الفصل الثاني عشر تيودوريه القوروشي يقرأ23:44-8:45

 

الفصل الثاني عشر

تيودوريه القوروشي

يقرأ23:44-8:45

 

القسم الرابع عشر

نشيد الفرح

44: 23 إفرحي يا سماوات، وابتهجي يا أرض، لأنَّ الله رحم بني إسرائيل. انفخوا بالبوق، يا أساسات الأرض. اهتفوا يا جبال ويا تلال ويا جميع الأشجار التي فيها، لأنَّ الربَّ ف

دى يعقوب فتمجَّد إسرائيل.

ها هو النصّ الكتابيّ أيضًا يستعمل الشخصنة. تصبح الطبيعة شخصًا حيٌّا: كما أنَّه دعا السماوات والأرض لتكون شاهدة، حين اتَّهم إسرائيل، كذلك حين يعلن الخير، يدعو الخليقة أيضًا لكي تشارك في الفرح. هذا لا يعني أنَّ لهذه العناصر نفسًا، ولكن حين نكون في الحزن، تبدو هي معتَّمة. وحين نكون في الفرح، تبدو لنا مشرقة بشكل طبيعيّ: هي لا تتغيَّر. ولكن هي تبدو لنا في هذا الشكل.

ولكن إذا أردنا بلفظ »السماوات« أن نفهم القوى السماويّة، وبـ»أسس الأرض«، الأنبياء والقدّيسين، لأنّنا نظنُّ أنَّهم يُسندونها، لا نكون بعيدين عن الحقيقة. فالربّ قال: »هناك فرحٌ بين الملائكة من أجل خاطئ واحد يتوب« (لو 15: 10). وهكذا نفهم أيضًا الجبال والتلال والغابات التي فيها: فلحها بنو إسرائيل بعد عودتهم، فأزهرت وكانت ينبوع فرح للجبال.

 

عظمة الله

44: 24 هذا ما قال الربّ الذي افتداك وكوَّنك في حشا أمِّك.

قدَّم النصّ في الوقت عينه، ثلاثة تعاليم: هو الخالق. هو السيِّد. هو الحامي. فلفظ »الربّ« يدلّ على السلطان. وفكرة »الفداء« على الحماية، و»التكوين« على الخلق. »أنا هو الربّ الذي صنع كلَّ هذا«. أنا الذي أرسلت إليك الأحزان وأنا من يمنحك الفرح.

ثمَّ بيَّن، انطلاقًا من الأحداث التي حصلت في الماضي، ما يستطيع أن يفعل، »أنا وحدي نشرتُ السماوات وثبَّتُّ الأرض«. وهذا أيضًا يكفي كلَّ الكفاية للردّ على جنون أريوس وأونوميوس: من هو ذاك الذي خلق وحده كلَّ هذه العناصر؟ هل هو الآب؟ إذًا، الابن ليس بخالق. هل هو الابن؟ إذًا، ليس الآب بخالق. أمّا إذا كان الخالق هما الآب والابن، فكيف نفهم لفظ »وحده«؟ لا شكّ، نفهمه عن اللاهوت الواحد في الثالوث. غير أنّنا بيَّنا ذلك بشكل كافٍ، في مقاطع أخرى. إذًا، لا نخرج من تفسيرنا.

44: 25 »من غيري يدمِّر؟«. يقول: حين أريد أن أتمَّ شيئًا من يقف في وجهي؟ من يتجرَّأ وينتصب أمامي؟ »أدمِّر علامات الثرثارين والأقوال الآتية من القلب« (= قلب الإنسان، لا من عند الله). ما من أحد يقدر أن يُدمِّر أعمالي، ساعة أستطيع أن أضع حدٌّا للضلال. وذلك »حين أعيد العقلاء إلى الوراء وأضرب بالجنون مقصدهم«. لن أكتفي بأن أبيِّن أنَّ الذين يكشفون المستقبل، هم كذّابون، بل أشجب أيضًا جنون الذين تجعلهم حكمتُهم يتكبَّرون. وهذا أيضًا ما قاله الرسول الإلهيّ: »أما جعل الله حكمة هذا العالم جهالة؟« (1كور 1: 20).

24: 26 وذلك »حين ثبَّت أقوال عبده«. ودعا النبيَّ شخصيٌّا باسم »عبد« (خادم)، لأنَّه في خدمة هذه الأقوال التي سيتلفَّظ بها الله، »وحين يحقِّق مقصد مرسليه«. لا مقصد هذا المرسَل فقط، كما قال، بل مقصد جميع الذين يَنقلون كلمة الله. وقدَّم هذا الإعلان، مع خلفيّة خاصّة، ليُعطي قوّة لما سوف يُقال: تنبَّأ، في ما يلي من المقطع، عن ملك كورش، الذي كان أوَّل من ملك لدى الفرس. وعن عودة الشعب، وعن إعادة بناء أورشليم والدمار التامّ لبابل. لهذا، استبق فقال: »حين يُثبِّت قول عبده«.

 

اختيار الله لكورش

»أنا قلتُ لأورشليم: تُسكَنين. ولمدن يهوذا: تُبنَين. وأنا أقيم الخرائب«. بيَّن النصّ قدرة الخالق، قال: يكفي أن أتكلَّم فيتحقَّق ما قرَّرتُه. فبالكلمة أيضًا جعلتُ الخليقة تظهر.

24: 27 أنا قلتُ للغمر: تكون ناشفًا. وأجفِّف الأنهار«. سمّى »الغمرَ« بابل، »والأنهار« جمهور سكّانها: فكأنّنا نتكلَّم عن أنهار تتقبَّلها، فتجاري بذلك أمواج البحر.

24: 28 »أنا قلتُ لكورش بأن يكون فطنًا يُتمُّ كلَّ ما أشاء«. قال: »أنا أعدّ كورش لكي يكون حكيمًا ويُرضي مشيئتي. وإذ أراد أن يبيِّن ما هي مشيئته، أضاف: »أنا قلتُ لأورشليم: ستُبنَين. وأقيم أساسات مقامي المقدَّس«.

45: 1 »هذا ما قال الربّ الإله لكورش مسيحي«؛ فالكتاب الإلهيّ يدعو باسم ''السماء''، لا أولئك الذين يكرَّسون بالمسحة فقط، بل أيضًا أولئك الذين فرزهم إله الكون من أجل وظيفة محدَّدة. وهكذا، حين أشار إلى الآباء الذين عاشوا في زمن سابق للشريعة، قال: »لا تمسُّوا مسحائيّ« (مز 105: 15). وهنا، في أيِّ حال، سمّى كورش مسيحًا لكي يعلِّمنا أنَّه هو الذي اختاره ملكًا، لكي يدمِّر مملكة البابلونيّين. ويضع حدٌّا لسبي اليهود، ويعيد بناء هيكل الله. »هو الذي أمسكتُ بيمينه، فتخضع له الأمم، وأحطِّم قوّة الملوك، وأفتحُ أمامه الأبواب، فلا تبقى المدن مقفلة''.

45: 2 أنا أمشي أمامه، فأمهِّد الجبال، وأحطِّم أبواب النحاس، وأكسر مغاليق الحديد. بما سبق وقيل، علَّمنا أنَّه أقام كورش ملكًا، وأعطاه الوزن الضروريّ لكي ينجح في قيادة مملكته، وسهَّل له العبور في المعابر التي تبدو صعبة. ذاك هو معنى العبارة: »أمهِّد الجبال، وأحطِّم أبواب النحاس«.

45: 3 أعطيك الكنوز المخبَّأة: »في الظلمات. أفتح أمامك الكنوز الخفيّة، اللامنظورة«. أي كنوز البابلونيّين، الكنوز التي جمعها وأخفاها نبوخذ نصَّر وسائر الملوك. »لكي تعرف أنّي أنا الربّ الإله الذي دعاك باسمك«. فمن البدء، وقبل أجيال وأجيال، أنا أعطيتك الاسم الذي تحمل الآن. وأضاف: ليعرِّفنا بهويَّة ذاك الذي يتمِّم هذه الأعمال: »إله إسرائيل«. بما أنَّ الناس الضالّين ظنّوا أنَّ هناك آلهة عديدة، استعان بالذين يعبدونها لكي يكشف عن نفسه. ثمّ بيَّن علّة اهتماماته العديدة:

45: 4 »من أجل يعقوب عبدي، وإسرائيل مختاري، دعوتُك باسمك ورضيتُ عنك«. قال: »اسمي جُعل عليك«، والاسم الذي أتَّخذه حين أخذ الطبيعة البشريّة (يسوع يتكلَّم) أعطيتك إيّاه قبل أيِّ شخص آخر. إذًا، يعلِّمنا النصُّ النبويّ، بوضوح، أنَّ بكلمة الله، الإبن الوحيد، هو الذي قال هذه الأقوال، لأنَّه هو من دُعيَ بشكل عام، الممسوح، المسيح. »أمّا أنت ما عرفتني«.

45: 5 »ما عرفتَ أنّي أنا الربّ الإله، وخارجًا عنّي لا إله. قوَّيتُك وأنت ما عرفتني«. كان كورش أيضًا عبدًا لضلال الأوثان: فمع أنَّه نال المُلك من ربِّ الكون، وحصل على عونٍ كبير، ما عرف من أعطاه تلك الخيرات. ومع ذلك، اعتبره الله أهلاً، بالرُغم من ضلاله، لجميع هذه الحسنات، وعيَّنه أداة لعقاب البابلونيّين، ولتحرير إسرائيل. إلاّ أنّي وجدتُ بعض النسخات (تيودوريتس يتكلَّم) التي نقرأ فيها النصّ التالي: »وأنت، يا إسرائيل، ما عرفتني«. غير أنّي لم أعثر على لفظ »إسرائيل« في النصّ العبريّ، ولا عند المفسِّرين، لا في السبعينيّة ولا في الهكسبلة؛ فبالحقيقة هو لا يتَّهم إسرائيل بأنَّه لا يعرفه، بل كورش.

 

تحرير اليهود وعظمة الله

ثمَّ أشار إلى علّة تحرير اليهود:

45: 6 »لكي يعرف أبناء المشرق وأبناء المغرب، أنَّ لا إله خارجًا عنّي«. فالناس الذين سمعوا بهذا الخلاص اللامتوقَّع والخارق، وبخلاص اليهود وسط الكرامات، وببناء أورشليم، وبالقوانين التي سنَّها كورش في هذا المجال، عرفوا أنَّ إله اليهود هو وحده الله، بالحقيقة. »أنا الربّ الإله«، ولا إضافة. فهو وحده السيِّد السامي.

45: 7 »أنا من صنع النور، ورتَّب الظلام«. سمّى هنا »النور« الأحداث السعيدة، مثل نهاية العبوديّة، والتحرير والعودة. و»الظلمة«، الأحداث الحزينة، مثل حصار أورشليم، الاستعباد، العبوديّة. قال: أنا صانع هاتين السلسلتين من الأحداث، هذه وتلك: أنا استعملتُ نبوخذ نصَّر لفرْض العقاب، واخترت كورش كأداة تحرير. وكما أنّي أنا خالق النور والظلمة، فأبدعتُ كلاٌّ منهما لفائدة البشر، فرضتُ العبوديّة على إسرائيل لفائدته، ومنحته الحرّيّة بالنظر إلى طيبتي. »أنا من صنع السلام، وخلق الشرور. أنا الربّ الإله الذي صنع كلَّ ذلك«. علَّم بوضوح حول ما دلَّ عليه باسم النور والظلمة: دعا السلام »نورًا«. والأحداث التي تُعتبر شرورًا، »ظلامًا«. دعاها شرورًا، لا لأنّها شرّ في طبعها، بل لأنَّ البشر يعتبرونها كذلك. فقد اعتدْنا أن نقول: »اليومُ الحاضر كان لي يومًا شرّيرًا«. لا لأنَّ ذاك اليوم بدَّل طبعه، بل لأن حصلت في هذا اليوم أحداث أحزنتني. وإذ أراد أن يبيِّن حقيقة ما قيل، دعا الخليقة أيضًا لكي تشارك في الفرح.

45: 8 »لتفرح السماوات في الأعالي«. فالقوّات السماويّة تنضمّ إلى البشر لتفرحَ بخلاصهم. »ولتقطر الغيومُ البرّ«. قال عن تهديدات سابقة: »آمر الغيوم بأن لا تمطر« (أش 5: 6)، وبيَّنّا  في تفسيرنا أنَّه يعني الأنبياء. إذًا هنا، يدعونا النصُّ لأن نقدِّم الخطبة التي تتحدَّث عن البرّ، بشكل مطر. والأنبياء الذين رآهم اليهود: في العودة من الجلاء، هم حجّاي، زكريّا، ملاخي. »تُفرخ الأرضُ الرحمة، وفي الوقت عينه تُفرخ البرّ«. يليق بالبشر الذين ينعمون بمثل هذا الريّ، أن يقدِّموا ثمارًا توافق هذا الريّ. لهذا، طلب منهم ثمار البرّ والرحمة. فدعا "أرضًا"، البشر الذين يسكنون الأرض.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM