عيد الشباب

عيد الشباب

الرسالة: 2 تم 2: 1-7

الإنجيل: مر 10: 17-22

وأنت يا ابني

يا إخوتي، وأنت يا ابني، كن قويًّا بالنعمة التي في المسيح يسوع، وسلّم ما سمعته منّي بحضور كثير من الشهود وديعة إلى أناس أمناء يكونون أهلاً لأن يعلّموا غيرهم.

شارك في احتمال الآلام كجنديّ صالح للمسيح يسوع. فالجنديّ لا يشغل نفسه بأمور الدنيا إذا أراد أن يرضي قائده. والمصارع لا يفوز بإكليل النصر إلاّ إذا صارع حسب الأصول. والزارع الذي يتعب يجب أن يكون أوّل من ينال حصّته من الغلّة. إفهم ما أقوله لك، الربّ يجعلك قادرًا على فهم كلّ شيء.

إنفتح العالم بعضه على بعض. وإذا كانت أوروبّا الغربيّة وبعض المجتمعات المتطوّرة، مثل اليابان، أخذت تشيخ ويقلّ عدد الشبّان فيها، فالعالم الثالث يزخر بالشباب أكثر من نصف السكّان لم يتجاوزوا العشرين سنة. والسبب هو قلّة وفيّات الأطفال، والنموّ السكّانيّ في أكثر من بلد. كان سنّ الانتخاب 21 سنة. فصار في عدد من البلدان 18 سنة. وهكذا صار دور الشباب كبيرًا في مجتمعنا اليوم. بعد أن كان الكبار، الشيوخ، يتسلّمون مقاليد السلطة على كلّ المستويات. وجاء العلم فسبق الشبّان والشابّات آباءهم وأمّهاتهم على مستوى المعرفة، هذا فضلاً عن الأسفار التي يقومون بها واللقاءات.

من أجل هذا كان يوم خاصّ للشباب. وقوي هذا اليوم، مسيحيًّا. بعد أن اعتاد البابا يوحنّا بولس الثاني أن يدعو الشباب إلى تجمّع مرّة كلّ سنتين: من باريس، إلى رومة، إلى تورنتو في كندا. وسنة 2005، في كولن، عاصمة ألمانيا الفدراليّة قبل أن تتوحّد ألمانيا بشقّيها وتصبح برلين عاصمتها.

ماذا يقول بولس الرسول لهؤلاء الشبّان والشابّات، الذين يدعو يسوع كلّ واحد بمفرده، يدعو كلّ واحد باسمه. والنداء وليد محبّة. هكذا فعل مع ذاك الشابّ الذي جاء يسأل عن الطريق إلى الحياة الأبديّة. الخطوة الأولى، حفظ الوصايا. والثانية: إذا شئت، أترك كلّ شيء، وتعال اتبعني. لا طريق تقود إلى ملء السعادة إلاّ في اتّباع يسوع. ونحن نتبعه حيث نكون، ومهما كانت طريقنا في هذا العالم. وإذ يقول لنا بأن نترك كلّ شيء يفهمنا أنّنا لا نتعلّق بشيء إطلاقًا، بل نستعمل أمور هذا العالم وكأنّنا لا نستعملها لئلاّ تقيّدنا فنصبح عبيدًا لها. الشابّ حرّ. والمسيحيّ لا يقبل بأن يكون عبدًا لذاته لمشاريعه البشريّة القصيرة النظر. إنّه يريد النجاح وملء النجاح. يريد أن يطير لا أن يتمرّغ في أوحال تنسيه أنّه نسر، فيحسب نفسه دجاجة.

1- يا ابني كن قويًّا

هي الكلمة الأولى قالها الرسول لتلميذه تيموتاوس، ويقولها لكلّ شابّ وشابّة. على مستوى الجسد، هم "أقوياء". لا يقف شيء في طريقهم، ولا سيّما حين يتكاتفون. وعلى مستوى العقل، يستطيعون أن يصلوا الليل بالنهار والنهار بالليل فيحفظوا طموحاتهم. أجل، أمام الظروف لا يتراجعون، مهما كانت صعبة.

ولكنّ القوّة الحقيقيّة لا تقوم في أن نتغلّب على الظروف فقط، ولا أن ننتصر على الآخرين وحسب، بل أن نغلب ذاتنا وكلّ ما فينا من أمور تعرقل مسيرتنا الصاعدة. نحن شجرة ولا بدّ أن تنمو بشكل مستقيم. كلّ ما يعوق هذا النموّ، نزيله. لا نقبل به. نحن كرمة فيها أغصان. هناك أغصان مضرّة، ولا بدّ من تشذيبها. يا ليتنا نترك الله يشذّبها فتكون ثمار كرمتنا وفيرة. والشوك الذي يطلع مع الحبّ فيخنقه، والرؤان الذي يمتزج بالقمح.

تلك هي القوّة التي يجب أن يتحلّى بها الشابّ، الشابّة. نتغلّب على ذواتنا، على أهوائنا. نتحاشى الانزلاق والسقوط. نتحاشى عبوديّة أعمالنا السيّئة. وإن أحسسنا بالضعف، تعود إلى الله. فمنه معونتنا وهو الذي صنع السماوات والأرض. نعود إلى أصدقاء اخترناهم، إلى والدين أحببناهم، رافقونا، وتركونا نسير وحدنا، ولكنّ الباب مشرّع ساعة نريد أن نأتي. والزراعان مفتوحتان مثل ذراعي الأب حين عاد ابنه من البلد البعيد، بعد أن صرف ثروة أبيه مع البغايا. لا يهمّ الماضي مهما كان، بل الحاضر. هذا ما قاله شاول (بولس) على طريق دمشق: "ماذا تريد منّي اليوم، يا ربّ، أن أفعل" (أع 9: 6)، الربّ لا يحبّ العودة كثيرًا إلى الوراء. ولا هو يريد أن يعاتب. هل عاتب الأب ابنه؟ كلاّ. بل ما سأله شيئًا وما انتظر منه أن "يعتذر"، قبّله. إستقبله أحلى استقبال. حسبه مات فإذا هو حيّ. حسبه ضالاً، ضائعًا، فإذا هو أمامه. هكذا الله. وهكذا يكون الوالدون حين يعود الابن أو الابنة إلى البيت.

2- جنديّ المسيح

الجنديّ أوّلاً هو المقاتل، وعليه أن يكون باسلاً فلا يخاف شيئًا. إذا كان قائده مقدامًا، يسير وراءه، ولا يهاب الصعاب مهما تكاثرت. بل لا يحسب حساب الجيوش الكثيرة الآتية للقاء جيشه.

ومن هو قائدك أيّها الشابّ، أيّتها الشابّة؟ قائد لا كالقوّاد. لا يبذل جيشه للحفاظ على حياته، بل يبذل حياته من أجل جنوده. من أجلنا ومن أجل خلاصنا، تألّم ومات وقبر وقام. هو قائد لا يخاف الموت، لأنّه "سكر" بنصر على العدوّ، بل لأنّ الموت ليس النهاية بالنسبة إليه. كلّ شيء ينتهي في القيامة، في المجد. مع مثل هذا القائد نتطوّع. فالجنديّ هو الذي يختار القائد الذي يسير وراءه. تلك هي الصفة الثانية. ونحن نستطيع أن نختار زعيمًا. ولكن إلى أين يقودنا؟ كم هم عديدون المسحاء الكذبة الذين يعدون الناس بالخلاص، وفي النهاية يجعلونهم صنمًا للموت. نختار حزبًا أخذ فلسفته من هنا وهناك، وفي النهاية ضحّى بالفرد من أجل فكرة، من أجل فردوس على الأرض. وبانتظار الفردوس الموعود، أسحق أنا، أنتَ، أنتِ. وأولادنا يُسحقون أيضًا. مسحاء كذبة. مخلِّصون لا يقدرون أن يخلّصوا نفوسهم. ونريدهم أن يخلّصونا. نقوم بثورة ولكنّ ثورة تأكل ثورًا. وشبابًا يقتلون شبابًا وفي النهاية، تتجاور الجثث الواحدة قرب الأخرى ولا نكون وصلنا إلى هدف.

قائدنا هو غير هؤلاء القوّاد. مملكته ليست من هذا العالم. وجنوده لا يتعاملون بأسحلة هذا العالم، كما قال بولس الرسول في خطّ سفر الحكمة مثلاً. ما هو ترسنا؟ الإيمان. ما هي خوذتنا؟ الخلاص. وسيفنا هو الروح. السلاح ليس سلاح البشر "بل سلاح الله الكامل الذي به نقدر أن نقاوم" (أف 6: 13-17). وراء يسوع المسيح نكون الجنود. دعا البابا الشبيبة. هي ما تبعت البابا، بل المسيح. هو كان الإصبع التي تدلّ على القمر. ولكنّ المهمّ ليس الإصبع، بل القمر. والراعي البشريّ يدلّ على المسيح. وعندما يكتشف الشباب من هو هدف حياتهم، يتوارى الرسول ويترك نار المسيح تضرم قلب كلّ واحد يريد أن يعطي لحياته معنى.

3- زارع في حقل الربّ

الشابّ (الشابّة) قويّ. تسلّم الوديعة. وهو يحافظ عليها إلى يوم ربّنا. تعلّم الأمانة والثبات، من ذاك الذي دعاه سفر الرؤيا "الأمين" في المعنى الساميّ. وهو أمين، لأنّه مؤمن. فالإيمان ينفي الخوف. وحيث الخوف، لا إيمان. ذاك كان وضع التلاميذ حين كانوا في السفينة، ويسوع نائم في مؤخّرتها.

والشابّ (والشابّة) جنديّ، لا يشغله شيء. يضع نصب عينيه النصر، ولا سيّما أنّه يعرف كلام الربّ: "أنا غلبتُ العالم" (يو 16: 33) وسمع أيضًا: "من يثبت إلى المنتهى، فهذا يخلص" (مت 24: 13). التراخي ممنوع والتراجع. فمن نظر إلى الوراء ليس جديرًا بملكوت السماء (لو 19: 62).

والشابّ (والشابّة) زارع في حقل الربّ. يشارك يسوع في العمل، في الرسالة. ولا يكتفي بأن تكون تلك الأرض التي أزيل منها كلّ عائق فأعطت ثلاثين وستّين ومئة. بل هو يزرع، لا الزؤان، بل الحنطة. هو نور العالم، فكيف يحمل إلى الآخرين الظلام. هو الخمير الذي يخمّر العجين، فكيف يسمح لنفسه أن يكون عجينًا مثل كلّ عجين. حينئذ لن يقدر أن يفعل شيئًا.

وما أحلاها غلّة يصيبها الزارع عند الحصاد! فنستطيع أن نقول مع النبيّ: "ها أنا والأبناء الذين وهبهم لي الربّ القدير" (أش 8: 18). نحن هديّة للربّ من أجل الآخرين. والآخرون هديّة من أيدينا. وما من أحد يمشي وحده إلى الربّ، بل مع إخوته. شُفي البرص العشرة. واحد فقط أتى إلى المسيح. فسأله يسوع: أين هم الباقون؟ أين هم إخوتنا؟ لماذا ليسوا معنا؟

بمثل هذا الكلام حدّث بولس الرسول الشباب. فيا ليتهم يسمعون ولا يتوقّفون عند الحاضر الضيّق، بل ينطلقون إلى الأمام، إلى يسوع المسيح" مبدئ إيماننا ومكمّله". "تحمّل الصليب مستخفًّا بالعار" (عب 12: 2). ننظر إليه ولا نيأس، ولا تضعف نفوسنا حين الصعاب (آ 3). فيسوع ينتظرنا. هو رفيقنا. وهو لا يتبدّل. هو ويبقى هو. أمس واليوم وإلى الأبد.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM