عيد القدّيسين بطرس وبولس

عيد القدّيسين بطرس وبولس

الرسالة : 2 كور 11: 21-30

الإنجيل : مت 16: 13-20

إفتخار الرسول

فيا للخجل! يظهر أنّنا كنّا ضعفاء في هذا السبيل. فالذي يتباهون به – وكلامي كلام جاهل – أباهي به أيضًا. إن كانوا عبرانيّين فأنا عبرانيّ، أو إسرائيليّين فأنا إسرائيليّ، أو من ذرّيّة إبراهيم فأنا من ذرّيّة إبراهيم، وإن كانوا خدم المسيح – أقول هذا كأحمق – فأنا أفوقهم. في الجهاد جاهدتُ أكثر منهم، في دخول السجون، قاسيتُ أكثر منهم، في الضرب تحمّلته أكثر منهم بكثير وتعرّضت للموت مرارًا، جلدني اليهود خمس مرّات، ورجمني الناس مرّة واحدة، وانكسرت بي السفينة ثلاث مرّات، وقضيتُ نهارًا وليلة في عرض البحر. وفي أسفاري المتعدّدة تعرّضت لخطر الأنهار واللصوص، ولخطر اليهود وغير اليهود، وواجهتُ أخطارًا في المدن، وأخطارًا في البراري، وأخطارًا في البحر، وأخطارًا من الإخوة الكذّابين. عانيت الكدّ والتعب والسهر الدائم، والجوع والعطش والصوم الكثير والبرد والعري. وهذا كلّه إلى جانب ما أعانيه كلّ يوم من اهتمام بجميع الكنائس. فمن يضعف وأنا لا أضعف معه، ومن يقع في الخطيئة وأنا لا أحترق من الحزن عليه. إن كان لي من الافتخار، فأنا أفتخر بضعفي.

في عيد القدّيسين بطرس وبولس، يقدّم لنا الإنجيلُ سبيل الافتخار لبطرس الذي "عرف" من هو ابن الإنسان: المسيح ابن الله الحيّ. ولكنّه ما عرفه بلحمه ودمه، ولا بضعفه البشريّ، بل الآب السماويّ هو الذي عرّفه تلك الحقيقة السامية. أمّا بولس الذي جاب الأقطار وتألّم كثيرًا من أجل البشارة التي حملها، فهو لا يفتخر في النهاية إلاّ بضعفه وأوهانه. هذا ما يقوله عن نفسه إلى جماهة كورنتوس.

1- بولس العبرانيّ

رفض بعض المؤمنين في كورنتوس رسولهم بولس. أين أمجاده السابقة؟ وما كانت الأمجاد خصوصًا في نظر مسيحيّين جاؤوا من العالم اليهوديّ؟ أن يكون الواحد من أبناء العهد الأوّل، مع أنّهم بالإجمال لم يتبعوا يسوع المسيح، بل رذلوه وعلّقوه على خشبة بمعاونة الرومان. لهذا أعلن الرسول: أنا عبرانيّ بن عبرانيّ أرتبط بموسى وبخبرة الخروج من مصر، كما أرتبط بالعهود التي قطعها الله مع شعبه. وأنا من ذرّيّة إبراهيم. خُتنتُ في اليوم الثامن فصرتُ "ابن" الإيمان.

ولكن ما قيمة مثل هذا الافتخار البشريّ؟ لا شيء. إن خُتن الإنسان لا يزداد إيمانًا. وإن لم يُختن، لن ينقص. وأبناء إبراهيم هم أوّلاً العائشون بحسب وصايا الله. فالله قادر أن يخرج من الحجارة "أبناء لإبراهيم" (مت 3: 9). ولكن ما نفع هؤلاء إن كانت "الفأس" تنتظرهم لأنّهم لا يحملون ثمرًا! لا الاسم يفيد، ولا العرق، ولا اللون، ولا الأجداد. لا نفتخر إلاّ بالإيمان العامل بالمحبّة.

2- بولس المتألّم من أجل المسيح

كان بولس آخر الرسل الذين التحقوا بالرسالة. دعا نفسه "السقط" (1 كور 15: 8). ما وُلد كما وُلد سائر الرسل. وما استحقّ أن يكون رسولاً بعد أن اضطهد الكنيسة. إذًا، ما استحقّ، من الوجهة البشريّة، أن يكون رسولاً كسائر الرسل. بل سيُحسب في الكنيسة عمود الكنيسة مع بطرس. عُهد إليه تبشير غير اليهود، كما عُهد إلى بطرس تبشير اليهود (غل 2: 7). كيف وصل إلى هذه المرتبة؟ لأنّه تألّم الكثير من أجل الربّ. لأنّه جاهد فتفوّق في الجهاد والتعب والكدّ.

ضُرب، جُلد، تعرّض للموت أكثر من مرّة. رُجم مرّة وحُسب ميتًا. كاد يغرق أكثر من مرّة. والأخطار: السفر، الملاحقات، السجن... ثمّ الجوع والعطش والبرد... أتريدون بعد افتخارًا؟ من عمل قدر ما عملتُ أنا؟ ألا يكفيكم رسولكم يا أهل كورنتوس؟ لماذا تباهى بولس وفي النهاية خجل من نفسه؟ جعل نفسه على مستوى المؤمنين الذين يُؤخذون بالوجوه، لا بالقلب. الذين يتركون رسولهم من أجل أوّل غريب آتٍ إليهم، ولو استعبدهم وصفعهم وتعجرف عليهم. ولكن ماذا ظهر من بولس في كلّ هذا؟ ضعفه. وهو يفتخر بهذا الضعف. لأنّ فيه يفعل الله. فالقوّة ما أفادت الكنيسة يومًا ولا العنف ولا العظمة، بل العمل الصامت مهما كلّف من تضحيات.

3- بولس المهتمّ بالرسالة

إهتمام بولس بالرسالة جعله يفاخر بما احتمل من أجل المسيح. فخصومه يهاجمونه. ولكنّهم لا يدرون أنّهم حين يحاولون تدمير بولس، وهذه خطيئة عظيمة، يحاولون أن يدمّروا الرسالة. بدأوا فقسموا المؤمنين بين تابع لبطرس ولبولس ولأبلُّوس. وهكذا جزّأوا المسيح. قسّموه. قالوا: هناك أكثر من معلّم، فلماذا التعلّق بمعلّم واحد هو بولس الذي لا نعرف كيف دعاه الله. وتعليمه في الحرّيّة ينسى الشريعة اليهوديّة؛ لهذا دافع عن نفسه، واستعدّ للموت من أجل الرسالة، من أجل الإنجيل الذي يرى من واجبه أن يحمله.

ومن الجهاد الكبير، الألم الكبير اهتمام الرسول كما الأمّ، هو الذي قال للكورنثيّين: "ولدتكم للمسيح". شعور أبنائه شعوره، آلامهم آلامه، ضعفهم ضعفه. يسقط واحد منهم فيحسّ أنّه سقط. تكون خطيئة كبيرة، فيشتعل من بعيد من أجل الجماعة التي لن تتمكّن من الشهادة. هكذا كان بولس. هكذا كان بطرس، ومثلهما يكون كلُّ رسول إذا أراد أن تكون حياته مثمرة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM