

قالت المنانيَّة: فدخل إليه وعلى كتفيه مثل السراجين من نور، فلمّا رآه أعظمه وكبر في عينه، وكان قد عزم على الفتك به وقتله، فلمّا لقيَه داخلتْه له هيبة، وسُرَّ به، وسأله عمّا جاء فيه، فوعده أنَّه يعود إليه. وسأله ماني عدَّة حوائج، منها أن يعزَّ أصحابه في البلد، وسائر البلاد مملكته، وأن يَنفُذوا حيث شاءوا من البلاد، فأجابه سابور إلى جميع ما سأل، وكان ماني دعا الهند والصين وأهل خراسان، وخلف في كلِّ ناحية صاحبًا له.

ذكر ما جاء به ماني وقوله في صفة القديم تبارك وتعالى

وبناء العالم والحروب التي كانت بين النور والظلمة

قال ماني: مبدأ العالم كونين (أو: كونان)، أحدهما نور والآخر ظلمة، كلُّ واحد منهما منفصل عن الآخر، فالنور هو العظيم الأوَّل، ليس بالعدد، وهو الإله ملك جنان النور، وله خمسة أعضاء: الحلم، والعلم والعقل، والغيب، والفطنة. وخمسة أخر روحانيَّة وهي: الحبُّ، والإيمان، والوفاء، والمروَّة، والحكمة. وزعم أنَّه بصفاته هذه أزليّ، ومعه شيئان اثنان أزليّان: أحدهما الجوّ، والآخر الأرض. قال ماني: وأعضاء الجوّ خمسة: الحلم، والعلم، والعقل، والغيب، والفطنة. وأعضاء الأرض: النسيم، والريح، والنور، والماء، والنار. والكون الآخر وهو الظلمة، وأعضاؤها خمسة: الضباب، والحريق، والسموم، والسمّ، والظلمة. قال ماني: وذلك الكون النيِّر مجاورٌ للكون المظلم، لا حاجز بينهما، والنور يلقى الظلمة بصفحته، ولا نهاية للنور من علوِّه ولا يمنته ولا يسرته، ولا نهاية للظلمة في السفل ولا في اليمنى واليسرة.

قال ماني: ومن تلك الأرض المظلمة كان الشيطان لا أن يكون أزليٌّا بعينه، ولكن جواهره كانت في عناصره أزليَّة، فاجتمعت تلك الجواهر من عناصره فتكوَّنت شيطانًا، رأسُه كرأس أسد، وبدنُه كبدن تنّين، وجناحُه كجناح طاير، وذنبُه كذنب حوت، وأرجله أربع كأرجل الدواب، فلمّا تكوَّن هذا الشيطان من الظلمة، وتسمّى إبليس القديم، ازدرد (= ابتلع بسرعة)، واسترط (= وابتلع)، وأفسد، ومرَّ يمنة ويسرة، ونزل إلى السفل، في كلّ ذلك يُفسد ويُهلك من غالَبَه. ثمَّ رام العلوَّ فرأى لمحات النور فأنكرها، ثمَّ رآها متعالية فارتعد وتداخل بعضه في بعض ولحق بعناصره، ثمَّ إنَّه رام العلوَّ فعلمت الأرض النيِّرة بأمر الشيطان وما هم به من القتال والفساد،

فلمّا علمت به علمَ به عالمُ الفطنة، ثمَّ عالم العلم، ثمَّ عالم الغيب، ثمَّ عالم العقل، ثمَّ عالم الحلم. قال: ثمَّ علم به ملكُ جنان النور، فاحتال لقهره. قال: وكان جنوده أولئك يقدرون على قهره، ولكنَّه أراد أن يتولّى ذلك بنفسه، فأولد بروح يمنته، وبخمسة عالميه، وبعناصره الاثني عشر، مولودًا، وهو الإنسان القديم، وندَبَه لقتال الظلمة. قال: فتدرَّع الإنسان القديم بالأجناس الخمسة. وهي الآلهة الخمسة: النسيم، والريح، والنور، والماء، والنار، واتَّخذهم سلاحًا. فأوَّل ما لبس النسيم، وارتدى على النسيم العظيم بالنور المُسبَغ، وتعطّف على النور بالماء ذي الهباء، واكتنَّ بالريح الهابَّة، ثمَّ أخذ النار بيده كالمجن والسنان، وانحطَّ بسرعة من الجنان إلى أن انتهى إلى الحدِّ ممّا يلي الحربي.

وعمد إبليس القديم إلى أجناسه الخمسة، وهي الدخان، والحريق، والظلمة، والسموم، والضباب، فتدرَّعها وجعلها جنَّة له، ولقي الإنسان القديم، فاقتتلوا مدَّة طويلة، واستظهر إبليسُ القديم على الإنسان القديم، واسترط (= وابتلع) من نوره، وأحاط به مع أجناسه وعناصره، وأتبعَه ملكُ جنان النور بآلهة أُخر، واستنقذه واستظهر على الظلمة، ويقال لهذا الذي أتبع به الإنسان: حبيب الأنوار، فنزل وخلَّص الإنسان القديم من الجهنَّمات، مع ما أخذ وأسر من أرواح الظلمة.

قال: ثمَّ إنَّ البهجة وروح الحياة ظعنا (= رحلا) إلى الحدِّ فنظرا إلى غور تلك الجهنَّم السفلى، وأبصرا الإنسان القديم والملائكة وقد أحاط بهم إبليس والزجريّون العتاة والحياة المظلمة، قال: فدعا روحَ الحياة الإنسان القديم بصوت عالٍ كالبرق في سرعة، فكان إلهًا آخر. قال ماني: فلمّا شابك إبليس القديم بالإنسان القديم، بالمحاربة، اختلط من أجزاء النور الخمسة بأجزاء الظلمة الخمسة، فخالط الدخانُ النسيمَ، فمنها هذا النسيم الممزوج، فما فيه من اللذَّة والترويح عن الأنفس وحياة الحيوان فمن النسيم، وما فيه من الهلاك والأذاء فمن الدخان. وخالط الحريق بالنار، فمنها هذه النار، فما فيها من الإحراق والهلاك والفساد فمن الحريق، وما فيها من الإضاءة والإنارة فمن النار. وخالط النورُ الظلمة، فمنها هذه الأجسام الكثيفة، مثل الذهب والفضَّة، وأشباه ذلك، فما فيها من الصفاء والحسن والنظافة، والمنفعة، فمن النور، وما فيها من الدرن والكدر والغلظ والقساوة فمن الظلمة. وخالط السموم الريح: فمنها هذه الريح، فما فيها من المنفعة واللذَّة فمن الريح، وما فيها من الكرب والتعوير والضرر فمن السموم. وخالط الضباب الماء، فمنها هذا الماء، فما فيه من الصفاء والعذوبة والملائكة للأنفس فمن الماء، وما فيه من التغريق والتخنيق والإهلاك والثقل والفساد فمن الضباب.

قال ماني: فلمّا اختلط الأجناس الخمسة الظلميَّة بالأجناس الخمسة النوريَّة، نزل الإنسان القديم إلى غور العمق، فقطع أصول الأجناس الظلميَّة، لئلاّ تزيد، ثمَّ انصرف صاعدًا إلى موضعه في الناحية الحربيَّة. قال، ثمَّ أمر بعض الملائكة باجتذاب ذلك المزاج إلى جانب من أرض الظلمة، يلي أرض النور، فعلَّقوهم بالعُلْو، ثمَّ أقام ملكًا آخر فدفع إليه تلك الأجزاء الممتزجة. قال ماني: وأمر ملك عالم النور بعضَ ملائكته بخلق هذا العالم وبنائه من تلك الأجزاء الممتزجة، لتخلُص تلك الأجزاءُ النوريَّة من الأجزاء الظلميَّة، فبنى عشر سماوات وثماني أرضين، ووكل ملكًا يحمل السماوات، وآخر يرفع الأرضين، وجعل لكلِّ سماء أبوابًا اثني عشر بدهاليزها، عظامًا واسعة، كلُّ واحد من الأبواب بإزاء صاحبه وقبالته، على كلِّ واحد من الدهاليز مصراعين (أو: مصراعان)، وجعل في تلك الدهاليز في كلِّ بابٍ من أبوابها ستّ عتبات، وفي كلِّ واحدة من العتبات ثلاثين سكَّة، وفي كلِّ سكَّة اثني عشر صفاء، وجعل العتبات والسكك والصفوف من أعاليها في علوِّ السماوات.

قال: ووصل الجوّ بأسفل الأرضين على السماوات، وجعل حول هذا العالم خندقًا ليطرح فيه الظلام الذي يستصفي (= يختار) من النور، وجعل خلف ذلك الخندق سورًا، لكي يذهب شيء من تلك الظلمة المفردة عن النور. قال ماني: ثمَّ خلق الشمس والقمر لاستصفاء ما في العالم من النور، فالشمس تستصفي النور الذي اختلط بشياطين الحرّ، والقمر تستصفي النور الذي اختلط بشياطين البرد، في عمود السبح يتصاعد ذلك مع ما يرتفع من التسابيح والتقاديس والكلام الطيِّب وأعمال البرّ. قال: فيدفع ذلك إلى الشمس، ثمَّ إنَّ الشمس تدفع ذلك إلى نور فوقها في عالم التسبيح، فيسير في ذلك العالم إلى النور الأعلى الخالص، فلا يزال ذلك من فعلها حتّى يبقى من النور شيء منعقد لا تقدر الشمس والقمر على استصفائه، فعند ذلك يرتفع الملك الذي كان لحمل الأرضين، ويدع الملك الآخر اجتذابَ السماوات فيختلط الأعلى على الأسفل، وتفور نار فتضطرم في تلك الأشياء، فلا تزال مضطرمة حتّى يتحلَّل ما فيها من النور. قال ماني: ويكون ذلك الاضطرام مقدار ألف سنة وأربعمائة وثمانٍ وستّين سنة.

قال: فإذا انقضى هذا التدبير، ورأت الهمامة (= المطر الخفيف)، روح الظلمة، خلاص النور وارتفاع الملائكة والجنود الحفظة استكانت، ورأت القتال فيزجرها الجنود من حولها، فترجع إلى قبر قد أُعدَّ لها. ثمَّ يسُدُّ ذلك القبر بصخرة تكون مقدار الدنيا، فيردمها فيه فيستريح النور حينئذٍ من الظلمة وأذاها. وزعمت الماسيَّة من المانويَّة أنَّ النور يبقى منه شيء في الظلمة.

ابتداء التناسل على مذهب ماني

قال: ثمَّ إنَّ أحد أولئك الأراكنة والنجوم والزجر والحرص والشهوة والإثم تناكحوا، فحدث من تناكحهم الإنسان الأوَّل، الذي هو آدم، والذي تولَّى ذلك أركونان ذكر وأنثى، ثمَّ حدث تناكحٌ آخر فحدث منه المرأة الحسناء التي هي حوّاء. قال: فلمّا رأى الملائكة الخمسة نور الله وطيبه الذي استلبه الحرص وأسرَّه في ذينك المولودين، سألوا البشير، وأمّ الحياة، والإنسان القديم وروح الحياة أن يرسلوا إلى ذلك المولود القديم من يُطلقه ويخلِّصه، ويُوضح له العلمَ والبرّ، ويخلِّصه من الشياطين.

قال: فارسلوا عيسى ومعه آله، فعمدوا إلى الأركونين فحبسوهم، واستنقذوا المولودين. قال: فعمد عيسى فكلَّم المولود الذي هو آدم، وأوضح له الجنان والآلهة وجهنَّم والشياطين والأرض والسماء والشمس والقمر، وخوَّفه من حوّاء، وأراه زجرها، ومنعه منها، وخوَّفه أن يدنو إليها، ففعل.

ثمَّ إنَّ الأركون عاد إلى ابنته التي هي حوّاء، فنكحها بالشبق الذي فيه، فأولدها ولدًا أشوه الصورة، أشقر، واسمه قاين الرجل الأشقر، ثمَّ إنَّ الولد نكح أمَّه فأولدها ولدًا أبيض سمّاه هابيل الرجل الأبيض، ثمَّ رجع قاين فنكح أمَّه فأولدها جاريتين، تسمّى إحداهما حكيمة الدهر، والأخرى ابنةَ الحرص، فاتَّخذ ابنة الحرص قاينُ زوجة، ودفع حكيمة الدهر إلى هابيل فاتَّخذها امرأة له. قال: فكان في حكيمة الدهر فضل من نور الله وحكمته، ولم يكن في ابنة الحرص من ذلك شيء، ثمَّ إن ملكًا من الملائكة جاء إلى حكيمة الدهر فقال لها: احفظي نفسك، فإنَّه يولد منك جاريتان مكمِّلتان لمسرّة الله، ووقع عليها فولدت منه جاريتين، فسمَّت إحداهما فرياد، والأخرى فرفرياد،

فلمّا بلغ هابيل ذلك احتشى (= امتلأ) غضبًا، وشمله الحزن، وقال لها: ممَّن جئت بهذين الولدين؟ أحسُبهما من قاين وهو الذي خالطك، فشرحت له صورة الملك، فتركها ومضى إلى أمِّه حوّاء فشكا إليها ما فعله قاين، وقال لها بلغك ما فعله بأختي وامرأتي. فبلغ ذلك قاين فعمد إلى هابيل فدمغه بصخرة فقتله، ثمَّ اتَّخذ حكيمة الدهر امرأة.

قال ماني: ثمَّ إنَّ أولئك الأراكنة، وذلك الصنديد وحوّاء، اغتمُّوا لِما رأوا من قاين، وعلَّم الصنديدُ لحوّاء رطانة السحر لتسحر آدم، فمضت ففعلت وتصدَّت له بإكليل من زهر الشجر، فلمّا رآها آدم لشهوته وقع عليها، فحملت منه وولدت رجلاً جميلاً صبيح الوجه، فبلغ الصنديد ذلك، فاغتمَّ له واعتلّ، وقال لحوّاء: إنَّ هذا المولود ليس منّا، وهو غريب فرامتْ قتله. فأخذه آدم، وقال لحواء: إني أغذوه بألبان البقر، وثمار الشجر. وأخذه ومضى.

فأنفذ الصنديد الأراكنة ليحملوا الشجر والبقر ويباعدوها من آدم، فلمّا رأى آدم ذلك أخذ ذلك المولود وأدار حوله ثلاث دائرات، ذكر على الأولى اسم ملك الجنان، وعلى الثانية اسم الإنسان القديم، وعلى الثالثة اسم روح الحياة، وتنجّى وضرع إلى الله جلَّ اسمه، فقال له: إن كنت أنا اجترمت إليكم جرمًا فما ذنب هذا المولود؟ ثمَّ إنَّ واحدًا من الثلاثة عجَّل ومعه إكليل البهاء، أخذه بيده إلى آدم، فلمّا رآه الصنديد والأراكنة مضوا لوجوههم. قال: ثمَّ ظهرت لآدم شجرة يقال لها لوطيس، فظهر منها لبن، فكان يغذّي الصبيّ به، وسمّاه باسمها، ثمَّ سمّاه بعد ذلك شائل، ثمَّ إنَّ ذلك الصنديد نصب العداوة لآدم ولأولئك المولودين، فقال لحوّاء: اطلعي إلى آدم فلعلَّك أن تردّيه إلينا، فانطلقت فاستغوت آدم فخالطها بالشهوة، فلمّا رآه شائل وعظه وعذله، وقال له: هلمَّ تنطلق إلى المشرق إلى نور الله وحكمته، فانطلق معه، وأقام ثمَّ إلى أن تُوفّيَ وصار إلى الجنان، ثمَّ إن شائل وروفرياد وبرفرياد وحكيمة الدهر أمَّهما دبَّروا بالصديقوت نحو واحد، وسبيل واحدة، إلى وقت وفاتهم، وصارت حوّاء وقاين وابنة الحرص إلى جهنَّم.

صفة أرض النور وجوِّ النور

وهما الاثنان اللذان كانا مع إله النور أزليّين

قال ماني: لأرض النور أعضاء خمسة: النسيم، والريح، والنور، والماء، والنار. ولجوِّ النور أعضاء خمسة: الحلم، والعلم، والعقل، والغيب، والفطنة. قال: العظمة هذه الأعضاء العشرة كلِّها التي هي للجوِّ والأرض. قال: وتلك الأرض النيِّرة ذات جسم، نضيرة بهجة، ذات وميض وشروق، يشرق عليه صفاء طهرها، وحسن أجسامها، صورة صورة، وحسنًا حسنًا، وبياضًا بياضًا وصفاء صفاء، وبهجًا بهجًا، ونورًا نورًا، وضياء ضياء، ومنظرًا منظرًا، وطيبًا طيبًا، وجمالا جمالاً، وأبوابات وأبوابات، وبروجًا بروجًا، ومساكن مساكن، ومنازل منازل، وجنانًا جنانًا، وأشجارًا أشجارًا، وغصونًا غصونًا، ذات فروع وغمامًا غمامًا، وظلالاً ظلالاً. وذلك الإله النيِّر في هذه الأرض إله أزليّ. قال: وللإله في هذه الأرض عظمات اثني (= اثنتا) عشر (= عشرة) يسمَّون الأبكار، صورهم كصورته، كلُّها علماء عاقلون. قال: وعظمات يسمّون العمار العاملون الأقوياء. قال: والنسيم حياة العالم.

صفة أرض الظلمة وحرّها

قال ماني: أرضها ذات أعماق وأغوار وأقطار وأطباق وردوم وغياض وآجام، أرض متفرِّقة متشعِّبة مملوءة حرشات (أو: حشرات) وينابيع دخان منها من بلاد بلاد ومن ردم ردم، وينبع النار منها من بلاد بلاد، وينبع الظلمة من بلاد بلاد، وبعض ذلك أرفع من بعض، وبعضه أسفل، والدخان الذي ينبع منه، وهو حمَّة الموت، ينبع من ينبوع غور قواعده من الزفيه تراب وعناصر النار وعناصر الريح الشديدة المظلمة، وعناصر الماء الثقيل، والظلمة مجاورة لتلك الأرض، النيِّرة فوق، وتلك أسفل، لا نهاية لواحد منها في جهة العُلْو والظلمة من جهة السفل.

كيف ينبغي للإنسان أن يدخل في الدين

قال: ينبغي للذي يريد الدخول في الدين أن يمتحن نفسه: فإن رآها تقدر على قمع الشهوة والحرص وترك أكل اللحمان وشرب الخمر والتناكح، وترك أذيَّة الماء والنار والسحر والرياء، فليدخل في الدين، وإن لم يقدر على ذلك كلِّه فلا يدخل في الدين. وإن كان يحبُّ الدين ولم يقدر على قمع الشهوة والحرص فليغتنم حفظ الدين والصدِّيقين، وليكن له بإزا أفعاله القبيحة أوقات يتجرَّد فيها للعمل والبرِّ والتهجُّد والمسئلة والتضرُّع، فإنَّ ذلك يقنعه في عاجله وآجله، ويكون صورته الصورة الثانية في المعاد، ونحن نذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الشريعة التي جاء بها ماني والفرائض التي فرضها

فرض ماني على أصحابه عشر فرائض على السمّاعين، ويتبعها ثلاث خواتيم، وصام سبعة أيّام أبدًا في كلِّ شهر. فالفرائض هي الإيمان بالعظائم الأربع: الله ونوره وقوَّته، وحكمته، فالله جلَّ اسمه ملك جنان النور، ونوره الشمس والقمر، وقوَّته الأملاك الخمسة وهي: النسيم، والريح، والنور، والماء، والنار. وحكمته الدين المقدَّس، وهو على خمسة معاني (= معانٍ): المعلِّمين أبناء الحلم، المشمَّسين أبناء العلم، القسّيسين أبناء العقل، الصدّيقين أبناء الغيب، السمّاعين أبناء الفطنة. والفرائض العشر: تركُ عبادة الأصنام، تركُ الكذب، تركُ البخل، تركُ القتل، تركُ الزنا، تركُ السرقة، وتعليم العلل والسحر، والقيام بهمَّتين، وهو الشكُّ في الدين والاسترخاء والتواني في العمل.

وفرض صلوات أربع أو سبع

وهو أن يقوم الرجل فيمسح بالماء الجاري أو غيره، ويستقبل النيِّر الأعظم قائمًا، ثمَّ يسجد ويقول في سجوده: مبارك هادينا الفارقليط، رسول النور، ومبارك ملائكته الحفظة، ومسبَّح جنودُه النيِّرون. يقول هذا وهو يسجد ويقوم، ولا يلبث في سجوده، ويكون منتصبًا، ثمَّ يقول في السجدة الثانية: مسبَّح أنت أيُّها النيِّر ماني هادينا، أصل الضياء، وغصن الحياء، الشجرة العظيمة، التي هي شفاء كلُّها. ويقول في السجدة الثالثة: أَسجد وأسبِّح بقلب طاهر، ولسان صادق للإله العظيم، أبي الأنوار وعنصرهم، مسبَّح مبارك أنت وعظمتك كلّها والملوك المباركون الذين دعوتهم، يسبِّحك مسبح جنودك وأبرارك وكلمتك وعظمتك ورضوانك، من أجل أنَّك أنت الإله الذي كلُّه حقّ وحياة وبرّ. ثمَّ يقول في الرابعة: أسبِّح وأسجد للآلهة كلِّهم، وللملائكة المضيئين كلِّهم، وللأنوار كلِّهم، وللجنود كلِّهم، الذين كانوا من الإله العظيم. ثمَّ يقول في الخامسة: أسجد وأسبِّح للجنود الكبراء، وللآلهة النيِّرين، الذين بحكمتهم طعنوا وأخرجوا الظلمة وقمعوها. ويقول في السادسة: أسجد وأسبِّح لأبي العظمة العظيم المنير، الذي جاء من العلمين. وعلى هذا إلى السجدة الثانية عشرة. فإذا فرغ من الصلوات العشر ابتدأ في صلاة أخرى، ولهم فيها تسبيح لا حاجة بنا إلى ذكره. فأمّا الصلاة الأولى فعند الزوال، والصلاة الثانية بين الزوال وغروب الشمس، ثمَّ صلاة المغرب بعد غروب الشمس، ثمَّ صلاة العتمة بعد المغرب بثلاث ساعات. ويَفعل في كلِّ صلاة وسجدة مثل ما فعل في الصلاة الأولى، وهي صلاة البشير. فأمّا الصوم فإذا نزلت الشمس القوس، وصار القمر نورًا كلُّه، يُصَام يومين، لا يفطر بينهما، فإذا أهلّ الهلال، يُصَام يومين لا يفطر بينهما. ثمَّ من بعد ذلك يصام إذا صار نورًا يومين، في الجدي، ثمَّ إذا أهلَّ الهلال، ونزلت الشمس الدلو، ومضى من الشهر ثمانية أيّام، يصام حينئذٍ ثلاثين يومًا، يفطر كلَّ يوم عند غروب الشمس. والأحد يعظِّمه عامَّة المنانية، والاثنين يعظِّمه خواصُّهم. كذا أوجب عليهم ماني.

اختلاف المانويَّة في الإمامة بعد ماني

قال المانويَّة: لمّا ارتفع ماني إلى جنان النور، أقام قبل ارتفاعه سيس الإمام بعده، فكان يقيم دين الله وطهارته إلى أن توفَّى، وكانت الأئمَّة يتناولون الدين واحدًا عن واحد لا اختلاف بينهم، إلى أن ظهرت خارجة منهم يُعرَفون بالديناوريَّة، فطعنوا على إمامهم، وامتنعوا عن طاعته؛ وكانت الإمامة لا تتمُّ إلاَّ ببابل، ولا يجوز أن يكون إمام في غيرها، فقالت هذه الطائفة بخلاف هذا القول، ولم يزالوا عليه وعلى غيره من الخلاف الذي لا فائدة في ذكره، إلى أن أفضت الرياسة الكلِّيَّة إلى مهر، وذلك في مُلك الوليد بن عبد الملك، في ولاية خالد بن عبد الله القسريّ العراق، وانضمَّ إليهم رجل يقال له زادهرمز، فمكث عندهم مدَّة ثمَّ فارقهم، وكان رجلاً له دنيا عريضة، فتركها وخرج إلى الصديقوت، وزعم أنَّه يرى أمورًا ينكرها، وأراد اللحوق بالديناوريَّة، وهم وراء نهر بلخ، فأتى المدائن وكان بها كاتب للحجّاج بن يوسف ذو مال كثير، وقد كانت بينهما صداقة، فشرح له حاله والسبب الذي أخرجه من الجملة، وإنَّه يريد خراسان لينضمَّ إلى الديناوريَّة، فقال له الكاتب: أنا خراسانك! وأنا أبني لك البيع وأقيم لك ما تحتاج إليه! فأقام عنده، وبنى له البيع، فكتب زادهرمز إلى الديناوريَّة يستدعي منهم رئيسًا يقيمه، فكتبوا إليه أنَّه لا يجوز أن يكون الرياسة إلاَّ في وسط الملك ببابل، فسأل عمَّن يصلح لذلك، فلم يكن غيره، فنظر في الأمر. فلمّا انحلَّ، ومعناه: حضرته الوفاة، سألوه أن يجعل لهم رئيسًا، فقال: هذا مقلاص، قد عرفتم مكانه، وأنا أرضاه وأثق بتدبيره لكم. فلمّا مضى زادهرمز أجمعوا على تقديم مقلاص.

فصارت المانويَّة فرقتين المهريَّة والمقلاصيَّة

وخالف مقلاص الجماعة إلى أشياء من الدين منها في الوصالات، حتّى قدم أبو هلال الديحوريّ من أفريقية، وقد انتهت رياسة المانويَّة إليه، وذلك في أيّام أبي جعفر المنصور، فدعا المقالصة إلى ترك ما رسمه لهم مقلاص في الوصالات فأجابوه إلى ذلك، وظهر من المقالصة في ذلك الوقت رجل يعرف ببزرمهر، واستمال جماعة منهم، وأحدث أشياء أُخر، ولم يزل أمرهم على ذلك إلى أن انتهت الرياسة إلى أبي سعيد رحا، فردَّهم في الوصالات إلى رأي المهريَّة، وهو الذي لم يزل الدين عليه في الوصالات، ولم يزل حالهم على ذلك إلى أن ظهر في خلافة المأمون رجل منهم أَحسبُه يزدانبخت، فخالف في الأمور وأدرى بهم، ومالت إليه شرذمة منهم.

وممّا نقمته المقالصة على المهريَّة

أنَّهم زعموا أنَّ خالد القسريّ حمل مهرًا على بغلة وختمه بخاتم فضَّة، وخلع عليه ثياب وشى. وكان رئيس المقالصة في أيّام المأمون والمعتصم، أبو علي سعيد، ثمَّ خلفه بعد كاتبه نصرين هرمزد السمرقنديّ، وكانوا يرخِّصون لأهل المذهب والداخلين فيه أشياء محظورة في الدين، وكانوا يخالطون السلاطين ويؤاكلونهم، وكان من رؤسائهم أبو الحسن الدمشقيّ. وقُتل ماني في مملكة بهرام بن سابور، ولمّا قتله صلبه نصفين النصف الواحد على باب، والآخر على باب آخر من مدينة جندسابور، ويسمّى الموضعين المارّ الأعلى، والمار الأسفل، ويقال إنَّه كان في محبس سابور، فلمّا مات سابور أخرجه بهرام، ويقال بل مات في الحبس، والصلب لا شكَّ فيه. وحكى بعض الناس أنَّه كان أحنف (= مقوَّس) الرجلين، وقيل الرِّجل اليمنى. وماني ينتقص سائر الأنبياء في كتبه، ويزرى عليهم، ويرميهم بالكذب، ويزعم أنَّ الشياطين استحوذت عليهم، وتكلَّمت على ألسنتهم، بل يقول في مواضع من كتبه إنَّهم شياطين، فأمّا عيسى المشهور عندنا وعند النصارى فيزعم أنَّه شيطان.

قول المانويَّة في المعاد

قال ماني: إذا حضرتْ وفاةُ الصدِّيق، أرسل إليه الإنسان القديم إلهًا نيِّرًا بصورة الحكيم الهادي، ومعه ثلاثة آلهة، ومعهم الركوة واللباس والعصابة والتاج وإكليل النور، ويأتي معهم البكر الشبيهة بنسمة ذلك الصدِّيق، ويظهر له شيطان الحرص والشهوة والشياطين، فإذا رآهم الصدِّيق استغاث بالآلهة التي على صورة الحكيم، والآلهة الثلاثة، فيقربون منه، فإذا رأتهم الشياطين ولَّت هاربة، وأخذوا ذلك الصدِّيق وألبسوه التاج والإكليل واللباس، وأعطوه الركوة بيده، وعرَّجوا به في عمود السبح إلى فلك القمر، وإلى الإنسان القديم، وإلى النهنهة أمِّ الأحياء، إلى ما كان عليه أوَّلاً في جنان النور. ثمَّ يبقى ذلك الجسد ملقى، فتجتذب منه الشمس والقمر والآلهة النيرون القوى التي هي الماء والنار والنسيم، فيرتفع إلى الشمس، ويصير إلهًا، ويقذف باقي جسده التي هي ظلمة كلّه إلى جهنَّم.

فأمّا الإنسان المحارب القابل للدين والبرّ، الحافظ لهما وللصدِّيقين، فإذا حضرت وفاته حضر أولئك الآلهة الذين ذكرتهم، وحضرت الشياطين واستغاث ومتّ (= ومدَّ) بما كان يعمل من البرّ وحفظ الدين والصدّيقين، فيخلّصونه من الشياطين، فلا يزال في العالم، شبه الإنسان الذي يرى في منامه الأهوال، ويغوص في الوحل والطين، فلا يزال كذلك إلى أن يتخلّص نوره وروحه، ويلحق بملحق الصدّيقين، ويلبس لباسهم، بعد المدَّة الطويلة من تردُّده.

فأمّا الإنسان الأثيم المستعلي عليه الحرص والشهوة، فإذا حضرت وفاته حضرته الشياطين، فأخذوه وعذّبوه وأروه الأهوال، فيحضر أولئك الآلهة ومعهم ذلك اللباس، فيظنُّ الإنسان الأثيم أنَّهم قد جاءوا لخلاصه وإنَّما حضروا لتوبيخه وتذكيره أفعاله وإلزامه الحجَّة في ترك إعانته الصدّيقين، ثمَّ لا يزال يتردَّد في العالم في العذاب إلى وقت العاقبة، فيُدحى به في جهنَّم. قال ماني: فهذه ثلاث طرق يقسم فيه نسمات الناس أحدها إلى الجنان، وهم الصدِّيقون، والثاني إلى العالم والأهوال، وهم حفَظَة الدين ومعينو الصدّيقين، والثالث إلى جهنَّم، وهو الإنسان الأثيم.

كيف حال المعاد بعد فناء العالم وصفة الجنَّة والجحيم

قال: ثمَّ إنَّ الإنسان القديم يأتي من عالم الجدي والبشير من المشرق، والبناء الكبير من اليمن، وروح الحياة من عالم المغرب، فيقفون على البنيان العظيم الذي هو الجنَّة الجديدة، مطيفين بتلك الجحيم، فينظرون إليها، ثمَّ يأتي الصدِّيقون من الجنان إلى ذلك النور فيجلسون فيه، ثمَّ يتعجَّلون إلى مجمع الآلهة فيقومون حول تلك الجحيم، ثمَّ ينظرون إلى عَمَلة الإثم يتقلَّبون ويتردَّدون ويتضوَّرون في تلك الجحيم، وليست تلك الجحيم قادرة على الإضرار بالصدّيقين فإذا نظر أولئك الآثمون إلى الصدِّيقين، يسئلونهم ويتضرَّعون إليهم فلا يجيبونهم، إلاَّ بما لا منفعة لهم فيه من التوبيخ فيزداد الأثمة ندامة وهمٌّا وغمٌّا. فهذه صورتهم أبد الأبد.

أسماء كتب ماني

لماني سبعة كتب، أحدها فارسيّ، وستَّة سوريّ، بلغَّة سوريا، فمن ذلك: كتاب سفر الأسرار، ويحتوي على أبواب: باب ذكر الديصانيّين، باب شهادة يستأسف على الحبيب، باب شهادة... على نفسه ليعقوب، باب ابن الأرملة، وهو عند ماني المسيح المصلوب الذي صلبوه اليهود، باب شهادة عيسى على نفسه في يهودا، باب ابتداء شهادة اليمين بعد غلبه، باب الأرواح السبع، باب القول في الأرواح الأربع الزوال، باب الضحكة، باب شهادة آدم على عيسى، باب السقاط من الدين، باب قول الديصانيّين في النفس والجسد، باب الردِّ على الثلاثة، باب الأنبياء، باب القيامة. فهذا ما يحتوي عليه سفر الأسرار، كتاب سفر الجبابرة، ويحتوي..، كتاب فرائض السمّاعين، باب فرائض المُجتَبين، كتاب الشابرقان، ويحتوي على باب انحلال السمّاعين، باب انحلال المجتبين، باب انحلال الخطأة، كتاب سفر الأحياء ويحتوي...، كتاب فرقماطيا ويحتوي...

أسماء الرسائل التي لماني والأئمَّة بعده

رسالة الأصلين، رسالة الكبراء، رسالة هند العظيمة، رسالة هيئ البرّ، رسالة قضاء العدل، رسالة كسكر، رسالة فتق العظيمة، رسالة أرمينية، رسالة أموليا الكافر، رسالة طيسفون في الورقة، رسالة الكلمات العشر، رسالة المعلِّم في الوصلات، رسالة رحمن في خاتم الفمّ، رسالة خبرهات في التعزية، رسالة خبرها في...، رسالة أمهسم الطيسفونيَّة، رسالة يحيى في العطر، رسالة خبرهات في...، رسالة طيسفون في السمّاعين، رسالة فافي، رسالة الهدى الصغيرة، رسالة سيس ذات الوجهين، رسالة بابل الكبيرة، رسالة سيس وفتَّق في الصور، رسالة الجنَّة، رسالة سيس في الزمان، رسالة سعيوس في العشر، رسالة سيس في الرهون، رسالة التدبير، رسالة أبّا التلميذ، رسالة ايرني إلى الرها، رسالة أبّا في الحبّ، رسالة ميسان في النهار، رسالة أبّا في...، رسالة نحرانا في الهول، رسالة أبّا في ذكر الطيب، رسالة عبد يسوع في العصبات، رسالة نحرانا في الوصالات، رسالة شايل وسكني، رسالة أبي في الزكوات، رسالة حدانا في الحمامة، رسالة أفقوريا في الزمان، رسالة زكوفي الزمان، رسالة سهراب في العشر، رسالة الكرح والعراب، رسالة سهراب في الفرس، رسالة أبراحيا، رسالة أبي يسام المهندس، رسالة أبراحيا الكافر، رسالة المعموديَّة، رسالة يحيى في الدراهم. رسالة أفعند في الأعشار الأربعة،

وبعد ذلك رسالة أفعند في السعد الأوّل، رسالة سوفي ذكر الوسائد، رسالة يوحنّا في تدبير الصدقة، رسالة السمّاعين في الصوم والنذر، رسالة السمّاعين في النار الكبرى، رسالة الأهواز في ذكر الملك، رسالة السمّاعين في تعبير يزدانبخت، رسالة مينق الفارسيَّة الأولى، رسالة مينق الثانية، رسالة العُشر والصدقات، رسالة أردشير ومينق، رسالة سلم وعنصرا، رسالة حطا، رسالة خبرهات في الملك، رسالة أبراحيا في الأصحّاء والمرضى، رسالة أردد في الدواب، رسالة أجا في الخفاف، رسالة الحملان النيِّرة، رسالة مانا في التصليب، رسالة مهر السماع، رسالة فيروز وراسين، رسالة عبد بال في سفر الأسرار، رسالة سمعون ورمين. رسالة عبدبال في الكسوة.

قطعة من أخبار المنانيَّة وتنقُّلهم في البلدان وأخبار رؤسائهم

أوَّل من دخل بلاد ما وراء النهر من غير السمنية من الأديان، المنانيَّة، وكان السبب فيه أنَّ ماني لمّا قتله كسرى وصلبه وحرَّم على أهل مملكته الجدل في الدين، جعل يقتل أصحاب ماني في أيِّ موضع وجدهم، فلم يزالوا يهربون منه إلى أن عبروا نهر بلخ ودخلوا في مملكة خان، فكانوا عنده، وخان بلسانهم لقبٌ يلقِّبون به ملوك الترك، فلمّا نزل المنانيَّة بما وراء النهر، إلى أن انتثر أمر الفرس، وقويَ أمر العرب، فعادوا إلى هذه البلاد، وسيَّما في فتنة الفرس، وفي أيّام ملوك بني أميَّة، فإنَّ خالد بن عبد الله القسريّ كان يُعنَى بهم، إلاَّ أنَّ الرياسة ما كانت تعقد إلاَّ ببابل في هذه الديار، ثمَّ يمضي الرئيس إلى حيث يأمن من البلاد. وآخر ما انجلوا في أيّام المقتدر، فإنَّهم لحقوا بخراسان خوفًا على نفوسهم، ومن تبقَّى منهم ستر أمره، وتنقَّل في هذه البلاد، وكان اجتمع منهم بسمرقند نحو خمس مائة رجل، فاشتهر أمرهم، وأراد صاحب خراسان قتلهم، فأرسل إليه ملك الصين، وأحسبه صاحب التغزغز، يقول: إنَّ في بلادي من المسلمين أضعاف من في بلادك من أهل دينيّ، ويحلف له إن قتل واحدًا منهم قتل الجماعة به وأخرب المساجد، وترك الأرصاد على المسلمين في سائر البلاد وقتلهم، فكفَّ عنهم صاحب خراسان، وأخذ منهم الجزية، وقد قلُّوا في المواضع الإسلاميَّة، فأمّا مدينة السلم فكنت أعرف منهم في أيّام معز الدولة نحو ثلثمائة، وأمّا في وقتنا هذا فليس بالحضرة منهم خمسة أنفس، وهؤلاء القوم يسمُّون أجارى وهم برستاق سمرقند والصغد وخاصَّة بنو نكث.

أسماء ذكر رؤساء المنانيَّة في دولة بني العبّاس وقبل ذلك

كان الجعد بن درهم الذي ينسب إليه مروان بن محمَّد، فيقال مروان الجعديّ، وكان مؤدَّبًا له ولولده، فأدخله في الزندقة، وقتل الجعد هشام ابن عبد الملك في خلافته، بعد أن أطال حبسه في يد خالد بن عبد الله القسريّ، فيقال إنَّ آل الجعد رفعوا قصَّة إلى هشام يشكون ضعفهم، وطول حبس الجعد، فقال هشام أهو حيٌّ بعد؟! وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى وجعله بدلاً من الأضحية، بعد أن قال ذلك على المنبر بأمر هشام، فإنَّه كان يُرمَى، أعني خالدًا، بالزندقة، وكان أمُّه نصرانيَّة، وكان مروان الجعديّ زنديقًا.

ومن رؤسائهم المتكلِّمين الذين يظهرون

الإسلام ويبطنون الزندقة

ابن طالوت، أبو شاكر، ابن أخي أبي شاكر، ابن الأعدَى الحريزيّ، نعمان ابن أبي العوجا، صالح بن عبد القدّوس، ولهؤلاء كتب مصنَّفة في نصرة الاثنين ومذاهب أهلها وقد نقضوا كتبًا كثيرة صنَّفها المتكلِّمون في ذلك. ومن الشعراء: بشّار بن برد، اسحق بن خلف، ابن سبابة، سلم الخاسر، علي بن الخليل، علي بن ثابت، وممَّن تشهَّر أخيرًا أبو عيسى الورّاق وأبو العبّاس الناشيء، والجبهانيّ محمَّد بن أحمد.

ذكر من كان يُرمَى بالزندقة من الملوك والرؤساء

قيل إنَّ البرامكة بأسرها، إلاَّ محمَّد بن خالد بن برمك، كانت زنادقة، وقيل في الفضل وأخيه الحسن مثل ذلك، وكان محمَّد بن عبيد الله الكاتب المهديّ زنديقًا، واعترف بذلك فقتله المهديّ، قرأت بخطِّ بعض أهل المذهب أنَّ المأمون كان منهم، وكذب في ذلك، وقيل كان محمَّد ابن عبد الملك الزيّات زنديقًا.

ومن رؤسائهم في المذهب في الدولة العبّاسيَّة

أبو يحيى الرئيس، أبو علي سعيد، أبو علي رجا، يزدانبخت. وهو الذي أحضره المأمون من الري بعد أن أمَّنه فقطعه المتكلِّمون، فقال له المأمون: أسلم يا يزدانبخت! فلولا ما أعطيناك إيّاه من الأمان لكان لنا ولك شأن! فقال له يزدانبخت: نصيحتك يا أمير المؤمنين مسموعة، وقولك مقبول، ولكنَّك ممَّن لا يجبر الناس على ترك مذاهبهم، فقال المأمون أجل! وكان أنزله بناحية المحرَّم، ووكل به حفظة، خوفًا عليه من الغوغاء، وكان فصيحًا لسِنا.

ومن رؤسائهم في وقتنا هذا

انتقلت الرياسة إلى سمرقند وصاروا يعقدونها ثمَّ، بعد أن كانت لا تتمّ إلاَّ ببابل، وصاحبهم ثمَّ في وقتنا هذا.

الديصانيَّة

إنَّما سُمّي صاحبهم برديصان باسم نهر وُلد عليه. وهو قبل ماني، والمذهبان قريب بعضهما من بعض، وإنَّما بينهما خلف في اختلاط النور بالظلمة، فإنَّ الديصانيَّة اختلفت في ذلك على فرقتين: فرقة زعمت أنَّ النور خالط الظلمة باختيار منه ليصلحها، فلمّا حصل فيها، ورام الخروج عنها امتنع ذلك عليه، وفرقة زعمت أنَّ النور أراد أن يرفع الظلمة عنه، لمّا أحسَّ بخشونتها ونتنها، شابكها بغير اختياره، ومثال ذلك أنَّ الإنسان إذا أراد أن يرفع عنه شيئًا ذا شظايا محدَّدة دخلت فيه فكلَّما دفعها ازدادت ولوجًا فيه، وزعم ابن ديصان أنَّ النور جنس واحد، والظلمة جنس واحد، وزعم بعض الديصانيَّة أنَّ الظلمة أصل النور، وذكر أنَّ النور حيّ حسّاس عالم، وأنَّ الظلمة بضدِّ ذلك عامّيَّة غير حاسَّة ولا عالمة افتكارها، وأصحاب ابن ديصان بنواحي البطائح كانوا قديمًا، وبالصين وخراسان أمم منهم متفرِّقون، لا يعرف لهم مجمع ولا بيعة. والمنانيَّة كثير جدٌّا، ولابن ديصان: كتاب النور والظلمة وكتاب روحانيَّة الحقّ، كتاب المتحرِّك والجماد، وله كتب كثيرة، ولرؤساء المذهب في ذلك أيضًا كتب ولم تقع إلينا.

المرقيونيَّة

أصحاب مرقيون، وهم قبل الديصانيَّة، وهم طائفة من النصارى، أقرب من المنانيَّة والديصانيَّة، وزعمت المرقيونيَّة أنَّ الأصلين القديمين النور والظلمة، وأنَّ ها هنا كونًا ثالثًا مزجها وخالطها، وقالت بتنزيه الله عزَّ وجلّ عن الشرور، وأنَّ خلق جميع الأشياء كلِّها لا يخلو من ضرر، وهو مُجَلَّ عن ذلك، واختلفوا في الكون الثالث ما هو، فقالت منهم طائفة هو الحياة، وهو عيسى. وزعمت طائفة أنَّ عيسى رسول ذلك الكون الثالث، وهو الصانع للأشياء بأمره وقدرته، إلاَّ أنَّهم أجمعوا على أنَّ العالم محدث، وأنَّ الصنعة بيِّنة فيه، لا يشكُّون في ذلك وزعمت أنَّ مَن جانَبَ الزهومات (= رائحة اللحم) والمسكر، وصلّى لله دهرَه، وصام أبدًا، أفلت من حبائل الشيطان، والحكايات عنه مختلفة كثيرة الاضطراب، وللمرقيونيَّة كتاب يختصّون به، يكتبون به ديانتهم، ولمرقيون كتاب إنجيل سمّاه، ولأصحابه عدَّة كتب غير موجودة إلاَّ حيث يعلم الله، وهم يتستَّرون بالنصرانيَّة وهم بخراسان كثير، وأمرهم ظاهر كظهور أمر المنانيَّة.

الماهانيَّة

طائفة من المرقيونيّة، يخالفونهم في شيء ويوافقونهم في شيء، فممّا يوافقون المرقيونيَّة في جميع الأحوال إلاَّ في النكاح والذبائح، ويزعمون أنَّ المعدَّل بين النور والظلمة هو المسيح، ولا يُعرَف من أمرهم غيرُ هذا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM