عيد القدّيس الياس النبيّ

عيد القدّيس الياس النبيّ

الرسالة: روم 11: 1-8

الإنجيل: لو 4: 22-30

بقيت سبعة آلاف

يا إخوتي، لكنّي أقول: هل نبذ الله شعبه؟ كلاّ! فأنا نفسي من بني إسرائيل، من نسل إبراهيم وعشيرة بنيامين، ما نبذ الله شعبه وهو الذي سبق فاختاره. وأنتم تعرفون ما قال الكتاب في إيليّا حين شكا بني إسرائيل إلى الله، فقال: "يا ربّ، قتلوا أنبياءك وهدموا كلّ مذابحك وبقيت أنا وحدي، وهم يريدون أن يقتلوني". فماذا أجابه صوت الله؟ أجابه: "أبقيت سبعة آلاف رجل ما حنوا ركبة لبعل". وفي الزمن الحاضر أيضًا بقيّة من الناس اختارها الله بالنعمة. فإذا كان الاختيار بالنعمة، فما هو إذًا بالأعمال، وإلاّ لما بقيت النعمة نعمة.

فماذا بعد؟ ما كان يطلبه بنو إسرائيل ولا ينالونه، ناله الذين اختارهم الله. أمّا الباقون فقست قلوبهم، كما جاء في الكتاب: "أعطاهم الله عقلاً خاملاً وعيونًا لا تبصر وآذانًا لا تسمع إلى هذا اليوم".

بقيت شخصيّة إيليّا حاضرة في العهد الجديد، هذا عدا عن التقليد اليهوديّ اللاحق. في الإنجيل، ظهر مع موسى على جبل التجلّي وكان كلام عن صعود قريب. وفي سفر الأعمال بدا صعود يسوع إلى السماء مكتوبًا بلغة صعود إيليّا في مركبة ناريّة وجياد ناريّة. ومثل هذه المركبة ليست موجودة في الواقع، هي رؤية تدلّ على أنّ إيليّا بارّ وأنّ الله أخذه إليه. فالنار تدلّ على حضور الله. أمّا جسد إيليّا فضاع في إحدى التلال الرمليّة بعد أن لفّته العاصفة وفتّش عنه "بنو الأنبياء" طويلاً وما وجدوه. وإنجيل اليوم يرينا انفتاح هذا النبيّ أبعد من أرض فلسطين. في الشرق أضافه العرب وقدّموا له طعام الملوك. وفي الغرب، في صرفت صيدا، الصرفند اليوم، قدّمت له أرملة كلَّ ما تملك، كمشة طحين وقليل من الزيت. وكانت المعجزة. أمّا الرسالة إلى رومة فتنطلق من تشكّي إيليّا لتتحدّث عن الخلاص الذي لا يراه الإنسان الذي يتوقّف عند الظواهر.

1- الكلام في الرسالة إلى رومة

عرفت الكنيسة الأولى سؤالاً ملحًا: كان عهد بين الله والشعب الأوّل. ويبدو الآن أنّ هذا الشعب تجاوزته البشارة فعثر بحجر العثرة. جاء عهد مع الشعب الثاني في يسوع المسيح. إعتبر "إسرائيل" خارجه. أتُرى الله تبدّل؟ هل هناك ندامة في عطاياه. لا شكّ في أنّ الله يعطي ولا يتراجع.

وماذا كانت النتيجة؟ إتّهم الله. واعتبر المسؤول عمّا دلّت إليه الأمور. أين وعده لإبراهيم؟ أين عهده مع موسى؟ وكان جواب بولس واضحًا: الله ما أخلَّ بوعده. فهو هو لا يتبدّل. أمّا الشعب الأوّل فلبث ملتصقًا بالشريعة مثل أعمى أريحا الذي كان في البدء "حجرًا ملتصقًا" بالطريق. متى صار إنسانًا؟ حين قفز آتيًا إلى يسوع. وتبعه في الطريق. أمّا اليهود فرفضوا هذه القفزة وفضّلوا الظلمة على النور، لأنّ أعمالهم سيّئة. أعموا عيونهم.

إعتبروا أنّهم قاموا بأعمال وأعمال. قبلوا الختان. حافظوا على السبت. إنتبهوا إلى الشرائع الطعاميّة. صاموا. دفعوا العشور. حاولوا أن يعملوا لا بالوصايا العشر وحسب، بل بـ 613 وصيّة. فماذا ينتظر الربّ بعد؟ وقد قالوا له كما في أشعيا: "نصوم ولا تنظر، نتّضع ولا تلاحظ" (58: 3). قبل الصوم والممارسات الخارجيّة، يريد الله القلب، يريد الإيمان. فالخلاص هو أوّلاً نداء الإيمان قبل أن يكون وليد ممارسات.

2- لا بكاء على الأطلال

خاف إيليّا من إيزابل الملكة، فاعتبر الخوف مسيطرًا على الجميع. لا شكّ في أنّ عددًا كبيرًا صار يمضي تارة إلى بعل وطورًا إلى يهوه. والأنبياء أنفسهم اختبأوا أو جاء من خبّأهم. فاعتبر إيليّا أنّه وحده. قال للربّ: "نبذوا عهدك. وهدموا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيتُ أنا وحدي" (1 مل 19: 10). وأنا في خطر. "هم يطلبون حياتي".

هذا الذي اسمه إيليّا "رجل الله"، ومعنى اسمه: يهوه هو الربّ، كما على جبل الكرمل هتف المؤمنون (1 مل 18: 39). خاف من امرأة. وطلب لنفسه الموت. هرب. يئ. كانت تلك ساعة ضعف. ولكنّ الربّ هو هنا. أعطاه طعامًا فتقوّى، وشرابًا فانتعش. ومشى أربعين يومًا وأربعين ليلة إلى أن وصل إلى حوريب.

ولكنّ الخوف جعل إيليّا يتكلّم هكذا ويحسب نفسه وحده، ولكنّ الله قال له: "أبقيت سبعة آلاف لم يركعوا للبعل ولم يقبّلوا صنمه" (1 مل 19: 18). كم مرّة نصل إلى يأس! أين صارت الكنيسة؟ هناك أناس يتركونها. والبدع والشيع ونبكي ونهرب كما فعل تلميذا عمّاوس. ونغسل إيدينا وكأنّنا لسنا مسؤولين. ولكنّ الربّ يقول لنا ما قال لإيليّا: إرجع من حيث أتيت. إرجع إلى الجهاد والشهادة. التخاذل ممنوع، اليأس ممنوع. ولست وحدك من يبني البيت. ولست وحدك من يحرس المدينة. ولست وحدك حامل الرسالة. فلماذ تخاف إن كان الربّ رفيقك ويده بيدك؟

3- الذين اختارهم الله

قال يسوع: "المدعوون كثيرون. أي جميع البشر مدعوون. والله يريدهم كلّهم أن يخلصوا ويعودوا إليه بالتوبة. ما من أحد هو في الخارج، إلاّ الذي يريد. والربّ يحترم حرّيتنا. بدأ فدعا أهل البيت. ثمّ "الفقراء والمشوّهين والعرج والعميان" (لو 14: 21) الذين وجدهم في "شوارع المدينة" (رذلهم المجتمع فلم يكن لهم بيت يأويهم). وفي درجة ثالثة، أرسل الخادم يدعو "الذين في الطرقات والدروب" (آ 23). وودّ أن يلزمهم. يلحّ عليهم. أجل، الجميع مدعوون. ولكنّ المختارين قليلون.

المختارون هم الذين يختارون الربّ ويتركون "البصل" الذي يمثّل عبادة الأصنام والأنانيّة والكبرياء، والرفض في النهاية. يكونون خارج البيت، خارج الوليمة وما يرافقها من فرح. يتوسّل الآب إليهم، يرفضون. فيبكي عليهم يسوع: كم مرّة أردت أن أجمع بنيك (يا أورشليم) كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها". ولكنّ الرافضين ما أرادوا. فضّلوا مجد العالم وما يحمله مجد العالم، على مجد الله، وما فيه من ثقة بها يدخلنا الله في عهده.

هو الربّ يمنح نعمته. ونحن نقبلها أو لا نقبلها. يمنحها مجّانًا، كما الأب (والأمّ) لأولاده. فإن رفض الأولاد، بحث الأب عمّن يرثه. رفض الشعب اليهوديّ، فكان الميراث حصّة الوثنيّين الذين صارت لهم المواعيد منذ إبراهيم وصولاً إلى المسيح.

هذا ما نتعلّم من رفقتنا لإيليّا النبيّ، الذي انتهت حياته مع يسوع على الجبل. وانصبّت نبوءته في من هو الكلمة التي ستصل إلى أقاصي الأرض.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM