الفصل 23: يوحنا الذهبيّ الفم في (1:18)

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

يوحنا الذهبيّ الفم في (1:18)

مقدّمة

ولد الذهبيّ الفم في أنطاكية حوالي سنة 250، وتعلّم الخطابة على يد ليبانيوس الشهير. بعد أن تنسّك بعض الوقت في الجبال، عاد إلى أنطاكية، ورُسم شمّاسًا سنة 381، ثمّ كاهنًا سنة 386. تسلّم مهمّة الوعظ في كنائس المدينة، فقام بما طُلب منه مدّة اثني عشر عامًا، من سنة 386 إلى سنة 397. في ذلك الوقت، قدّم العظات العديدة حول أسفار العهد القديم (التكوين، المزامير، أشعيا)، وأسفار العهد الجديد (متّى، يوحنّا، أعمال الرسل، قورنتس الأولى والثانية، غلاطية، فيليبّي، كولسّي، تسالونيكي، تيموتاوس، تيطس، والعبرانيّين).

أمّا العظات على الرسالة إلى رومة فهي 32 عظة، وهي تُعتبر أجمل ما وعظه يوحنّا وأفضل ما ترك الآباء من تفسير. قال أحد الآباء: "كنوز حكمة العالِم يوحنّا وافرة بشكل خاصّ في تفسيره للرسالة إلى رومة. فلو أراد بولس الإلهيّ أن يقدم رسائله في لغة اليوم، لما كان تفوّق في الكلام على هذا الملعّم الشهير... وإنّ أوغسطينس سوف يستقي ثمانية مقاطع من العظة العاشرة، ليبرهن على أنّ يوحنّا لم يأخذ بالأفكار البيلاجيّة، في كلامه حول الخطيئة الأصليّة" (ضدّ يوليانس، سنة 422، وخلال الجدال البيلاجيّ، والتشديد على الحريّة البشريّة على حساب النعمة).

 

روم 1: 18: "غضب الله"

قيلت هذه العظات في أنطاكية، ولم يكن يوحنّا بعد قد صار أسقفًا، ربّما بعد العظات على إنجيل يوحنّا، التي قيلت حوالي سنة 391. وها نحن نقدّم مقتطفات من العظة الثالثة التي تنطلق من روم 1: 18: "فغضب الله معلن من السماء على كفر البشر وشرّهم. يحجبون الحقّ بمفاسدهم". وإليك نصّ هذه العظة: الفقرة 1، 3:

1- أنظروا إلى فطنة بولس؛ فقد جعل في خطبته الأفكارَ المريعة تلي الأفكار المعزّية فبعد أن قال إنّ الإنجيل هو ينبوع خلاص وحياة، هو قدرة الله بالذات، هو مبدأ التبرير والقداسة الفاعل، عاد إلى ما يجب أن يملأ بالمخافة العقول التي تخضع لمثل هذه التعاليم. بما أنّ معظم الناس تجذبهم إلى ممارسة الفضيلة المواعيد لا التهديدات، قدّم هذين الحافزين الاثنين؛ فالله نفسه لا يكتفي بأن يَعِدَ بالملكوت، بل يعلن أيضًا عذابات جهنّم. والأنبياء الذين تكلّموا إلى اليهود يمزجون دومًا النظرة إلى الشقاء مع النظرة إلى السعادة.

2- هذه الوجهات عينها نجدها لدى الرسول، لا عن طريق الصدفة، بل لهذا الترتيب الذي لاحظناه: ينتقل من الرعب إلى الوعد، فيجعلنا نفهم أنّ خيرنا هو فكرة الله الأولى، وشقاءنا هو نتيجة الفساد والإهمال. تلك كانت السيرة التي سارها النبيّ: "إذا قبلتم أن تسمعوا لي، تكون لكم وفرة ثمار الأرض. وإن لم تريدوا أن تسمعوا لي، يأكلكم السيف" (أش 1: 19-20). وتصرّف بولس هنا في الشكل عينه، قال: "وجاء يسوع يحمل إلينا الغفران والبرّ والحياة، وأعطانا كلّ هذا بالصليب. وما هو عظيم ومدهش، هو أنّه أراد أن يتحمّل العذابات الكثيرة ليمنحنا النعم الكثيرة. فإن كنتم تستخفّون بسخائه، فلا تنتظروا سوى العذاب".

لاحظوا اللهجة الرفيعة التي يتّخذها كلامه: "أعلن غضب الله من السماء". فيقال لنا: "كيف تعرفون ذلك؟" أجيب: "إذا كان المتكلّم مؤمنًا من المؤمنين، نورد أقوال المسيح نفسه، وإن كان لا مؤمنًا، إن كان من الأمم (الوثنيّة)، يُقفل له بولس فمه بما يلي، لأنّه سيعالج دينونة الله، ويستخلص برهانًا لا يُردُّ من أعمالهم. والغريب هو أنّه يدلّنا على خصوم الحقّ الذين يعملون على إيضاح الحقّ في ما يفعلون كلّ يوم ويعملون.

ولكن هذا يأتي في ما بعد؛ لهذا نتوقف الآن عند النصّ الذي أمامنا: "غضب الله أعلن من السماء". هذا ما نراه مرارًا في حياتنا حاضرًا: المجاعات الأوبئة، الحروب، هي أدوات هذا الغضب.

وتصيب الضربة الأفراد والشعوب؛ فما هو خاصّ في ذلك، هو أنّ العقاب سيكون هائلاً، فيحلّ بالجميع، ولا يستعمل الوسائل ذاتها. فهدفه اليوم هو توبتنا، وبعد ذلك تأتي العقوبة. ثبّت بولس هذه الحقيقة حين قال: "نؤدّب الآن لئلاّ يصيبنا الحكم على العالم" (1 قور 11: 32)...

3- الشيء الأوّل الذي وبّخهم عليه هو أنّهم لم يمجّدوا الله. والثاني، لأنّهم لم يستفيدوا من أسهل الوسائل وأنجعها. والثالث، لأنّ هذا لم يمنعهم من أن يعلنوا نفوسهم حكماء. الرابع، لأنّهم لم يمجّدوا الله، بل جعلوا من عبادته عبادة للشياطين أصنام الحجر والخشب. ووبّخ أيضًا عجرفتهم في الرسالة إلى الكورنثيّين، وإن اختلف الأسلوب هنا. ضربهم هناك بالصليب، قائلاً: "ما هو جاهل بحسب الله هو فوق حكمة البشر (1 قور 1: 25). وسخر هنا من حكمتهم دون أن يقيم مقابلة، فبيّن أنّها جهالة، وأنّها تشهد على صلفهم. وإذ أراد بولس أن يقنعهم بعد ذلك بأنّهم حصلوا حقًّا على معرفة الله، وأنّهم حرموا نفسهم منها، استعمل هذه اللفظة "بدّلوا". فحين نبدّل نعتبر أنّنا نمتلك الأفضل. لقد تجاوزوا الحدود الموضوعة لكي ينموا، وحبّ الجديد هذا جعلهم يخسرون ما كان لهم من قبل. هذه السمة تشرف على تاريخ اليونانيّين كلّه؛ فقد كانوا دومًا يحاربون بعضهم بعضًا: قام أرسطو على أفلاطون، وأرسطو حاربه الرواقيّون باحتدام، لهذا لم تتوقّف المجادلات. ولهذا نحن لا نعجب بهم بسبب حكمتهم، بل نرفضهم ونمقتهم بسبب جهالتهم التي هي نتيجة كلّ هذا.

راح بولس أيضًا في اتّهامه، فهاجم عبادة الأصنام ككلّ. أمّا التبديل في هذه الحالة فهو ذروة السخرية. والتبديل، كما فعلوا، إلى مثل هذه الأغراض، هو جرم لا يغتفر. ونتطلّع إلى هذه الأغراض التي بها افتخر عابدو الأوثان، وجب عليهم بالأحرى أن يتذكّروا أنّ الله وحده يستحقّ اسم الله وأنّه السيّد المطلق لجميع الكائنات، وأنّه أخرجها من العدم، ويهتمّ بالكلّ بحبّه وحكمته. بهذا يقوم مجد الله.

أمّا هم فإلى مَ نسبوا هذا المجد؟ لم ينسبوه إلى البشر، بل إلى صور باطلة عن البشريّة السريعة العطب. وما توقّفوا هنا، بل انحدروا إلى عبادة البهائم، بل إلى عبادة صورة البهيمة. وأرجوكم أن تلاحظوا فكر بولس المدهش في المقابلة بين هذين النقيضين: الله، من جهة، والزحّافات، من جهة أخرى؛ لا الزحّافات وحسب، بل صور الزحّافات. لا شيء يبرّر جنون الأمم مثل هذا. فمعرفتم لكائن كلّيّ الكمال، نقلوها إلى أحطّ ما في العالم.

 

خاتمة

وتقولون لي: "بماذا يعني كلّ هذا الفلاسفة"؟ أجيب: "كلّ ما قيل حتّى الآن يعنيهم بشكل خاصّ. كان معلّموهم المصريّين الذين اخترعوا مثل هذه العبادة. فأفلاطون الذي اعتبر أوّل الفلاسفة يفتخر بأنّه نال مثل هذه الدروس...

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM