عيد القدّيس أفرام السريانيّ

عيد القدّيس أفرام السريانيّ

الرسالة : عب 13: 7-17

الإنجيل : يو 15: 1-8

أذكروا مدبّريكم

يا إخوتي، أذكروا مرشديكم الذين خاطبوكم بكلام الله، واعتبروا بحياتهم وموتهم واقتدوا بإيمانهم. أمّا يسوع فهو هو، بالأمس واليوم وإلى الأبد. لا تنقادوا إلى الضلال بتعاليم مختلفة غريبة، فمن الخير أن تتقوّى قلوبكم بالنعمة، لا بالأطعمة التي لا نفع منها للذين يتعاطونها.

لنا مذبح لا يحقّ للذين يخدمون خيمة العهد أن يأكلوا منه، لأنّ الحيوانات التي يدخل رئيس الكهنة بدمها إلى قدس الأقداس كفّارة للخطيئة تأكل النار أجسامها في خارج المحلّة، ولذلك مات يسوع في خارج باب المدينة ليقدّس الشعب بدمه. فلنخرج إليه، إذًا، في خارج المحلّة حاملين عاره. فما لنا هنا في الأرض مدينة باقية، ولكنّنا نسعى إلى مدينة المستقبل. فلنقدِّم لله بالمسيح ذبيحة الحمد في كلّ حين، ثمرة شفاه تسبّح باسمه. لا تنسوا عمل الخير والمشاركة في كلّ شيء، فمثل هذه الذبائح ترضي الله.

أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم، لأنّهم يسهرون على نفوسكم كأنّ الله يحاسبهم عليها، فيعملوا عملهم بفرح، لا بحسرة يكون لكم فيها خسارة.

حاول بعض الشرّاح لأسباب عقائديّة أن يفصلوا بين مدبّرين (أو مرشدين) ومدبّرين، بين الرسل الذين بدأوا فترأسوا الجماعات المسيحيّة هنا وهناك. وبين المسؤولين من أساقفة وشيوخ الذين كانوا من الجيل الثاني أو الثالث. أمّا نحن فنكتشف أنّ المدبّرين الأوّلين هم الرسل، ولا سيّما بطرس وبولس اللذين أنهيا حياتهما في رومة على ما يقول رؤ 11: 7-8، والمدبّرين الآخرين هم الذين يهتمّون بشؤون الجماعات "يتعبون بينكم ويرعونكم في الربّ ويرشدونكم" (1 تس 5: 12). أفرام السريانيّ الذي نعيّده اليوم هو في عداد هؤلاء: قدّم التعليم وحذّر من الضلال، تقوّى قلبه بحياة من القداسة والبتوليّة، أنشدت شفتاه التسابيح لاسم الله، ومات وهو يعمل الخير، فيؤاسي المرضى ويدفن الموتى. كلّ هذا نقرأه هنا في الرسالة إلى العبرانيّين.

1- كلام الله

ذكر كاتب الرسالة أولئك الذين حملوا التعليم إلى المؤمنين في أيّامه. قدّموا لهم كلام الله لا كلام البشر. وهذه الكلمة هي هي أمس واليوم وإلى الأبد. ونحن لا نزيد عليها ولا ننقّص منها. نحن لا نختار ما نشاء ونترك الباقي.

فالناس يتبعون أهواءهم ولا يحتملون التعليم الصحيح، بل يأخذون منه ما يطرب آذانهم (2 تم 4: 3). يتركون كلام الله ويتبعون التعاليم وأيّ تعاليم، هي خرافات وقصص ترتبط بعالم اليونان القديم أكثر منه بالإنجيل. على مستوى الطعام والشراب والحياة الزوجيّة، هي تعاليم مختلفة وبعيدة عن التعليم الواحد. وتعاليم غريبة ما اعتاد المؤمنون عليها لأنّها تقود إلى الضلال.

إلى مثل هؤلاء المرشدين يسمع المؤمنون. في الماضي واليوم، حيث الإيديولوجيّا تسيطر على الإنجيل، والنظرات العاطفيّة تُفقد الإيمان محتواه.

2- مدينة المستقبل

كُتبت هذه الرسالة إلى جماعات يهوديّة ظلّوا يحنّون إلى الهيكل بما فيه من أبّهة وعظمة. وجماعات الكهنة بلباسهم المزركش الغنيّ، وتاج رئيس الكهنة المذهّب، والذبائح العديدة، ولا سيّما في عيد التكفير ونهاية السنة الليتورجيّة. دُمَِّرت أورشليم سنة 70 ب م على يد تيطس الرومانيّ، ولكنّهم ما زالوا يعتبرون أنّ لهم هنا مدينة باقية، مع مذبح يساعد على التكفير عن الخطايا. كان كاتب الرسالة قاسيًا بالنسبة إلى هؤلاء: "يصلبون ابن الله ثانية لخزيهم، لخسارتهم" (عب 6: 6). هم أرض "مرفوضة، تهدّدها اللعنة وتكون عاقبتها الحريق" (آ 7).

أمّا المؤمنون الذين استناروا، أي تقبّلوا العماد بعد أن آمنوا، وذاقوا الهبة السماويّة حين شاركوا في عشاء الربّ، وشاركوا الروح القدس، فهؤلاء المؤمنون تنشّأوا في أسرار التدرّج الثلاثة، يتطلّعون إلى مدينة المستقبل، إلى أورشليم السماويّة فلا نفع بعدُ من المدينة الأرضيّة. لن يبقوا داخل المحلّة على مثال الشعب الأوّل، بل يخرجون. فالمسيح ما صُلب داخل أورشليم، بل خارجها وإلى هناك يذهب المؤمنون مع مرشديهم الذين "خاطبوهم بكلام الله".

3- الذبيحة الجديدة

ما عاد من مكان لذبيحة من العجول والتيوس. فالذبيحة الحقيقيّة كما يقول مز 51: 17: "إفتح شفتيّ إيّها الربّ، فيجود فمي بالتهليل لك". هكذا يعبّر المؤمن عن الروح المنكسرة والقلب المنسحق (آ 19). الذبيحة هي ذبيحة الحمد والشكر لله على عطاياه. وتقدمتُنا تكون بالمسيح الذي قدّم نفسه مرّة واحدة فنال لنا الخلاص الأبديّ.

وهناك ذبيحة من نوع آخر: تقديم التسابيح لله. قال بولس في أف 5: 19-20: "وتحدّثوا بكلام المزامير والتسابيح والأناشيد الروحيّة. رتِّلوا وسبِّحوا الربّ من أعماق قلوبكم. واحمدوا الله الآب حمدًا دائمًا عن كلّ شيء، باسم ربّنا يسوع المسيح".

الذبيحة الأخيرة هي عمل الخير. حين كان طوبيت في المنفى، بعيدًا عن الهيكل، ما كان باستطاعته أن يقدّم الذبائح كما يفعل القريبون من أورشليم، لهذا أطعم الجياع، قال لابنه: "أدعُ أيّ فقير تجده" (طو 2: 2). دفن الموتى، نهض عن الطعام وأتى بالجثّة (آ 4). وتتحدّث آ 14 عن "صدقاته وأعماله الصالحة". عمل الخير وما انتظر جزاء على الأرض. بل ناله العمى، وكان الشفاء مناسبة لمباركة الربّ.

بمثل هذه الأفكار نذكر مدبّرينا، ومنهم أفرام الخادم في الكنيسة ومرافق المهجّرين من نصيبين إلى الرُها، والمنشد لله أجمل الأناشيد. ونرفع التسابيح للربّ مع ذاك الذي دُعيَ كنّّارة الروح القدس.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM