الفصل 1: الحثيون الذين أقاموا في الأناضول التركي

الحثّيّون الذين أقاموا في الأناضول التركي

الحثّيّون، كما يقول التاريخ، هم سكّان أناتوليا الوسطى، أي ما يُسمّى اليوم الأناضول التركيّ. أقاموا في منطقة ضاقت واتّسعت على مرّ العصور هي أرض "حتّي". أمّا الكتاب المقدّس فتكلّم عنهم على أنّهم نسل حثّ أخي صيدون وابن كنعان وصغير حام (تك 10: 15، نصّ كُتب في حقبة متأخّرة). أمّا حتّي فموقعها في انعطاف نهر كيزيل أرماك (هاليس في اليونانيّ). وإحدى مدنها حتوشا هي قرب مدينة حديثة تدعى بوغازكالي أو بوغازكوي قرب نبع دليجي سو (كبادوكس. من هنا اسم كبادوكيّة أو الكبادوك) الذي يصبّ في كيزي أرماك. في هذه المنطقة أقام في نهاية الألف الثالث ق.م. شعب أسيويّ دُعيَ الشعب الحثّيّ ارتباطًا بالأرض التي أقام فيها (التاء والثاء تعادلان حرفًا واحدًا في عدد من اللغات). هم الأوائل. ثمّ عاش بينهم مهاجرون هندوأوروبّيون. فأستلموا السلطة السياسيّة في بداية الألف الثاني وأسّسوا مملكة واسعة. هم من يدعوهم المؤرّخين الحثّيّين بحصر المعنى.

وتحرّكت شعوب البحر التي هاجمت مصر ثمّ أقامت على ساحل سوف يُدعى باسمهم. هم الفلسطيّون. وعلى اسمهم دعا الإمبراطور هدريانس في القرن الثاني الأرض "فلسطين". ومنهم من دمّر أوغاريت. أو قام بحرب طروادة. في تلك الحقبة، أي القرن الثاني عشر، دُمّرت الإمبراطوريّة الحثّيّة التي امتدّت حينذاك حتّى سورية العليا، كركميش والفرات، وجنوب لبنان الشماليّ. في العصور اللاحقة سيظلّ الأشوريّون يدعون تلك المناطق "حتّي" وقد هاجموها أكثر من مرّة في نهاية القرن الثامن ق.م. بل دعوا حتّي كلّ ما هو غربيّ الفرات. حين أحلّ سرجون الأشوريّ (722-705. هو الثاني) محلّ عزوري ملك أشدود، مدينة الفلسطيّين، أخاه أحيميتي، "عاد الحثّيّون تدبيره وأقاموا يتنا (أو ياماني، الأيّونيّ المقيم في آسية الصغرى Ionie) ملكًا. هذا ما تقوله الحوليّات الأشوريّة (1: 215-216). حينئذ كانت حملة على المدينة سنة 711 مع احتلال تتحدّث عنه نصوص الشرق الأوسط (286. رج 287-288). حتّى الفلسطيّون صاروا الحثّيّين في نظر الأشوريّين. هنا نستطيع أن نفهم ورود كلمة "حثّيّ" أكثر من مرّة في النصوص البيبليّة.

*  *  *

الحثّيّون الأوائل

في العصر الحجريّ القديم والكلكوليتيّ أو الحقبة الممتدّة من الحجريّ إلى البرونزيّ. منذ ذلك الوقت، أقام الإنسان في آسية الصغرى التي تقابل تركيّا الحاليّة، حيث وُجدت هنا أو هناك أغراض للاستعمال اليوميّ. في نهاية عصر البرونز (النحاس) كُشف فخّار جديد مطبوخ مع اللون الأحمر والزينة الخطوطيّة. في تلك الحقبة، دخلت الأرض عنصرٌ إتني جديد يختلف عن السكّان الأوّلين. كما وُجد فخّار أرمينيا في منطقة فان، ومن القوقاز الجنوبيّ. إنتهى الفخّار القديم في بداية الألف الثاني. هذا يعني تأسيس الإمبراطوريّة الحثّيّة في ذلك الوقت.

بدأت المنطقة فاتّصلت بملوك أكاد، بالأكاديّين، منذ القرن السادس والعشرين. هذا ما نقرأه في نصوص حثّيّة متأخرّة أخذت عن الأدب الأكاديّ. أمّا سرجون الأكاديّ (2584-2530) فهو بطل ملحمة عنوانها "شرّ تماري" أي ملك القتال. وُجدت نسخة بابلونيّة في تل العمارنة في مصر، ونسخة أشوريّة في خراب أشور، وشذرات في حتوشا، في اللغة الحثّيّة.

ونقل الحثّيون أخبارًا ملحميّة حول فرام سيخا، الخلف الثالث لسرجون. فقد وجب إليه أن يحارب سبعة عشر ملكًا، وبينهم فمبا، ملك حتّي وزيفاني ملك كانيس. في هذا الإطار نشير إلى أنّ عددًا من الملوك الأكاديّين دخلوا في الميتولوجيا الحوريّة بانتظار أن تنتقل إلى الميتولوجيا الحثيّة.

في كانيس (اليو، كولتابي، تبعد 18 كلم عن قيصريّة) كشفت لويحات عديدة من الحقبة الباليوأشوريّة (الأشوريّة العتيقة) منذ سنة 1878 ودُعيت اللويحات الكبادوكيّة. هي الأرشيف العائليّ للملوك الأشوريّين. كانت كانيس هذه مركزًا تجاريًّا هامًّا. عبر الفرات الأعلى، في منطقة ملاطية ووادي دجلة وسورية العليا، كانت تتمّ الاتّصالات مع أشورية. فترسل آسية الصغرى النحاس وتستورد النسيج وأمورًا أخرى. تدلّ الأسماء الواردة في اللوائح على ارتباط بالإله أشور (أشوربانيبال مثلاً). وُذكر اللوفيّون أيضًا الذين هم شعب هندوأوروبّي جاء في منتصف الألف الثالث، وأقاموا في الجنوب الغربيّ من تركيّا حتّى كيليكيا. كلّ هذا وجدناه على أختام وأسطوانات نحاسيّة آتية من بلاد الرافدين، مع الختم المسطّح الذي سوف يسيطر مع الإمبراطوريّة الحثّيّة.

لا نعرف الكثير عن تاريخ هؤلاء الشعوب الأوائل "بروتوحثّيّين". ولكن وُجدت معطيات عن ديانهتم في الأدب الحثّيّ اللاحق. البانتيون أو مجمع الآلهة، يجد على رأسه إلاهة اسمها "فوروسامو". كان معبدها في مدينة "أرينة". ستصبح مع الحثّيّين "شمس أرينة". زوجها إله الجوّ وأسماؤه عديدة وقد امتدّت عبادته من آسية الصغرى إلى سورية العليا وكنعان. ولد هذان الزوجان الإلهيّان عددًا من الأولاد، ولا سيّما إلهيْ الجوّ في مدينتين مقدّستين "نيريق" و"زيبلندا".

*  *  *

الحثّيّون. الإمبراطوريّة الحثّيّة

هنا نترك "البروتوحثّيّين فنصل إلى الحقبة التي فيها وصل اللوفيّون وقبائل أخرى هندوأوروبّية. وقد دلّت عليهم حفريات تمّت في حتوشا، بوغازكوي، هي حقبة بدأت في نهاية مرحلة اللويحات الباليوأشوريّة. منذ بداية الألف الثاني وحتّى دمار الإمبراطوريّة، في بداية القرن الثاني عشر. كيف نقرأ تسلسل الزمن؟

بعد فيتانا وأنيتا، ملكي كوسار، اللذين هما الأميران الأرلان المدوّنان في اللويحات الباليوأشوريّة، نقرأ اسم توتاليبي الأوّل، وأبنيه بوسرما وباواتلما. ويُعتبر لابارنا ابن بوسرما، مؤسِّس الإمبراطوريّة القديمة. حلفَهُ حتوشيلي الأوّل ثمّ حفيد حتوشيلي، مورشيلي وصهر مورشيلي حننيلي... وأوّل أمير في الإمبراطوريّة الجديدة هو توتاليجا الثاني. خلفه ابنُه حتوشيلي الثاني، وحفيده توتاليجا الثالث... مواتلّي خلف أباه مورشيلي الثاني...

يروي نصّ حثّيّ أنّ مورشيلي الأوّل احتلّ بابل ووضع حدًّا للسلالة الأموريّة شوبيليولوما عاصر أمينوفيس الثالث المصريّ (1419-1384). وامتدّ ملكه بعد حكم أمينوفيس الرابع (1384-1368 أو 1370-1352)، مواتلّي هو خصم رعمسيس الثاني في معركة قادش على العاصي، في السنة الخامسة للفرعون، سنة 1305 أو 1300. وكانت معاهدة بين رعمسيس الثاني وحتوشيلي الثالث في السنة الحادية والعشرين للفرعون، أي سنة 1289.

في زمن اللويحات الباليوأشوريّة، كان النظام السياسيّ في وسط آسية الصغرى، نظام المدن الدويلات، كما في بلاد الرافدين السفلى، وفي كنعان مع جبيل وصيدا وصور وأوغاريت وأورشليم وحاصور. أمير كلّ مدينة يُدعى الملك. وحين يسيطر على عدد من المدن المجاورة، يُدعى أمير الأمراء أو عظيم العظماء روب أوم. راب ي أوم". كان فورشندا أحد هؤلاء العظماء.

بعد موت سرجون الأوّل، حوالي سنة 2030، سيطر الاضطراب على أشورية قرابة 50 سنة إلى أن وصل إلى الحكم ريم سين في لارسا (2035-1975) ما استطاع الأشوريّون أن يحافظوا على موقعهم في آسية الصغرى. فاستفاد فيتانا وابنه أنيتا من المناسبة ليوسّعا سلطانهما. فوصل الأوّل إلى نيصة (مواطن غريغوريوس النيصيّ). والثاني حارب حلفًا مؤلّفًا من أربعة ملوك، بمعونة الإلاهة أرينة، فاحتلّ مدنهم. أفلت رئيسُهم فيجوستي، ملك حتوشا، وألّف حلفًا ثانيًا. حاصره أنيتا في عاصمته وجوّع أهل المدينة فاستسلموا ودُمِّرت المدينة وزرعت فيها نبتة "زح ل ي" التي ترمز إلى العالم الصحراويّ.

وقام أنيتا بعد ذلك بعدد من الحروب، ثمّ رمّم المدن وبنى المعابد. في حملته الأخيرة، رافقه فورشندا (أ ي ش. الأمير، أمير الأمراء) فأخذ منه لقبه وفرض عليه أن يسلّمه عرشه الثمين وصولجانه اللذين كانا من حديد، المعدن الهامّ في بداية الألف الثاني. كلّ هذا نقرأه في نصّ وُجد منه نسخات عديدة: لويحة أنيتا. ولكن يبقى السؤال حول الحدّ الفاصل بين التاريخ والأخبار الخياليّة التي تأخذ من هنا وهناك.

فيبقى أنّ تاريخ الحثّيّين يُصبح أكيدًا بعد لابرنا الذي يُعتبَر مؤسِّس الإمبراطوريّة القديمة. وسّع مملكته الصغيرة توسيعًا فوصلت إلى البحر. وأقام أبناء أمراء وحكّامًا في المدن التي احتلّها. وأسّس مملكة مركزيّة شبيهة بما سيعمله حمورابي في بلاد الرافدين السفلى، قبله بزمن قصير.

وترك ابنه حتوشيلي الأوّل وصيّة سياسيّة، ذكر فيها كيف قتل ابنه الذي تمرّد عليه، وحطّ ابن أخته بعد أن كان رفعه وسمّى مورشيلي ابن حوزيجا وارثه. واصل حتوشيلي سياسة والده، وحاول أن يحتلّ حلب، ذاك المركز التحاريّ الدوليّ الهامّ. سيحتلّ المدينة ابنه مورشيلي الأوّل الذي يهاجم أيضًا بابل بمساعدة أموريّي الفرات الأوسط. تآمرت عليه زوجته وابنه البكر فما نجحا. ولكنّ صهره حنتيلي قتله وتسلّم السلطة، فحارب الحوريّين حتّى البحر الأسود. دمّروا مدينة مقدّسة نيريق ولبثت غير مأهولة حتّى زمن توتاليجا الرابع في القرن الثالث عشر.

وتوالت المؤامرات إلى أن أتى توتاليجا الثاني فأسسّ الإمبراطوريّة الحديثة. عند ذاك كان الفرعون تحوتمس الثالث يحتلّ كنعان ويتقدّم إلى الفرات ويتّصل بميتاني، الأرض الحوريّة التي امتدّت إلى الغرب واحتلّت جزءًا من سورية الشماليّة مع حلب. إستعاد توتاليجا المدينة ولكنّها سقطت في يد الحوريّين ، فعاد الحثّيّون يحاصرونها. ومع توتاليجا الثالث كانت أزمة خارجيّة قطعته عن سورية الشماليّة. ثمّ أزمة داخليّة فيها مات ابن الملك مقتولاً.

ويتواصل التاريخ الحثّيّ حتّى بداية القرن الثاني عشر. تزول الإمبراطوريّة ويبقى الاسم مع شعب نيوحتّي حتّى احتلال المنطقة بيد الأشوريّين.

*  *  *

الديانة الحثّيّة

لدى الحثّيّين، كما لدى شعوب الشرق الأوسط، تُشرف الديانة على كلّ أعمال الحياة الفرديّة والجماعيّة والسياسيّة. وما نعرفه عن ديانة الحثّيين نقرأه في نصوص كُشفت في بوغازكوي، في لويحات حتوشيلي الثالث وتوتاليجا الرابع، في القرن الثالث عشر.

من هم آلهة "حتّى"؟ عبد الحثّيّون، شأنهم شأن سكّان بلاد الرافدين، كلّ تجلّيات قوى الطبيعة، والمضامين الخلقيّة المجرّدة. لهذا كان عدد الآلهة كبيرًا جدًّا، فوصل إلى ألف إله. نقرأ في معاهدة بين مواتلي وألاكسندرو ملك ويلون: "هذه الآلهة الألف التي لشمسي لابرنا مواتلي، الملك العظيم، آلهة حتّى وآلهة ويليوسا، توسلتُ إليها". وفي معاهدة حتوشيلي الثالث ورعمسيس الثاني، بعد معركة قادش على العاصي التي لم تُحسَم، ذُكر ألف إله لحتّي وألف إله لمصر.

هم "آلهة حتّى" و"آلهة الأرض". ويميَّز الكبار عن الصغار، والذكور عن الإناث، ولكلّ إله ذبائحه كما لكلّ إلاهة. هناك آلهة السماء (سارازس) وآلهة الأرض (جتارس). وقد يدعون بأسماء بابلونيّة: أيجيجي، أنوناكي. الآلهة القديمة انتهى دورهم. وبعد أن سكنوا السماء نزلوا إلى الأسافل انحطّت قدرتُهم فدُعوا كشهود للقسَم الاحتفاليّ. أمّا النصوص فقدّمت لنا اسم 700 إله وإلاهة: الشمس، رب السوق التجاريّ، ربّ المخيّم العسكريّ، رب العون والمساعدة، إله حلب... إله جبل لبنان، إله جبل سريانا. رج تث 3: 9: "وحرمون يسمّيه الصيدونيّون سريون". أترى كانت علاقة بين الحثّيّين والصيدونيّين، فتبادلت دولةُ آلهة دولة. ونقرأ أيضًا في مز 29: 6: "يجعل (جبل) لبنان يقفز كالعجل، وسريون (=حرمون) كولد الثور الوحشيّ".

جميع الآلهة يظهرون في شكل بشريّ، أنتروبومرفي (أنتروبوس: الإنسان) وهذا ما يميّزهم عن الجنّ الأشرار والصالحين، في بابلونيّة وفي أشورية. آلهة الحثّيّين يصوّرون بشكل إنسان، بشكل حيوان، أو بمزيج من الاثنين، كما في مصر. وهي تمثّل الصفات الخلقيّة والجسديّة (الجمال). الآلهة أسياد والبشر عبيدهم. من هذا المفهوم تنطلق الديانة، والعلاقة بين الآلهة والبشر، من أجل تنظيم البلاد وحياة الجماعة والأفراد.

في قمّة البانتيون: إلاهة أرينة. وزوجها إله الجوّ، إله الفضاء، إله الهواء (أف 2: 2: "رئيس القوّات الشرّيرة في الفضاء") أبناؤهم أربعة: إله الفضاء في نيريق. إله الفضاء في زيفالندا. الإله شمش، الشمس. ثمّ تيليفينو، إله الخصب ابنتهما ميزولا. حفيدتهما زنتوحي.

آلهة أرينة: لا اسم لها. بل ترتبط بالمدينة. دُعيت فوروسامو لدى البروتوحثّيّين. وتماهت مع الإلاهة حافت الحوريّة مع الإمبراطورّة الحثّيّة الجديدة. تُرسم في الاحتفالات بثلاثة تماثيل وخمس أسطوانات (شموس أرينة). هذا يعني أنّها إلاهة ترتبط بالشمس. إلاهة شمسيّة. صوّرت على صخور يزيليكايا في رأس الآلهة الذين يسيرون في تطواف.

حسب ملك حتّي سيّدة الأرض، واستشارها في أموره، ورفع إليها الصلوات من أجل شعبه ومن أجل المملكة، كما طلب منها أن تحطّم الأعداء. وكان يضع عند قدميها أعمال حكمة، وتفاصيل المعاهدات مع الحلفاء.

إله الجوّ: أو إله الفضاء. هو تسوف في الحوريّ. هود في سورية الشماليّة هو إله الحرب. يعاون إلاهة أرينة لمساندة الملك في القتال. مرّة يكون هو في المقدّمة، ومرّة هي. تارة هو يضمّ الملك وطورًا هي (أختام معاهدة حتوشيلي الثالث ورعمسيس الثاني).

الإله شمش: كادت إلاهة أرينة وزوجها يخسران الصدارة في زمن الإمبراطوريّة الجديدة: في ثورة أخيناتون (المصريّ) الدينيّة، أخذ شمش المكانة الأولى في الديانات. وهكذا جعل شوفيلوليوما لشمش حتّي، في المقام الأوّل، أقلّه في العلاقات الخارجيّة. وفي أيّ حال، كان على مستوى والديه. هو الديّان السامي، يدعو الآلهة للاجتماع، يتفحّص قلوب البشر والحيوان، ويعاقب الأشرار. يظهر في ثلاثة أشكال: شمس السماء في النهار. الشمس في الماء. شمس الأرض في الليل.

الإله تيليفينو. الابن الرابع لإله الفضاء. حفظ اسمه كما عند البروتوحيثيّين. هو يجسّد خصب الحقول والحيوان والإنسان. قد تكون صورته مرسومة في يزيلينايا وهو حامل غصنًا في يده. زوجته هي حتيفينو. في جواره، الإله حلقي، إله الحبّ والبذار. ثم حانجالو إله الخصب (اسم سومريّ). والإلاهة كمروسيفا المتخصّصة في فنّ التعزيم والرقيّة من أجل شفاء المرضى.

الإلاهتان ميزولا وزنتوحي: الأولى أحبّ إلهَيْ نيريق وزيبالندا، وشمش وتيليفينو. ترافق مع والديها مورشيلي الأوّل في حملاته العسكريّة. وترفع إلى الآلهة صلوات البشر. أمّا زنتوحي فهي بجدّيّتها صوريّة يُنظر إليها كما تتوسّط بين البشر والآلهة الكبار.

كلّ هؤلاء آلهة من الحقبة البروتوحثّيّة. ومعهم تقف الإلاهة ليلواني. شقيقة إله الجوّ. له عيد في حتوشا. ومنها طلبت الملكة "جسدليا" قولاً نبويًّا على أن تقدّم لها ذبيحة شكر. ولكن حين تقاعست – أصابها المرض.

ومن الآلهة الحوريّة مع تسوف وهيفات، نذكر عشتار التي أمّنت الحماية لحتوشيلي الثالث وحياة رفاه.

ونذكر على مستوى الميتولوجيا خبر تيليفينو، الذي تشارك فيه كلُّ حضارات آسية، يزول الإسلام فتتباطأ الحياة في الكون، ولا نستعيد العزم إلاّ في عودة الإله. وهناك أسطورة الإلاهة كمروسيفا: تعين البشر في حميع أمراضهم.

*  *  *

العلاقات بين الآلهة والبشر.

الفكرة الأساسيّة في الديانة الحثّيّة هي أن الآلهة أسياد والبشر عبيد. والعلاقة بين الاثنين كتلك التي بين الملك وعبيده، أو ربّ البيت وخدمه. إحترام وطاعة تجاه اليد، وجزاء خير للأخيار وشرّ للأشرار. يمنح الآلهة حمايتهم وبركتهم للمؤمنون الذين يقومون بواجبهم على أكمل وجه. ويلاحقون الآخرين بانتقالهم. لا هرب من العقاب، لأنّ الآلهة صالحون ولكن قد يتأخّر العقاب فلا يتبع الذنب حالاً. وقد يصيب البارّ أيضًا. هذا الواقع حفظه الملك مورشيلي الثاني فثار ودلّ وجدانه على ثورته في صلاة أمام الوباء الذي يضرب شعبه.

من الفكرة الأساسيّة في هذه الديانة، ينتج أنّ آلهة حتّي وناسها يكوّنون فيما بينهم مجتمعًا منفصلاً يتعامل مع المجتمعات القريبة حيث يتألّف كلّ مجتمع من آلهة  ومن بشر. كالإلاهة أرينة تدير شؤون البلاد وتعقد معاهدة مع آلهة البلدان الأخرى أو تعلن الحرب فتدلّ على العداء. وبين الآلهة والبشر، يكون الملك مسؤولاً يختاره الآلهة فيتميّز عن بني جنسه. ولكنّه يبقى خاضعًا للآلهة. وإن أطاعه البشر أطاعوا الله. وإن عصوه عصوا الله. والعصيان لملك خطيئة توازي عصيان الآلهة. والملك الذي هو وسيط، مسؤول لا عن أعماله وحسب، بل عن أعمال الشعب. وهكذا يكون الملك متضامنًا مع شعبه أمام الآلهة، في العقاب وفي الثواب.

والإنسان الذي يتعبّد للآلهة في كلّ دقائق حياته، يدلّ على احترامهم حين يقوم بواجباته ويقدّم الذبائح ويشارك في الاحتفالات الدينيّة. وكما الخادم يطلب من سيّده عملاً يوافق ذوقه، كذلك يطلب المؤمن من إلهه مصيرًا أفضل. وكما العبد يقدّم الخدم لسيّده، كذلك البشر يؤمّنون خدمة المعابد ويقومون بأود الكهنة والعاملين معهم. وكما يجازي الملك عبده خيرًا، كذلك يفعل الآلهة. وكما العبد المظلوم أو المخطئ يتوجّه إلى سيّده، ليحصل على حقّه أو ليكفّر عن خطيئته، كذلك يفعل المؤمن لكي ينجو من الشرور. في الخطيئة، يقرّ بذنبه، بضعفه. ويدلّ على ندامته، ويصلح ما سبّبه من ضرر للآلهة، ويتعهّد تجاههم في المستقبل.

العقاب الأكبر هو الموت، ولا سيّما في ريعان الشباب. ثمّ المرض الذي سببه الخطيئة. فلا بدّ من تخليص المريض من خطيئة اقترفها هو أو غيره، ومصالحته مع الإله الذي أغضب. لهذا كان الطبّ الحثّيّ في جوهره عملاً دينيًّا. وقد تنتقل الخطيئة إلى الحيوان فيُذبح. هذا ما حدث لمورشيلي الثاني حين خسر إمكانيّة المنطق. وهناك أعمال سحر ترتبط بالصلوات والذبائح لشفاء المريض. مثلاً، طقوس تونادي لشفاء الإنسان من العجز الجنسيّ.

قد يكون الذنبُ إراديًّا أو لا إراديًّا. فالتجاوز الخارجيّ لإرادة الإله تكفي لأن يُحسب الإنسان خاطئًا. وبما أنّ الآلهة ينظّمون مسيرة الأحداث، فلا بدّ من معرفة إرادتهم: إمّا لكي نتوافق معها الآن وفي المستقبل، وإمّا لكي نكفّر عمّا صدر منّا في الماضي. ونكتشف إرادة الإله في حركات الكواكب ولون النجوم والإسترولوجيا وعلم التنجيم، هي علم يفسّر هذه العلامات. هي ظواهر خارجيّة، أو أحلام. فالملك متوشيلي الثالث نال حماية إلاهة سموحا، فشجّعته بمثل هذه الوسائل. ونحن لان ننسى الرقاد في المعبد طوال الليل ووسائل السحر والتعزيم. كلّ هذا يترافق مع العبادة والذبائح. من أجل هذا وُجد الكهنة بطبقاتهم المختلفة والعبادة تتمّ في الهيكل حيث يقيم الإله في التمثال، كما في الطبيعة وعلى الجبال وضفاف الماء. يستبعد الغريب من الهيكل، ويُقتل إن شارك، لأنّه نجس.

تتضمّن العبادة الرسميّة الاهتمام بنظافة الصنم، تأمين الأكل اليوميّ، له، تأمين النزهة له لكي يشارك في الألعاب والأعياد الاحتفاليّة. أمّا الأعياد الكبرى فترتبط بمسيرة الفصول الأربعة وبأعمال الحقل. يترأّس الاحتفال الملكُ والملكة مع جميع الوجهاء. فيتقدّم الخبزُ واللحم، وبعد ذلك تكون الوليمة. نتذكّر أنّ الملك مسؤول عن المعابد، عن إدارتها والمحافظة على أملاكها. مثل هذا نجده مثلاً عند يؤآش ملك يهوذا: "جميع أعمال المنذور، والمال الوارد إلى هيكل الربّ بدلاً من الذبائح ومال التبرّعات... ترقّمون هيكل الربّ" (2 مل 12: 5-6). فقصّر الكهنة، فدعا الملك يوآش يوياداع وسائر الكهنة وسألهم: "لماذا لا ترقّمون ما تهدّم من هيكل الربّ" (آ 8).

*  *  *

تلك نظرة سريعة إلى الحثّيّين الذين أقاموا بشكل خاصّ في أناتوليا أو الأناضول، إلى هناك وصل الغلاطيّون وأقاموا حول أنقيرة التي هي أنقرة الحاليّة. لم يصل الحثّيّون يومًا حدود فلسطين، ولكن الحضارة التي عرفوها هي التي نقرأ عنها في الكتاب المقدّس: تنظيم الخدمة: الملك، عظيم الكهنة، عظماء الكهنة، الكهنة العاديّون، الخدّام. ثمّ تقدمة الذبائح تكفيرًا عن الخطايا. وهناك المحرّمات التي تنجّس الملك أو الكاهن. وعلى مستوى الحقوق: المرأة التي تدخل في بيت تصبح ملك هذا البيت. وشريعة السلفيّة حاضرة، كما في فلسطين، حيث الشابّ يتزوّج امرأة أخيه المتوفّي لكي يؤمّن له نسلاً: "إذا امتلك رجل زوجة، ثمّ مات، يأخذ أخوه زوجته" (البند 193). في حال الزنى، إن وجد الرجل امرأته مع آخر في حال الزنى، قتل الاثنين معًا، وإلاّ يسلّمهما إلى العدالة ويطلب لهما العقاب المناسب.

ذُكر الحثّيّون أكثر من مرّة في التوراة: أوريّا الحثّيّ (2 صم 11-12) الذي هو قائد مرتزقة في خدمة داود. قد يكون جاء من حماة المملكة النيوحثّيّة التي ارتبطت مع يهوذا بعلاقات صداقة. ويذكر 1 صم 26: 6 أبيمالك الحثّي الذي رافق داود حين كان يلاحقه بعدُ شاول. وتروي المراجع الأشوريّة أن أخاب ملك إسرائيل تحالف مع ملك حماة النيوحتّي، فانتصرا على شلمنصّر الثالث في معركة قرقر، سنة 853 ق.م.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM