عيد القدّيس أنطونيوس الكبير

عيد القدّيس أنطونيوس الكبير

الرسالة : أف 6: 10-18

الإنجيل : مر 10: 28-31

إلبسوا سلاح الله

يا إخوتي، وختامًا أقول تقوّوا في الربّ وفي قدرته العظيمة. تسلّحوا بسلاح الله الكامل لتقدروا أن تقاوموا مكايد إبليس. فنحن لا نحارب أعداءً من لحم ودم، بل أصحاب الرئاسة والسلطان والسيادة على هذا العالم، عالم الظلام والأرواح الشرّيرة في الأجواء السماويّة. لذلك احملوا سلاح الله الكامل لتقدروا أن تقاوموا في يوم الشرّ وأن تثبتوا بعدما تمّمتم كلّ شيء. فاثبتوا إذًا متمنطقين بالحقّ، لابسين درع الاستقامة، منتعلين بالحماسة في إعلان بشارة السلام. واحملوا الإيمان ترسًا في كلّ وقت، لأنّ به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرّير المشتعلة. والبسوا خوذة الخلاص وتقلّدوا سيف الروح الذي هو كلام الله. صلّوا كلّ وقت في الروح مبتهلين وتنبّهوا لذلك وواظبوا على الدعاء لجميع الإخوة القدّيسين.

حين كتب القدّيس أثناسيوس، بطريرك الإسكندريّة، حياة أنطونيوس، صوّرها لنا حربًا مع المعادين للإيمان. فترك مرّة صومعته وجاء إلى الإسكندريّة. أمّا الصورة، فنجد فيها عددًا من الحيوانات تذكّرنا بما في مز 22: ثيران باشان، الكلاب بأيديها، الأسود بأفواهها، البقر الوحشيّ بقرونه. كلّ هذه رموز. فالحيوان، في الكتاب المقدّس، يدلّ دومًا على الشرّ منذ تجربة قايين. الخطيئة رابضة (تك 4: 7) وقد صارت في 1 بط 5: 8: "أسدًا زائرًا يبحث عن فريسة له". وجاءت النصيحة من بطرس الرسول: "فاثبتوا في إيمانكم وقاوموه" (آ 9). من أجل هذه المقاومة نحتاج أن نعرف العدوّ، ونأخذ السلاح الذي يعطينا الغلبة.

1- أعداؤنا

أوّل هؤلاء الأعداء: المحتال. هو الخصم والمكّار والخدّاع. هو الشيطان الذي يحاول أن يعرقل حياتنا الصاعدة إلى الربّ. هو الخصم الذي اعتبره الأقدمون رافضًا ما أُعطيَ للإنسان من كرامة، فأراد الإيقاع به. وهو يعمل بالمكر والحيلة والخداع. نرى صورة عنه في تك 3: 1ي. فالحيّة تدلّ عليها بسمِّها المخفيّ. نحن لا ننتظر أن نراه في جسم منظور أمامنا، بل هو يعمل في الخفاء، من خلال الظروف، من خلال الأشخاص، وهو لا يريد أن يعرف به أحد. فإن كُشف اختفى. هذا ما حصل له في تجارب يسوع. قال له الربّ: "إبتعد عنّي، يا شيطان". لمّا عُرف على حقيقته، ترك يسوع (مت 4: 10-11). هو يقدّم لنا التجربة، ويجعلها جميلة في عيوننا، فنحسب أنّنا لا نقدر أن نستغني عنها. لهذا نقول في الأبانا: لا تسمح أن ندخل في تجربة، لكن نجّنا من الشرّير.

وفي يد الشيطان، الرؤساء، السلاطين، ولاة هذا العالم. دعاهم سفر الرؤيا: وحش البحر: يشبه النمر، له قوائم كقوائم الدبّ، وفم كفم الأسد (13: 2). هؤلاء اضطهدوا الكنيسة، بل أرادوا أن يمحوا اسم المسيح، وضايقوا المؤمنين ودفعوهم لكي يجحدوا إيمانهم. أمّا الذين لبسوا سلاح الله، فقاوموا وثبتوا ونالوا إكليل الظفر.

2- حرب قاسية

نتذكّر الصعوبات التي عاشها أنطونيوس لكي يتغلّب على "حيواناته". وكذلك أوغسطينس. ويُروى عن مبارك مؤسّس البندكتان أنّه تمرَّغ في الشوك لكي لا يقع في التجربة. وصبرت تريزيا الأفيليّة وصمدت ست عشرة سنة. وطرحت سؤالها على يسوع: أين كنت؟ فأجابها: كنت بقربك أحاربُ معك.

نبّهنا بولس هنا أنّ حربنا لن تكون سهلة. ليست فقط ضدّ البشر بما فيهم من ضعف. هم من لحم ودم، وبالتالي ليس من خطر كبير يأتي منهم، وإن وجب علينا الحذر. قوّة "هذه الأرواح الشرّيرة" أقوى من البشر. فإذا أردنا أن نحاربها بسلاح بشريّ، سوف نُقهَر لا محالة. فنحن نحتاج إلى قوّة من السماء. هذا ما اختبره إيليّا في حربه من أجل الدفاع عن قضايا الله الحيّ في وجه البعل: "نبذوا عهدك، هدموا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف. وبقيتُ وحدي" (1 مل 19: 14). لو كان إيليّا وحده لما كان وصل إلى هنا. وهو يحتاج إلى معونة الله الذي صنع السموات والأرض. أراد النبيّ أن يهرب فأعاده الربّ. خلقه من جديد وكلّفه بمهمّة فيها الكثير من الخطر: "إرجع في طريقك" (آ 5).

من أجل هذا قال لنا يسوع: إسهروا وصلّوا لئلاّ تقعوا في تجربة. الروح راغبة والجسد ضعيف (مر 14: 38). وبما أنّ الرسل لبثوا نيامًا، غلبتهم التجربة، فباعه من باعه، وأنكره من أنكره، والجميع هربوا وبعضهم عريانًا من الخوف (آ 50-51).

3- فانهضوا

الأسير يُرمى أرضًا، والمهزوم لا يستطيع أن يقوم من كبوته، بعد أن داسته قدم العدوّ. ولكنّ المؤمن غالب مع الذي غلب العالم (يو 16: 33). وهو سيأخذ السلاح الذي أخذه الله في العهد القديم: "لَبِسَ الحقّ درعًا، والخلاص خوذة على رأسه، وجعل الانتقام ثوبًا، والغيرة رداء له" (أش 59: 17). تلك هي أسلحة المؤمن: حزام شدّ به وسطه، نعلٌ في رجليه، درعٌ على صدره، ترسٌ في يده، خوذة على رأسه، وأخيرًا السيف. بمثل هذا السلاح يقوى "على إطفاء جميع سهام الخبيث الملتهبة".

تسلّح يسوع بكلام الله فغلب إبليس، والمؤمن يستند إلى إنجيل السلام. سقطت حوّاء حين صدّقت الحيّة وما صدّقت كلام الربّ. أمّا المسيحيّ فيجعل من الإيمان ترسه، ويبقى السهر أفضل سلاح. فنحن لسنا أبناء الظلمة، بل أبناء النور. ونحن لا ننام مثل سائر الناس، بل نسهر ونصحو، وتبقى عندنا المواظبة على الصلاة.

هذا ما فعله أنطونيوس، صلاة متواصلة، طوال اللّيل، فتطلع الشمس وتفاجئه. إيمان عميق. تكرار لكلام الله ولا سيّما المزامير. هكذا انتصر أبو الرهبان، هكذا انتصر القديس شربل مخلوف، وهكذا ينتصر كلّ واحد منّا بذاك الذي أحبّنا (روم 8: 37)، فمات وقام وهو يشفع لنا (آ 34).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM