الفصل 27: الرسالة إلى كولوسي

الرسالة إلى كولوسي

المقدّمة

شرح سبب رسالة المغبوط بولس إلى أهل مدينة كولوسّي

كتب الرسول بولس هذه الرسالة إلى الكولوسيّين، ولم يكن رآهم بعد. وذلك أنّ أناسًا من المتنصّرين من اليهود، كانوا يجولون في كلّ أفق، ويقنعون المتنصّرين من الأمم، أن يحفظوا شرائع التوراة في النصرانيّة. وصاروا إلى أهل كولوسّي، ودعوهم إلى حفظ ذلك. فلمّا سمع المغبوط بولس بذلك، كتب إليهم هذه الرسالة، يأمرهم باللزوم لما قبلوا من أبفراس الذي نصّرهم، ويحذّرهم من اتّباع أولئك المتنصّرين من اليهود. ويعظّم (بولس) أمور يسوع، ويفخّم سياسته كعادته، حين يكاتب الذين لم يشاهدهم، لوجوب ذلك في افتتاح كلامه. فكان يبيّن من ذلك، خساسة أمور اليهوديّة، وأنّ الاحتفاظ بشرائعها بعد مجيء المسيح، لا فائدة فيه. فكان يكسر (يهزم) بذلك أهل الختان ويُبطل حيَلهم. وبعد ذلك، صار إلى الوعظ لهم بما يجب. وقد قال قوم إنّ كولوسّي هي من بلاد آسية. ثمّ شرح سبب رسالة بولس إلى أهل كولوسّي[*].

نشيد للمسيح، سيّد الكون

كو 1: 12-20

12 تشكرون الله الآب الذي أهّلنا لحظّ ميراث القدّيسين في النور أي الذي جعلكم بنعمته ومعرفته أهلاً لطبقة الأبرار، وعنى بالنور معرفته.

13 وخلّصنا من سلطان الظلمة، وجاء بنا إلى ملكوت ابنه الحبيب.

كلام بولس أيضًا ها هنا، بعضه يدلّ على ناسوت المسيح الموحّد في النبوءة. وبعضه يدلّ على لاهوته. فقوله "الحبيب" يدلّ، كما تشهد النسخة اليونانيّة، على أنّا نصير شركاء لناسوت المسيح في الملك، لأنّ هذا الناسوت منّا في الطبع.

14 الذي لنا به الخلاص وغفران الخطايا

15 ذلك الذي هو شبه الله الذي لا يُرى، وبكر جميع الخلائق.

في المسيح، تمّ القولُ بالحقيقة على آدم أبينا. إنّه صورة الله. لأنّه صورة لا تختلف عن الأصل، ولأنّه أجلّ وأعظم.

وبعد كلام عن الشبه، هو كلام عن البكر:

وهذا أيضًا يدلّ على الإنسان المأخوذ. فهو بكرٌ في خصلتين. إحداهما الكرامة والرفعة التي صارت له، أكثر من الجميع، لاتّحاده مع الله الكلمة. والخصلة الأخرى لأنّه أوّل من نال التجديد، وارتفع إلى السماء، وصار بكرًا لإخوة كثيرين وذلك أنّ اسم البكر يدلّ، في الكتب، في أكثر الحالات، على الكرامة، وإن كان يدلّ على سابق الولادة كقول التوراة عن الله: "ابني إسرائيلُ بكري".

16 وبه خُلق كلّ شيء في السماء وفي الأرض، كلّ ما يُرى وما لا يُرى، إن كان المجالس، وإن كانت السادة، وإن كانت الرؤساء، وإن كانت السلاطين. كلّ شيء بيده وبه خُلق.

هذا القول يدلّ على لاهوته كقول الآباء في الأمانة (= نؤمن بإله واحد). وقد يتناول على ناسوته أيضًا، لأنّه جدّد الخلائق وكأنّه خلقهم خلقًا ثانيًا.

المجالس أي المكرّمون.

لم يسمِّ الملائكة بالاسم الدالّ على خدمتهم، بل بأسماء مراتبهم وسلطانهم، ليعظّم الأمر في أنّهم على يدَي المسيح نالوا التجديد.

"كلّ شيء بيده". هذا القول خاصّ بلاهوته. يقول: لا تعجبوا من اقتدار هذا الإنسان على تجديد كلِّ (شيء)، لأنّ سلطان ذلك ليس في طبيعته (البشريّة)، بل أعطيَ ذلك من الجوهر الإلهيّ الحالّ فيه. الذي على يديه خُلق كلّ شيء "وهو موجود قبل كلّ (شيء)".

17 وهو الذي من قبْلِ كلّ (شيء)، وكلّ شيء قائمٌ به.

18 وهو رأس جسد البيعة، الذي هو الرأس والبكرُ من بين الموتى، ليكون متقدّمًا في كلّ (شيء).

هذا على الإنسان خاصّ، أي هو أوّل في كلِّ شيء، أي هو افتتح القيامة. وهو المتقدّم في الكرامة، لأنّ جميع  الخلائق تأتي إلى عبادته. فلا فرق بينه وبين الكلمة المتّحد به.

19 الذي فيه شاء أن يسكن جميع اكلمال، وأن على يده يترضّاه عن كلّ شيء.

يقول إنّ الله شاء أن يُسكِن في ناسوت المسيح جميع كمال الخليقة، لأنّه أحبّ أن تتّصل به.

يقول: "قد أرضى الله عن كلّ (إنسان) بموته، لأنّه احتمله، ولم يكن يجب عليه لبراءته من كلّ خطيئة.

20 وأصلح بدم صليبه على يديه، إن كان ما في الأرض وإن كان ما في السماء.

سيناء عربيّ

كودكس 151

المقدّمة: شرح رسالة بولس إلى أهل أفسس.

كتب الرسول السعيد هذه الرسالة إلى أهل أفسس، ولم يكن رآهم بعد إن كانوا قد تنصّروا. وجعل يجتهد، فيما كتب إليهم، أنّ مجيء المسيح سبَّب للناس فعل الخيرات، وأوصل إليهم النعيم في الآخرة. وجعل تعليمه في هذه الرسالة على جهة الشكر. فجمع في ذلك تثبيتًا للديانة، وموعظة فيما يلائم السيرة الجميلة. وإنّما كانوا يتوقّعون حلول العقوبة بسبب الخطايا، وشرح لهم أنّه إذ كان قد رُتِّب معلِّمًا للأمم، يجب عليه أن يكتب إليهم ما يزيدهم بصيرة وثباتًا، ويدفع الشكّ عنهم فيما أخذوا عن الذي نصَّرهم، وأن يعدّ هذا التعليمُ جميع الأمم. إلاّ أنّهم استحقّوا عنده المكاتبة، كي يزدادوا اجتهادًا في حفظ ما عُهد إليهم.

تبارك الله

أف 1: 3-17

3 مبارك هو الله، أبو سيّدنا يسوع المسيح، الذي باركنا بجمع بركات الروح، في السماء، بالمسيح.

البركة في الكتب على جهتين. فإذا كانت منّا إلى الله، فذلك دليل على الشكر له على نعماته. وإذا كانت منه إلينا، فهي معونته إيّانا ورفْعُ جاهنا. يقول: إنّ الله مستحقّ لكلّ شكر وحمد، لأنّه بالسياسة (= بالتدبير) التي أكملها على يد ابنه المسيح، ضمن لنا أن يجعلنا غير مائتين ولا فاسدين، ويرفعنا إلى مثوى السماء.

4 كما تقدّم فاختارنا به من قبل إنشاء الدنيا، لنكون أطهارًا غير ذوي عيب بين يديه. وبالحبّ سبق فوسمنا له.

يقول: "في سابق علمه، أفرزنا لذلك بالمسيح لنقبل منه الخيرات. ولندوم في الطهارة الكاملة، إذ لا نقبلُ شيئًا من عيوب الخطيئة، بل تكون غير ذوي ملامة، كمسرّته في الآخرة".

هو بالمحبّة انتخبنا، وليس بالجزاف (= مصادفة ومخاطرة).

5 ورتّبنا بنين بيسوع المسيح، كما أرضى مشيئته.

لأنّه على يد المسيح أعطينا الوعد الثاني وروح ذخيرة البنين.

6 ليُحمَد مجدُ نعمته، التي أسبعها علينا على يد حبيبه.

7 الذي به لنا الخلاص، وبدمه غفران الخطايا، كغنى نعمته.

يقول: "بالمسيح الذي ذاق الموت بدَلَنا، أخذْنا الفرج من خطايانا، لأنّ المسيح مات عنّا، ونجّانا من سلطان الموت، وأعطانا رجاء القيامة التي نأمل الدوام فيها بلا خطيئة".

8 التي تفاضلت فينا بكلّ حكمة، وبكلّ فهم الروح.

9 وأعلمنا سرّ مشيئته، الذي كان تقدَّم فوضعه.

10 ليفعل له تدبير كمال الأزمنة، ليتجدّد كلّ شي من ذي قبل بالمسيح، ما في السماء وما في الأرض.

لأنّ كلّ شيء إنّما كان ينبغي أن يُدبِّر بالترتيب والنظام. فلمّا تمّت الأزمنة التي علم أنّه ينبغي أن يتلو عليها خلاص الكلّ، أظهر أمر المسيح "ليتجدّد". يعني بتجديد كلِّ ما في السماء وما في الأرض، الألفة والاتّفاق الذي يكون للملائكة والناس في الآخرة، حين يجتمع الكلُّ إلى واحد، وينظر إلى واحد (= الآخر) بحيث لا يخالف بعضهم بعضًا.

11 وبه انتخبنا نحن، كما تقدّم فوسمنا. وشاء ذلك الذي يفعل كلاًّ (= كلّ شيء) كرؤية مشيئته.

12 أن نكون نحن معشر الذين سبقْنا فرجونا المسيح لبهاء مجده.

يقول: "بسبب هذه الخيرات، تقدّم الله فأحرز إيّانا لنكون نحن معشر المؤمنين المؤهَّلين لهذه الخيرات، سببًا لأن يعظَّم (الله). ويقرَّظ، ويُشكَر، على سبوغ نعمه علينا. فقبل نجوز المواعيد بما في الآخرة، صحَّ إيماننا بالمسيح ورجاؤنا لتحقيق ما وُعد". وعمَّ هذا القولُ المتنصّرين في ذلك الزمان، وسائر الناصرة في عصر بعد عصر.

13 الذي أنتم أيضًا به سمعتم كلمة الحقّ، التي هي بشارة حياتكم، وبه آمنتم وخُتمتم بروح القدس الذي كان وُعد به.

خُتمتم. أي نلتم تحقيق ما آمنتم به، بقبول عطيّة الروح، أي العجائب والآيات.

14 تلك التي هي عربون ميراثنا لخلاص الذين يحبّون، ولمجد كرامته.

شرح بذلك قوله، فعنى بالعربون عطيّة الروح التي ختمت لهم كما النعم في ملكوت السماء.

15 من أجل هذا، أنا أيضًا، هاءنذا منذ سمعتُ بإيمانكم بربِّنا يسوع المسيح، وبمحبّتكم لجميع الأطهار.

16 لست أهدأ من الشكر عنكم والذكر لكم في صلواتي

17 أنّ إله ربّنا يسوع المسيح، أبا المجد، يؤتيكم روح الحكمة بعلمه.

في هذه المقالة، تناول الإنسان المأخوذ خاصّة. وتناول الإنسان والكلمة الحالّ فيه. ما تأويل ذلك على الإنسان؟ لأنّه مخلوق من جبلة آدم. وسمَّى الآب أبا المجد، لأنّ ذلك الجوهر مججيد، عجيب. هو يؤتي المجد والرفعة. وما التأويل على اللاهوت والناسوت؟ فكقول غريغوريوس إنّ العلامة في أنّه متى ميّزتَ الطبيعتين في الفكر، ميّزت معهما الأسماء أيضًا. إسمع بولس إذ يقول: "لله ربِّنا يسوع المسيح أبو المجد. فهو إله للتسبيح وأب للمجد".

"يؤتيكم". يقول: "أصلّي وأدعو أن تُؤتوا من (عند) الله نعمة الروح لتمتلئوا حكمة ومعرفة الله. وأن يُوحى إلى عقولكم ما لا يُوصَف من أمور الآخرة. كما يسطع النور على الأجرام الصافية. أي: لأيّ رجاء وأمل دُعينا".

إلى أهل غلاطية

سبب هذه الرسالة شبيه بسبب رسالة بولس الثانية إلى الكورنثيّين، وذلك أنّ قومًا من المتنصّرين من اليهود، كانوا يظهرون تعصّبًا للتوراة بلا تمييز. وكانوا يحثّون المتنصّرين من الأمم على حفظ شرائعها. فقدّموا أيضًا على الغلاطيّين، بعد أن نصّرهم بولس، وجعلوا يُنقصونه ويقولون: "ليس يُشبه سائر الحواريّين، وليس ينبغي أن يُتركوا (الرسل) كلّهم، ويُطاع هذا وحده، لأنّ أولئك تلاميذ المسيح ولم يزالوا معه مشاهدين لما يُعلِّم. فأمّا بولس فلم يرَ المسيح، وإنّما هو تلميذ هؤلاء". ثمّ كانوا يحتجّون (= يبرهنون) عندهم وفي تثبيت التوراة ويقولون إنّها إنّما أنزِلَتْ من عند الله لأحد أمرين: فمن أطاعها أُنعم عليه. ومن عصاها عُوقِب. وكانوا يدعون على (يعلنون) الحواريّين أنّهم معتنون بحفظ شرائع التوراة، فليس ينبغي أن يُتبَع هذا الأمر بتركها، بل يُتبَع أولئك. وأقنعوا الغلاطيّين بهذه الأقاويل، وصاروا يحفظون شرائع اليهوديّة في النصرانيّة، واختُتن كثير منهم. فلهذه العلّة احتاج المغبوط بولس أن يكتب هذه الرسالة، إذ يُبيِّن فيها أنّه ليس ينبغي، بعد مجيء المسيح، أن تُحفَظ شرائع التوراة.

الرسالة إلى غلاطية

الفصل الأوّل

1 من بولس الرسول، ليس من الناس، ولا على يد إنسان، بل على يد يسوع المسيح والله أبيه الذي أقامه من بين الأموات.

يقول: ليس أمري كما زعم أولئك، بل أمر أنّ سبب الرسالة كي لا يكون من الناس، بل من قِبَل يسوع المسيح الذي تجلّى عليَّ وظهر لي بمسّرة أبيه.

قوله "على يد يسوع المسيح" متّصل بقوله "والله أبيه". أي وعلى يد الله الآب.

"الذي أقامه". زاد هذه المقالة، لأنّها تدلّ على جدّة العالم المزمع، الذي كانت فاتحتُه قيامة المسيح، حيث لا يُوجَد مكانٌ لشرائع التوراة.

2 ومن جميع الإخوة الذين معي، إلى البيع التي في غلاطية

قال: "ومن جميع الإخوة الذين معي من الحواريّين"، لأنّ أولئك المنتقصين له، كانوا يقولون: "ليس ينبغي أن يُطاع بولسُ وحده ويُخالَف جميع الرسل". فأبان أنّ له في ذاته شركاء كثيرين، أي الحواريّين.

3 النعمة معكم، والسلام من الله الآب، ومن ربِّنا يسوع المسيح.

4 ذلك الذي بذل نفسه بدَلَ خطايانا، لينجّينا من هذا العالم الخبيث، كمشيئة الله أبينا.

دلّ بهذا أنّ التوراة لم تكن أطاقت (= في طاقتها) إيصال الخطيئة. فالمسيح بقيامته ضمن لنا القيامة. ونجّانا من هذه الحياة ذات الميتة، التي تُعمَلُ فيها مسيئات خبيثة كثيرة.

5 الذي له الحمدُ إلى أبد الآباد. آمين.

6 ثمّ إنّي متعجّبٌ أن كيف ترتدّون عن المسيح الذي دعاكم بنعمته إلى بشرى أخرى ليست موجودة.

ما أحسن قوله: "أتعجّب". لأنّ ذلك منعم أمرٌ لم يكن يُرجى ولا يُؤمَل.

أكّد التعجّب بقوله هذا كما يقال على الموت: تؤخذون"، لا "تنطلقون سريعًا".

"ليست موجودة". دلّ أنّهم بعُدوا البتّة عن تقوى الله.

7 إلاّ أنّ أناسًا يزعجونكم (يولهونكم، كما في السريانيّ) ويهوون أن يغيّروا بشرى المسيح.

يقول: إلاّ أنّ قومًا يأتونكم فيُدهشونكم ويقلقونكم.

15 ولكنّه لمّا شاء من أفرزني من بطن أمّي ودعاني بنعمته

عنى بالإفراز سابق علم الله، ليبيّن أنّه من قبل أن يكون، قد كانت لله فيه هذه المشيئة، وكانت بشراه (= إنجيله) بعيدة من أن تكون محدَثة أو بدعة من الناس.

أبان بقوله "دعاني بنعمته". تفضّل الله عليه بأنّه بنعمته دعاه، لا باستحقاق، وذلك دليل على شدّة تواضع الرسول.

16 لم أظهر من ساعتي للحم ودم.

قوله "لم أظهر من ساعتي"، لأنّه من بعد ذلك قد ظهر. وعنى باللحم والدم، الناس. أي الحواريّين. يقول: بلغ من اجتنابي التعلّم من الحواريّين الذين قبلي أنّي لم أنطلق إليهم على المكان، أو أراهم، أو أظهر لهما ما اطّلعت عليه، لأنّي كنتُ أراه فضلاً (زيادة) من بعد استعلان المسيح ووحيه أنّي أتعلّم شيئًا من الناس المائتين.

الرسالة إلى غلاطية

الفصل الثاني

14 فلمّا رأيت أنّهم ليسوا ينطقون بالاستقامة في حقّ الإنجيل، قلتُ للصفا تجاههم أجمعين: "إن كنتَ الذي أنت يهوديّ، إنّما تعيش أمميًّا، لا يهوديًّا، فكيف تضطّر الشعوب أن يعيشّوا عيشًا يهوديًّا؟

يقول: أنا وحدي من بينهم جاهدتُ بإيثار الحقّ، وقمت مقابل بطرس رأسهم أجمعين، علانية، وحاجته.

"إن كنتَ". يقول: ليس من العدل أن تكون أنت، إذ أنت يهوديّ في أصلك، أن تتصرّف مرارًا كثيرة خارجًا من شرائع التوراة، وتردوك أن تلجئ الأمميّين المتباعدين منها إلى حفظها.

15 لأنّا إن كنّا نحن الذين نحن يهود من طبعنا ولسنا من الأمم الخاطئين.

يقول: ها نحن هؤلاء الذين أصلنا من جنس اليهود، لا من الأمم الوثنيّن، قد اعتمدنا على الإيمان بالمسيح، ومن الإيمان به نرجو نوال البرّ، لأنّنا لم نطق (نقدر) التبرّر من أعمال التوراة، وذلك أنّا مائتون، ولنا نقدر على النجاة من الخطيئة لضعف طبيعتنا، وإن نحن أجهدنا أنفسنا في البرّ. فأمّا الخطيئة فمبطلة البرّ. وذلك أنّ التوراة مشجبة للمذنبين، ولست تكترث بكثرة فضائل من يذنب، ولا إذا كان الذنبُ صغيرًا، بل تجلب النكال على الذين خطئوا كيف ما كان فمن الاضطرار إذن احتجنا إلى البرّ بإيماننا بالمسيح، الذي أكمل، كان يعزب عن (ينقص) إكماله، قصرنا بإيماننا به كأنّنا قد صرنا منذ ألفٍ في الحياة التي لا موت بعدها، حيث لا نحتاج إلى سنَّة ولا نقدر على ارتكاب خطيئة. فليس يحسن إذن بنا، بعد قبولنا هذا، أن نعود إلى أمور التوراة.

17 وليس كنّا إذ نتبرّر بالمسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأة. فيسوع المسيح إذًا خادم الخطيئة حاشَ من ذلك.

قول: لعجزنا عن التبرّر بالتوراة، دنَونا من المسيح لننال البرَّ به. فإن كنّا وقد آمنّا، نُوجَد خطأة حتّى لا نحفظ التوراة، فيُظنُّ به أنّه جاء ليسبّب لنا الخطيئة لا البرّ، وأنّما جاء ليدعونا إلى إيمانه، لا ليعلّمنا التوراة، التي كانت في أيدينا قبل مجيئه.

"حاشَ من ذلك". المعموديّة مثلٌ للموت بالتوراة، والحياة بإيمان المسيح. يقول: إن كان الإيمان به دون حفظ اشرائع التوراة، هو إثم، فإنّما هدانا إلى الخطيئة. إلاّ أنّي أقول: حاشَ من ذلك بقيمه وسماجته.

19 لأنّي أنا للشريعة متُّ، كي ما أعيش لله.

بيّن الآن أنّ التحوّل عن التوراة ليس هو معصية. يقول: أنا بشريعة التوراة وجدتُ المسيح موعودًا به. فدنوتُ منه بالتوراة والإيمان، ومتُّ للتوراة فصرتُ في حياة غير هذه الحياة، وذلك أنّي أخذت من الله حياة غيرها من الصبغة (من المعموديّة).

20 وأنا مصلوب مع المسيح. والآن، فلستُ أنا الحيّ، بل المسيح حيّ فيّ. وهذا الذي أنا حيّ بالجسد، إنّما أنا حيّ بإيمان ابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه دوني.

المعموديّة فيها يكمل مثالُ موت المسيح وقيامته. فمن يُعمَّد يمثِّل مثالَ موت المسيح وقيامته. ويقال أنّه صُلب مع المسيح، لأنّ المسيح بالصليب، ذاق الموت وتبرّأ (وتمرّر) من هذه الحياة.

يقول: وإن كنتُ بعد حيًّا هذه الحياة المائتة، إلاّ أنّي بالإيمان أنزل في الحياة غير المائتة من أجل الرجاء الصادق للأمور التي ضمن لنا المسيح إعطائها في الآخرة.

عنى بقوله "هي بالجسد" كعادته: حياة تعقبها الميتوتة.

الرسالة إلى غلاطية

الفصل الثالث

1 يا أيّها الناقصة آراؤهم، معشر الغلاطيّين، من حسدكم؟ فها هو يسوع كأنّه كان مصوَّرًا تصويرًا نصبَ أعينكم إذ هو مصلوب.

يقول: بحبّ جزيل قبلتم الإيمان بالمسيح، ومثّلتموه بين أعينكم مصلوبًا. فبأيّ حسد (حسم في السريانيّة، تعني حسد. والواقع سحرٍ) ارتددتم عن تلك المحبّة؟ وفي قوله "من حسدكم" تخفيف للتوبيخ.

2 هذه فقط أحبّ أن أعلم منكم: أمن أعمال التوراة أخذتم الروح، أم من سماع الإيمان؟

يقول: كيف نلتم عطيّة الروح؟ أترى ذلك من أعمال التوراة؟ ولكن متى غنيتم بها (= بالعطيّة) إنّما كنتم وثنيّين. إلاّ أنّ الأعاجيب التي تجري على أيديكم، تدلّ أنّكم بالإيمان بالمسيح نلتم الاقتداء على اجتراحها بعطيّة الروح القدس، ومنه تُؤملون الانبعاث من الأموات، والدوام على البرأة (= التحرّر) من الموت، والعتق من التغيير.

3 أهكذا أنتم سخفاء؟ أنّكم بدأتم بالروح، والآن بالجسد تتمّون.

أي ابتدأتم بما يشاكل عطيّة الروح القدس، من اليقين بالبرأة من الموت، وأنّكم تحيون في القيامة، حياة لا موت بعدها.

يعني "بالجسد" أي اللحم والدم، الميتوتة. أي رجعتم عن البرأة من الميتوتة (اللاميتوتة) إلى الميتوتة. يقول: كلُّ هذا بلغ من جهلكم أن ترجعوا عن الحياة بالروح إلى عبوديّة التوراة كالمائتين.

10 لأنّ الذين هم من أعمال التوراة هم تحت اللعنة، وذلك كأنّه مكتوب "أنّه ملعون كلّ من لا يعمل بجميع ما هو مكتوب في هذه السنّة".

يقول: بلغ من بعد الأمم عن التبرّك بإبراهيم من قِبَل أعمال التوراة، أنّ الذين هم تحت التوراة لا ينجون من اللعنة، لأنّ التوراة قد حتّمت (فرضت) اللعنة على كلّ من لا يكمل شرائعها بالاستقصاء. ومن الممتنع (المستحيل) أن تبرأ الطبيعة الآدميّة في الدنيا من الخطيئة. ولو تبرّك أحد ما دام تحت التوراة، لكان تبرّكه عن غير رضى التوراة.

11 فأمّا أنّه ليس يتبرّر إنسان بالتوراة عند الله، فإنّ ذلك بيِّن ظاهر من أجل أنّه مكتوب: "إنّ البار إنّما يحيا بالإيمان".

يقول إنّ التوراة إنّما تطالب بالأعمال، ولن ينال أحدٌ منها ثوابًا إن لم يُكمل جميع شرائعها. فأمّا من يُنعَم بالحياة من الإيمان، فمعروف أنّه ليس من أعماله ينال ذلك، بل من كلمة الله يؤمل تلك الحياة.

"إنّ البار" من نبوّة حبقوق.

13 فأمّا نحن فإنّ المسيح ابتاعنا من لعنة التوراة، وهو صار بدلنا لعنة، لأنّه مكتوب: ملعون كلّ من يعلَّق على خشبة.

يقول: إنّ الدين الذي كان للتوراة على الناس، قضاه المسيح عنّا ببرّه، وأعتقنا من اللعنة المحتومة على معصيتها، وذلك أنّه ليس إنّها هو إنسان فقط، بل هو إله وإنسان. فبالاتّحاد مسيح واحد وابن واحد.

"صار بدلنا". أي قبِلَ موتَ الصلب كالخاطئ الملعون من التوراة، لأنّ السفر الخامس (تث) يقول: "إنّ من يُعلَّق على الخشبة ملعون مفترى". وهو إذ هو بريء من اللعنة برِّه بأعمال التوراة الحقيقيّة. ولذلك لم يكن يجب عليه الموت أصلاً، وذلك إنّ الموت إنّما يجب على من يُخطئ. احتمل الموت دوننا، وأعتقنا من لعنة التوراة. وأفادنا الحريّة من الموت.

14 كي تكون في الشعوب بركةُ إبراهيم بيسوع المسيح، ونأخذ نحن موعود الروح بالإيمان.

إمّا أن يكون قال كالمعلول (= النتيجة) ما يلزم من الأفعال أنفسها، وإمّا أن يكون عني هذا. أي لأنّ الله كان عالمًا في سابق علمه، بإيمان الأمم وكفر اليهود، جعل بركة المواعيد على الأمم، ولعنة التوراة على اليهود، لمن يجوز الأفعال، قال الرسول ذلك.

15 يا إخوتي، أقول كما يُقال بين الناس، إنّ وصيّة الإنسان التي تحقّقت لن يرذل أحد أو يغيّر فيها شيئًا.

يقول: أذكر ما عادته جارية بين الناس أنّ الرجل إذا مرض وأشرف على الموت، أوصى بوصيّة. لا يجرؤ أحد أن يزيد فيها شيئًا أو يغيِّر. فكذلك حالُ ما وعد الله به إبراهيم من أمر المسيح.

17 وأعني هذا أنّ الوثيقة التي حُقِّقت من قبل الله في المسيح، التوراة، التي كانت بعد أربع مائة وثلثين سنة لن تقدر أن ترذلها وتبطل الموعد.

يقول: إنّ الله وثّق لإبراهيم بأنّ جميع الأمم بنسله يتبرّكون. وإنّما كلّ ذلك في المسيح الذي آمنّا به كلّنا. إنّه من جنس إبراهيم. وبك ننتسب إلى إبراهيم أبًا ونؤمل البركة من الله. فالتوراة لن تقدر على إيصال هذا الوعد الموثَّق بالإيمان. فيبيّن بهذا القول أنّ شرائع التوراة تسير بخلاف ما وُعد به إبراهيم.

من سنة خمس وسبعين لعمر إبراهيم إلى مولد إسحق، خمسٌ وعشرون سنة وعاش إسحق إلى مولد يعقوب ستّين سنة. فذلك خمسٌ وثمانون سنة. وعاش يعقوبُ إلى مولد يوسف إحدى وثمانين سنة. فذلك مائة وستٌ وستّون سنة وعاش يوسف مائة وعشر سنين. فذلك مئتان وستٌّ وثمانون سنة. ومكث بنو إسرائيل في أرض مصر إلى أن خرجوا على يدي موسى مئة وأربع وأربعين سنة. فذلك أربع مئة وثلاثون سنة.

18 ولئن كان الميراث من التوراة، فليس هو إذن من الموعد، فأمّا إبراهيم فبالموعد أعطاه الله.

يقول: إنّ قول الله هذا لإبراهيم ذو موعد بأمر عظيم. فأمّا التوراة فإنّما تطالب بالعمل أوّلاً. وبعد ذلك تعطي الأجر، لأنّ الكدّ في شرائعها يوجب الأجرَ لا الموعد. إلاّ أنّا نرى أنّ الذي وُعد به إبراهيم من وراثة الأمم له، ليس بأعمال التوراة إذا كانت شرائعها إنّما أنزِلت بعد إبراهيم بنيّف وأربع مئة سنة. فإنّما ذلك إذن، نعمة من الواعد لا جواب من التوراة. فوعدُ الله إذا، هو الذي خوّلنا الشركة في البركة.

19 فما التوراة إذًا؟ إنّما زيدت من أجل الزيغ، يأتي الزرع الذي له كان الوعد، وأوتيت التوراة بسفارة (بأيدي) الملائكة على يد المتوسّط (الوسيط).

يقول فإن سألت ما كانت منفعة التوراة، إذ كان الوعد والنعمة تأخّرا، قلت لك إنّ منفعتها أنّها جُعلت في الوسط لتردع الناس ما أمكن من الزيغ إلى الخطايا.

يقول: أنزلت التوراة بخدمة الملائكة، وتوليههم أمرها، على يد موسى المتوسّط (الوسيط) كان فيما بين الله وبين بني إسرائيل.

20 وأمّا المتوسّط فليس لأمر واحد. فأمّا الله فواحد.

إنّ المتوسّط أين ما كان، ليست وساطته بين واحد، يقول: وكان موسى متوسّط بين الله وبني إسرائيل، لوصايا كثيرة، ضعيفة. فأمّا المسيح فتوسّط بين الآب والناس، أمرَ القيامة التي لا موتَ بعدها.

يقول إنّ الله الذي أعطى تلك الأمور على أيدي العبيد مثل موسى وأشباهه، أعطى هذه على يد الابن الوحيد.

21 أفالتوراة إذًا ضدّ موعد الله؟ حاش من ذلك. لأنّه لو كانت أنزلت سنَّة كانت تقدر أن تحيي، لكان البرّ حقًّا إنّما كان يكون من التوراة.

يقول إنّ التوراة قد أخبرتنا بنفعها، إلاّ أنّها مبطلة لوعد الله، لأنّها لو كانت لها قوّة على أن تبرِّر وتؤتي حياة الأبد، لكانت مبطلة لوعد الله. إلاّ أنّها تزهّد في الخطيئة وليست تطيق (لنا) الاعتاق منها.

22 إلاّ أنّ الكتاب حصر كلَّ شيء تحت الخطيئة، كي بإيمان يسوع المسيح، يُرفَع الوعد إلى الذين يؤمنون.

يقول: بمقدار ما كانت التوراة ترذل الخطيئة، كذلك كنّا نعرف شرَّها بضعفنا. وأنّا لا نطيق إكمال فعل الحسنى. فأمّا نعمة الله فحين قيسَتْ بها، بان فضلُها، وذلك أنّها جعلت الشيء الذي لم يكن يُدرَك بالتعب الكثير، سهلاً علينا. وتجعلنا في الآخرة (النهاية) نتصرّف بلا خطيئة أصلاً. فمنفعة التوراة في حينها ظهرت. إلاّ أنّ أمر المسيح فاق منفتعها بما لا يُحصى.

23 وأمّا قبل أن يأتي الإيمان، فإنّ التوراة كانت تحفظنا، إذ نحن محتسبون للإيمان الذي كان مزمعًا بالظهور.

يقول: قبل مجيء المسيح، كان تعليم التوراة يحتفظ بنا. فمنه ومن تقدمة أقوال الأنبياء عرفنا الله، وتوقّعنا مجيء المسيح ولا جرم. لمّا جاء المسيح، لم يعد مجيئه بديهًا (لا مؤمّلاً) بل مؤمّلاً.

27 لأنّكم، يا معشر الذين اصطبغتم بالمسيح، قد لبستم المسيح.

جملة هذه الأقوال هذا. أنّ بدء هذه الحياة لآدم، كان لنا ولجميع الناس الذين شاركوا إيّاه في الخلق وفي الطبيعة وغير ذلك. وكذلك المسيح كان بدء الحياة المزمعة، وكلّنا إيّاه نشارك في القيامة وفي البرأة (التحرّر) من الموت. وكأنّنا نصير عنده واحدًا في شركة الأمر. وكلّ واحد يقوم عند ذلك المقامة، مقام العضو، فلأنّه ليس هناك نكاح (زواج)، لا فرق هناك بين الذكر والأنثى. ولأنّه ليس للختام موضعٌ في الطبيعة التي لا تموت، ليس فرقٌ بين اليهوديّ والأمميّ، فإن كنتم قد صرتم في الصبعة (العماد) جسم المسيح، كذلك تصيرون في القيامة التي الصبغةُ مثالُها. والمسيح هو ذرّية إبراهيم. فيجب، ضرورةُ، لأنّكم جسم المسيح وذرّيّة إبراهيم، أن تكونوا ذرّيّة إبراهيم أيضًا.



[*]نشير هنا إلى أن كو دوّنت في إطار وثنيّ، ردٌّا على جعل المسيح أدنى من الملائكة والعناصر العلويّة. لذلك، كان كلام عن يسوع المسيح الذي هو صورة الله، الذي به خُلق السادة والسلاطين، ما يُرى وما لا يُرى.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM