عيد القدّيسة رفقه الريّس

عيد القدّيسة رفقه الريّس

الرسالة: 2 كور 1: 1-7

الإنجيل: لو 10: 38-42

شركة في الآلام وفي العزاء

يا إخوتي، من بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله، ومن الأخ تيموتاوس، إلى كنيسة الله في كورنتوس، وإلى جميع الإخوة القدّيسين في آخائية كلّها. عليكم النعمة والسلام من الله أبينا ومن الربّ يسوع المسيح.

تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح الآب الرحيم وإله كلّ عزاء، فهو الذي يعزّينا في جميع شدائدنا لنقدر نحن بالعزاء الذي نلناه من الله أن نعزّي سوانا في كلّ شدّة. فكما أنّ لنا نصيبًا وافرًا من آلام المسيح، فكذلك لنا بالمسيح نصيب وافر من العزاء. فإذا كنّا في شدّة فلأجل عزائكم وخلاصكم، وإذا تعزّينا فلأجل عزائكم الذي يمنحنا القدرة على احتمال تلك الآلام التي نحتملها نحن. ورجاؤنا فيكم ثابت لأنّنا نعرف أنّكم تشاركوننا في العزاء مثلما تشاركوننا في الآلام.

إذ نعيّد القدّيسة رفقه، تلك الراهبة التي أحبّت المسيح حبًّا جمًّا، ودلّت على حبّها هذا بقبول الألم، بل بطلبه لتكون قريبة من آلام يسوع. في الصليب، كان قرب يسوع أمّه مريم، وأخت أمّه سالومة، والدة الرسولين يعقوب ويوحنّا. ومريم زوجة كلاوبا، نسيب يوسف، وأم "إخوة يسوع". والمرأة الرابعة كانت المجدليّة التي فرغ قلبها من الله، فأقام فيها سبعة شياطين (لو 8: 2). العالم كلّه هو هنا قرب الصليب من خلال نساء أربع، والمرأة تدلّ على الشعب والمدينة والجماعة. فلماذا لا تكون رفقه معهم. ونالت النعمة الكبرى التي وعد بها بولس أهل فيلبّي: "لا أن نؤمن بالمسيح فقط، بل أن نتألّم معه" (فل 1: 29).

1- الضروريّ الأوّل

عمَّ يبحث الإنسان في حياته؟ النجاح، والطريق إلى النجاح والسعادة. والوسائل عديدة. منهم من يضيع بين عمل وعمل، بين هدف وهدف، فيكون كمن يلاحق عصفورًا ليمسكه بيده. أمّا يسوع فعلّمنا الضروريّ الذي اختارته مريم، أخت مرتا، ولن ينزعه أحد منها.

ما هو الضروريّ؟ الجلوس عند قدمي المعلّم والتتلمذ له. جلست تستمع. لا تريد صوتًا سوى هذا الصوت، ولا كلامًا إلاّ هذا الكلام. وبعد سماع هذا الصوت، نسير في الطريق التي يوجّهنا الربّ فيها. إن كانت الخدمة مثل مريم، فلتكن الخدمة. وإن كانت التأمّل، فليكن التأمّل. وإن كانت الرسالة فلتكن الرسالة. وإن كانت الألم، فما أحلى الألم مع يسوع، لأنّ التعزية ترافقه دائمًا. وحملُ الصليب فخر لنا، لأنّه يجعلنا نضع خطانا في خطى المسيح. فمن لا يفرح في أن يكون وراء قائد يبذل حياته، لا حياة آخرين، يخدم التلاميذ ولا يطلب منهم أن يخدموه ويغسلوا قدميه. تلك كانت حياة القدّيسة رفقه.

2- نصيب من آلام المسيح

قال الرسول: "أكمّل في جسدي ما نقص من آلام المسيح، في سبيل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24). وبما أنّ الأمر كذلك، مساعدة يسوع، تكملة عمل يسوع، سبق فقال: "أنا أفرح بالآلام التي أعانيها".

ويُطرَح السؤال: هل كانت آلام المسيح ناقصة؟ كلاّ ثمّ كلاّ. أما خلّص البشر جميعًا؟ نعم وألف نعم. إذًا، لماذا آلام البشر بعد أن أخذ المسيح أمراضنا وحمل عاهاتنا، بعد أن صار "لعنة" من أجلنا (غل 3: 13)؟

سؤال واسع. ونحن نفهمه حين نقول إنّ لا كاهن سوى يسوع المسيح، بعد أن زال كهنوت هارون. ولكن لماذا الكهنة؟ ومن يحقّ له أن يقول: هذا هو جسدي، باسم المسيح؟ لا أحد. ولكنّ يسوع احتاج إلينا نحن الكهنة. واحتاج إلى من يتابع صلاته. واحتاج إلى من يواصل آلامه. هكذا يكون المسيح حاضرًا في العالم، وحتّى نهاية الزمن. حيث يصلّي مؤمن، هناك يصلّي المسيح. حيث يخدم كاهن، هناك يخدم المسيح. حيث تتألّم رفقه هناك يتألّم المسيح. أنعجب بعد ذلك أن يمضي الناس العديدون، لا بعد تطويبها وتقديسها وحسب، بل منذ موتها الذي هو انتقال إلى الحياة الأبديّة؟

3- شراكة مع المسيح

حين مرض حزقيّا وقويَ المرض عليه (أش 38: 1) "أدار وجهه إلى الحائط". أراد أن ينعزل على نفسه. وإن حكى، لم يختلف عن الفرّيسيّ الذي يذكر الله بأعماله، وينسى أنّ ما يدفع الله إلى التدخّل، هو رحمته وحنانه.

في المرض ننغلق على نفوسنا في صمت قاتل، أو نجدّف على الله لأنّه "ضربني" وما ضرب غيري، وأنا لا ذنب عليّ. أو أتمسّك بالإيمان مثل أيّوب فأتقبّل من الربّ "الخير والشرّ" (أي 2: 10). هو ما خطئ بكلمة من شفتيه. وأعلن رجاءه من عمق الألم: "أعرف أنّ شفيعي (ولييّ، الربّ) حيّ، وسأقوم آجلاً من التراب، وبجسدي أعاين الله" (أي 19: 26).

كانت تلك طريق تنفتح على الإنجيل. ما اكتفى المسيح بأن يتكلّم، بل عمل. ما قال لنا فقط: احملوا صليبكم، بل حمله أمامنا. كما قال القدّيس بطرس: "المسيح تألّم من أجلكم، وجعل لكم من نفسه قدوة لتسيروا على خطاه" (1 بط 2: 22). وقد قال الربّ نفسه: "من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 16: 24). كيف نجسر أن نسير وراء يسوع ولا صليب على كتفنا؟ هذا ما لم ترضَ به القدّيسة رفقه. سألت يسوع أين صليبها. فكان لها المرض العضال الذي فكّك جسمها. ولكنّ هذا الجسم سيُبنى من جديد، لا بأيدي البشر، بل بيد الله، من أجل حياة سعيدة.

والسعادة في الألم لا تكون فقط في السماء، بل هي ترافقنا منذ الآن. فإن قلنا: الله "يريد" الألم، يجب أن نقول حالاً: ويرسل معه التعزية. هل نؤمن بذلك، أم نتوقّف على ما يُرى وننسى ما لا يُرى؟ "ما نراه هو إلى حين، وما لا نراه هو إلى الأبد" (2 كور 4: 18). تعلّقت رفقه بما لا يُرى، فكان لها أن ترى وجه المسيح وتدلّنا عليه نحن الذين نسأله أين يقيم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM