عيد القدّيس مارون

عيد القدّيس مارون

الرسالة : 2 تم 3: 10-17

الإنجيل: يو 12: 23-30

من أراد أن يحيا في المسيح

يا إخوتي، أمّا أنت فتبعتني في تعليمي وسيرتي ومقاصدي وإيماني وصبري ومحبّتي وثباتي واحتمالي الاضطهاد والعذاب وما أصابني في أنطاكية وأيقونية ولسترة. وكم من اضطهاد عانيت وأنقذني الربّ منها كلّها. فكلّ من أراد أن يحيا في المسيح يسوع حياة التقوى أصابه الاضطهاد. أمّا الأشرار والدجّالون فيردادون شرًّا وهم خادعون مخدوعون. فاثبت أنت على ما تعلّمته علم اليقين عارفًا عمّن أخذته. فأنت منذ طفولتك عرفت الكتب المقدّسة القادرة على أن تزوّدك بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بالمسيح يسوع. فالكتاب كلّه من وحي الله، يفيد في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البرّ، ليكون رجل الله كاملاً مستعدًّا لكلّ عمل صالح.

في عيد القدّيس مارون، شفيع الطائفة المارونيّة، لا نكتفي فقط بالفخر بهذا القدّيس، ولا نتوقّف عند مراحل مشعّة في تاريخ الذين تبعوه، بل نقرأ البرنامج الذي قدّمه بولس لتلميذه تيموتاوس. ويستطيع مارون أن يقدّمه لمن تتلمذوا له، فيقول لهم ما قاله الرسول للكورنثيّين: "اقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح" (1كور 11: 1).

1- إضطهاد وعذاب

بولس هو في سجن رومة. أخليَ سبيله مرّة أولى، ولكنّه لم يتوقّف عن نشر الإنجيل. فيقول التقليد إنّه مضى إلى إسبانيا، وإلى نهاية العالم في مضيق هرقل أو جبل طارق. ثمّ عاد يزور الكنائس التي أسّسها. وها هو الآن يعرف أن ساعته قريبة. فجاءت هذه الرسالة بشكل وصيّة أخيرة قبل الموت. قال: "أمّا أنا فذبيحة يُراق دمُها، وساعة رحيلي اقتربت" (2 تم 4: 6).

عندئذ ذكّر تلميذه العزيز تيموتاوس كيف سلك أمامه، فعلّم وثابر، عاش الإيمان والمحبّة وما تراجع ولا خاف. وحذّره: لن تكون الحياة سهلة. اضطُهد بولس ولن يكون مصير تيموتاوس أفضل من مصير معلّمه. وقد سبق يسوع فقال لتلاميذه: إن كانوا اضطهدوني فسوف يضطهدونكم (يو 15: 20). أو بالأحرى، اضطهدوا يسوع وعلى الرسول أن ينتظر الاضطهاد إذا أراد أن يكون للمسيح. أمّا إذا كنّا بحسب روح العالم، فالعالم يحبّنا. ولكنّ يسوع قال لنا: أنتم في العالم، ولكنّكم لستم من العالم. وإذا لم تعرفوا الاضطهاد، فهذا يعني أنّ حياتكم ليست "حياة التقوى".

2- تعلّم تيموتاوس

أوّل معلّم لتيموتاوس كان البيت. جدّته لونيس حدّثته عن الكتب المقدّسة، مع أنّ جدّه كان وثنيًّا. ووالده أيضًا كان وثنيًّا. فما سمح لوالدته أفنيكة أن تختنه علامة إنتمائه إلى الله الواحد في حفظ الوصايا. وما اكتفت الجدّة والوالدة بالتعليم، بل نقلت إلى هذا "الابن" الإيمان الصادق (2 تم 1: 5). الإيمان الذي يبدّل نظرتنا إلى الحياة، ويدفعنا إلى العيش بحسب كلام الله.

لبث تيموتاوس في الكنف الوالديّ ذاك المتعبّد لله. ولمّا وصل بولس، أكمل تعليمه، وجعله رفيقه في الرسالة، بل أرسله في أكثر من مهمّة لدى الكنائس. وهكذا انتقل إلى تيموتاوس إيمان من جدّته ووالدته، وإيمان من بولس، فوصل إلى المسيح. وهذا الإيمان يصل إلى كلّ واحد منّا بواسطة من تسلّموه قبلنا. هكذا كان يروي كبير البيت للصغار معنى عيد الفصح وسائر الأعياد. ويبقى الوالدون، مهما كثر المعلّمون، أوّل من ينقل إلينا وديعة الإيمان. شكرًا لله على آبائنا وأجدادنا.

3- الكتب المقدّسة

أو بالأحرى: الكتاب، هو واحد، لأنّ كاتبه واحد، الروح القدس. إنّه يحمل وحي الله وكشفه للبشر. ما كان للإنسان أن يعرف الله، لو لم يفتح الله نافذة على شخصه، لو لم يرسل وحيًا إلينا. وإلاّ لبثنا في ظلال عقليّ وفي خطأ حياتي.

هذا الكتاب هو الزاد الحقيقيّ، الذي ما بعده زاد. هو ينبوع الماء الحيّ، والمؤمنون يبحثون عن آبار مشقّقة (إر 2: 13)، يطلبون معرفة الله من خلال كتب سطحيّة (عاطفيّة) إن لم تكن تشوّه نظرتنا إلى الله وإلى الإيمان.

هذا الكتاب يقدّم زاد الحكمة الحقّة. لا حكمة هذا العالم وما فيها من قصر نظر. بل حكمة الصليب التي تهدي إلى الخلاص. هذا الكتاب هو أكثر من كلمة مكتوبة. إنّه شخص حيّ يعلّمنا ساعة يكثر المعلّمون "الكاذبون". يردّ على أفكار ضالّة ويفنّدها. وأخيرًا، يؤدّبنا ويقوّم اعوجاجنا، إذا قبلنا منه التأديب كما الأبناء من والديهم.

تلك هي وصيّة مارون، وصيّة بولس. وفي النهاية، هي وصيّة المسيح الذي يسمعنا صوته من خلال الذين أخذوا على عاتقهم حمل الإنجيل في وقته وفي غير وقته، ولو كلّفتهم الرسالة الاضطهاد والموت في سبيل المسيح على مثال بولس وتيموتاوس.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM