يوم الطفل

يوم الطفل

الرسالة: 1 كور 13: 8-13

الإنجيل: مت 18: 1-6

حين كنت طفلاً

المحبّة لا تزول أبدًا. أمّا النبوّات فتبطل والألسنة تصمت. والمعرفة أيضًا تبطل، لأنّ معرفتنا ناقصة ونبوّاتنا ناقصة. فمتى جاء الكامل زال الناقص.

لمّا كنت طفلاً، كطفل كنتُ أتكلّم وكطفل كنت أدرك، وكطفل كنت أفكّر. ولمّا صرت رجلاً، تركت ما هو للطفل، وما نراه اليوم هو صورة باهتة في مرآة، وأمّا في ذلك اليوم فسنرى وجهًا لوجه. واليوم أعرف بعض المعرفة، وأمّا في ذلك اليوم فستكون معرفتي كاملة كمعرفة الله لي.

والآن يبقى الإيمان والرجاء والمحبّة، وأعظم هذه الثلاثة هي المحبّة.

حين رأى المجتمع كيف يعامَل الطفل، ولا سيّما في البلدان المتأخّرة، ومنها بلداننا، أسّسوا اليوم يوم الطفل. حين رأوا أطفالنا. صبايا وصبيانًا، يعملون في ظروف قاسية، وما بلغوا العاشرة من عمرهم، فهموا أهميّة الدفاع عن الطفولة. كم من ولد لم يعرف طعم الطفولة والحنان، ولا لعب كما يلعب رفاقه، ولا حقّ له أن يبني حياته. هو سلعة في يد والديه يستثمرونه كما يُستثمر حيوان في البيت. هو خادم، بل عبد لدى من يشتغل عنده. والويل له إن أغضبه. فالفلق ينتظره في البيت. ولا ننسى الاستغلال الجنسيّ من قبل ربّ العمل، فيخسر الطفل صحّة الجسد ونقاوة الروح. من أجل هذا، دُقَّ جرس الخطر. واحتفلت المجتمعات بيوم الطفولة، علّنا نعرف واجباتنا تجاه الذين أعطيناهم الحياة وكلِّفنا من قبل الله لكي ننمّي هذه الحياة، فيكون كلّ طفل مثل يسوع الذي "كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة، عند الله والناس" (لو 2: 52).

1- كلام الطفل

هل يحقّ للطفل أن يتكلّم؟ قبل سنّ معيّن، يبقى الصبيّ مع أمّه. لا يعاشر الرجال. وإن حصل له وتكلّم، ضُرب على فمه. لا يحقّ له أن يتكلّم أمام من يكبره بالعمر. ولا نقول شيئًا عن الفتاة. هي تُحسَب كلا شيء. لا يحقّ لها أن تتكلّم حتّى إذا أرادت أن تختار عريسًا لها، شريك حياتها.

ما أجمل الطفل الذي يتمتم بعض الحروف والمقاطع الصوتيّة، وإن كانت مشوّهة، هذا يعني أنّه يسمع. يتعلّم. هذا يعني أنّ هناك من يهتمّ به، ويرافقه يومًا بعد يوم. أنريده أن يصبح رجلاً، وما عاش طفولته ولا صباه؟ هذا مستحيل. والاهتمام بالطفل عمل الأمّ. لا الأب الذي يعتبر نفسه ذليلاً إن حمل ابنه. "خذي ابنك، يا امرأة". أمّا يسوع فأخذ الأطفال في حضنه، وإن رفض التلاميذ موقفه فكان كلامه لهم: "إن كنتم لا تصيرون مثل الأطفال، لا تدخلون ملكوت السماوات". فما هي هذه الصفة التي تدعو الكبير لكي يقتدي بالصغير؟ لا البراءة، ولا البساطة، ولا الطهارة، ولا خفّة الدم. نحن نقتدي بالأطفال الذين يجعلون كلّ ثقتهم بوالديهم. نقتدي بطفل يرتاح في حضن والدته أو والده. فما أحرانا نجد مثل هذه الراحة مع الآب السماويّ. هذا ما دُعي مع القدّيسة تريزيا الطفل يسوع: الطفولة الروحيّة.

2- إدراك الطفل

الإدراك هو الانتباه والوعي والفهم، بحيث يقدر الإنسان أن يسير في طريق تقوده إلى ملء شخصيّته، إلى النضوج والعطاء. هذا يعني التدرّج في التربية. فلا نحمّل أطفالها أكثر ممّا يقدرون، كما أنّ جسدهم الطريّ يُجرَح، يتعب، إن حمل حملاً ثقيلاً أو مضرًّا. وكذا نقول على مستوى العقل والإدراك. لا نحمّل ابننا وابنتنا همومنا. ندرّجهما تدرّجًا بطيئًا. نسير مسيرتهما. وهذا يعني أنّنا نضيّع وقتنا. لا نسرع في السير، ولا في التفكير، لا في الإفهام. نتكيّف مع أطفالنا. وإلاّ كانت الهوّة واسعة بينهم وبيننا، وبعد ذلك نقول: لا يفهمون علينا، ولا نفهم عليهم. لهذا قال الرسول: "أيّها الآباء (والأمّهات)، لا تغيظوا (لا تتركوا الشدّة تتحكّم بهم) أبناءكم (وبناتكم)، لئلاّ ييأسوا (فيخسروا عزمهم والشجاعة في مجابهة الأخطار) (كو 3: 21).

والطفل يدرك. فلا نحسبه غبيًّا. إن هو رآنا نتصرّف، ننتبه إلاّ نشكّكه. إنّه يتعلّم منّا أكثر ممّا يتعلّم في آلاف الكتب ومئات المدراس. نكذب أمامه فيكذب. نزني أمامه فيزني. نسيء الكلام أمامه فيسيء. وهكذا يكون سلوكنا سبب عثار له. وفي أيّ حال، نحن نحصد ما نكون زرعنا في قلوب أطفالنا. ونحن لا ننسى المجتمع، ويسوع كان قاسيًا بالنسبة إلى الشكوك: "يعلَّق في عنق المشكّك رحى الحمار ويُرمى في أعماق البحر". هي مسؤوليّة كبيرة تنتظرنا.

3- تكفير الطفل

هنا ننتقل من الطفل إلى الإنسان البالغ. هو لا يقدر أن يبقى على مستوى الطفولة، على مستوى العقل والإدراك. هذا يدلّ على مرض، على نقص في الطريق إلى النضوج. وكذا نقول على مستوى التصرّف: يبقى الإنسان قاصرًا، ولا يجرؤ أن يأخذ موقفًا. مثل هذه الطفولة يرفضها الرسول. وهذا يكشف التربية التي نالها هذا الصبيّ أو تلك الفتاة، ولا سيّما إذا كانت هناك أم تسيطر وتريد أن تبقي أولادها تحت جناحيها، بل تسجنهم. لتتعلّم من الدجاجة التي تطرد صغارها وكأنّها تقول لهم: أمضوا، إبحثوا عن عيشكم، إستقلّوا. والشيء نفسه بالنسبة إلى أب يريد أن يختار لابنه ما نقص في حياته. مثلاً، أراد أن يكون مهندسًا، فما استطاع، ففرض على ابنه. أو هو يحاول أن يزوّج ابنه أو ابنته، كما يتمنّى هو. ونتساءل بعد ذلك: لماذا اليوم كلّ هذه الصعوبات في الحياة؟ لماذا الافتراق والطلاق والخيانات الزوجيّة.

وعلى المستوى الروحيّ، الطفل يصلّي غير ما يصلّي الشابّ والشابّة. هي صلاة عاطفيّة، تدور حول الشخص، ونادرًا ما تخرج من محيطه. هو يصلّي لكي يحفظ الربّ له أمّه وأباه لأنّه يحتاج إليهما. ويطلب مالاً وأمورًا غيرها. أترى البالغ يصلّي بهذه الطريقة؟ هل يريد أن يجلب الله إليه، أم يجعل نفسه في حضرة الله، وفي طلب مشيئته. ولا نقول شيئًا عن مستوى معرفتنا بعقائد الإيمان، بإنجيلنا، بكلام الله بشكل عامّ. أنبقى على مستوى المناولة الأولى؟ أي ما تعلّمنا حين كنّا في السنة العاشرة، بعد أن قطعنا شوطًا بعيدًا من العلم؟

ذلك هو يوم الطفولة. نتعلّم من الطفل طريقة التعامل مع الله الذي كلّه حنان ورحمة ولطف. نساعد أطفالنا على النموّ الجسديّ والعقليّ والروحيّ. وأخيرًا، ننطلق نحن من الطفولة ولا نرضى أن نبقى مدفونين تحت ترسّباتها. ننطلق من معرفة عقليّة إلى معرفة عقليّة، ومن معرفة روحيّة إلى معرفة روحيّة بحيث نبلغ إلى ملء قامة المسيح، ومعنا يبلغ أطفالنا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM