الفصل 1: وصول بولس الى كورنتوس

وصول بولس إلى كورنتس

إذا أردنا أن نكوّن فكرة شبه كاملة عن السنة، ونصف السنة اللذين قضاهما القدّيس بولس في كورنتس، لا نستطيع أن نكتفي بثماني عشرة آية نقرأها في سفر الأعمال، الفصل الثامن عشر. فإذا أردنا أن نتعرّف إلى شخص بولس والدخول في حياته الحميمة، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار الرسالتين إلى كورنتس، ومعطيات التاريخ العامّ، والاكتشافات الأركيولوجيّة. وهكذا يكون الخبر لقاء مع الحجر والنصوص الدنيويّة والكتاب المقدّس. في شكل ذكريات كتبها أحد أصدقاء بولس. قد يكون أكيلا، ذاك اليهوديّ من البنطس الذي استقبل مع برسكلّة امرأته بولس في كورنتس. استقبلاه في البيت في المشغل لأنّه كان يعرف صنعتهما. ونترك الكلام لأكيلا.

* * *

في السنة الماضية، احتفلت رومة بالمئويّة الثامنة لتأسيسها. والإمبراطور كلوديوس بالسنة التاسعة لحكمة. أذكر هذا التاريخ الذي يتوافق مع قرار الإمبراطور الذي فيه نفى من العاصمة، رومة، جميع اليهود. ما فكّرنا يومًا بالعودة إلى البنطس، إلى الأرض التي ولدنا فيها، بعد أن تركناها منذ سنوات عديدة. فأنا وزوجتي برسكلّة قرّرنا أن نقيم في كورنتس مع سائر إخوتنا اليهود: كان هناك مجمع كبير نقيم فيه الصلاة الأسبوعيّة، يوم السبت. وخارج رومة والإسكندريّة، لا أظنّ أنّ الشتات (أي اليهود المشتّتين في العالم) كان له في مكان آخر التأثير العميق الذي كان له في كورنتس. فكورنتس كانت أكثر المدن اليونانيّة المطبوعة بالطابع الرومانيّ. كم مرّة سمعنا من يحدّثنا عن هذه المستوطنة، كورنتس المجيدة[1]. أسّسها يوليوس قيصر حيث كانت المدينة القديمة التي دمّرها لوقيوس موميوس منذ قرنين من الزمن، وصارت الآن عاصمة آخائية (في اليونان). فاقت شهرتها شهرة أثينة، لا على مستوى الفكر، بل على مستوى الغنى التجارة، وفلتانها الذي عُرف في الإمبراطوريّة كلّها.

في يوم من أيّام الربيع سنة 49، وصلنا إلى كورنتس. وأحسسنا حالاً أنّنا في أرض نعرفها. فالمباني التي فيها تذكّرنا بمباني رومة. فماذا يجب أن نشاهد ونُعجَب: الهياكل، المعابد الملكيّة (بازيليك)، الشوارع التي تحيط بها الأروقة، العمارات التي حول الساحة العامّة؟ لا نعرف ماذا نختار. توقّفنا طويلاً عند سبيلَيْ ماء: بيريني وغلوكي[2]. ولكن لا بدّ من أن نؤمّن عيشنا. قرب السوق اقتنينا دكّانًا صغيرًا نستطيع أن نمارس فيه على راحتنا، صنعة الحياكة. ظننّا أنّها تمنحنا ربحًا في كورنتس لم تمنحنا إيّاه في رومة. لا نحيك فقط القماش واللباس العاديّ، بل عباءة يستعملها الرعاة اتّقاء للبرد والعاصفة وتحميهم مثل خيمة منصوبة في البرّيّة.

في مدينة على شاطئ البحر، مع مرفأين، لماذا لا نصنّع الأشرعة للسفن؟ ولكن ما عتّمت مشاريعنا أن اتخذت اتّجاهًا آخر. في السنة التي وصلنا فيها، حصل لنا لقاء قلب حياتنا كلّها. فكانت بداية صداقة كبيرة. إذ كنت خارجًا في يوم من الأيّام، من الساحة العامّة[3]، التقيت في شارع ليخايون[4] غريبًا آتيًا من جهة المرفأ، على ما يبدو. مصادفة غريبة! أصله مثلنا من أناتولية (الأناضول اليوم). ولكن رأى النور في طرسوس. كان نحيفًا، واسمه بولس الذي يعني الهزيل، يوافقه كلّ الموافقة. مرّ في أثينة فما كان لكلامه صدى هناك، وها قد أتى الآن لينادي بتعليم يسوع الناصريّ. وشرح عن يسوع: "كان رجل من جنسنا. حكم عليه بالموت والي اليهوديّة، بونسيوس بيلاطس (بيلاطس البنطيّ)، فصُلب في أورشليم. ولكنّه برهن أنّه حقًّا ابن الله حين قام من بين الأموات".

* * *

"وصل بولس إلى كورنتس في حالة من الضعف والخوف والرعدة".

هذا ما عرفته فيما بعد، للوهلة الأولى، فهمت أنّ بولس مسافر عنيد. مع أنّه واجه المخاطر العديدة، أحبّ البحر وبدا عارفًا بأمور الملاحة. ومع ذلك، ما رأى يومًا سفينة تنتقل برًّا، كما نرى كلّ يوم، من جهة في البرزخ إلى جهة أخرى. ففي ساعة وصوله، أدخل العبيدُ "الترياريس"[5] (التي هي سفينة بثلاثة صفوف من المجذّفين) على زلاّقة تربط خليج كورنتس بخليج سارونيكي: جعلوا دواليب تحت صالبها (عارضة تمتدّ على طول قعر المركب) وجرّوها بصعوبة، بواسطة الحبال. ولكي يخفّفوا الأحمال، كان يُحمَل بعضه على ظهور العبيد. حتّى الساعة، لم نستطع أن ننظّم طريقة نقل أسرع من هذه. وسمعتُ من يقول، إنّه بعد مرور بولس بعشرين سنة، حاول نيرون أن يحفر قنالاً يسهّل العمل، أكثر من هذه الطريق المبلّطة لكي تزلق عليها السفينة. ولكن بعد موت الإمبراطور ونهاية سلالته بشكل مأساويّ، بدأ العمل وما اكتمل.

بعد أن زار بولس مرفأ ليخايون، وأنا أكيد أنّ تذكّر المحلاحة والتجارة، في طرسوس، ما زال يداعب فكره. بعد ذلك، صعد بولس السطيحات الثلاث التي عليها أخذت كورنتس تمتدّ امتدادًا مدهشًا. كان الرومان قد هدموا الجدران الجديدة التي تربطها بالبحر، وبنوا أحياء جديدة. كيف سوف يُستقبَل الإنجيل في هذه الحاضرة الواسعة؟

أقرّ بولس فيما بعد أنّه كان في حالة "من الضعف الخوف والرعدة (1 كور 2: 3)، حين أتى إلى كورنتس. إذن، التقينا في شارع ليخايون، تحت العواميد التي تحدّ الطريق من جهتيها. وصلنا تحت قوس النصر واسمه بروبيلاس[6] أو الرواق والمصطبة، الذي يصل إلى الساحة . هناك فكّرت في استقبال بولس في بيتي. أما هو من بلدي؟ أما يمارس الصنعة نفسها؟ أما قال لي إنّه يريد أن يقوم بأوده عاملاً بيديه. وبسهولة أقنعته مع امرأتي، بأن يقيم عندنا.

ولكن منذ وصوله، تبدّل كلّ شيء في بيتنا. كان فرّيسيًّا متحمّسًا، متعصّبًا، والمعادي المندفع لليهود الذين تركوا ديانة آبائهم ليتبعوا تعليم يسوع الناصريّ. وفجأة تمّ في قلبه تحوّلٌ جذريّ. فيسوع هذا تراءى له، وسيطر عليه بعنف كبير بحيث انتقل من مضطهد إلى رسول. سبق له وشهد لإيمانه الجديد في مجامع الشتات، خصوصًا في آسية الصغرى، ثمّ في فيلبّي وفي تسالونيكي، وفي بيرية، وفي أثينة. وهو يريد الآن أن يبدأ بعمل جبّار يهدي به كورنتس إلى المسيح. ما تأخّرنا، بل سقطنا "في التجربة". كانت امرأتي برسكلّة أوّل من تعمّد، كما فعلت ليدية في فيلبّي. وتألّفت الجماعة المسيحيّة في الضيق من ثلاثة أشخاص. وسيتبعهم آخرون.

كان المجمع اليهوديّ في حيّنا. ورئيسه من محتد عريق، حظي برضى الرومان دُعي باسم أبيه: صاحب الشعر المجعّد، كرسبوس. كان لطيفًا تجاه بولس. فما إن وصل حتّى قدّمه إلى الجماعة في يوم السبت، وأذن له بالكلام. ما أخفى بولس شيئًا من سرِّه في الماضي. بل كشف خبر حياته بالسهولة التي فيها تُفتَح الكتب المقدّسة. ثمّ توسّع في موضوع سيستعيده كلّ سبت: "ما أعلّمه أنبأ به موسى والأنبياء، وينادى بالنور لليهود وللوثنيّين". منذ الخطبة الأولى سمعت في الحضور من يقول: جاحد، جاحد. وبالرغم ما كان في كلام بولس من قوّة إقناع، إلاّ أنّه بدأ يكوّن حوله الأعداء.

* * *

كلّ سبت، كانت معارضة اليهود تشتدّ وتشتدّ. "يعارضون، يشتمون" (أع 18ك 6).

واتّخذت دعوة بولس من أجل يسوع انطلاقة جديدة، يوم وصل إليه سيلاس وتيموتاس، رفيقاه في الرسالة، إلى كورنتس عبر المرفأ. معهما أمّ المجمع. ولكن في كلّ سبت، كانت المعارضة تقوى، تعنف. فيوجّه إليه الكلام مباشرة. كلام التحدّي. وكانت الضوضاء تغطّي صوته. وقالوا إنّهم سوف يشون به إلى الحاكم، إلى القنصل الرومانيّ. ومع ذلك، تعاطف معه كثيرون من الوثنيّين. وواحد منهم انضمّ إلى الديانة الجديدة. هو رومانيّ غنيّ كان إيمانه لي دومًا مثالاً حيًّا. دعوه تيطس البارّ. أقام قرب المجمع في مسكن رحب، واسع. وهناك كانت تلتئم الجماعة المسيحيّة، بعد ذاك السبت المأساويّ الذي أجبر فيه بولس على طلب اللجوء من الملاحقة.

* * *

"سأذهب اليوم إلى غيركم من الشعوب، إلى الوثنيّة" (أع 18: 6).

في ذلك اليوم تكاثرت الشتائم بمرأى من بولس. قالوا إنّه خائن. وأمروه بأن يذهب من هنا بسرعة. وسمعتُ كلماته الأخيرة: "يسوع وحده مختار الله، المسيح..." ثمّ نفض الغبار عن ثيابه، وتلفّظ بهذا القول المخيف: "دمكم على رؤوسكم. أنا بريء منكم. سأمضي منذ الآن إلى الوثنيّين". كان لهذا الذهاب أن يسبّب ارتياحًا كبيرًا بين اليهود، لو لم يقف رئيس المجمع بجانب بولس. وعرفنا بعد ذلك أن كرسبوس استقال من وظيفته، وطلب العماد باسم يسوع. ولكن في هذه الظروف الدراماتيكيّة، ما تجرّأ اليهود أن يتّهموا بولس أمام القنصل. فقد تذكّروا بغض الإمبراطور وموظّفيه لهم.

لن أروي هنا سوى بعض الخطوط من إقامة بولس في كورنتس، الذي أرافقه عبر المدينة، ونمرّ في السوق ونزور اللحّام لوقيوس، الذي كان صديقنا. هو ما تعمّد، بل لبث وثنيًّا. أمّا العمارات التي هي فخر مدينتنا، مثل هيكل أبولون (إله الجمال والنور والفنون والعرافة)، وهيكل أسكولابيوس (إله الطبّ)، فما كانت تنال إعجاب بولس، بل تحرّك فيه ثورة على العالم الوثنيّ. تجرأت يومًا ودخلت إلى حرم تلك المعابد فرهبتُ مشمئزًا كلّ الاشمزاز. بعد الذبيحة، وضع الكهنة أفضل أقسام الضحيّة قدّموها لأصنام لا وعيَ لها ولا صوت. وبدا الشعب معجّلاً لكي ينال هو أيضًا حصّته: أكلوا، شربوا، ثمّ شرعوا يرقصون إكرامًا للإله. الاختلاف شاسع بين هذه الأعياد التي تسيطر عليها الشياطين فتعطي أسكولابيوس قوّة شفاء المرضى، وبين الاجتماعات التي كانت لنا في بيت تيطس البارّ!

وأتذكّر أيضًا تلك السهرة التي تسهرها، ليلة الاحتفال بأفروديت، الإلاهة السوداء التي يرتفع معبدُها في حيّ كرانيون[7]. آلاف المومسات، العاهرات، نزلنا من الجبل[8] حيث يُقمن. أسرعن قرب مدفن لاييس[9]: هي كورنتية أعطى فسادُها مدينتنا هذه السمعة السيّئة. وتأتي الجماهر المعيّدة عبر طريق ليخايون وتجتاح شوارع المدينة كلّها. جماهير تألّفت بأكثريّتها من الغرباء، ولا سيّما من الملاّحين الذين يعتبرون الإلاهة شفيعة البحر. وتمتزج المزحات والأناشيد المخلّة بالحياء بصرخات قادحة وضحكات عارمة تطلقها خادمات أفروديت.

* * *

"أسلّمكم ما تسلّمت" (1 كور 11: 23).

في قاعة الاجتماع اشتعلت منارة بسبعة فروع، جئنا بها من أورشليم، وكان نورها يرقص على الحائط. ترأّس بولس المائدة وصمتنا كلّنا نسمع له. دعانا "أعضاء جسد المسيح". قال: أسلّمكم ما تسلّمتُ أنا. فالربّ يسوع، في الليلة التي أسلِم فيها، أخذ خبزًا وشكر وكسر وقال: هذا هو جسدي الذي لأجلكم. اصنعوا هذا لذكري. وبعد العشاء، أخذ كأسًا وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد في دمي. كلّ مرّة تشربون منها، اصنعوا هذا لذكري".

من فتحة النوافذ، وعبر رواق المنزل الواسع، شاهدنا أضواء المدينة. وفي البعيد "أكروكورنتس" التي تضيئها المشاعل العديدة. لن أنسى أبدًا لهجة الرسول حين أعلن في حماس واندفاع، تجاه الفوضى التي في كورنتس، عظمة المحبّة التي لا تصنع ما هو معيب، ولا ترتاح في اللابرّ والخطيئة. وهكذا عرف السول أن يكيّف البلاغ الإنجيليّ مع جميع الظروف. فهذا ما لاحظته حتّى في الأمور البسيطة، العاديّة.

بعد بضعة أيّام، خرجنا معًا من المدينة، لنلاقي في مرفأ كنّخريّة، إخوة آتين من مكدونية. ومررنا قرب مقلع حجارة. فاهتمّ بولس بالعمّال الذين يقتطعون الحجارة الكبيرة وينحتونها ويحملونها إلى كورنتس. كانوا قد بنوا أروقة حول معبد أبولون. وبحسب تنظيم المدينة، وجب عليهم أن يضعوا قواعد عمارات أخرى. وقرب المرفأ، توقّف الرسول لينظر إلى سباق فيه يركض الشبّان الذين يستعدّون للألعاب البرزخيّة[10]، إكرامًا للإله البحر. وكان أجر الراكضين إكليلاً من الغار. ورأيتُ مرّة ثانية بعض هذه المشاهد، حين بدا بولس مهندس الله الذي يرفع عمارة أساسها المسيح، أو حين أعطى نموذج المتسابق في الميدان الذي يفرض على نفسه نظامًا قاسيًا من أجل إكليل فانٍ. واستطيع أن أورد عددًا من هذه التذكّرات. ولكنّني أفضِّل أن أصل إلى حدث كان له أصداء هامّة. وصل قنصل جديد في حزيران من تلك السنة.

* * *

غاليون، شقيق سينيكا[11]، يحامي عن بولس.

سمع التجّار الآتون من رومة بهذا الشابّ، الذي اسمه لوقيوس يونيوس غاليون. كان ابن معلّم البلاغة الشهير، الإسبانيّ الأصل، لوقيوس أرمايوس سينيكا. تبنّاه صديق والده فاتّخذ اسمه. أخوه كان أحد الفلاسفة المعروفين في رومة، فانتمى إلى مدرسة الرواقيّين. وأضيف أنّ وظيفته في كورنتس أتاحت له أن يغيّر الجوّ بسبب صحّته النحيفة. وقد لا يكون بعدُ راغبًا بالإقامة في رومة، حيث دخل سيّدُه الإمبراطور كلوديوس في السنة الحادية عشرة لحكمه (سنة 51 ب.م.). نزل إلى مرفأ ليخايون، وتسلّم سلطته في الاحتفال المعهود: هو تطواف مع موكب كبير. ويصل إلى القصر الواقع قرب الفوروم السياسيّ، أو إحدى ساحات المدينة. صفّقوا له، ولكنّ التصفيق لم يؤثّر فيه كثيرًا فقلت: "هو فيلسوف". وتثبّت افتراضي فيما بعد حين علمت أنّ أخاه سينيكا وجّه إليه، قبل كلّ شيء، مقالاً جميلاً في اللاتينيّة عنوانه: في الغضب. وكان اسمه لا يزال نوفاتوس، قبل أن تتبنّاه العائلة التي أعطته اسم سينيكا. في هذا الكتاب كان القول المأثور: أكبر داء للغضب هو التمهّل والانتظار.

في البداية، ظنّت الجماعة اليهوديّة في كورنتس، أنّها حظيتْ برضى غاليون. فاستفادت من الظرف لتثير البلبلة. كان بولس عابرًا في ساحة (فوروم) التجّار. فهجم عليه فجأة بعضُ اليهود، وقيّدوه، وجرّوه إلى الفوروم السياسيّ أمام المحكمة، إلى البيما (مكان مرتفع) كما يقول اليونان. اجتازوا بهو القصر، وصعدوا الدرج الجانبيّ، وكادوا يصلون إلى المنبر لولا الحرس الرومانيّ، في ذلك الوقت، تراكض الجمهور الذي كان في الساحة. وصرخ اليهود يطلبون الانتقام. أمّا الكورنثيّون فكانوا بالأحرى من جهة بولس. أمّا غاليون فبدا غير معنيّ بالأمر. وحين فهم موضوع الاتّهام، دلّ على استخفاف. "لو كان الأمر ظلامة أو إساءة، لاستمعت وتفهّمت". هذا ما قال لليهود، وأضاف: "أمّا وإنّ الموضوع جدالات حول شريعتكم، فهذا يعنيكم أنتم. لا أريد أن أتوقّف عندها". وسوستانيس، رئيس المجمع الجديد الذي كان محتدًّا على بولس، ضربه الشعب. أمّا سائر اليهود فلاذوا بالفرار.

منذ ذلك اليوم، صار بولس محترَمًا لدى الجميع. قال الناس بصوت منخفض: "الوالي نفسه يحامي عنه". ولكنّ الرسول كان قد اتّخذ قراره. يجب أن ينطلق. فهو يقيم هنا منذ سنة ونصف السنة. واعتنق الإيمان بيسوع الناصريّ، المئات من اليهود والكورنثيّين. وتأسّست الجماعة المسيحيّة في المدينة. ثمّ إنّ بولس رغب في العودة إلى أنطاكية. توسّل إليه الإخوة الذين من أفسس، أن يمرّ عندهم. ونحن (أكيلا وبرسكلّة) عرفنا أنّ مهنة الحياكة هناك تحمل مستقبلاً واعدًا (أكثر من كورنتس) بسبب صناعة الألبسة التي اختصّت بها إيونية (في تركيا اليوم). فعزمنا على الانطلاق إلى آسية الصغرى (عاصمتها أفسس) مع بولس.

ولكنّ الانطلاق تأخر. فانتظرنا قرابة ثلاثة أسابيع قبل شروق النجمة سيريوس (أكثر النجمات إشعاعًا في السماء) وبداية الرياح الصيفيّة. فقضينا الوقت نودّع أعضاء الجماعة. وكان بولس يحثّهم على الثبات في استعداداتهم الحسنة، وعلى تجنّب الفجور والخلافات، وكلّ ما يجعل الحياة في كورنتس مشهورة، يا للأسف. وفي منتصف شهر تمّوز، مضينا إلى مرفأ كنّخريّة. وحلق بولس رأسه بسبب نذر نذره. وتفاهمنا مع ربّان السفينة الماضي إلى سورية عبر أفسس. كان البحر هادئًا، حين غابت كورنتس العالية عنّا في الضباب. وكان بولس قد ترك هناك كنيسة مزدهرة. ومنذ الآن بدأ يتطلّع إلى حقول من الرسالات، جديدة[12].



[1] Colonia Laus Corinthiensis

[2] Pirène et Glauke

[3] Agora

[4] Lechaion

[5] Trière (Grec), trirème (latin)

[6] Propylée. Il fut élevé par Périclès (495-425 av. J.C). Pro= devant, Pylé= la porte.

[7] Kraneion

[8] اسمه كورنتو المرتفعة Acrocorinthe. من هنا المدينة المرتفعة الأكروبول Akropolis

[9] Laisفي الأصل رفيقة Alcibiade قائد الجيش الأثينيّ، 450-404 ق.م. ثم صارت "شفيعة" المومسات.

[10] نسبة إلى برزخ: فكورنتس بُنيت تجاه البرزخ. لا ننسَ الألعاب الأولمبيّة نسبة إلى أولمبُس مقال الآلهة. وكان لمدينة صور أيضًا ألعابها التي تتمّ مرّة كلّ أربع سنوات.

[11] وُلد في قرطبة (إسبانيا) في بداية القرن الأوّل المسيحيّ، وتوفّي سنة 65، فيلسوف ومعلّم نيرون.

[12] M.J. WAELE, Saint Paul à Corinthe, Bible et Terre Sainte, no 11 (mai 1958), p. 6-12.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM