خاتمة

خاتمة

تلك كانت مسيرتنا بين كورنتس ورومة. فرومة بمجتمعها المتعدّد وبسكّانها الذين وازوا المليون إن لم يتجاوزوه. وصل إليها الإنجيل وما بقي على مستوى الغرباء والعمّال والجنود والعبيد، بل إلى قصر الإمبراطور نفسه. وسوف يخاف نيرون من هؤلاء الذين يتكاثرون، فلا يقف في وجه نموّهم عائق. فيحرق المدينة لكي يستطيع أن يتّهم المسيحيّين. ويتحدّث المؤرّخون عن أصحاب "كرستوس"، أي المسيح. هم يجتمعون في الأسبوع، وينشدون للمسيح على أنّه الإله. فأين عبادة رومة؟ وأين الإمبراطور الذي بدأوا يؤلّهونه منذ أوغسطس الذي يعني اسمه الرفيع والمتسامي؟ وهو لقب الآلهة. نسوا اسمه البشريّ أوكتافيوس. واحتفظوا باسمه الإلهيّ. ومن هم هؤلاء "الصعاليك" الذين يتجرّأون ويتحدّثون عن إله آخر. وكتب بلبنس الأصغر: ماذا يفعل بالمسيحيّين في بيتينية من أعمال تركيا؟ يصفح عن الذين يجحدون إيمانهم. والآخرون ينالهم العقاب القاسي.

وكورنتس المدينة التي أحبّ بولس، وقضى فيه سنة ونصف السنة. وكان صراع بينه وبينها، كما الابن مع أبيه. يريد أن يعلّمها، أن ينقلها من عالم يهدّد المسيحيّة فتصبح مؤسّسة بشريّة، إلى عالم هو جسد المسيح حيث الأعضاء يُغني بعضهم الآخر. ولكنّهم لا يحتملونه. رسول متطلّب. لا يراعي ما يقوله البشر. لا يخاف أحدًا، لأنّه لا يخاف الموت. لا شكّ في أنّه حرّر اليهود من نير الشريعة، ودلّهم على نير آخر، نير ليّن وحمل خفيف. ولكنّ متطلّبات الإنجيل تتفوّق على كلّ ما يمكن أن تطلبه شريعة موسى والشرائع البشريّة. والوثنيّون حرّرهم من آلهتهم، آلهة الخشب والحجر. لم يعودوا عبيدًا، فلماذا يرجعون إلى ما كانوا عليه في السابق من أجل منفعة مادّيّة أو سياسيّة؟

إلى هاتين المدينتين الكبيرتين دخلنا. وهناك حاولنا أن نقرأ الرسائل البولسيّة. بين حجارة تدلّ على ما كانت هاتان المدينتان. في نصوص من الكتاب ومن خارج الكتاب. في حضارة رومانيّة ويونانيّة زُرع فيها الإنجيل. هل نكتفي هنا. كلاّ؟ بل سنعود قريبًا إلى تركيّا الحاليّة، إلى مناطق بشّرها بولس في أوّل رحلة رسوليّة له، ولبث فيها حتّى النهاية بعد أن استودع شيوخ أفسس صيّته الأخيرة. لأنّه لن يعود يراهم. ولكن لا نستبق الأمور. فإلى كتاب لاحق يكون عنوانه: تركيّا، بين الأناضول الحيّة وآسية اليونانيّة والرومانيّة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM