عيد القدّيس يوحنّا مارون

عيد القدّيس يوحنّا مارون

الرسالة: فل 1: 2-30

الإنجيل: مت 5: 13-17

مسيرة تليق بالإنجيل

يا إخوتي، فكلّ ما أتمنّاه وأرجوه أن أكون الآن وفي كلّ حين جريئًا في العمل بكلّ كياني لمجد المسيح، سواء عشتُ أو متّ. فالحياة عندي هي المسيح، والموت ربح. أمّا إذا كنت بحياتي أقوم بعمل مثمر، فلا أعرف ما أختار وأنا في حيرة بين أمرين: أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح، وهذا هو الأفضل، ولكنّ بقائي بينكم أشدّ ضرورة لكم. ولي ثقة بأنّي سأبقى بينكم جميعًا لأجل تقدّمكم وفرحكم في الإيمان، فيزيدكم حضوري بينكم مرّة ثانية فخرًا بالمسيح يسوع.

فما يهمّ الآن هو أن تكون سيرتكم في الحياة لائقة ببشارة المسيح، لأرى إذا جئتكم، أو أسمع إذا كنت غائبًا، أنّكم ثابتون بروح واحد وتجاهدون بقلب واحد في سبيل الإيمان بالبشارة. لا تخافوا خصومكم في شيء. فذلك برهان على هلاكهم وعلى خلاصكم وهذا من فضل الله، لأنّه أنعم عليكم أن تتألّموا من أجل المسيح، لا أن تكتفوا بالإيمان به، مجاهدين الجهاد نفسه الذي رأيتموني أجاهده، وتسمعون الآن أنّي لا أزال أجاهده.

في عيد القدّيس يوحنّا مارون الذي يُعتبر أوّل بطريرك على الطائفة المارونيّة، يدعونا يسوع إلى أن لا نكون طعامًا باهتًا، بل ملح يملّح العالم. والويل لنا إن فسد ملحنا، إن لم نعد نؤثّر في المحيط الذي نحن فيه. فما الفائدة منّا؟ "نرمى في الخارج، ويدوسنا الناس". ويدعونا يسوع أن نكون النور، لا لأنّنا أفضل من غيرنا، بل لأنّنا تسلّمنا النور من ذاك الذي قال: أنا نور العالم. من يتبعني لا يمشي في الظلام. وكيف نكون نورًا؟ بأعمالنا التي تمجّد الآب الذي في السماوات. فهل نرضى أن ينطفئ هذا النور ونحن المسؤولون عنه. هي مسؤوليّة قبل أن تكون شرفًا وافتخارًا، وإن نحن كنّا أمناء، نفتخر بالربّ ولا نفتخر بسواه.

1- رغبة ملحّة

كتب بولس الرسالة إلى فيلبّي من أفسس. كان في السجن من أجل المسيح. واستعدّوا لأن يرموه للوحوش، كما كانوا يفعلون بالمسيحيّين الذين يرفضون أن يقدّموا البخور لتمثال رومة ولصورة الإمبراطور. ولكنّه مواطن رومانيّ، وبالتالي يستطيع أن يُحاكم حتّى في رومة. وفي أيّ حال، لا يُرمى للوحوش، ولا يصلب... فالرومانيّ له كرامته وامتيازاته. وفي الواقع، مات بولس حين قُطع رأسه على طريق أوستيا، قرب رومة.

في البداية، رفض الرسول أن يختبئ وراء مواطنيّته الرومانيّة لكي ينجو بحياته وهو يرى المسيحيّين هنا وهناك يضطهدون. هذا احترامًا للذين دعاهم للسير وراء المسيح. فكيف يجسر أن يقول لهم: إقتدوا بي، وهو لا يقتدي بالمسيح، ولا يستعدّ أن يبذل حياته، مع أنّه عارف أنّه يسترجعها.

ثمّ هو يرغب أن يترك هذه الحياة ليكون مع المسيح. هذا الذي رآه على طريق دمشق، فنال نورًا ما زال يضيء حياته ونارًا تشعل قلبه، ولكنّها رؤية سريعة. هو يودّ أن تدوم هذه الرؤية إلى الأبد.

2- سابقى بينكم

قال المزمور 122: "فرحتُ بالقائلين لي: إلى بيت نذهب". ومن لا يفرح باللقاء بالربّ! ولكنّ الأمر لا يتعلّق بنا، بل بالله. هو الذي يقرّر إن كان عملنا بعدُ مثمرًا أم لا. هل الذي يدعونا إليه أو يطلب منّا البقاء حيث نحن من أجل عمل الرسالة. أراد إيليّا أن يبقى لدى الله في جبل حوريب ولكنّ الله أمره بالعودة ومتابعة الرسالة. وأراد القدّيس يوحنّا خادم رعيّة أرس (قرب ليون) في فرنسا، أن يترك الرعيّة ويمضي إلى الاختلاء، فطلب منه الربّ أن يرجع إلى خدمته. الله هو الذي يختار لنا ونحن نتجاوب مع اختياره. وهنيئًا لنا إن عرفنا أن نقول مع الرسول: "الحياة عندي هي المسيح، والموت ربح". إن عشتُ فأنا للمسيح، وإن متُّ فأنا للمسيح ولا شيء يتغيّر بالنسبة إليّ بحيث أحسب نفسي من الخاسرين إذا رحتُ إلى الربّ وفي قلبي بعض الشوق إلى هذه الحياة.

وأعلن الرسول أنّه مواطن رومانيّ. وتوقّف كلّ شيء. واعتذر منه حكّام المدينة لأنّهم جلدوه وما حاكموه (أع 16: 35-37)، كما فعلوا في فيلبّي. وبقي بولس من أجل الرسالة. حضوره ضروريّ لتشجيع المؤمنين. وعمله مهمّ من أجل تقدّم الجماعة. لا شكّ في أنّ الرسول صلّى قبل أن يتّخذ قراره، قبل أن يختار البقاء مع الجماعة أو الحياة "المجيدة" مع المسيح.

3- الهدف الذي يطلب

ما طلب الرسول يومًا شيئًا لنفسه. ما طلب ما يملك المؤمنون. بل طلبهم هم. لا يريد تقدّمه، بل تقدّمهم، ولا نجاحه، بل نجاحهم. هو يرضى أن يكونوا أغنياء وإن كان هو فقيرًا. فالأب يهمّه تقدّم أبنائه. لذلك بقي بولس في هذه الحياة. فهل تتجاوب الجماعة مع رغبته.

كيف تكون سيرتهم؟ لائقة بالإنجيل. حينئذ يمجّدون الله بسببهم (غل 1: 24). أو، لا سمح الله "يجدّفون على اسم الله" (روم 1: 24)، لأنّنا نفتخر بالشريعة ونهين الله بعصياننا.

هم الرسول واحد: أن يبقى المؤمنون ثابتين بروح واحد. وأن يكون جهادهم بقلب واحد في سبيل الإيمان. وكما يفرح الأب بأولاده الذين ولدهم بالمسيح، يفرح الرسول، سواء كان بعيدًا (فسمع)، أو كان قريبًا (فيرى). هم نالوا الإيمان ويحاولون العيش بحسب ما يطلبه منهم. ولكن يرافق هذا الإيمان "الألم من أجل المسيح". هل الجماعة مستعدّة لهذه المسيرة مع حمل صليبها.

هذا ما نستطيع اليوم أن نسمعه، في خطى بولس الرسول، في خطى الآباء القدّيسين الذين سبقونا مثل مارون، يوحنّا مارون، سمعان العموديّ، والذين عاصرونا مثل شربل ورفقه ونعمة الله. نحن من سلالة القدّيسين. يا ليتنا نكون الملح في الطعام والنور في العالم لئلاّ يستحي بنا من فتحوا لنا الطريق وطلبوا منّا أن نقتدي بهم، لأنّهم ساروا بدورهم وراء المسيح وحملوا صليبهم صليبًا وصل بهم إلى "الجلجلة".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM