الفصل 23: كو 6:2-23 الأمانة ليسوع المسيح

كو 6:2-23 الأمانة ليسوع المسيح

إعتاد بولس الرسول أن يقدّم التعليم الأخلاقيّ، وبعد ذلك يعطي الأساس الذي يستند إليه من أجل تعليمه. أمّا في هذه الرسالة إلى الكولوسيّين، فبدأ ورفع قلوب قارئيه لكي ينظروا إلى يسوع المسيح، بل لكي يسلكوا فيه؛ فهو الطريق التي يسيرون فيها، وهي طريق لا يمكن أن تؤدّي إلاّ إلى الحقّ والحياة. هم يحيون في يسوع بعد أن صار حياتهم، فتكون أعمالهم امتداداً لأعماله ومواقفهم إكمالاً لمواقفه. هكذا يبقى المسيح حاضراً في العالم، وإن هو صعد إلى السماء »وحجبته سحابة عن أنظارهم« (أع 1:9). غير أنّ كلّ هذا يفرض أمانة لذلك الذي »هو صورة الله الذي لا يُرى« (1:15)، لذلك الذي هو نور العالم. منذ الآن، نجا المؤمن »من سلطان الظلام« وانتقل إلى »ملكوت الابن الحبيب« (آ 13)، فلا يحقّ له العودة إلى الوراء فتكون العاقبة الحريق (عب 6:8).

هي أمانة مثلّثة مطلوبة في هذه الرسالة، بحيث ينسى الكولوسّيّون الأصوات السابقة التي اعتادوا أن يسمعوها، ويقفوا مع بطرس ويعقوب ويوحنا: »هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا« (مر 9:7). تجاه تعاليم الفلسفة، يدخلون في ملء ألوهيّة المسيح. تجاه الختان اليهوديّ، يأخذون ختاناً من نوع آخر، يُدفنون مع المسيح. تجاه ما يقوله العارفون الذين لا يحتاجون أن يعلّمهم أحد، تجاه الغنوصيين، لا يحسبون حساب الطعام والشراب وسائر الأمور. فهي كلّها »ظلّ الأمور المستقبلة«، »أمّا الحقيقة فهي في المسيح« (2:17).

1 - تعاليم الفلسفة

»فيلوسوفيّا«، محبة الحكمة. لا يُذكر هذا اللفظ في كلّ العهد الجديد إلاّ هنا. لا يتكلّم الرسول عن نهج أفلاطون ونظرته إلى المُثُل وصعود الأنفس، ولا عن طريقة أرسطو في مَنْطِقِه للوصول إلى المحرّك الأوّل الذي لا يحرّكه أحد، بل عن مناخ تنظيريّ يعيشه المؤمنون. فيه بعض الإبيقوريّة وبعض الرواقيّة.

فالإبيقوريّة أسّسها إبيقورس (341 - 270) ابن ساموس أو أثينة حين أسّس في العاصمة اليونانيّة مدرسة هي الحديقة. إنّ فكره جعل من الحواسّ معيار المعرفة والخلقيّة، ومن اللذّة التي تمنحها مبدأ السعادة، شرط أن نبقى أسياد نفوسنا، فلا ننحدر إلى ذلك المستوى الذي عرفته رومة في العهد الإمبراطوريّ، فانحدرت في الفساد.

هي فلسفة حياة جعلت بعضهم يكرمون إبيقورس إكراماً يصل إلى العبادة: »هو الاله«، كما قال تيطس موكيريتيوس (القرن الأول ق. م.) في »طبيعة الأشياء« (5:8). هو نبيّ يحمل إلى البشريّة تعليماً عن التحرير. لا شكّ أنّ في هذا النهج ما يمكن أن يجتذب الإنسان. ولكنّ حكم بولس واضح: هو كلام بشريّ، ولا يقدر أن يمنح الجواب على تساؤلاتنا. هو ضباب ندخل فيه لكي نصل إلى الباطل، إلى ما لا نفع منه.

والرواقيّة تعليم فلسفيّ أسّسه زينون الفينيقيّ (325 - 264) في كيتيون، في قبرص، وتواصل مع سينيكا، معلّم نيرون، ومرقس أوريليوس (121 - 180)، إمبراطور رومة الذي ترك لنا »الأفكار« التي دوّنها في اليونانيّة لكي تصل إلى الطبقة المثقّفة في عالم البحر المتوسط.

الرواقيّة هي قبل كلّ شيء خلقيّة، وحكمة حياتيّة. لهذا أثّرت على النفوس. إلاّ أنّها ترافقت مع نظرة إلى الطبيعة صارت فلسفة. فالإنسان سيّد نفسه في هذا الكون الواسع الذي صار قرية صغيرة. هناك خير واحد، والخطايا تتساوى.

تركت الرواقيّة مثاليّة أفلاطون، وشدّدت على ماديّة الكائنات، بما فيها النفس. كما نظرت إلى الكون المنظّم الذي يسوسه عقلٌ (لوغوس) قدير، ينال كلّ واحد منه »زرعاً عقلياً«. إذن، يعيش الانسان حسب العقل، فيصل إلى »أتاركسيا«، أي اللاشعور بالألم وعدم الخوف من القدر.

في الواقع، كانت هاتان النظرتان الفلسفيّتان (رج أع 17:18) مع نظرات أخرى موضع كلام وجدالات ومحادثات مطوّلة نجد أثراً لها في أثينة ساعة وصول بولس إليها: »يصرفون أوقات فراغهم كلّها في أن يقولوا أو يسمعوا شيئاً جديداً« (أع 17:21). فإلى ماذا يقود هذا الكلام عن عناصر الكون ودخول الإنسان فيها؟ انسحر المؤمنون بتعاليم اعتادوا عليها وما أرادوا أن يتخلّوا عنها. أخذوا تقاليد البشر في الحياة ونسوا تعليم المسيح. تعلّقوا بأقوال حول الآلهة، ونسوا أنّ في يسوع المسيح »يحلّ ملء الألوهيّة كلّه حلولاً جسدياً« (2:9).

يبحث الإبيقوريّ عن الراحة، ولكنّ الراحة الحقة هي في المسيح الذي قال: »تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالكم وأنا أريحكم. إحملوا نيري، وتعلّموا منّي تجدوا الراحة لنفوسكم« (مت 11:28 - 29). ويبحث الرواقيّ عن الكمال في حياة لا يسيطر عليها البشر ولا الأشياء، في حياة لا تخاف الموت. أمّا الانجيل فيقدّم كمالاً من نوع آخر، على مثال الآب السماويّ (5:18). يعيش المحبّة للأصدقاء كما للأعداء. يترك الانتقام ويوسّع قلبه تجاه الآخر أياً كان. يبتعد عن الغضب والزنى. ويسمع كلام الرب: »كونوا كاملين كما أن أباكم السماويّ كامل هو« (مت 5:48).

2 - تعاليم حول الختان والأعياد

منذ القرن الأوّل ق. م.، بدأت دعاوة واسعة قام بها اليهود، وتوسّعت هذه الدعاوة إلى العيش بحسب التوراة والتقاليد، فاجتازت العالم الرومانيّ، خصوصاً في الشرق، مع مملكة »يهوديّة«، هي مملكة حدياب على شاطئ الفرات، في العراق الحاليّ. وكلّنا يعرف الصعوبة التي لاقتها كنيسة غلاطية؛ فَبَعْدَ أن بشّرها الرسول بالحريّة المسيحيّة، فما دعاها إلى الختان ولا إلى سائر الممارسات اليهوديّة التي انطلقت من اجتماعات السبت في المجامع، جاء اليهود يهدمون ما عمله بولس.

هذه الأفكار اليهوديّة دخلت في قلب الكنيسة. وكان الصراع واضحاً في سفر الأعمال بين الذين جمعوا اليهوديّ والوثنيّ تحت شعار الإيمان، لا تحت شعار الختان: »يجب أن يُختتن غيرُ اليهود ويعملوا بشريعة موسى« (أع 15:5). ويبدأ الكلام عن »مجمع أورشليم« بحضور الرسل والشيوخ والكنيسة كلّها بخلاصة يمكن أن تحصر الكنيسة في بدعة محليّة، أو في فئة مثل الكتبة والفريسيين: »ونزل جماعة من اليهوديّة، وأخذوا يعلّمون الإخوة ويقولون: »لا خلاص لكم إلاّ إذا اختُتنتم على شريعة موسى« (أع 15:1).

أترى عاد الكولوسّيّون إلى عادة الختان، وفي النهاية قبلوا بهذه العلامة في الجسد على أنّها تمنحهم الخلاص؟ فجاء كلام بولس قاطعاً: »ففي المسيح يسوع، لا الختان ولا عدمُه ينفع شيئاً، بل الإيمان العامل بالمحبّة« (غل 5:6). فالمؤمن يصل إلى المسيح سواء جاء من الوثنيّة أو من النظرة اليهوديّة. وإلى الذين اعتبروا الختان أمراً مهمّاً جدّاً، ما رأى فيه بولس أكثر من عمليّة جراحيّة تتمّ اليوم مع الطبيب المختصّ. قال لأهل كورنتوس: »لا الختان له معنى، ولا عدم الختان، بل الخير كلّ الخير في العمل بوصايا الله« (1 كور 7:19).

إذن، لا حاجة بعد اليوم إلى الختان الذي لا يزيد شيئاً على حياة المؤمن، ولا ينقّص شيئاً. فمن اعتمد في المسيح، لا يحتاج إلاّ إلى الإيمان. ومن دُفن مع المسيح وقام، انتقل من عالم الخطيئة إلى عالم البرّ. بعد ذلك، لماذا يتعلّق المؤمن بممارسات عفّاها الزمن؟ أما يكفي صليب المسيح وحده؟ فلماذا العودة إلى الوراء؟ ويقول الرسول إلى أهل غلاطية: »هل وصلت بكم الغباوة إلى هذا الحدّ؟ أتنتهون بالجسد بعدما بدأتم بالروح« (غل 3:3)؟ ويبدو أن أهل كولوسّي عادوا يحنّون إلى الختان.

وفي أيّ حال، رأوا فيه فقط ختاناً خارجيّاً، ختاناً على مستوى الجسد. أرادوا أن يمزّقوا ثيابهم، لا قلوبهم. فالختان الحقيقيّ لا يكون بأيدٍ بشريّة، بل هو عمل الله، عمل المسيح الذي وحده يختن المؤمن، ينزع منه لا قطعة لحم صغيرة، بل »جسم الخطايا البشريّ« (2:11). هو تحوّل تام، واهتداء تام. فهل يستعدّ الكولوسيّون لمثل هذا الختان؟ ليسلّموا نفوسهم إلى يسوع وليعرفوا من به آمنوا، وفي من وضعوا رجاءهم، ولا ينظروا هنا وهناك وكأنّ المسيح لا يكفيهم. الأصوات عديدة، ولكنّنا نسمع فقط صوت المسيح. النظرات عديدة، ولكن نظرة المسيح وحدها تقودنا إلى الظفر إن نحن قبلنا أن نسير في موكبه.

تلك تكون الأمانة للربّ يسوع، لا على مستوى الظاهر، بل على مستوى القلب؛ لا بالكلام وحسب، بل بالعمل والحقّ. أوضح الرسول: نعمل بوصايا الله. وإن نحن لم نكن كذلك، وإن علّمنا الناس »الوصايا« ولا نعمل بها، نجعل الله كاذباً، فيجدّف الناس على اسمه القدوس (روم 2:24).

بالمعموديّة ارتفعنا إلى مستوى الروح، الروح القدس الذي يعلّمنا أن ندعو الله »أباً، أيّها الآب«، يعلّمنا أنّنا أبناء الله، فكيف نريد الرجوع إلى العبوديّة؟ الحياة في الروح معروفة: بالمحبة والفرح والسلام والأناة والوداعة (غل 5:22 - 23). والحياة في الجسد، في البدن وضعفه، في اللحم والدم، يذكرها الرسول بما تربطنا بالأرض. ما الذي يميّزها؟ »الزنى، الفسق، الهوى، الشهوة الردينة، الفجور« (3:5). وكلّ هذا هو عبادة الأوثان، ويتعارض كلّ التعارض مع عبادة الله الواحد. فإذا كان الزنى خيانة الآخر، فعبادة الأوثان زنى تجاه الله وعدم أمانة للذي »محا الصكّ الذي علينا للفرائض... وأزاله مستمرّاً إيّاه على الصليب« (2:14).

3 - تعاليم العارفين

برزت فئة قبل المسيحيّة وتجذّرت تجذّراً عميقاً في مصر. دُعيت الغنوصيّة، من »غنوسيس« اليونانيّة التي تعني: »العرفة«، »العرفان«. هي معرفة باطنيّة يكتشفها الإنسان في نفسه دون الحاجة إلى الخارج. انطلق هذا التيّار من العالم الهنديّ القديم، فوصل إلى اليونان مع سقراط وشعاره: »إعرف نفسك بنفسك«؛ ومع أفلاطون الذي رأى معرفته في حياة سابقة عاشها. مثل هذا التيّار لا يعرف الإله الشخصيّ الذي بدأ منذ البداية حواراً مع »آدم«، حين »كان يتمشّى في الجنّة عند برودة المساء« (تك 2:8).

والجواب كان مع أوغسطينس: »أعطني أن أعرفك فأعرف ذاتي«. فبما أن كيان الإنسان يرتبط بكيان الله، فالإنسان لا يقدر أن ينفصل عن الله. وإن هو انفصل عاد إلى العدم. ومع ذلك برز تيّار العارفين أو »الغنوصيّين«، كما نقول في اللغة العلميّة. هم يكتشفون الخير في باطنهم ولا يحتاجون إلى من يعلّمهم. قد يكون هناك من يدرّجهم، المعلّم الذي يرافقهم ويُدخلهم في أسرار هذا التيّار، فينتقلون من درجة البسطاء إلى درجة الكُمّال. هو »غورو«، لفظ جاء من الهند، وصار معروفاً في الحضارة الغربيّة من حيث وصل إلينا.

ولكن هل من معلّم سوى يسوع المعلّم الصالح؟ أترى الكولوسيّون يعيشون خبرة مملكة السامرة في زمن إيليّا؟ يعرجون بين الجنبين: تارة يذهبون إلى بعل، إله الخصب والمطر، وطوراً إلى »يهوه«، إله الصحراء والحروب، مع أنّه قال عنه هوشع: »يعطي للبشر القمح والخمر والزيت« (هو 2:10). يسمع أهل كولوسّي الصوت الغنوصيّ كما يسمعون صوت الابن. يفرحون »في الأعياد ورؤوس الشُهور وفي السبوت« (آ 13)، ولا ينسون الاجتماع الأسبوعيّ ليلة السبت والأحد. وهكذا يرضى الجميع، بعد أن صار الله إلهاً من الآلهة، ويسوع المسيح معلّماً بين المعلّمين. هكذا حسبه نيقوديمس: »نحن نعرف أن الله أرسلك معلّماً« (يو 3:2). هو معلّم لدى البشر، مثل نيقوديمس الذي يعرف. ولكن جواب يسوع كان واضحاً: أنت لا تعرف (آ 10)، مع أنّك تحسب نفسك معلّماً في إسرائيل.

جواب بطرس وحده بعد خطبة خبز الحياة، يُفهِم المؤمنين أن لا يسمعوا لأحد من البشر بعد يسوع. فكلام البشر يبقى على مستوى البشر، على مستوى الجسد، وكلام الروح يرفع المؤمن إلى السماء ويهب له الحياة الأبديّة. عن هذا التعليم الرفيع، صرخ بطرس ساعة بدأ التلاميذ يتركون يسوع: »إلى من نذهب يا سيّد؟ فكلام الحياة الأبديّة عندك! نحن آَمَنَّا بك وعرفنا أنّك أنت قدّوس الله« (يو 6:68- 69). كيف يجسر الكولوسيّون أن يبحثوا عن تعليم آخر، عن معرفة أخرى تبقى سريّة ولا تصل إلى العالم كلّه؟ عن معرفة تُحصر في نخبة من »المعلّمين«، ساعة يسوع جاء بنفسه من أجل المرضى والخطأة، ساعة يدعو يسوع إلى وليمته »الفقراء والمشوّهين والعرج والعميان« (لو 14:21)؟

هذه الصرخة تحتقر الجسد الذي هو سجن للنفس، ولا يستحقّ أن تقيم فيه. لهذا يبتعد »المتدرّج« عن كلّ ما يرتبط بالجسد. بل المسيح الذي اتخذ جسداً، صار أدنى من الملائكة. لهذا عبدوا الملائكة (2:18) وأصحاب العروش والسيادة والرئاسات والسلاطين (1:16). وبعد ذلك، أذلّ الواحدُ جسدَه، وعاش النسك: »لا تلمس، لا تذق، لا تمسك«. نحن أمام قواعد تتعلّق بطهارة الأطعمة. كما تشير إلى العفّة في ممارسة الزواج. فالطعام والشراب والممارسة الجنسيّة هي موقّتة، فانية، كما يقولون، إذن، فتحاشاها. وقدّم الغنوصيّون هذا التعليم على أنّه حكمة رفيعة، مع أنّ له ظاهر الحكمة. ما هذه الحكمة التي تستعبد الإنسان وتُنسيه الحرية التي تقود إلى فرح الأبناء؟ وقهرُ الجسد الذي ينادي به هؤلاء الضالون، يعارض كلام الله في الخلق: »رأى الله أنّ كلّ ما خلقه حسنٌ جداً« (تك 1:31). الطبيعة جميلة، والإنسان أجمل ما في الطبيعة، فلماذا نشوّهه باسم »أحكام وتعاليم بشريّة«، ولماذا نقوده في السراب في عبادات خاصّة تُعْتَبَر »تواضعا« وهي في الواقع كبرياء خفيّة تجعل المؤمن »يتميّز« عن أخيه في أعمال خارجة عن العادة، ينظر إليه الجميع، يدلّون بالأصابع، وهكذا لا يكون مثل الآخرين، بل يكون أرفع منهم، فيعلّمهم ويدرّجهم ولكن لكي يقوده إلى أين؟

فما هي هذه الحكمة البشريّة التي لا تنبع من حكمة الله؟ وما هو هذا المؤمن الذي لا يكون عضواً في الكنيسة التي رأسها المسيح؟ هناك رباط بين المسيح وكلّ واحد من أبناء الكنيسة، مع تواصل واتصال كما في أنابيب متّصلة. والخير من الواحد يصل إلى آخر. وما يعمله الواحد يكمّله الآخر بحسب الموهبة التي نالها. فبالمسيح يتقوّى الجسد، وبه ينمو بحسب مشيئة الله (2:19). أمّا من أراد الخروج، فيكون كالغصن الذي ينقطع عن الكرمة، هو لا ينفع، بل يُلقى في النار (يو 15:6). وأهل كولوسّي (ونحن معهم) لا يُثمرون إن لم يثبتوا في الكرمة (آ 4)، فيأخذون من حياتها ومن ماويّتها. أترى هؤلاء الكولوسيّون الضالّون اعتبروا نفوسهم أحياءً وهم موتى؟ أترى اعتبروا نفوسهم في النور، وهم في الظلمة؟ هم في الواقع عميان (يو 9:40). ولكنّ طريق العودة ما زالت حاضرة، والباب مفتوح للذين يريدون الدخول إلى الحظيرة، »فتكون الرعيّة واحدة والراعي واحداً« (يو 10:16).

الخاتمــــة

أمانة مثلّثة طلبها الرسول من أهل كولوسّي، بعد أن كثُرت فيهم التعاليم الملفّقة بين ممارسات يهوديّة ما عادت تنفع في شيء، لأنّها عمل بشريّ بعيد كلّ البُعد عمّا فعله الله حين أحيانا مع المسيح وصفح عن جميع خطايانا (2:13). ونظرات فلسفيّة تربط الكون بقوى الكون الأوليّة، فتستعبد الإنسان ولا تزال، مع أنّه تحرّرَ بالإيمان بيسوع المسيح (غل 4:9). وفكر غنوصيّ يحتقر الجسد ويقمعه، كما يرفض سرّ التجسّد وبالتالي الفداء، فيعتبر أنّ المسيح لم يُصلب لأجلنا.

تجاه هذه الخيانة المثلّثة على مستوى عادات البشر وتنظيرات الفلاسفة وممارسة العارفين، قدّم بولس الحياة الجديدة في المسيح، مع ثلاث ألفاظ أساسيّة: متأصّلين، هي جذور تذهب بعيداً في العمق فلا تهزّها الرياح العاتية؛ راسخين، هو بناء شُيّد على الصخر، فلا تقوى عليه أبواب الجحيم والخطيئة والضلال؛ ثابتين، هي أمانة يوميّة تدعونا إلى الشكر الدائم لذلك الذي لم يكتف بأن يعلّمنا، بل رسم لنا بحياته وموته الطريق التي تقود إلى الآب. يكفي أن نراه لكي نرى الآب. يكفي أن نسمعه لكي نسمع صوت الآب. هو ينبوع الماء الحيّ، فلماذا نبحث عن آبار مشقّقة لا تحتفظ بالماء؟ عرفته السامريّة والسامريّون أنّه وحده مخلّص العالم، فلماذا نبحث عن مخلّصين لا يقدرون أن يخلّصوا أنفسهم؟ فكيف يتجاسر المؤمن بعد الآن أن يفضّل كلام الناس على كلام الله؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM