الفصل 8: سيناء عربي كودكس 151

سيناء عربي كودكس[*] 151

عصيان الجميع (3:1-10)

1 فما فضل اليهوديّ إذًا، أو ما درك (= قيمة) الختان؟

يقول: ولعلّك يا يهوديّ تقول: فلا ربحَ لي إذًا من هذا الاسم، وإنّما تتباين عن الأمم باطلاً.

2 كثير في كلّ شيء. أمّا أوّل ذلك، فلأنّ (كلام) الله تحقّق.

يقول: فأنا أجيبك وأقول: أنّ الدرك من ذلك كثير. وأنا مادح لمبايعتكم الأمم.

يقول: أفضل الخيرات من ذلك، أي من الاسم والختان، هو أن صحَّت وصايا التوراة، على أن تكمل في خدمة الله.

3 لأنّه إن كان بعضكم لم يؤمنوا، أفلعلّهم بما لم يؤمنوا أبطلوا إيمان (= أمانة) الله؟

يقول: فإن نحن لم نفعل مسرّة التوراة، فليس اللوم على التوراة، بل علينا.

4 حاشَ من ذلك. وذلكم أنّ الله صادق وكلّ إنسان كاذب، كما هو مكتوب: »أنّك تكون عدلاً في كلامك، وتغلب إذا حاكموك«.

يقول دليل ذلك أنّا إذا كذبنا، لم نستطع أن نغطّي صدق الله. ولتحقيق ذلك، جاء بشهادة الكتاب في المزامير.

يقول: »قد قال داود في طلب الرحمة لهم بعدما سُبوا إلى بابل لسوء أعمالهم. إنّك إن خاصمك (داود) وُجدتَ قد عاقبتنا العدل، ولم تكن لنا حجّة«. فبان عن ذلك أنّه العدل، لأنّه قد عاقبهم، وأنّه المتفضِّل (= صاحب الفضل) لإمهاله لهم مرّة بعد مرّة.

5 فإن كان إثمنا يُثبت عدل الله، فماذا نقول؟ ألعلّ الله جائر إذ يجلب سخطته؟ إنمّا أتكلّم كالإنسان.

أثبت هذه الحجّة التي كان المحاري (= صاحب البرهان) يمكنه أن يردّ عليه بها. ثمّ ينقضها.

كان اليهود يقولون إنّ الله منعمٌ رحيم. فحين نخطأ يتنعّم علينا. فحوّلت قولهم الأممُ وقالت إنّ اليهود يقولون: »نعمل الشرّ ليكثر الخير«. ويحتجّون عليهم بهذه الحجج. فأنكر (الرسول) ذلك ولم يقبل منهم.

إذ يجلب الرجز (الغضب) على الإنسان.

أي: هذا يظهر من قوله: »إن مخالفينا الظانّين أنّا معشر اليهود، نزعم أنّ شرَّنا يُثبت عدل الله وتَفضّله (فضله، وفرة عطاياه).

6 حاش من ذلك. وإلاّ كيف يدين الله العالم؟

يقول: »حاشَ«. بيّن أنّه قبيح أن يقول قائل: إن عقوبة الله ليست عادلة.

7 لأنّه إن كان حقّ الله تفاضل بكذبي لمجده هو، فلِمَ إذن أُعاقَب أنا كالخاطئ؟

يقول: إن كان شرّ الناس يُظهر جلال الله، ولا يمكن ظهوره إلاّ بخطاياهم، فبالباطل إذن يُنزلُ النكال بالمجرمين.

8 أولعلّه كما يعيِّرون علينا ويقولون: إنّ نقول: »نعمل السيّئات لتأتي الخيرات«. أولئك الذين عقابهم محفوظ للعدل.

كان اليهود يعيشون بهذا القول بأنّ الله صالح، رحيم. وإذ نحنُ نخطئ، في كلِّ حين يُظهر طيبَه وإحسانه، لأنّ، لا يتحوّل عن فضله. فغيّر ذلك قومٌ من الأمم وقالوا إنّ اليهود يزعمون أنّه ينبغي أن نعمل السيّئات، بعد أن أظهر الله فضله علينا. كشف بولس ذلك، ووبَّخ من حوّل قولهم.

يقول: »إنّ الذين يظلموننا بهذا الكلام، سوف يلحقهم عقابٌ عادل. وبيَّن بذلك شدّة حنقه على الذين ادّعوا على اليهود هذه الدعوى.

9 فأيّ فضلٍ في أيدينا؟ إذن، نحن الذين تقدّمنا فجزمنا على اليهود وعلى الأمم أنّهم كلّهم تحت الخطيئة.

يقول: فإذا وبّخنا الشعوب واليهود أنّهم مخطئون، فلنفضِّل الآن فصل أخينا وما إليه ندعو.

10 كما هو مكتوب »أنّه ليس بارّ ولا واحد«.

هذه الشهادة مكتوبة في المزمور الثالث عشر على ما في اليونانيّ، وفي المزمور الثاني والخمسين (مز 14: 53).

 

حرّيّة الله المطلقة

17 لأنّه قد قال الكتاب لفرعون: »إنّي إنّما أقمتك لهذه، كي أُظهر بك قدرتي، ولكي يُنادى باسمي في الأرض كلّها.

أثبت أيضًا هذه الحجّة (= البرهان) عنهم من السفر الثاني من التوراة (= الخروج) لاستقصائه على نفسه (وكأنّ الرسول يتكلّم عن نفسه). وذلك أنّهم كانوا إذا تأوّلوا كلام الكتاب على ما يهوَون، كانوا يحتجّوا بحجّتين. إحداهما، إن كان الله يجعل الذين يشاء صالحين وطالحين، فلا استطاعة لنا أن نختار أحد الأمرين. والأخرى، إن كان يُنعم بالخيرات على من يشاء، ويُنزل أنكال بمن يشاء، فليس أسباب ذلك من عندنا.

18 فهو إذًا يرحم من يشاء، ويتعصّب (= يشدّد) على من يشاء.

19 وعساك أن تقول: »على ماذا يلوم (الله) لأنّه من يقاوم مشيئته«؟

جعل الآن يفسخ الحجّة الأولى. يقول: »فأنتَ الآن تقول إنّك لست تستوجب لائحة على الذهوب ولا عقوبة لأنّك بالجبر تتبع مشيئة الله.

20 فأنتَ الآن من أنت، الإنسان، حيت تراد (تردّ) على الله بالحواب؟ ألعلّ الجبلة تقول لجابلها: »لماذا جبلتني هكذا«؟

يفسخ الآن هذه الحجّة بالتوبيق (أي الإلغاء). يقول: أخبرني، يا أيّها الزاعم، أنّه ليست لك استطاعة تفعل بها ما شئت. كيف قولك في نفسك إنّك تستطيع تمييز الخير من الشرّ، وأنّك بالجبر (= مجبرًا) تفعل ما يشاء الله؟ وها أنت ذا تُوجَد على خلاف قولك. وذلك أنّك بمرادتك (بردّك على) لله ومجاوبتك إيّاه، تدلّ أنّك بالحقيقة تعلم الفرق بين الخير والشرّ، لأنّك تفاضل منهما كليهما، وتجتهد أن تنسب إلى الله بسبب ما تفعل كيما تبرّئ نفسك من اللائحة على ما ترتكب. فإن كان ليس من شأن من لا يعلم ما الفرق بين الخير والشرّ المماحّة عنهما (موضوع الجدال)، فكيف قلتَ: »من يقاوم مشيئته«؟ وظهر أنّك قد قاومتَهُ بقولك. فلست إذًا بموافقتك مشيئتَه تفعل جميع ما تفعل، بل بمشيئته نفسك وهودك تؤثّر (= ترغب) الموافقة لشرائعه أو المخالفة لها.

»ألعلّ الجبلة«. جاء بقياس ممّا يحدث بين العامّة، وهدف كتاب أشعيا النبيّ، أي آنية خزف من الأواني التي عُملت للبدلة، لامتْ صانعَ الخزف وقالت: »لِمَ لَمْ تجعلني للصوف« (لكي أحفظ، لا لأنّ أبذل)؟ فلو كنتَ هكذا خلقك الله غير ذي عقلٍ ولا تمييز، موضوعًا في خلقتك إلى الشرّ كالأشياء التي لا نطق لها، وأوعية الخزف لم تكن تبيّن فيك تمييز الخير من الشرّ، ولا كنتَ تعني بإلحاق اللائمة على أفعالك بالله، بل كنتَ لا محالة متَّبعًا لما رُكِّب في طبعك، مسرورًا به، مهما كان. فأمّا الآن، فإذ كنتَ تعرف الخير وتجادل فيه وتذمّ عمل الشرّ، وتحتال أن تضيف علّة ذنبك إلى الله، فقد بان النطقُ والعلمُ الذي في جوهرك، وهو العلم الذي به تُحسّ أن تميّز الخير من الشرّ، وتختار مهما شئتَ منهما، وذلك أنّه لو كان الله أجبر طبيعتك على مشيئته، إلاّ أنك ها أنت ذا تجادل في تمييز الخير والشرّ، وتمدح الخير وتذمّ الشرّ، فاعرف من ذلك أنّك لم تُجبَر على الشرّ من قِبَلِ الله، بل بإرادتك تختار ما يُعجبك.

21 أوليس الفاخرانيّ (الفخّار) مسلَّطًا على طينه أن يعمل من الجبلة أواني، بعضها الكرامة بعضها للهوان.

22 فإن كان شاء الله أن يبيّن رجزه (= غضبه) ويعرِّف بقدرته، جلب، بكثرة طول أناته، الرجز على أواني الرجز للهلاك.

يقول: فإن سألتَ: لمَ ليس كلُّ الصالحين يُثابون في الدنيا، ولا كلّ الطالحين يُعاقَبون في الدنيا، قلنا إنّ هذه الدنيا جعلها الله (أو عمل) لا دار ثواب وجزاء، لأنّ الجزاء أفرز له الآخرة، إلاّ أنّه لمّا أراد أن لا يُشكّ في الجزاء الكامن في الآخرة، أظهر في هذه الدنيا أشياء تدلّ على حقيقة ذلك، كي يستصلحنا بذلك. فربّما أنزل العقوبة ببعض الطالحين لتوبيخ أمثالهم. وربّما أنعم على الصالحين لتحريض نظراتهم وتثبيتهم، فهو يمهل للأشرار مثل فرعون حتّى يعظُم شأنهم في هذه الدنيا. فإذا ظهرت شرورهم لكلّ أحد، أنزل بهم حينئذٍ النقمة، ليعطي الناس »قياس« (نموذج) أنّ الخاطئين لن ينجوا من العقوبة. وكذلك يُشرّف الصالحين بلا أمل، كفعله بموسى وغيره، ليدلّ على شرف الثواب الذي يُعطى للأبرار في العالم المزمع.

بيان سبب رسالة بولس المغبوط إلى أهل كورنتوس.

إنّ المغبوط بولس، لمّا نصَّر كثيرًا من أهل كورنتوس، من الشعوب واليهود، عمد (= توجّه) إلى رجل من الأمم (الوثنيّة)، ممَّن شُهر بالحكمة والورع، وأظهر عند دخوله في النصرانيّة، فضلاً كثيرًا. فاستحلفه على أنّ يقوم مقامه في التعليم والتبصّر بما يجب للدين. فعرض لهذا الرجل، بعد زمان، ما يعرض لضعف البشر من الاستكبار، حتّى تسمّى باسمه كثير من المؤمنين وانتسبوا إليه. فأهملهم سرورًا منه بانتسابهم إليهم. وامتثلهم (= وتمثّل بهم) في ذلك غيرُهم في الانتساب إلى معلّميهم. ثمّ زاد على ذلك، أنّه تزوّج امرأة أبيه علانية، وتراقى (= ووصل) به أيضًا الأمر إلى أن كان إذا دعاه إخوانُه والوثنيّون يستهزئون بالمتنصّرين منهم، إذا رأوه يفعل ما يفعل، وسائر المتنصّرين يغتمّون لذلك.

ثمّ تشعّب المراء (= الرأي) بينهم في عطايا الروح القدس، فكان من أوتي عطيّة دون عطيّة صاحبه، يستطيل عليه، يعوِّقه عن تعليمه. ثمّ إنّ نساءهم أيضًا خطفن درجة التعليم، وكنّ يعلّمن الرجال والنساء في البيعة. ثمّ كانوا أيضًا لتشتّت أمرهم يدَعون حكّامهم ويذهبون إلى السلطان. إلاّ أنّهم في ذلك قد كتبوا يستفتون بولس في أمر التزوّج. ثمّ كانوا يعملون طعامًا في الكنيسة، تشبّهًا بالعشاء الذي عُمل للمسيح، وكانوا يفعلون فيما ينبغي منه، ولقلّة قوادّهم كانوا يتمرمرون في خدمة البيعة. ثمّ كان منهم قوم يشكّون في القيامة.

فكتب المغبوط بولس إليهم هذه الرسالة الأولى في جميع هذه الأمور المصنَّفة صنفًا صنفًا، وافتتح ذلك بالتوبيخ على انتساب تلاميذ خليفته إليه، وصيرورتهم حزبًا منفردًا، إلى أن شرح لهم ما يحتاجون إليه من إزاحة العلّة في جميع أمورهم. ثمّ استتمّ الرسالة، ثمّ بيان سبب رسالة بولس الأولى إلى الكورنثيّين.

 

حكمة وجهالة

17 لأنّه لم يرسلني المسيحُ لأعمِّد بل لأبشِّر لا بحكمة الكلام، كي لا يتعطّل صليبُ المسيح.

يقول: قد يمكن من ليس هو بحواريّ (= رسول) أن يصبغ (يعمّد) مثل القسيس. فأمّا التبشير فلنا خاصّة.

أي، ما أبشّر الناس بزخرفة الحكمة البشريّة.

يقول: لو كنّا نبشّر بالإنجيل بحيلة الكلام، لم تكن تظهر قوّة صليب المسيح.

»بحكمة الكلام«. من ها هنا يقع في من يفخر بالحكمة البشريّة. ويقول: لو كنّا نتشبّه بالذين بزخرفة الكلام يتكّلمون، لم تكن لتظهر القوّة التي لصليب المسيح.

18 لأنّ كلمة الصليب للهالكين جهالة، فأمّا لنا، معشر الأحياء (= المخلّصين) فإنّها قوّة الله.

كلمة الصليب، أمر الصليب عند الكافرين، جهل وحمق.

يقول: أمّا عندنا، معشر المؤمنين، فإنّ أمر الصليب دليل على قدرة الله.

19 لأنّه مكتوب: »إنّي أهلك حكمة الحكماء، وأعدِم رؤية الفهماء«

يقول: قد وعد الله في نبوءة أشعيا بإهلاك حكمة هذه الدنيا.

20 أين الحكيم، وأين الكاتب، أو أين مجادل هذا العالم؟ أليس ها هوذا قد حمَّق الله حكمة هذا العالم؟

يقول: أين الحكيم بين الأمم، المفتخر بصناعة المنطق وجماله.

يقول: أين السافر (سفر الكتاب: كتبه). أي الكاتبُ المعلّم بين اليهود، الواعد بتعبير (بتفسير) التوراة.

يقول: أين مجادلُ هذه الدنيا الذي يتضمّن إبانة الحقّ بالبرهان؟

يقول: أما ترون أنّ كلّ الحكمة التي كانت تُعجب الناس، قد بيّن الله أنّها جهل، وسفه، وسخف، وحمق ظاهر؟ وذلك أنّ حكمة اليونانيّين هذوٌ (هذيان) في القول على الله مقالات مختلفة، متفاوتة، متلوّنة، تدلّ أنّهم لم يُدركوا الحقّ، وأنّ حكمتهم جاهلة.

21 لأنّه من أجل أنّ بحكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، شاء الله أن يحيي (يخلّص) الذين يؤمنون بمستحيل البشرى.

يقول: لأنّ الناس لم يستدلّوا على الله بالحكمة الواضحة في نظام الخلائق وثبوتها، أحبّ الله أن يُحيي المؤمنين بالصليب، الذي يظنّه الكافرون جهلاً، وسخفًا، وذلاً، وضعة.

جهالة البشرى، أي الصليب الذي يظنّه الذين لا يؤمنون، جهلاً وذُلاً.

22 من أجل أنّ اليهود يسألون الآيات، والوثنيّين يطلبون الحكمة

»اليهود« يفخرون بآيات موسى، ويسألون أن نعمل لهم مثلها.

»الوثنيّون« يفخرون بحكمة الدنيا وبهذيان الآلهة، ويمّنون علينا مثل حكمتهم.

23 فأمّا نحن فنبشِّر بيسوع المسيح مصلوبًا، عثرة لليهود وجهالة للوثنيّين.

يقول: فأمّا نحن فنضع بإزاء ذلك الصليب والسياسة (= التدبير) التي كملت به.

24 فأمّا لأولئك المدعوّين من اليهود والوثنيّين، فإنّ المسيح قوّة الله وحكمة الله.

يقول: أمّا نحن المؤمنين من الفريقين، فنعلم أنّ المسيح صُلب، وسياستُه دليلٌ على حكمة الله وقوّته المنيعة، لأنّا لسنا نتفرَّس في طبيعة ذلك الذي صُلب، بل في جوهر ذلك الحالّ فيه، الذي هو بقدرته، أقام هيكله بعد ألمه وموته. ودليل ذلك، الآياتُ والمجترحات التي نعملها بسمة الصليب وذكره.

25 من أجل أنّ جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس.

أي الصليب الذي يُستَجهَل ويُستضعَف، استدلّ الناس على الله بعد أن لم تدلّهم عليه الحكمةُ البشريّة.

 

ذبائح الأوثان

1 فأمّا أمرُ ذبائح الأوثان، فنحن نعلم أنّ فينا أجمعين علمًا، والعلم يدعو إلى الخيلاء، فأمّا الحبّ فيبني.

صرف (= وجّه) الآن كلامَه إلى ذلك الرجل الذي كان متقلّدًا (حاملاً) تعليمهم. وذلك أنّه في رئاسته إيّاهم، يفخر بالحكمة، ويذهب علانية مع إخوانه من الوثنيّين إلى بيوت الأصنام، فيأكل من لحوم ذبائحها. فكان إذا لامه أحدٌ على ذلك، احتجّ بأنّه ليس بعدُ الصنمُ شيئًا، وليس يضرّ اللحمَ شرّ واحد. فكذلك جعل كلامه بقصده فيقول: »نحن نعلم أنّ لنا علماً«. إلاّ أنّه حيث يُوجَد العلم، ربّما وُجد عنده الاستكبار. فما بالك يا هذا تهذر وتذكر هذا العلم، الذي هو لك ولنا أيضًا، بأنّ الأوثان ليست شيئًا ولا ذبائحها؟

2 فإن ظنّ أحدٌ أنّه علم شيئًا، فلم يعلم بعدُ شيئًا كما ينبغي له أن يعلم.

أراد البيان (= أن يبيّن) بأنّه من السخَف أن يفخر الإنسان بالعلم. يقول: لا يذهب عليك أنّ الذي نعمله من أمر الله، عزّ وجلّ، لسنا نعمله بالاستقصاء، ولا بالإدراك. لأنّ الأمور التي هي خفيّة عنّا من أمور الله، أكثر ممّا هو لنا مكشوف، لأنّ ذلك الجوهر هو غير مُدرك.

3 وإن كان أحد يحبّ الله، فإنّ هذا قد عُرف فيه (= لديه).

لأنّه قال: »إنّ الحبّ يبني«، قال: لأنّ المحبّ لله قد خصّه الله بالزلفى (المنزلة والقربة) عنده، وأهّله لأن يكون عنده معروفًا، واجتذبه إليه لاستحقاقه.

4 فعلى أكل ذبائح لأصنام إذن، قد نعلم أنّ الصنم ليس هو في الدنيا شيئًا، وأنّه لا إله إلاّ الواحد.

5 لأنّه إن كانت أشياء تُدعى آلهة، إمّا في السماء وإمّا في الأرض، كما أتى آلهة كثيرة وأربابٌ كثيرة.

أراد توبيخ الوثنيّين والبيان بأنّهم إذا ادّعوا آلهة كثيرة، فإنّما يدّعون أربابًا كثيرة، لأنّ الذي هو إله بالحقيقة، هو ربّ بالحقيقة. ولذلك استعمل في تعليمه اسمَ الله والربّ الدالَّين على إله واحد. إلاّ أنّه بيّن بذلك فضل الوجهين.

»تدعى«. من يدعوها؟ الوثنيّون.

»كما«. أي كما يزعم الوثنيّون.

6 ولكنّه إنّما لنا نحن، واحد هو الله الآب، الذي الكلُّ منه، ونحن به. وواحد الربّ يسوع المسيح الذي الكلّ بيده، ونحن أيضًا بيده.

»لنا نحن«. أراد أن يبيّن أنّه ليس لإقراره بالآب والابن، يقول بربَّين وإلهَين، بل إنّما الإله الواحد لا إله غيره. وإنّ جميع الأشياء التي يسمّيها الوثنيّون آلهة بالكذب، استُعير لها هذا الاسم. ولذلك، لما قال: »واحد هو الله الآب«، لم يقل »وواحد الربّ الابن«، بل قال: »واحد الربّ يسوع المسيح«، ليبيّن أنّه ليس يقول كالوثنيّين »آلهة كثيرة وأرباب كثيرة«، بل أوقع على كلّ واحد منهما اسم الواحد. وهو اسمٌ دالٌّ على ذلك الجوهر المنفصل من كلّ.

قال: »منه«. أي من الآب. و»بيده« أي بيد الابن. وها كان اللفظتان معناهما واحدٌ ها هنا = أي بفعلة قبلْنا رجاءَ خيرات الآخرة.

قوله »نحن به ونحن أيضًا بيده«، يفرّق بين عنايته بالأولياء، وبين العناية بالشياطين والناس الأشرار.

»وواحد«. أي واحد هو الربّ الحيّ. يُدعى يسوع، لأنّ الله الكلمة سكن في الإنسان، وأعطاه أن يُسمّى باسمه. ودليل ذلك أنّه زاد فقال بعد: »يسوع المسيح، للدلالة على جلالة المانح للإنسان. فيكون تأليف المعنى هكذا: واحدٌ الربّ الذي يُدعى يسوع، لأنّ مسْحَ الروح القدس، جعل ليسوع من أوّل خلقه، اتّصالاً واتّحادًا عند الله الكلمة، وإشراكه في كرامته. ولذلك بالعدل يُسمّى مسيحًا. وما أحسن ما أوقع على الأب اسم اللاهوت. وأنّه علّة الخلق بقوله »منه«. وأوقع على الابن المسيح اسم الربوبيّة، وأنّه ضابط الخلق بقوله »بيده«. وذلك أنّ اللاهوت والخلق والربوبيّة والضبط عامّة للآب الابن والروح، ليدلّ على وحدانيّة الله، لأنّ ما كان ربٌّا حقٌّا فهو إلهٌ حقٌّا، وما كان إلهًا حقٌّا فهو ربّ حقٌّا. وفي اسم يسوع المسيح دليل على اللاهوت والناسوت، لأنّه يدلّ على الإنسان الذي أخذ، وعلى الروح الذي مسحه، وعلى الابن الأزليّ الحالِّ فيه، الموحَّد به، الذي هو ابن الآب (إله وإنسان، مسيحًا واحدٌّا حقٌّا).

7 ولكن ليس في كلّ إنسان معرفة، لأنّ من الناس قومًا، بنيّاتهم حتّى الآن على الأوثان كهذي الذبيحة يأكلون، ولأنّ نيّتهم ضعيفة تتدنّس.

بعد إثباته أنّ الإله الذي خلق الخلق، واحد، وأنّه لا إله غيره. جعل الآن يقصد بكلامه ذلك الرجل الذي كان يحتجّ بالمعرفة بهذا الأمر. يقول: قد تعلمُ علمًا يقينًا أنّ الوثن ليس شيئًا، لأنّه لا إله إلاّ هذا الواحد الذي نعرفه نحن. إلاّ أنّه ينبغي لنا أن ننظر إلى ضعفٍ في غيرنا، ونفكّر أنّ المعرفة ليست متساوية عند كلّ إنسان.

من يأكل وهو غير مستحقّ

لأنّ من يأكل ويشرب منه (من القربان) وهو غير مستحقّ، فالشجب لنفسه.

قد ظنّ قوم أنّ بولس (ما) كان يأمر أن نديم (نداوم) أخذ القربان بقوله »غير مستحقّ«. وقد كان ينبغي لهؤلاء أن يعلموا أنّه لو كان يريد أن لا ندنو من القربان، إلاّ ونحن أنقياء من كلّ خطيئة، لما كان يأمر البتّة بأخذه. وذلك أنّه ليس يمكن أن يكون الإنسان في هذه الدنيا بريئًا، نقيٌّا من كلّ خطيئة، على حدّ (= محدوديّة) الطبيعة. وأيضًا، لو كان يمكن أن يكون ذلك، أعني يكون الإنسان كاملاً، لم يكن ينبغي له أن يظنّ ذلك بنفسه. غير إنّا نقول: إنّ قولَ المسيحيّ الذي حكاه بولس، قد بيَّن أنّه ينبغي أن يؤخذ القربان دائمًا. أعني قوله »هكذا كونوا تصنعون كلّ ما اجتمعتم«. فقوله »كلّ ما« يدلّ على وجوب الإدامة له. ونقول: إن عرض أن يقع أحد من أهل البيعة في بعض الخطايا الكبار، ثمّ إنّه بعد ذلك يحزم على نفسه من كلّ عمل رديء، واللزوم للبرّ والسيرة كوصايا المسيح، وعند ذلك يأخذ القربان، لم يظلم إيمانه. فأمّا من يرتكب الخطايا الكبار ويصرّ عليها وهو بعد متلوِّث فيها، فإنّه ينبغي أن يمتنع من القربان. ومتى وقع الإنسان في بعض النقائص الصغار، العارضة من ضعف الطبيعة، وتبع ذلك ندامة النفس، فليس الامتناع من القربان ينفعه، بل الدنوّ منه بالخوف. وهو في ذلك يفكّر في عظمته. وعلى الرجاء الصالح يدنو. فسوف يُعطى من ذلك المغفرة، إن شاء الله.

 

يخضع الابن

وإذا خضع له الكلّ، فعند ذلك يخضع الابن أيضًا لذلك الذي أخضع له الكلّ.

لأنّ الرسول بولس كان يعني بكلامه ناسوت المسيح. وكان يصعب التصديق بأنّه (الناسوت) يقدر على هذه الأمور كلّها. حقّق أمرها بشهادة الكتاب، ونفى عنه التمثيل (التنبيه) بما بين اليونانيّين. وذلك أنّ اليونانيّين، الذين منهم كان الكورنثيّون، كانوا يقولون إنّ زيوس لما ولد كرونوس، غلبه وطرحه من السماء، واستولى على المُلك. فلكي لا يظنّوا بالمسيح أنّه إذا أخضع الكلّ، أقصى الآب وملك مكانه. قال: وإذا خضع للمسيح كلّ شيء من المخلوقين، عند ذلك يخضع المسيحُ الابن، أي بناسوته يوافق اللاهوت الذي أخضع له كلّ شيء. فيقول: أنا أقول خلاف زعم الوثنيّين. أقول إنّه إذا أخضع له كلَّ شيء في الآخر، ثبت موافقًا للآب. يعني أنّه إذا صار لكلّ شيء خضوع وطاعة للمسيح، لم يكن لذلك الإنسان المأخوذ رأي مخالف لله، بل، بعد ذلك كلّه، يكون موافقًا للاهوت. وكما نقول إنّ البدن يخضع للنفس، لا خضوع عبوديّة، بل خضوع موافقة، كذلك سمّى بالخضوع، الموافقة. وقال آخرون للردّ على مجادلين حادوا بهم (فقالوا): إنّ الابن ها هنا جماعة النصارى الأبرار.

1 لأنّا نعلم أنّه إن كان بيتُنا الذي في الأرض، هذا الذي للجسد، ينعدم، ولكنّ لنا بنيانًا من الله، بيتًا ليس بعمل الإيدي في السماء إلى الأبد.

يعني بالبيت الذي ليس بعمل الأيدي، الجسد إذا قام. لأنّه ليس يحتاج هناك إلى شيء يُعمَل بأيدي البشر لقوامه. أي، وإن نحن فارقنا هذه الحياة الإنسانيّة، فسوف نصير في الآخرة في أفضل منها. إذ نثوي في السماء خالدين.

2 مع أنّا أيضًا على ذلك نتزفّر (نئنّ)، ونحن مشتاقون أن نلبس بيتنا الذي هو من السماء.

قوله »يلبس« يدلّ أنّنا لسنا نلبس جسدًا آخر، بل هو بعينه يقوم بحياة أفضل من هذه.

3 إلاّ أن نوجد أيضًا إذا ما لبسنا عراة

أي، لا تظنّوا أنّه يكتفي بالقيامة فقط، بل اعلموا أنّ القيامة مشتملة على كلّ  أحد، فأمّا البهاء والمجد والقيم فللأبرار فقط. فاحذروا أن تكونوا في القيامة، عراةً بسبب الخطايا، من المجد والنور الذي يتجلّل به أجسام الصدّيقين.

4 لأنّا ما دمنا الآن في هذا البيت، قد نتزفّر من ثقله، ولسنا نهوى أن ننزعه، بل أن نلبس ما هو أعلى منه، لتُبتَلع ميتوتُه بالحياة.

أي، نحن نهوى أن نبقى. أي، أن نلبس جسدًا جديدًا بالقيامة أفضل من هذا المائت. أي، يجب أن تُرفَع عنّا الميتوتةُ التي في الجسد، بحياة القيامة، كالذين يُبدَّلون إذا لحقتهم القيامة.

5 والذي يسيِّر لنا هذه، هو الله الذي منحنا عربون روحه.

منحنا، أي أعطانا عربون روحه في المعموديّة، وفي القربان، وفي المجترحات والآيات.

6 فمن أجل أنّا عارفون، موقنون بأنّا ما دمنا حالِّين في الجسد، فنحن بائنون (= منفصلون) عن ربّنا.

إن نحن نعلم أنّنا ما دُمنا في هذه الحياة، فنحن بعداء عن ربِّنا، لأنّا بالإيمان أخذنا الوعود (ما وُعدنا به) بأمر (في شأن) الآخرة. ولم نَصِرْ بعدُ في الآخرة.

7 لأنّا إنّما نسير بالإيمان، لا بالعيان.

8 من أجل هذا نحن واثقون، تائقون أن نبين (= ننفصل) عن الجسد ونصير عند ربّنا.

يقول: بثقة جزيلة نؤثر أن نكون خارجًا من الدنيا ونصير إلى المسيح، لنكون أبدًا معه.

قوله »نبين« أن نفارق حياة الدنيا، وننتقل عن التصرّف فيها، ونصير عند ربّنا لتبريرنا (= لتحرّرنا) من الدنيا، ولِما وُعدنا أنّا في كلّ حين نكون مع ربّنا أو لصيرورة أنفسنا في الفردوس.

 



[*] مخطوط وُجد في دير القديسة كاترينة في سيناء. يعود إلى سنة 867. قام به بشر بن سري، في دمشق. في الأصل، هو شرح مع النص. ولكن حين طُبع، جُعلت الشروح في أسفل الصفحة وكأنها حواشٍ. أما نحن، فأوردنا النصّ ومعه الشرح. نشر في »مجموعة الكتّاب المسيحيّين الشرقيين«  .CSCO 452-453

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM