عيد القدّيس أنطونيوس البادوانيّ

عيد القدّيس أنطونيوس البادوانيّ

الرسالة: 1 كور 4: 9-16

الإنجيل: لو 12: 35-44

الاقتداء بالقدّيسين

يا إخوتي، أنا أرى أنّ الله جعلنا نحن الرسل أدنى الناس منزلة كالمحكوم عليهم بالموت علانية، لأنّنا صرنا مشهدًا للعالم، للملائكة والناس. نحن حمقى من أجل المسيح وأنتم عقلاء في المسيح. نحن ضعفاء وأنتم أقوياء. أنتم مكرّمون ونحن محتقرون. ولا نزال إلى هذه الساعة نعاني الجوع والعطش والعزي والضرب والتشرّد، ونتعب في العمل بأيدينا. نردّ الشتيمة بالبركة، والاضطهاد بالصبر، والافتراء بالنصح، صرنا أشبه ما يكون بقذارة العالم ونفاية كلّ شيء.

لا أكتب هذا لأجعلكم تخجلون، بل لأنصحكم نصيحتي لأبنائي الأحبّاء. فلو كان لكم في المسيح عشرة آلاف مرشد، فما لكم آباء كثيرون، لأنّي أنا الذي ولدتكم في المسيح يسوع بالبشارة التي حملتها إليكم. فأناشدكم أن تقتدوا بي.

هذا ما قاله الرسول إلى أهل كورنتوس: "أناشدكم أن تقتدوا بي. ما هذا الكلام الذي يعلنه بولس؟ هل صار هو المسيح؟ بل سمّى نفسه خادم المسيح، عبد المسيح ورسوله. عرف ضعفه وإمكاناته المحدودة. ومع ذلك طلب من المسيحيّين أن يقتدوا به. هل صار هو الهدف؟ كلاّ. هل صار هو المثال الأعلى؟ كلاّ. هو إناء من خزف، سريع العطب. ولكنّ هذا الإناء يحمل الوديعة التي تقدّم للمؤمنين. فالقوّة من الله، لا منّا، كما قال الرسول. وإن هو طلب أن نقتدي به، فلأنّه يقتدي بالمسيح (1 كور 11: 1). ذاك هو القدّيس بولس. وإسطفانس يستطيع أن يطلب منّا أن نقتدي به فنعلن إيماننا ونموت في سبيل هذا الإيمان. وبطرس ويوحنّا وأندراوس... والكنيسة تستطيع أن تقول لنا اليوم: إقتدوا بالقدّيس أنطونيوس الذي اقتدى بالمسيح، بل نال نعمة فريدة حين حمل يسوع بين ذراعيه. شبّهوه بالملائكة. ومع أنّه لم يعمِّر كثيرًا فمات في الثلاثينات، نستطيع أن نقول إنّه قطع شوطه وحافظ على إيمانه فصحّ فيه ما قال سفر الحكمة عن الأبرار: "أخذه الربّ سريعًا" (حك 3: 11). وما انتظره أن يشيخ، لأنّ الشيخوخة لا تقاس بعدد السنين بل بالحياة الصالحة. رضي الله عنه فأحبّه وأخذه إليه وما انتظر.

1- صرنا مشهدًا

إنطلق بولس من منظر إلى الحلبة، حيث يكون المتصارعون. الجميع ينظرون إليهم. كيف ستنتهي الأمور. هناك غالب وهناك مغلوب. كيف يتصرّف الواحد. وكيف يتصرّف الآخر. والأضواء كاشفة، ولا شيء يمكن أن يكون مستورًا.

والرسول هو أيضًا مشهد. الناس ينظرون إليه، ينتظرون شهادته. لا بالكلام فقط، بل بالعمل، وبكلّ حياته. قال بولس عن نفسه إنّه ذبيحة يُراق دمها. حياته كلّها للمسيح وللجماعات التي أسّسها. أترى سيكون كما يريده الربّ في قلب الصعوبات التي تحيط به من الخارج ومن الداخل.

والقدّيسون مشهد لنا. نشاهدهم. نتعرّف إلى حياتهم، إلى فضائل مارسوها، فكانوا شعاعًا يتّخذ نوره من يسوع شمس البرّ. كانوا الخدّام. هنيئًا لهم، لأنّ من يخدمون سبق فخدمَنا كلّنا. هم الأمناء للوديعة التي تسلّموها وهم يحافظون عليها إلى يوم ربّنا، فلماذا نخاف أن نتعلّم منهم؟

2- المفارقة في حياة الرسول

في المفارقة، يكون رأيٌ عاديّ، معروف. فيأتي رأي آخر يحاول أن يلغيه. من لا يعرف أنّ الرسل عقلاء، حكماء؟ ومع ذلك، اعتبروا نفوسهم جهلة، حمقى، إكرامًا للمسيح ومن أجل الرسالة. الناس يطلبون الشهرة، والرسل لا. الناس يطلبون المال والمقام الرفيع. والرسل لا. الناس يطلبون الكرامة، والرسل يحتقرهم العالم. أهذا ما انتظر الكورنثيّون من رسولهم؟ بل إنّ بعضهم اعتبره رسولاً من الدرجة الثانية والثالثة، تجاه الذين عرفوا يسوع "في الجسد" حين كان يعلن البشارة على طرقات الجليل والسامرة. ورأى فيه آخرون إنسانًا متقلّبًا، لا يقف على رأي. بدّل مشروعه أكثر من مرّة. لماذا؟ والجواب عنده: الرسالة هي التي تُشرف على أعماله وتصرّفاته. وهو مستعدّ أن يبدّل في مواقفه البشريّة من أجل موقف واحد لا يمكن أن يحيد عنه: يسوع المسيح وقدرة قيامته والمشاركة في آلامه (فل 3: 10).

3- الأمانة في عمل الرسول

مرّات عديدة نريد الرسول، الكاهن، كما نحن نرتئي. ولكن من نحن؟ فهناك أ:ثر من رأي في الرعيّة الواحدة، في الجماعة، في الرسالة. ومن أراد أن يتبع ما يقوله الناس، كان رسولاً فاشلاً. في هذا قال بولس: "إن كنتُ أريد أن أرضي الناس فلست خادمًا ليسوع المسيح، بل خادم للناس. حينئذٍ أمضى وآخذ أجري من الناس، لا من الله الذي يرى الخفايا.

فالأمانة هي الموقف الأصيل للرسول. والثبات في خدمة من جلع ثقته فينا بل أن نجعل ثقتنا فيه. تسلّمنا مهمّة من الربّ. وهو يعطينا "أمره" اليوم كما يفعل القائد مع جنوده. ومن يتبع هذا الأمر، يكون هو الرابح. يمجّده الله نفسه. ويأتي يوم يضع يسوع "الوزرة" ويأخذ بخدمتنا.

ما يحكم على الراعي، على القدّيس أنطونيوس، هو الأمانة للذي دعاه، لا لما يقوله الناس، وينشره العالم. منطق العالم غير منطق يسوع المسيح. وكلام الإنجيل يحمل قوّة لا نجدها في كلّ كلمات البشر. هذا ما كان عليه قدّيسنا الذي تشرّب من كلام الربّ وحمله في التعليم والوعظ، وفي كلّ لقاء مع المؤمنين. هكذا شابه المسيح، اقتدى به. ونحن نحاول السير معه. نصلّي معه وهو يصلّي معنا. نتعلّم السماع إلى الربّ كما هو سمع. ونفرح بالقدّيسين الذين سبقونا. وحين نكون في السماء يستقبلوننا في موكب يكون في مقدّمته يسوع المسيح نفسه. فلماذا لا نتطلّع إلى ذلك اليوم بقلب مفعم بالرجاء والمحبّة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM