الفصل 7: مار ديونيسيوس ابن الصليبيّ

مار ديونيسيوس ابن الصليبيّ

"بولس المدعوّ رسولاً ليسوع المسيح بمشيئة الله وسوستانيس الأخ." (1: 1).

بولس المدعوّ:

أراد أن يؤنّب المتغطرسين ويقول لهم إنّ ما أكرز به وأعلّمه هو من المسيح الذي دعاني وليس تعليمي الخاصّ.

رسولاً ليسوع المسيح:

أنا لم أرسل من قِبَل نفسي لأبشّر وأكرز، بل المسيح هو الذي أرسلني للكرازة.

بمشيئة الله:

لأنّه هو يريد خلاصكم.

وسوستانيس الأخ:

إنّ سوستانيس هو أقلّ درجة ومقامًا من بولس، ولكنّه يساويه بنفسه من فرط تواضعه توبيخًا للمستكبرين.

"إلى كنيسة الله التي في كورنتس المقدّسين في المسيح يسوع المدعوّين قدّيسين مع جميع الذين يدعون باسم ربّنا يسوع المسيح في كلّ مكان لهم ولنا." (1: 2).

إلى كنيسة الله التي في كورنتس:

إنّ الكنيسة هي كنيسة الله وليست كنيسة هذا وذاك.

المقدّسين في المسيح يسوع المدعوّين قدّيسين:

يدعوهم قدّيسين مذكّرًا إيّاهم بالنجاسة التي أعتقهم منها.

مع جميع الذين يدعون باسم ربّنا يسوع المسيح في كلّ مكان:

لا يجوز أن يُدعَون باسم فلان أو فلان بل باسم يسوع المسيح فقط.

لهم ولنا:

إنّ الدعوة ليست لكم فقط بل هي لنا ولكم، وإنّ المسيح حيثما يُكرز به فهو متّحد بنا. ونحن ولئن كنّا بعيدين عن بعضنا بالنسبة لانتشارنا في هذا البلد وذاك، ولكنّنا بالمسيح متّحدون.

"نعمة لكم وسلام من الله أبينا والربّ يسوع المسيح." (1: 3)

إذا كان لكم نعمة وسلام من الله فلماذا إذا تتطلّعون إلى الأمور العظيمة؟ فهل هنالك أعظم من النعمة والسلام.

"أشكر إلهي في كلّ حين من جهتكم على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح." (1: 4).

أشكر إلهي في كلّ حين من جهتكم:

من المعلوم أنّ الله هو إله الكلّ ولكنّ الرسول من شدّة محبّته الكثيرة جعله إلهًا له وحده بقوله "إلهي".

على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح:

أصعدوا الشكر دائمًا لله وحده ولا لإنسان آخر.

"إنّكم في كلّ شيء استغنيتم فيه في كلّ كلمة وكلّ علم." (1: 5).

إنّكم في كلّ شيء استغنيتم فيه:

إنّكم لم تستغنوا غنى عاديًّا بسيطًا بل بكلّ شيء بواسطة الوحيد ابن الله. فقد اكتسبتم كنزًا لا يمكن وصفه.

في كلّ كلمة وكلّ علم:

هنالك معرفة بدون قول أو كلام، وهنالك معرفة مقترنة بالقول والكلام. مثلاً إنّ السذّج لا يقوون على التعبير بالكلام عمّا يجول في داخلهم من خواطر ومشاعر فتبقى معرفتهم محصورة في الفكر فقط. أمّا الحكماء فلهم الأمران المعرفة الفكريّة، والكلام وهكذا أنتم فلكم المقدرة والكفاءة معرفة وتعبيرًا.

"كما ثبتت فيكم شهادة المسيح." (1: 6).

أي كرازته.

"حتّى إنّكم لستم ناقصين في موهبة ما وأنتم متوقّعين استعلان ربّنا يسوع المسيح." (1: 7).

حتّى إنّكم لستم ناقصين في موهبة ما:

لا ينقصكم شيء من القوّات والمعجزات، فقد تنعّمتم بها، وأمّا الآن فكيف تنحرفون؟

وأنتم متوقّعون استعلان ربّنا يسوع المسيح:

ولئن سيظهر المسيح في اليوم الأخير، ولكنّه قريب الآن.

"الذي سيثبّتكم أيضًا إلى النهاية بلا لوم في يوم ربّنا يسوع المسيح." (1: 8).

الذي سيثبّتكم أيضًا إلى النهاية:

لدى قوله سيتثّبتكم، يستنتج أنّهم كانوا مهزوزين ومتزعزعين وخاضعين للخصام والشقاق.

بلا لوم في يوم ربّنا يسوع المسيح:

إنّهم كانوا ملامين. فقد ذكر لهم اسم المسيح عشر مرّات لكي يربطهم به، ويكبح جماح كبريائهم، ويبعدهم عن هذا وذاك، ومن الرسول الفلانيّ والمعلّم الفلانيّ.

"أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربّنا." (1: 9).

إنّكم دُعيتم بواسطة الآب إلى الملكوت وإلى شركة الابن، فلماذا إذن تخضعون أنفسكم للبشر. ومن حيث أنّ عبارة "بواسطة الابن أو الذي بابنه إلخ" وردت في أماكن كثيرة، فلئلاّ يظنّ أو يبادر إلى الذهن أنّ نسبتها إلى الابن تعتبر نقص في حقّه، لذلك فقد نسبها هنا إلى الآب بقوله "الذي به".

"ولكنّي أطلب إليكم أيّها الإخوة باسم ربّنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولاً واحدًا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد." (1: 10).

ولكنّني أطلب إليكم أيّها الإخوة باسم ربّنا يسوع المسيح:

إنّي أتّخذ لي اسم المسيح شفيعًا ومعينًا، ذلك الاسم الذي أسيء إليه وأهين.

أن تقولوا جميعكم قولاً واحدًا، ولا يكون بينكم انشقاقات:

أنا لا أريد أن تكونوا متّفقين بالكلام فقط، إنّما أطالبكم بالاتّفاق فكرًا وقولاً وعملاً.

بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد:

لم يكونوا منقسمين من جهة الإيمان بل قد اختلفوا فكريًّا من خلال الخصام البشريّ.

"لأنّي أخبرت عنكم يا إخوتي من أهل خلويّ أنّ بينكم خصومات." (1: 11).

إنّ الذي تنسب إليه تهمة أو يوجّه إليه لوم، فما دام ليس له شهود يلجأ إلى المماحكات، لذلك أتى بشهود دعاهم: "أهل خلويّ" بهذا قد يبلغ إلى أمل ما. وقال: "أهل خلويّ" دون أن يركّز أو يعني شخصًا معيّنًا لئلاّ يؤدّي الأمر بهم إلى اصطدام وشجار مع بعضهم.

"فأنا أعني هذا أنّ كلّ واحد منكم يقول أنا لبولس وأنا لأبلّوس وأنا لصفا وأنا للمسيح." (1: 12).

إنّ أولئك لم يقصدوا شخصيّات بولس وبطرس وأبلّوس بالذات، فإنّ الرسول استبدل أسماء مسبّبي الشقاق بأسمائهم من باب المجاز ليتّعظوا بواسطتهم، وليبيّن إذا كان ذلك القوم لا يثق ولا يعتمد عليهم أي بولس وأبلّوس والصفا فكم بالأولى لا ثقة لهم بالآخرين، إذًا الانقسامات السائدة، والخصومات الضاربة أطنانها في وسطهم لم تصدر من الرسل وليسوا هم مسبّبيها بل من الآخرين. وهو لم يذكر اسم هؤلاء الذين سبّبوا الانشقاقات لئلاّ يقع كلامه على أولئك الرؤساء وقعًا ثقيلاً، فقد ذكر اسمه وأبلّوس، وأورد اسمه أوّلاً تواضعًا منه. لأنّ الأمر هنا ليس للمدح بل للذمّ والتشهير.

"هل انقسم المسيح؟ ألعلّ بولس صلب لأجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟" (1: 13).

هل انقسم المسيح؟ ألعلّ بولس صلب لأجلكم؟:

إنّ جسد المسيح واحد هو أي كنيسته. وإذا تقسمون الكنيسة فإنّكم بكلّ وقاحة تقسمون المسيح. وهنالك من يقول أنا للمسيح فهل انقسم المسيح؟ أنتم كلّكم للمسيح فلماذا يهب بعضكم أنفسهم لبطرس؟

أم باسم بولس اعتمدتم:

إنّ سبب الانشقاقات كانت من أولئك الذين عمّدهم، فكانوا يريدون أن يدعوا بأسماء من عمّدوهم لا باسم المسيح.

"أشكر الله إنّي لم أعمّد أحدًا منكم إلاّ كريسبس وغايس. حتّى لا يقول أحد إنّي عمدت باسمي." (1: 14-15).

أراد أن يكبح كبرياء وعجرفة أولئك الذن عمّدوا وليس قوّة العماد. لأنّ النعمة لا تصدر عن الذي يقوم بخدمة رتبة العماد، بل هي تصدر ممّن باسمه يتمّ العماد.

"وعمّدت أيضًا بيت استفانس. عدا ذلك لست أعلم هل عمّدت أحدًا آخر." (1: 16).

وعمّدت أيضًا بيت استفانس:

أمّا إذا كان أناس ضعفاء النفوس قاموا بممارسة العماد للبعض وأحدثوا هرطقة، أمّا أنا فبشّرت كثيرين، ولم أعمّد، فلو عمّدت لتجرّأوا وتجاسروا ليس فقط يتّخذون اسمي بل ينسبون المعموديّة باسمي أيضًا.

عدا ذلك لست أعلم هل عمّدت أحدًّا آخر:

لم يسعَ الرسول أن يحصل على الكرامة عن طريق تعميد أناس كثيرين.

"لأنّ المسيح لم يرسلني لأعمّد بل لأبشّر. لا بحكمة كلام لئلاّ يتعطّل صليب المسيح." (1: 17).

لأنّ المسيح لم يرسلني لأعمّد بل لأبشّر:

أما لم أمنع من أن أعمّد، إنّما وجّهت اهتمامي كلّه إلى التبشير الذي يتطلّب له جهد أكثر، ذلك العمل الذي لا يقدر أن يقوم به أيّ من كان.

إنّ الرسول بعد أن أنّب وبكّت كبرياء أولئك الذين كانوا يتفاخرون بالذين عمّدوهم، ينتقل بالكلام، ويوجّه الحديث إلى أولئك الذين يفتخرون بالحكمة الخارجيّة.

لا بحكمة كلام لئلاّ يتعطّل صليب المسيح:

إنّ حكمة هذا العالم هي ضدّ الإنجيل.

"فإنّ كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأمّا عندنا نحن المخلّصين فهي قوّة الله." (1: 18).

فإنّ كلمة الصليب عند الهالكين جهالة:

عندما أقول إنّ المسيح صُلب فالوثنيّ والأمميّ يسخر من ذلك ويقول: إذا كان المسيح لم يستطع أن يخلّص نفسه، فكيف يقدر أن يخلّص غيره، بيد أنّ المسيحيّ لا يرتعب ولا يكترث بسبب هذا الكلام.

وأمّا عندنا نحن المخلّصين فهي قوّة الله:

إنّ الصليب هو القوّة التي لا يمكن وصفها.

"لأنّه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء." (1: 19)

إنّ البشارة أو الكرازة سمعت في العالم لا من قِبَل العلماء والحكماء بل من الصيّادين البسطاء، واستمدّ آية من الكتاب بقوله: مكتوب لإثبات كلامه. ويوبّخ اليهود والوثنيّين: أين هم أولئك الذين يتبجّحون بالبرهان والمناظرة؟ أو أين هم الكتبة والفرّيسيّون الذين تضاءلوا أمام بساطة وسذاجة أولئك الذين حملوا بشارة الصليب المزدرى به، والذي هو قوّة الله.

"أين الحكيم؟ أين الكاتب؟ أين مباحث هذا الدهر؟ ألم يجهل الله حكمة هذا العالم؟" (1: 20).

يؤنّب الوثنيّين واليهود كأنّه يقول لهم: أيًّا من الوثنيّين أو اليهود والحكماء خلّصنا؟ وعرّفنا الحقّ؟ ولا واحد.

"لأنّه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلّص المؤمنين بجهالة الكرازة." (1: 21)

حيث إنّ البشر لم يتأمّلوا بالحكمة التي خلق الله بها العالم ما يحويه من عجائب مدهشة من بسط الأرض وأمزجة العناصر، ومسيرة الأنوار إلخ، فلم يستطع البشر من خلالها أن يعرفوا الحقّ والخالق فأراد الله بجهالة الكرازة أي بهذا الصليب الذي يظنّ أنّه جهالة أن يخلّص العالم. أي أنّ حكماء هذا العالم وعلماءه لم يقدروا أن يعرفوا الله عن طريق حكمتهم البشريّة. بيد أنّهم خضعوا وانقادوا لما تسمّى وتُعرف بجهالة الكرازة، لا عن طريق البرهان والأدلّة بل بالإيمان حيث هنا لا حاجة الالتجاء إلى الحكمة البشريّة.

"لأنّ اليهود يسألون آية، واليونانيّين يطلبون حكمة. ولكنّنا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا، لليهود عثرة ولليونانيّين جهالة." (1: 22-23).

عندما نعرض الإيمان على اليهود والوثنيّين، فإنّهم يطالبوننا بالآيات والمعجزات وفصاحة الكلام. أمّا نحن فنكرز لهم بالمسيح مصلوبًا الذي يعمل المعجزات والقوّات، وهو حامل الدنيا كلّها.


"أيتجاسر منكم أحد له دعوى على آخر أن يُحاكم عند الظالمين وليس عند القدّيسين؟" (6: 1)

كان ينبغي ألاّ تتغاضون مطلقًا، وإذا لزم أن تتغاضوا أو ترفعوا دعوى الواحد على الآخر، لا أمام الظالمين أي غير المؤمنين. ويعني بالقدّيسين المؤمنين الذين يتحلّون بالأعمال الصالحة ولئن كانوا سذّج وبسطاء.

"ألستم تعلمون أنّ القدّيسين سيدينون العالم. فإن كان العالم يُدان بكم أفأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغرى؟" (6: 2).

أنت الذي تدين وتقضي على فلان بالتصرّف الحسن، وتقضي على الآخر بالإدانة على ذنب مثل أهل نينوى وملكة سبأ الذين سيدينون اليهود، كيف أنت تدان منهم.

"ألستم تعلمون أنّنا سندين ملائكة فبالأولى أمور هذه الحياة؟" (6: 3)

يعني بالملائكة الأشرار والأبالسة، الذين سيُحاكمون في الدين ويُهانون لأنّهم بإرادتهم سقطوا ومالوا إلى الشرّ. إنّهم يُدانون من القدّيسين الذين هم بطبعهم بخضعون للأهواء ولكنّهم غلبوا الشرّ والأهواء. وكذلك الإنسان الذي هو تراب ورماد يصبح قدّيسًا وفاضلاً بأعماله وسلوكه الحسن. أمّا أولئك الذين هم روحيّون لا جسم لهم سيحتملون حكمًا أقسى وأشدّ.

"فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة فأجلسوا المحتقرين في الكنيسة قضاة." (6: 4).

ربّما هنالك من يقول إنّ أبناء الكنيسة سذّج وأميّين وليسوا مؤهّلين كي يقوموا بمهمّة الحكم والقضاء. فيجيب بالرغم من أن لا يتوفّر فيكم ما يتوفّر للحكماء، فعندما يدين الأخ أخاه ولئن لا يكون حكيمًا لأنّ الحكم لا يحتاج إلى حكمة ودراية، دعوا أن يحاكمكم غير العارفين من الداخل، ولا تمتثلون أمام الغرباء في المحاكم.

"لتخجيلكم أقول. أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر أن يقضي بين إخوته." (6: 5).

إنّه لوم مضاعف أوّلاً: لأنّ الأخ يختلف مع أخيه ويحاكمه. ثانيًا: لأنّ المقول في المحاكم يكون عند غير المؤمنين.

"لكنّ الأخ يحاكم الأخ وذلك عند غير المؤمنين." (6: 6).

أنا لا أعني بقولي من هو المخطئ ومن هو غير المخطئ، ولكن بما أنّكم تتحاكمون بهذه الطريقة فكلاكما ملامان، ففي هذه الحالة تكونوا أنتم بالذات قد حكمتم على أنفسكم.

"فالآن فيكم عيب مطلقًا لأنّ عندكم محاكمات بعضكم مع بعض. لماذا لا تُظلمون بالحريّ. لماذا لا تُسلبون بالحريّ؟" (6: 7)

إنّ لومًا كبيرًا يوجّه إليكم بسبب أمور عديدة، من ذلك:

1- إنّكم لا تحتملون عندما تُظلمون.

2- إنّنا نظلم الآخرين.

3- نقدّم دعوانا إلى غير المؤمنين.

4- مثلما حدث لهذا الأخ الذي نحن بصدده.

"ولكن أنتم تظلمون وتسلبون وذلك للإخوة. أم لستم تعلمون أنّ الظالمين لا يرثون ملكوت الله. لا تضلّوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طمّاعون ولا سكّيرون ولا شتّامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله." (6: 8-10).

هنا يُشير إلى أولئك الذين يقولون إنّ الله رحوم وصالح ولا يستقصي خطايا البشر. ثمّ نراه يضع الزناة أوّلاً في صدر القائمة ثمّ تدريجيًّا الخطايا الأخرى. وقد يتبادر السؤال التالي: كيف يُحسب السكّير مع هؤلاء؟ نجيب: إنّهم جميعًا لا يدخلون ملكوت الله. أمّا إذا كان هنالك تفاوت بالعذاب في جهنّم فذلك أمر غير معلوم، ولكن لا بدّ من الانتقام المخصّص، وكلّ يعاقب بحسب خطاياه.

"وهكذا كان أناس منكم لكن اغتسلتم بل تقدّستم بل تبرّرتم باسم الربّ يسوع وبروح إلهنا." (6: 11).

إنّه لم يطهّرنا ويغسلنا فقط بل قدّسنا وكذلك برّرنا، وهذا ليس باسم فلان أو فلان بل باسم يسوع المسيح والروح القدس.

"كلّ الأشياء تحلّ لي لكن ليس كلّ الأشياء توافق. كلّ الأشياء تحلّ لي لكن لا يتسلّط عليّ شيء." (6: 12)

هذا هو كلام الإنسان الشره الذي يقول يحلّ لي أن آكل كلّ شيء، ولدى قوله: "لكن ليس كلّ الأشياء توافق" إذًا أثبت حيث أنّك سيّد، لا تجعل نفسك عبدًا للشراهة.

"الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سيبيد هذا وتلك. ولكنّ الجسد ليس للزنا بل للربّ والربّ للجسد." (6: 13).

الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة:

يعني بالجوف النهم والشراهة. ويعني بالأطعمة تلك التي تتجاوز فتثمر ثمر الشراهة. إنّ الله يدين الأمرين ويبطلهما. وهو هنا لا يُشير إلى البطن لدى قوله: "للجوف" ويعني أيضًا أنّ الأطعمة تقود إلى الشراهة، وهذه إلى تلك أنّها لا تأتي بنا إلى المسيح بل تجذبنا إليها.

والله سيبيد هذا وتلك:

أي يبطل الشهوة التي تتجاوز الحدود، والأطايب والأطعمة، وهذه من باب النبوّة حيث في العالم الثاني لا يوجد أكل ولا شرب. وأيضًا إنّ عضو البطن في الجسم لم يخلق لأجل الشراهة.

ولكنّ الجسد ليس للزنا بل للربّ والربّ للجسد:

إنّ الجسد لم يخلق لأجل الزنا والشراهة بل ليلتصق بالمسيح ويتبعه وإن يكون المسيح رأسًا وسيّدًا لهذا الجسد.

"والله قد أقام الربّ وسيقيمنا نحن أيضًا بقوّته." (6: 14).

ينسب قيامة الابن إلى الآب، فالآب هو علّة الابن.

"ألستم تعلمون أنّ أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية. حاشا. ألستم تعلمون أنّ من التصق بزانية هو جسد واحد، لأنّه يقول يكون الاثنان جسدًا واحدًا، وأمّا من التصق بالربّ فهو روح واحد." (6: 15-17).

ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح:

الآن يتجاوز ذلك الإنسان الذي زنا، ويوجّه الكلام إلى الجميع، يتحدّث معهم كأبناء.

أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية. حاشا. ألستم تعلمون أنّ من التصق بزانية هو جسد واحد، لأنّه يقول يكون الاثنان جسدًا واحدًا، وأمّا من التصق بالربّ فهو روح واحد:

إنّ الاتّحاد لا يجعل من أن يكون هناك جسدان بل جسد واحد. من يلتصق بالمسيح يصبح معه. وهنا يقارن الجسد مع المسيح ومع الزانية ليسوا أن يهربوا من هذا الشرّ. إنّ القتل والشراهة أمور سيّئة جدًّا وأسوأ من الكلّ الزنا الذي يجعل الجسد كلّه دنسًا ونجسًا كالشيء الذي يسقط في قدر القذارة يتلطّخ به كلّه، هكذا الجسد أيضًا يتلوّث بالزنا.


"ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله لأنّنا شهدنا من جهة الله أنّه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون." (15: 15).

يكرّر من ذكر قيامة المسيح بسبب حقيقة هذه القيامة. ولكي يثبت لهم قيامة الأموات التي كان إيمانكم بها ضعيفًا.

"لأنّه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام." (15: 16).

إنّها قيامة ذلك الجسد الساقط لذلك دائمًا يقول قام لأنّ القيامة هي قيامة الجسد.

"وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا." (15: 17-18).

يُشير قول المسيح إلى الذين آمنوا به أو الذين ماتوا متألّمين من أجله.

"إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإنّنا أشقى جميع الناس." (15: 19).

إنّنا نتعذّب في هذه الحياة بسبب إيماننا، فإذا كان الجسد لا يقوم ويجازي خيرًا بسبب ما تحمّل من العذاب، فقد لحق بنا كلّ الشقاء. والذين لم يؤمنوا، ولم يتألّموا قط، وقضوا حياتهم بالتنعّم الأرضيّ إذًا أيّة فائدة نجني إن كانت أجسادنا لا تقوم؟!

"ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين." (15: 20).

فإذا كانت باكورة قد قامت، لوجب حتمًا أن يقوم الاخرون أيضًا.

"فإنّه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضًا قيامة الأموات." (15: 21).

إنّ ذلك الطبع الذي قهر ومات، يجب أن يحارب وينتصر. إنّ شخص آدم هو الذي أدخل الموت، ولئن كان غير شخص المسيح الذي انتصر ومنح الحياة، بيد أنّ الطبع هو هو.

"لأنّه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع. ولكن كلّ واحد في رتبته. المسيح باكورة ثمّ الذين للمسيح في مجيئه." (15: 22-23).

ولئن يخلص الجميع ويحيون، ولكنّ المجازاة تختلف وتتنوّع، فهنالك من يتنعّم وهنالك من يتعذّب. "المسيح باكورة" إنّ جميع الناس يخلصون بمجيئه ويتنعّم بهذا الخلاص جميع الذين انتصروا وغلبوا. "الذين للمسيح في مجيئه" الذين آمنوا والذين غلبوا وبعد ذلك النهاية. لمّا يقوم هؤلاء حينئذٍ توشك الأمور كلّها أن تدنو من المنتهى.

"وبعد ذلك النهاية متى سلّم الملك لله الآب متى أبطل كلّ رياسة وكلّ سلطان وكلّ قوّة." (15: 24).

وبعد ذلك النهاية متّى سلّم الملك لله الآب:

لئلاّ يظنّ أنّ الشيطان وجنوده سيعلنون التمرّد والعصيان، ويُحدثون اضطرابًا في ملكوت الله المنتظمة. قال: "متى سلّم الملك لله الآب" أي محرّرًا من كلّ فوضى الأشرار وإزعاجاتهم. "يسلّمها لله الآب" إن يرضى مسرورًا أن تحصل هذه الأمور بواسطة ابنه، وتعود إليه، وتعتبر خاصّته، بإرادته وكامل مشيئته سيخضع له السماويّون والأرضيّون، عندما يسلّم الملك الذي أعطاه الآب عندما أرسله، ولا يبقى مخلوق لا يخضع، حينئذٍ عندما كلّ الخلائق التي خلقها الابن تخضع للآب هو "الابن أيضًا يُقال إنّه سيخضع" بسبب أنّه ليس متمرّدًا ولا يضادد الآب. "متى سلّم الملك لله الآب" هنالك مُلكان أو ملكوتان: الواحد كخالق أو بصفته خالق يملك على الجميع فهو يملك على المؤمنين ويسلّم هذا النوع من الملك الذي يدخله صلاح بحسب مشيئته، ويملك علينا الابن ويسلّمنا استعدادًا لمحاربة الشرّير بحسب انتصارنا له، ولكن بعد أن ينقرض الشياطين، ويزول الذين تحاربهم فلا حاجة من ثمَّ أن يسلّمنا الابن.

متى أبطل كلّ رياسة وكلّ سلطان وكلّ قوّة:

لا تبطل رئاسة الملائكة والبشر بل رياسة السلاطين فقط تبطل.

"لأنّه يجب أن يملك حتّى يضع جميع الأعداء تحت قدميه." (15: 25).

إنّ كلمة "حتّى" بالنسبة إليه لا تُشير إلى النهاية كقول (أش 46: 4): "وإلى الشيخوخة أنا هو" ألعلّ بعد الشيخوخة ليس موجودًا؟! نعم إنّه موجود. إلى الأبد يخضعنا الابن هنا بواسطة نواميسه، وفي النهاية سيقدّمنا الابن إلى أبيه خاضعين لذلك الملكوت الجوهريّ، ويبطل الخضوع الحاضر خضوع السيرة ولا يُعد بعد يملك أو يحكم بواسطة وصايا المسيح، بل كخالق مع الآب سويّة.

"آخر عدوّ يبطل هو الموت." (15: 26).

الموت يأتي بالآخر، بعد الشيطان والأبالسة والأمور الأخرى جميعًا. في البدء دخل الموت في الآخر بعد اجتياز الوصيّة، هكذا سيبطل الآخر، وسيمتدّ خضوعنا هذا لنواميس المسيح حتّى نهاية العالم، وبعد ذلك يقدّم للآب خاضعين لذلك الملكوت السرمديّ.

"لأنّه أخضع كلّ شيء تحت قدميه. ولكن حينما يقول إنّ كلّ شي قد أخضع فواضح أنّه غير الذي أخضع له الكلّ." (15: 27).

إنّ كلّ ما حدث وحصل لأجل خلاصنا فقد أتّمها الابن فعلاً بإرادة أبيه، وذلك لكي يبطل ويضمحلّ الموت، وحيث إنّ سلطان الموت والشيطان أبطل وقضي عليه بالقوّة لذلك قيل: "إنّ الآب أخضع كلّ شيء للابن" فقد خمدت قوّتهم، وأخيرًا سينتهون نهائيًّا، وإنّ رأسنا وقد خضعنا له بإرادتنا هو المسيح، يقدّمنا للآب كطائعين، وإنّ الابن أيضًا سيخضع، ذلك واضح من نظام الجسد الذي فيه الرأس الذي يعلو كلّ أعضاء الجسد. إذًا كيف لا تقوم الأجساد لنوال مجازاة خضوعهم.

"ومتى أخضع له الكلّ فحينئذٍ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكلّ كي يكون الكلّ في الكلّ." (15: 28).

ومتى أخضع له الكلّ فحينئذٍ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكلّ:

إنّ الابن نفسه سيخضع بالجسد للآب عوض كلّ جنسنا. وحيث إنّ كثيرين منهم لم يؤمنوا بالله، والذين قد آمنوا منهمكون بأهواء الخطايا، هناك سيخضع الكلّ.

كي يكون الله الكلّ في الكلّ:

يقول ليكون الله، ليكون الكلّ متعلّقًا به، إذ ليس رئاسة أو مملكة أخرى، أو خطيّة تؤذي. "ليكون الله الكلّ في الكلّ" هنا تكمل إرادته بهذه القلّة الصغيرة بسبب أهواء الجسد، ومحاربة الشيطان. إنّ في العالم الثاني ستكمل الإرادة الإلهيّة في الكلّ، كلّ بحسب استحقاقه، لأنّ الطبع الناطق العاقل سيغدو صالحًا لتقبّل ما يريد الله الآب.

"وإلاّ فماذا يصنع الذين يعتمدون من أجل الأموات إن كان الأموات لا يقومون البتّة فلماذا يعتمدون من أجل الأموات." (15: 29).

أي المعموديّة التي هي على مثال قيامتنا، وكما نحن ندفن بالماء ونصعد، هكذا نموت ونقوم. وإنّ "الجسد" هو "الموت" فإذا كان هذا لا يقوم فلماذا تطلب النفس لتعتمد من أجله. لأنّ الجسد حيّ بالنفس، وبها يتحرّك ويعمل. ويعني "بالأموات" طبيعة الجسد بالمقارنة مع طبيعة النفس التي لا تموت. أمّا الجسد يفنى ويضمحلّ. "نعتمد من أجل الأموات" من أجل طبيعة الجسد إذ نؤمن أنّه يتغيّر إلى عدم الفساد. "من أجل الأموات" من أجل الأجساد لأنّك تؤمن بقيامة الأجساد وتعتمد أنّه يقوم. وينصح هنا أنّ خالق الطبيعة هو مقتدر أكثر من القوّة الطبيعيّة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM